قرار التسليح وسؤال البيضة والدجاجة عمر قدور
“يحبني.. لا يحبني”؛ هكذا توزع العاشقة الرومانسية الاحتمالات وهي تنتزع بتلات الوردة لتعرف الجواب مع آخر ورقة منهن. حال بعض السوريين لا يختلف عن تلك العاشقة إزاء سياسة الغرب عموماً، وإزاء قراره بتسليح المعارضة أو عدم تسليحها خصوصاً. الغرب أيضاً يُظهر ارتباكاً شبيهاً فيوزع قادته تصريحاتهم على نحو “يحبني.. لا يحبني”، فتارة تتصاعد اللهجة وتجزم بعدم السماح لنظام الأسد بالبقاء، وتارة أخرى تنخفض اللهجة أو ينصرف الاهتمام كلياً إلى التوجس من البديل عن استمرار الأسد، ما يشي بقبول للاحتمال الأخير.
هذا الوضع لم يتغير بعد مضي شهرين مما بدا حينذاك عزماً غربياً على تقديم أسلحة نوعية للجيش الحر، وتبين أن ذريعة الحظر الذي يفرضه الاتحاد الأوربي على توريد السلاح إلى سوريا لن تكون الأخيرة بين الذرائع المحتملة، فقد بات في جعبة الغرب العديد من المؤشرات التي تبقيه أسير تردده، وفي الطليعة منها تلك الخشية القديمة المتجددة من وقوع الأسلحة في أيدي الجماعات المتطرفة. هذه الخشية من الواضح أن موضع اتفاق وترحاب في العديد من الدول، الأمر الذي يفسر عرقلة المساعدات العسكرية المزمع إرسالها من قبل نواب وشيوخ ديمقراطيين وجمهوريين معاً في مجلسي الكونغرس الأمريكي، واتفاق غالبية أعضاء مجلس العموم البريطاني على قانون يمنع الحكومة من التصرف في موضوع التسليح دون الرجوع إليهم.
مع ذلك ليست البيروقراطية الغربية هي ما سيعيق إمدادات السلاح، فهي محض نتيجة لسوء فهم غربي سابق على الثورات العربية، ولا دلائل مستجدة على تغييره الآن، إن لم نقل بأن التوجه الغربي في الشهرين الأخيرين عاد ليستلهم روحية “الحرب على الإرهاب”، وليتراجع عن مواكبة التغيرات الجوهرية في المنطقة بشكل إيجابي. ولعل ما رشح عن دوائر صنع القرار يوضح رؤيته، فالغرب يرى أن نفوذ الجماعات المتطرفة في سوريا بات هو الأقوى على حساب الجيش الحر، وبالتالي فإن خطر وقوع الأسلحة المقدمة للحر كبير جداً، وعلى ذلك لا تسليح للمعارضة المعتدلة.
الاستنتاج السابق يقود تلقائياً إلى مزيد من إضعاف الجيش الحر أمام الجماعات المتطرفة وأمام النظام، وهذا ما لا يجيب عنه الغرب لأنه يقتضي التساؤل عن أثر تلكؤه في مساعدة المعارضة على انتعاش التطرف؛ هنا يصبح النقاش أشبه بالجدال حول من كانت أولاً الدجاجة أم البيضة؟ الغرب كان معنياً دائماً، وبالدرجة الأولى، بالشق الأمني والجيوسياسي في التعامل مع المتطرفين، ولم تُبذل محاولات جدية لمدّ الجسور مع البيئة الشعبية الحاضنة لهم. حتى مع الثورات العربية، التي شكلت فرصة حقيقية للتقدم نحو الديمقراطية ونبذ التطرف والعنف، لم يتقدم الغرب بمشروع متكامل يعكس رؤية جديدة لمصالحه المشتركة مع المنطقة، ويعكس أيضاً الثقل السياسي والاقتصادي للغرب نفسه.
لقد دأب الغرب طوال عقود ما بعد الاستعمار على التنصل من مسؤولياته الأساسية، بعدّه الطرف الأقوى والأكثر قدرة على التأثير، وفضّل دائماً التعاطي مع الديكتاتوريات القائمة بحجة البديل الأصولي، ما أكسبه بالإضافة إلى انحيازه إلى إسرائيل نقمةَ المتطرفين والمعتدلين العرب. وإذا كان ضرورياً دائماً أن يتفهم أبناء المنطقة هواجس الغرب ومخاوفه فقد كان ضرورياً في الوقت ذاته أن يسعى الغرب إلى تبديد حصته من “سوء الفهم والتفاهم”، ففي سوريا مثلاً كان بوسع الغرب قبل سنتين أن يتقدم لإقامة صداقة راسخة مع السوريين لو وقف بحزم ضد الديكتاتورية، لكن ما حدث من تخاذل كان له وقع أشبه بوقع الخديعة تحت عباءة “أصدقاء الشعب السوري”، حتى وصل الأمر بالكثير من السوريين إلى الاعتقاد بأن الروس والإيرانيين يقومون بالعمل الذي يخجل الغرب من القيام به.
بالطبع لا يجوز أن نردّ هذا الأداء السياسي إلى سوء الفهم، فمراكز الدراسات الإستراتيجية الغربية تحفل بدراسات مستفيضة عن الشأن السوري منذ بداية الثورة، وهي لم تكن بعيدة عن مراكز صنع القرار. وإذا ما غادرنا هذه الحلقة الضيقة سنرى أيضاً الوعي الناضج الذي لا ينعكس على الأداء السياسي؛ في فيلم “حرب تشارلي ويلسون” على سبيل المثال يكشف عضو الكونغرس، الذي يؤدي شخصيته توم هانكس، عن تردد الإدارة الأمريكية حيال التدخل في أفغانستان أيام الغزو السوفيتي، ومن ثم التدخل الخجول عبر السي آي إي، إلى أن دخلت الحرب بقوة كما هو معلوم. ما يكشف عنه الفيلم في المقابل أن المسؤولين الذين وافقوا أخيراً على إمدادات الأسلحة لم يوافقوا فيما بعد على أي نوع من المساعدات للتنمية في أفغانستان، وربما تكون غالبيتهم من أقرت فيما بعد تكاليف أعظم بكثير من أجل الحرب على الإرهاب فيها.
عندما يصل الأمر إلى هوليوود فمن المرجح أن يكون الدرس قد صار معمماً، إلا إن كانت الفائدة منه تقتصر على عدم السماح لسيناتور من قبيل جون ماكين بأن يفعل ما فعله تشارلي ويلسون في الفيلم، ويتحصل على دعم ملحوظ للسوريين.
الثلاثاء 23/07/2013, المدن