من الرئيس الى البلد..المعنى واحد ـ راتب شعبو
لم تبق البيئة الموالية للنظام على حالها خلال ما يقارب عامين ونصف العام من عمر انتفاضة السوريين التي حولها النظام بتصميم إلى جرح سوري. تغيرات مهمة طرأت أيضاً في البنية العسكرية والفكرية للمعارضة المسلحة في سياق الصراع المحتدم مع النظام. والتغيرات تستدعي التغيرات في المشهد السوري بعناصره المترابطة والمتبادلة التأثير.
في المرحلة التي يمكن اعتبارها المرحلة السلمية من الثورة السورية، تحرك الوعي السياسي في البيئة الموالية على محورين رئيسيين: الأول هو التحفظ على إسلامية الحراك والاحتفاظ بمسافة عازلة عن مظاهر الانتفاضة السورية ومحاولة تعزيز الغربة عن هذه الانتفاضة وكبح الميل إلى التماهي معها، على اعتبار أن المظاهرات تخرج من الجوامع، وأن صيحات (الله أكبر) تعلو في المظاهرات، وأن الصفحة الرئيسية للثورة السورية على الفيسبوك (الثورة السورية ضد بشار الأسد) تخضع لإشراف وإدارة إخونجية، وأن أسماء أيام الجمع تحمل بصمات إسلامية صريحة ..الخ. والمحور الثاني هو أن “سيادة الرئيس” هو المعارض الأول وأنه الأمل في تخليص النظام من الفساد والمفسدين الذين أوصلوا الشارع للاحتجاج، وأنه سوف يباشر تنظيف النظام وإصلاحه ما أن يستتب الأمن وتتاح له الفرصة. “أنا ضد النظام، ولكني مع سيادة الرئيس”، “الرئيس هو ضمانة وحدة سوريا وهو الأمل بالإصلاح”، “الاستمرار في المظاهرات حتى لو كانت سلمية هو خيانة لأنه يعيق مسعى الرئيس في إصلاح النظام (وقد تسمع من كان يقول: في إسقاط النظام)”، عبارات كثيراً ما كنت تسمعها في البيئة الموالية. المحوران متكاملان إذن في رمي الاحتجاجات “بالتخلف الإسلامي” من جهة، وتنزيه الرئيس عن النظام بفساده وبطشه، وتحويل الرئيس بالتالي إلى قطب جامع للبيئة الموالية. يمكن ترجمة هذا المنطق الموالي كما يلي: أحسنَ المحتجون في لفت النظر إلى فساد النظام، والآن عليهم أن يتركوا الساحات كي يتاح للرئيس “المعارض” أن يصلح النظام. هكذا كانت اللوحة في الوعي الموالي إذن: النظام فاسد ولكن الرئيس نزيه. والمطالب محقة ولكن الطريقة “الإسلامية” خاطئة.
غير أن مياه كثيرة مرت تحت الجسر، خفت صوت المظاهرات وعلا صوت السلاح، ثم دخلت على خط الثورة تنظيمات تقاتل النظام ولكنها ضد الثورة بما لا يقل عن النظام، ثم سال الكثير من الدم السوري على ضفتي الصراع، وتشتت السوريون جراء صراع بات يبدو لهم عبثياً ومسدود الآفاق، وساءت معيشة المواطنين الذين راحوا يتساقطون تحت خط الفقر بغزارة لا تضاهيها غزارة، كما كشف “المركز السوري لبحوث السياسات” في تقريره عن الربع الأول من العام الحالي للأحداث في سورية، حيث أن أكثر من نصف سكان سورية أصبحوا فقراء، وأن 6.7 مليون مواطن سوري دخلوا تحت خط الفقر، إلى حدود تجاوزت أزمة النصف الثاني من الثمانينات التي نجمت حينها عن مقاطعة الاتحاد الأوروبي للنظام السوري واضطرت السوريين إلى خلط قمحهم بالشعير لكي يؤمنوا خبز يومهم. وقد بدأت تنعكس هذه التغيرات في مسار الأحداث على الوعي الموالي بالترحم على الأسد الأب الذي “كان يمكنه بحنكته أن ينقذ سورية من هذا المصير”. المحصلة اليوم هي أن الرئيس خسر جزءاً مهماً من قيمته الجامعة بين الموالين الذين صاروا يكررون القول إنهم لا يدافعون عن أشخاص (اقرأ الرئيس) بل عن البلد، هذه الكلمة التي راجت في الفترة الأخيرة كبديل عن كلمة الوطن، بعد أن استهلكت هذه الأخيرة في اللغة السياسية الموالية التي ماهت بين النظام وبين الوطن في اعتداء ليس على الفكر السياسي فقط بل وعلى اللغة نفسها.
هناك تحولات في التفكير الموالي في سوريا، لكنها تحولات لا تهدف لمواكبة المتغيرات بل لاحتوائها. ذلك لأن المواكبة تحيل إلى التطور أما الاحتواء فيحيل إلى الثبات. والثابت في الفكر الموالي هو بقاء البنية العميقة للنظام التي تعلو فوق كل القيم والأشخاص والمفردات، وتحيلها جميعاً إلى مجرد وسائل في صراعها لمقاومة التغيير الذي يسعى إليه السوريون.
الاربعاء 24/07/2013, المدن