من السلمية إلى السلاح.. هل كان بالإمكان أفضل مما كان؟ ـ سامي حسن
لقد أثبت الواقع أن أجندات القوى الدولية التي تدعي دعمها للثورة، تتنافى مع أجندات الشعب السوري، وبات واضحاً أن مصلحة الكثير من الدول الإقليمية والدولية، تكمن في إطالة أمد الصراع.
ينظر أنصار خيار عسكرة الثورة السورية إلى انتصارات الجيش الحر، وخروج العديد من المدن والقرى من سيطرة النظام، على أنها تأكيد على صواب خيارهم. مقابل ذلك، يرى، الرافضون لهذا الخيار، أن سقوط مئات آلاف الضحايا، وتهجير الملايين، وتدمير البيوت والقرى والمدن، إنما يدل على صوابية انحيازهم لسلمية الثورة، ورفضهم لعسكرتها، فأين تكمن الحقيقة؟ وهل كان بالإمكان أفضل مما كان؟
منذ بداية الثورة، بدا واضحاً أن السوريين قد حسموا خيارهم بالانحياز للنموذج السلمي الذي عبرت عنه الثورات التونسية والمصرية واليمنية، وليس لنموذج الثورة الليبية المسلحة، التي أطاحت، بمعونة حلف الناتو، بنظام العقيد معمر القذافي.
وكان النظام، رغم كل ما مارسه من قتل واعتقال وإهانات بحق الشعب السوري الثائر، قد فشل لأشهر عديدة في جر الثورة نحو التسلح. لكن تصاعد التظاهرات السلمية واتساعها وعجزه عن إيقافها دفعه إلى رفع منسوب القتل وتوسيع دائرة الاعتقالات، وإنزال الدبابات إلى الشوارع، كما حصل في دوما وداريا وحماة وغيرها من المناطق. وقد أدت هذه النقلة النوعية في أساليب قمع النظام، إلى إحداث تراجع في حجم التظاهرات وقوتها، وربما، نقول ربما، كان سيحالفه النجاح في إخماد الثورة السلمية، لولا دخول المكون العسكري على خط الثورة. لم يكن في نية هذا المكون، تغيير طبيعة الثورة السلمية، وإنما الدفاع عن المدنيين العزل، وحماية التظاهرات من بطش النظام، وتمكين الثورة من الاستمرار والتصاعد، وهذا ما حصل بالفعل. بل إن نجاح هذا التكتيك، دفع العديد من المناطق، التي لم تكن قد تحركت بعد، لاتباعه، والانخراط في الثورة.
أغلب الظن، أن النظام، كان متوجساً، من تكرار سيناريو، ثورة الميادين المصرية والتونسية واليمنية، في سوريا. صحيح أن الجيش، لم يقف مع الثورة، ولم يحم المتظاهرين، لكن هناك، من قام بهذا الدور، بهذا القدر أو ذاك، ونعني، عناصر الجيش المنشقة، وبعض من حمل السلاح من المدنيين.
خلاصة القول، لم يكن النظام، ليقف متفرجاً، على تنامي الثورة وتضخم أعداد المتظاهرين، فزاد من وتيرة القتل وارتكاب المجازر واستخدام السلاح. بالتوازي مع ذلك، وشيئاً فشيئاً، ومع تزايد الانشقاقات العسكرية وتوفر السلاح، سواء بشرائه من الخارج، أو نتيجة الاستيلاء عليه من مخازن الجيش النظامي في الداخل، تنامت قوة المكون العسكري، وحصل تحول نوعي في الصراع بين الشعب والنظام، تمثل بالانتقال نحو الثورة المسلحة. وكما توقع كثيرون، لم يتردد النظام في استخدام كل ما في جعبته من أسلحة، كالمدافع والدبابات والطائرات والصواريخ. وكانت محصلة هذا، ارتفاع أعداد الشهداء، وتدمير البيوت والقرى والمدن.
لقد أثبت الواقع وتطور الأحداث، بما لا يقبل الشك أن أجندات القوى الدولية التي تدعي دعمها للثورة، تتنافى مع أجندات الشعب السوري، وبات واضحاً، أن مصلحة الكثير من الدول الإقليمية والدولية، تكمن في إطالة أمد الصراع، والحيلولة دون حسمه سريعاً، وبالتالي إطالة عمر النظام.
هنا لا بد من الإشارة لما تعرضت له الثورة من أضرار بفعل مواقف المعارضة السورية وسياساتها، وتحليلها الخاطئ للواقع السوري، وقراءتها المغلوطة لمواقف القوى الإقليمية الدولية، وسوء أدائها، وانتهازية العديد من أطرافها وعلى رأسهم الإخوان المسلمين.
حيث انحازت معظم قوى المعارضة لأجنداتها الخاصة، رغم تعارضها مع مصلحة الثورة وانشغلت بصراعات فيما بينها، على السلطة التي لم تأت بعد. وانعكس كل ذلك، على المكون العسكري للثورة، الذي فشل حتى الآن، في توحيد صفوفه، وتشكيل قيادة له، الأمر الذي أدى إلى غياب استراتيجية عسكرية موحدة، وارتكاب أخطاء تكتيكية، كان بالإمكان وفق تصريحات قيادات مشهودة لها في الجيش الحر تفاديها وتجنب آثارها السلبية. كون النظام المجرم، هو المسؤول الأول عن قتل السوريين وتدمير بلدهم لا يعني عدم تحميل المعارضة، بمكونيها السياسي والعسكري، مسؤولية الفشل في تخفيف حجم تضحيات السوريين.
فحسب قاعدة بيانات شهداء الثورة السورية المنشورة على الانترنت، بلغ إجمالي شهداء الثورة السورية 70108 حتى تاريخ 7 يونيو 2013. منهم 3060 شهيداً سقطوا خلال الأشهر الستة الأولى من عمر الثورة، أي في طورها السلمي. ومع نهاية العام الأول للثورة ارتفع عدد الشهداء إلى 9760 شهيداً.
منذ بداية العام الثاني للثورة وحتى تاريخ 30 مايو 2013، وهي الفترة التي أصبحت فيها المقاومة المسلحة، الشكل الرئيسي للصراع مع النظام، وصل عدد الشهداء إلى 60348 أي حوالي 86 بالمئة من مجموع شهداء الثورة السورية. لعل هذا ما دفع البعض للتساؤل: لو لم تتعسكر الثورة ألم يكن بالإمكان تجنب هذا الكم من الضحايا والدمار؟ ربما لكن استباحة النظام ببشاعته المعهودة للشعب الذي ثار ضده، ودخول سوريا من جديد في حالة سبات، لا يعلم أحد كم تطول ربما كان هو الثمن.
العرب [نُشر في 24/07/2013، العدد: 9275، ص(8)]