ساعة اتخاذ أوروبا قراراً حاسماً بشأن «حزب الله» ـ ماثيو ليفيت
بعد أشهر من المداولات التي غالباً ما كانت عاصفة، عقد كبار المسؤولين الأوروبيين اجتماعاً وزارياً في بروكسل في الثاني والعشرين من تموز/يوليو أعلنوا خلاله إدراج الجناح العسكري لـ «حزب الله» على قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية المحظورة. ويأتي هذا القرار في أعقاب انعقاد حلقتين نقاشيتين على مستوى السفراء على مدار الأسبوعين الماضيين وبعد عقد اجتماعين سابقين لمجموعة العمل الفنية الخاصة بـ “الموقف الأوروبي المشترك لمكافحة الإرهاب 931” والتي يطلق عليها اسم “(سي پي 931)”، وهي الأساس القانوني الذي يستند إليه الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بإدراج المنظمات الإرهابية على لائحة الإرهاب الأوروبية. وتُعطى أهمية خاصة لهذا الحظر لأن «حزب الله» كان قد استأنف عملياته الإرهابية في أوروبا بعد قيامه بتقديم الدعم المالي واللوجستي هناك لفترة دامت سنوات. وإذا كان التاريخ أي دليل، فيكاد يكون من المؤكد بأن عدم الرد بطريقة ذات معنى كانت ستسفر عن قيام «حزب الله» بالمزيد من الهجمات.
سير عملية اتخاذ القرار
بمجرد قيام بريطانيا بتقديم اقتراح رسمي لفرض الحظر على تلك المنظمة من قبل الدول الأوروبية، اجتمعت لجنة “سي پي 931” للتشاور حول ما إذا كانت تتوافر الشروط اللازمة في الجناح العسكري لـ «حزب الله» لإدراجه على اللائحة، وتوصلت إلى أن تلك الشروط تتوافر فيه بالفعل. واللجنة هي تكنوقراطية في طبيعتها وتقتصر على القضية المحددة المتعلقة بالأنشطة الإرهابية، وليس على اعتبارات سياسة خارجية – ويحدد تفويضها بشكل واضح جداً أنواع الأنشطة التي تعتبر عمليات إرهابية وأي أنواع من المعلومات يمكن اعتبارها كأدلة.
وتنص المادة 1(3) من النظام الأساسي لمجموعة “سي پي 931” على أن “الأعمال الإرهابية” هي “الأعمال المتعمدة التي قد ينجم عنها – بحكم طبيعتها أو سياق حدوثها – وقوع أضرار بالغة بدولة أو منظمة دولية والتي تُعرّف على أنها جريمة يعاقب عليها القانون المحلي”. ويدرج النص بعد ذلك أمثلة تشمل “هجمات على حياة شخص قد تسبب الوفاة”، و “تصنيع أو حيازة أو اقتناء أو نقل أو تزويد أو استخدام” الأسلحة أو المتفجرات، و “المشاركة في أعمال جماعة إرهابية”، بما في ذلك من خلال تقديم المعلومات أو الموارد المادية، أو عن طريق تمويل أنشطتها بأي شكل من الأشكال، مع معرفة أن هذه المشاركة ستسهم في الأنشطة الإجرامية للجماعة”. ولكي تقع هذه الأعمال ضمن تعريف الأعمال الإرهابية، “يجب أن يكون الهدف منها ترويع السكان على نحو خطير، أو إقناع حكومة أو منظمة دولية على نحو غير ملائم على القيام بأي عمل أو الامتناع عن القيام به، أو زعزعة أو تدمير استقرار الهياكل السياسية أو الدستورية أو الاقتصادية أو الاجتماعية الأساسية لبلد أو منظمة دولية، بصورة خطيرة”.
كما أن النص محدَّد جداً في توضيح ما يمكن اعتباره كدليل: “تسري تدابير السياسة الخارجية والأمنية المشتركة 2001/931/CFSP على الأفراد والجماعات والكيانات المتورطين في أعمال إرهابية وذلك عند اتخاذ قرار من قبل سلطة مختصة بحق الفرد أو الجماعة أو الكيان المتورط. وقد يتعلق هذا القرار بتحريك عملية التحقيقات أو ملاحقة قضائية لعمل إرهابي، أو محاولة تنفيذ أو تسهيل تنفيذ العمل الإرهابي اعتماداً على أدلة موثوقة وجدية، أو الإدانة بارتكاب هذه الأعمال الإرهابية. والمقصود بالسلطة المختصة هنا السلطة القضائية أو سلطة أخرى مختصة موازية حيثما لا تمتلك السلطات القضائية أي اختصاص في المنطقة.”
إن النتائج التي طال انتظارها فيما يتعلق بالتحقيق البلغاري في تفجير الحافلة في بورغاس في تموز/يوليو 2012، والتي نُشرت جزئياً في أوائل شباط/فبراير، تعد مثالاً واضحاً يفي بمعايير التحقيق الذي تجريه “سلطة مختصة”، الأمر الذي أثار مناقشات أوروبية عاصفة بشأن فرض حظر على عمليات «حزب الله». وقد توصل التحقيق إلى أن الجناح العسكري للجماعة كان وراء الهجوم الذي أدى إلى وقوع ستة قتلى ووُصف بأنه مؤامرة معقدة بقيادة خلية شملت مواطنين كنديين واستراليين.
ولقد اشتكى بعض المسؤولين في الاتحاد الأوروبي إلى وسائل الإعلام بأن الأدلة الخاصة ببورغاس ليست حاسمة، لكن القرار لم يكن نتيجة حالة واحدة فقط. وتوجد أدلة كثيرة أخرى عن الأعمال الإرهابية الأخيرة لـ «حزب الله». ففي أواخر آذار/مارس، على سبيل المثال، أدانت محكمة قبرصية المواطن اللبناني السويدي حسام طالب يعقوب – الذي كان قد اعتقل قبل أيام فقط من تفجير بورغاس – بتهمة التخطيط للقيام بهجمات ضد سياح اسرائيليين. وقد مثلت هاتين الحالتين وحدهما حجة أكثر إقناعاً للاتحاد الأوروبي من أي وقت مضى لكي يتخذ قرار بإدراج «حزب الله» في قائمة المنظمات الإرهابية.
ووفقاً لبعض المراقبين، فإن حادثتي بلغاريا وقبرص توضحان عودة «حزب الله» إلى القارة بعد عقود من توقف العمليات فيها. ولكن «حزب الله» لم يغادر أوروبا أبداً. فلأكثر من ثلاثين عاماً، عملت شبكات الجماعة بشكل مستمر على استخدام الاتحاد الأوروبي كقاعدة لتجنيد الأعضاء وجمع الأموال وحيازة الأسلحة وأعمال المراقبة والقيام بعمليات [إرهابية] عندما يكون ذلك ممكناً. وقد كانت الأدلة الخاصة بالأعمال الإرهابية المتعلقة بحوادث سابقة – في ألمانيا وسويسرا وإيطاليا وفرنسا وغيرها – أمراً مقبولاً بمقتضى قواعد “سي پي 931″، وهو الأمر بالنسبة للمعلومات التي تضمنها قرار بريطانيا السابق الأحادي الجانب بحظر الجناح العسكري لـ «حزب الله». ولا يوجد سقوط بالتقادم فيما يتعلق بأعمال لجنة “سي پي 931″، كما لا يوجد أي شرط بأن تحدث الأعمال الإرهابية مجال البحث في أوروبا.
وعلى الرغم من أن اللجنة قد توصلت إلى استنتاج بأن الجناح العسكري لـ «حزب الله» قد تورط في أعمال إرهابية، إلا أن نتائج “سي پي 931” لا تؤدي تلقائياً إلى فرض حظر إجباري من قبل الاتحاد الأوروبي. وحتى الأيام القليلة الماضية، لم يكن هناك إجماع بين الدول الأعضاء حول ما إذا كان إدراج تلك المنظمة يمثل سياسة جيدة.
النقاش
تجنبت الدول الأوروبية على مدار سنوات إجراء أي مناقشات حول إدراج «حزب الله» على لائحة المنظمات الإرهابية. وأثارت بعضها حقيقة عدم تنفيذ الجماعة لأي هجمات إرهابية في القارة منذ ثمانينيات القرن الماضي، في حين أبرزت دول أخرى أنشطة الرعاية الاجتماعية التي تقوم بها الجماعة ومكانتها باعتبارها الحزب السياسي المهيمن في لبنان. ووفقاً لبعض زعماء الاتحاد الأوروبي، إن استهداف الأجنحة العسكرية والإرهابية لـ «حزب الله» من شأنه أن يزعزع استقرار لبنان حتى لو لم يتم تصنيف الجناح السياسي للجماعة ككيان إرهابي. وانتاب الحكومات الأوروبية القلق أيضاً من تعرض قوات حفظ السلام للخطر- تلك القوات التي كانت قد ساهمت فيها هذه الحكومات في نطاق “قوة الامم المتحدة المؤقتة في لبنان” – وأن «حزب الله» قد يقوم بأعمال انتقامية ضد المصالح الأوروبية، فضلاً عن أن حظر الجناح العسكري قد يعيق إلى حد ما التواصل السياسي مع القيادة السياسية الحالية للمنظمة والقدرة على التأثير عليها. كما أثار آخرون حقيقة أنه ليس هناك جناح عسكري منفصل لـ «حزب الله» وتساءلوا كيف ستستطيع أوروبا فرض حظر محدود على جزء واحد من منظمة موحدة (رغم رفضهم تأييد الخطوة المنطقية التالية وهي حظر «حزب الله» برمته).
إلا أن قرار الإدراج بمقتضى قواعد “سي پي 931” يخول فقط تجميد الأصول المحظورة للجماعة – بينما لا يمنع الاتصال مع أعضاء الحزب، كما أنه لا يشمل حظراً على السفر. (وفي هذا الصدد، يوجد حظر على اجتماع المسؤولين الأوروبيين مع أعضاء «حماس» بسبب القيود المفروضة من قبل “اللجنة الرباعية الدولية حول الشرق الأوسط”، وليس بسبب قرار الحظر على الجناح الإرهابي للحركة بمقتضى قواعد “سي پي 931”.)
التبعات المحتملة
على الرغم من التركيز الواضح على تجميد الممتلكات والأرصدة، إلا أن التأثير الأكثر أهمية للحظر الأوروبي سيكون ملموساً في جوانب أخرى. أولاً، سيمكِّن ذلك الحكومات الأوروبية من بدء عمليات استخباراتية استباقية بخصوص الأعمال التي يمكن ربطها بأية طريقة بالجناح العسكري لـ «حزب الله». وبالفعل أجرت ألمانيا وعدد محدود من البلدان الأوروبية الأخرى تحقيقات كهذه، إلا أن قرار الإدراج سيحفز العديد من الدول الأخرى على اتخاذ قرارات مماثلة. ويشكل ذلك وحده تغييراً هائلاً ينبغي أن يجعل أوروبا مكاناً أقل جاذبية بكثير لعناصر «حزب الله».
ثانياً، إن الحظر هو وسيلة قوية لإخبار «حزب الله» بأن أعماله الحالية غير مقبولة وأن الاستمرار فيها ستصحبه تكلفة عالية. وسابقاً، كان قد سمح للجماعة بمزج أنشطتها السياسية وتلك المتعلقة بالرفاه الاجتماعي مع أنشطتها الإرهابية والإجرامية، الأمر الذي منحها وسيلة فعالة لجمع وغسل الأموال إلى جانب قدر من الحصانة لأنشطتها المسلحة. إن الإدراج الذي صدر في 22 تموز/يوليو يجعل من الواضح لـ «حزب الله» أن عمليات الإرهاب الدولي والجريمة المنظمة وعمليات المليشيات سوف تعرض شرعية الجماعة إلى الخطر كلاعب سياسي واجتماعي.
أما بالنسبة للناحية المادية، فإن مصادرة مبالغ طائلة من أموال «حزب الله» تعد أمراً بعيد الاحتمال حيث إن الحسابات الخاصة بالمنظمة من المحتمل أن تكون مسجلة بأسماء أشخاص لا ينتمون إلى الجناح العسكري. ولكن الحظر سوف يعمل على الأرجح على تقييد أعمال جمع الأموال لـ «حزب الله». وقد يتم منع بعض أعضاء الجماعة من السفر إلى أوروبا إذا أصبحت الحكومات أكثر جرأة في فتح تحقيقات جديدة، وقد يقلص قادة «حزب الله» بعض الأنشطة التي تقوم بها الجماعة في أوروبا خلال تقييمهم تأثير الحظر الكامل.
الخاتمة
على مدى السنوات القليلة الماضية، استأنف «حزب الله» أعماله الإرهابية في أوروبا بطريقة لم نراها منذ الثمانينيات. فبالإضافة إلى بورغاس وقبرص، قامت الجماعة بتنفيذ عمليات المراقبة والتخطيط والأنشطة ذات الصلة في اليونان وغيرها من البلدان، وشاركت في مجموعة واسعة من الجرائم المنظمة في جميع أنحاء القارة، وزادت مشاركتها العسكرية في الأماكن التي تكون فيها المصالح الأوروبية على المحك، مثل سوريا. وهذا التزايد في العمليات الإرهابية يثير قلقاً كبيراً بين الوكالات الأوروبية المعنية بإنفاذ القانون والاستخبارات. وكما أشار منسق وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون مكافحة الإرهاب في العام الماضي، “سوف يواصل كل من «حزب الله» وإيران الحفاظ على مستوى عال من النشاط الإرهابي في عملياتهما في المستقبل القريب، وتقييمنا هو أن «حزب الله» قد يقوم بعمليات هجومية في أوروبا أو في أي مكان آخر وفي أي وقت مع القليل من الإنذار أو دون سابق إنذار”. ولهذه الأسباب، فإن قرار الاتحاد الأوروبي بإدراج الحزب ضمن المنظمات الإرهابية أمراً بالغ الأهمية سواء من ناحية بعث رسالة إلى «حزب الله» أو منح الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الأساس القانوني والحافز لبدء أعمال التحقيق.
ماثيو ليفيت هو زميل أقدم ومدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن. وكان قد قام بزيارة عواصم أوروبية على مدى الأشهر القليلة الماضية، للضغط على دولها لكي تفرض حظر على «حزب الله» ومؤخراً أدلى بشهادة حول هذا الموضوع أمام البرلمان الأوروبي. وسيتم قريباً نشر كتابه الأخير باللغة الانكليزية، “«حزب الله»: البصمة العالمية لـ «حزب الله» في لبنان”.
معهد واشنطن ـ 22 تموز/يوليو 2013