حملة دعائية للدولة الاسلامية في العراق والشام لكسب الرأي العام في حلب… توزيع اطعمة ومسابقات ايس كريم ـ ابراهيم درويش
قالت صحيفة ‘اندبندنت’ ان التقييم القاتم الذي قدمه الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الاركان المشتركة الامريكية امام الكونغرس حول مخاطر التدخل في الحرب الاهلية السورية هو مقياس لكيفية تغير المواقف في الولايات المتحدة- الدولة الغربية الوحيدة التي يمكن ان يؤدي تدخلها لحرف ميزان الحرب لصالح المقاتلين السوريين.
وقالت ان الشهية للتدخل في الحرب كانت قوية نهاية العام الماضي منها اليوم، حيث كان في الولايات المتحدة تحالف قوي مكون من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع ليون بانيتا ومدير الاستخبارات الامريكية ديفيد بترايوس وكلهم قد غادروا الادارة الامريكية حيث حثوا البيت الرئيس باراك اوباما على التدخل في الازمة وتسليح المعارضة. وكان من بين المؤيدين ايضا نفس الشخص الذي قدم لنا تقييماته هذا الاسبوع، اي الجنرال ديمبسي. وكان من الممكن لخطة كهذه ان تعمل في حينه، حيث كانت دفعة الحرب بيد المقاتلين وكان الاسد يخسر مناطق واسعة من البلاد، على الرغم من انقساماتهم وقلة تنظيمهم. والفرق بين المعارضة الآن وقبل عام كما تقول الصحيفة ان العناصر الراديكالية كانت اقل تأثيرا منها اليوم. وعليه تبدو الحالة للتدخل الامريكي ضعيفة اليوم. فهناك مخاطر قوية من وقوع الاسلحة الامريكية في يد الجماعات الجهادية، فيما تكلف الخيارات الاكثر جدية من مثل مناطق حظر جوي وهجمات جوية ضد الاسد وبنيته العسكرية مليارات الدولارات، وقد تجر الازمة الولايات المتحدة الى حرب ثالثة في الشرق الاوسط في وقت تخيم فيه نذر حرب طائفية سنية ـ شيعية، وعليه فليس مفاجئا ان يكون ديمبسي قد غير رأيه.
الحل الدبلوماسي
وأيا كان الوضع فالحل الدبلوماسي لازمة البلاد التي ادت لمقتل ما يزيد عن 100 الف سوري وشردت 1.7 مليون شخص يظل الخيار الوحيد، خاصة ان البلاد تسير نحو التقسيم الفعلي. وفي الوقت الذي يتوقع فيه بقاء الاسد في السلطة لاعوام قادمة فان مناطق واسعة من البلاد ستبقى بيد اعدائه، وكل هذا وسط دمار اقتصادي لا يمكن تقديره. وتعتقد الصحيفة ان الامل الوحيد الان هو في المؤتمر الذي يخطط لعقده وبرعاية امريكية – روسية، مع ان التأخير المتكرر له يفصح عن الوضع المعقد لسورية وسط خيارات متعددة، ومع ذلك يظل الخيار الوحيد الذي يمنح وميض امل لانقاذ ما تبقى من الدولة المحطمة.
ويعكس موقف الصحيفة الشعور العام من تغير الاحوال في سورية، والتوقعات التي اطلقت من عواصم متعددة حول مناعة النظام السوري الذي لا يزال يسيطر على معظم المدن الكبرى في سورية، والحديث المتكرر عن سورية مقسمة في الوسط تحت سيطرة النظام واخرى كردية وثالثة سنية تدير مناطق واسعة تتنافس فيها الجماعات المقاتلة على الاسلحة والمصادر. ففي افتتاحية صحيفة ‘ديلي تلغراف’ يوم الخميس تحت عنوان ‘تحمل الاسد’ جاء فيها ان الاسد يبدو واثقا من نفسه فيما يبدو وضع كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ضعيفا.
وذكرت الصحيفة بتصريحات ديفيد كاميرون، رئيس الحكومة البريطانية الذي تحدث قبل عدة اسابيع في قمة الدول الثماني التي انعقدت في شمال ايرلندا عن اهمية الاطاحة بالاسد لان يديه ملطختان بالدماء ومن اللامعقول ان يلعب اي دور في مستقبل سورية.
ولكن يبدو ان الاسد لن يتم اجباره على الخروج من السلطة وسيظل يسيطر على معظم البلاد. وقالت ان الانجازات التي حققها المعسكر المؤيد للاسد تركت على ما يبدو اثرها المدمر على معنويات المقاتلين حيث قرر المئات منهم الاستفادة من العفو العام الذي قدمه النظام لهم وسلموا اسلحتهم.
دعم مطلق
وترى ان التغير المثير في مسار الاحداث لصالح الاسد ناتج عن الدعم الذي لم يتوقف من حلفاء دمشق، ايران وروسيا، سواء كان دعما عسكريا او توفير غطاء دبلوماسي له خاصة رفض موسكو المتكرر دعم تحرك في الامم المتحدة لاصدار قرار يشرع التدخل العسكري. وفي الوقت نفسه فقد تأثرت الانتفاضة واجندة المشاركين فيها بالاقتتال الدائم في صفوفهم ومحاولات المتشددين الاسلاميين اختطاف اجندة المعارضة، فقد كان حضور الجماعات المرتبطة بالقاعدة واحدا من الاسباب التي جعلت من الذين يريدون ارسال اسلحة للمعارضة اتخاذ جانب الحذر.
وعليه وفي وجه تعقيدات التمرد السوري قرر الغرب ‘مجتمعا’ على ان ثمن التدخل سيكون مرتفعا، وقد يكون هذا القرار الصواب حسب الصحيفة، لكن ثمن الوقوف جانبا سيكون عاليا ايضا. ففي الوقت الذي يبدو فيه الرئيس الاسد وداعموه الروس والايرانيون اكثر ثقة بانفسهم، تبدو الدول التي تدعو للاطاحة به – بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة – في موقع الضعيف والعاجز. وتدعو الصحيفة هذه الدول التفكير بطرق عنيدة لتغيير النظام اكثر من عقد مؤتمر دولي لبحث مستقبل سورية.
اسلحة بدائية
وفي تقرير لصحيفة ‘اندبندنت’ عن الاسلحة المتوفرة للمعارضة اشار الى التغير في موقف الادارة الامريكية من تسليح المعارضة، حيث يتوقع ان تبدأ ادارة اوباما نقل الاسلحة للمقاتلين بعد ان رفعت لجان في الكونغرس معارضتها لخطط اوباما تسليح المعارضة. وقال مراسل الصحيفة انه شاهد العام الماضي انواعا من الاسلحة التي يقوم المقاتلون بتطويرها لمواصلة القتال وذكر منها القنابل والمقاليع والقنابل والاسلحة. وتحدث عن طبيعة الاسلحة التي تتوفر لدى احدى الفصائل المقاتلة والتي يواجهون فيها اسلحة متقدمة. حيث عرض قائد الفصيل عبد الحق اسلحة مقاتليه 20 بندقية صيد، ومسدسات ومنها مسدسات مصنوعة في الاتحاد السوفييتي السابق ولا تزال تحمل مكان التصنيع ‘سي سي سي بي’ وتاريخه عام 1948، ومسدس من نوع ويبلي البريطاني المصنع في الثلاثينات من القرن الماضي.
وفي اليوم الثاني حصل الفصيل على اول كلاشينكوف بعد ان اشتروه من جندي بقيمة الفي دولار. ويقول التقرير انه شاهد هذه الاسلحة قرب قرية درغوش في محافظة ادلب في شباط (فبراير) العام الماضي اي قبل ان بدأ القتل يأخذ طابعه المنظم وبدأت المعارضة تحصل على اسلحة مهربة. لكن توزيع الاسلحة لا يزال غير منظم بين الكتائب المتعددة، مما ادى ببعضهم للاعتماد على النجارين والسباكين لتطوير اسلحة محلية وتضم قنابل مصممة على شكل كرات الزينة، ومقاليع المواد الحارقة، والسيارات المصفحة، وقنابل تزرع على الطرق تصنع حسب الطريقة الافغانية باستخدام مواد السماد، وهناك مجموعة من الصواريخ المصنعة محليا التي تصمم من الانابيب.
ويقول كاتب التقرير ان جبهة النصرة تعتبر من اكثر الجماعات تسليحا من بين الكتائب المقاتلة حيث تتلقى دعما من دول الخليج. ومع ان هناك املا في وصول اسلحة امريكية للمقاتلين قريبا الا ان هناك معارضة في بريطانيا التي لعبت فيها لندن دورا في اجبار الاتحاد الاوروبي على رفع الحظر عن تسليح المعارضة حيث صوت 114 نائبا هذا الشهر على تحرك يطالب الحكومة بوضع اي قرار لتسليح المعارضة للتصويت. وهناك اعتراف من العسكريين على جانبي الاطلنطي ان الاسلحة التي سترسل الى المقاتلين سواء جاءت من امريكا او بريطانيا لاحداث ان تؤدي لتغيير على مستوى الحرب حسب تقديرات العسكريين في البلدين. فالغرب لا يزال مترددا في ارسال ما يقول المقاتلون انه سلاح سيغير مسار الحرب في سورية وهي منظومة صواريخ ارض – جو خشية وقوعها في يد الجهاديين.
ويقول التقرير ان بعض مخترعات المقاتلين احيانا تنجح في ترك اثرها على قوات النظام حيث شاهد كيف استخدم المقاتلون مقاليع لرمي متفجرات على قاعدة للجيش في الباب قرب حلب وحققوا نجاحا معقولا. يذكر ان عدد القتلى في الحرب السورية قد تجاوز المئة الف حسب تصريحات الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الذي استخدم الارقام للدعوة الى جهود جديدة من اجل حل الازمة السورية التي بدأت في اذار (مارس) 2011.
ودعا الى انهاء العنف الذي يمارسه الطرفان ووقف الحرب، مما يعني انه صار من المحتم عقد مؤتمر سلام في جنيف في اقرب وقت ممكن. وكانت حصيلة قتلى الحرب الاهلية قد وضعت في 13 حزيران (يونيو) الماضي بـ 93 الفا مما يعني ان وتيرة القتل قد زادت بشكل كبير. فبحسب المرصد السوري لحقوق الانسان فان اكثر من 2014 شخص قتلوا منذ بداية شهر رمضان. وارتفع عدد القتلى بين المقاتلين بسبب التصعيد في العمليات القتالية حسب رامي عبدالرحمن، فيما دخلت العملية العسكرية ضد المناطق المحاصرة في حمص اسبوعها الرابع.
القاعدة والايس كريم
في سياق اخر تقوم الدولة الاسلامية في العراق والشام في حلب وما حولها بعمليات لتصحيح صورتها وكسب الرأي العام، حيث تستغل اجواء رمضان بتنظيم حفلات رمضانية ومسابقات حفظ وتلاوة القرآن وتوزيع الطعام على الاهالي، اضافة الى مسابقات وحفلات للاطفال.
كل هذا من اجل الحصول على قلوب وعقول الناس الذين يقعون تحت سيطرتها. وتقوم الذراع الاعلامية التابعة للدولة الاسلامية في العراق والشام باعداد سلسلة من افلام فيديو تصور تجمعات احتفالية للسكان اثناء ليالي رمضان تدار فيها المسابقات ويقدم الايس كريم للاطفال فيما ينظر الخبراء على انها محاولة لتصحيح صورتها في عقول المواطنين الذين ينظرون لها على انها جماعة غريبة عن سورية والسوريين خاصة ان معظم المقاتلين جاءوا من دول اسلامية واروبية.
وتتناقض هذه الصورة مع الافلام التي تصور عمليات الاعدام وعقاب المنافسين لها. ونقلت صحيفة ‘واشنطن بوست’ عن تشارلس ليستر من مركز ‘اي اتش اس جين للارهاب والتمرد’ قوله ‘ حفلات رمضان ومسابقات اكل الايس الكريم تعتبر امثلة محلية لهذا الحرص، وسواء نجحوا ام لا فنحن بالانتظار، وكل هذا يعتمد على الجماعات المسلحة وطريقة تقديم نفسها’ للجماهير. وكانت الدولة الاسلامية في العراق والشام قد ظهرت على السطح وبقوة في شهر نيسان (ابريل). ويقول المراقبون ان الجماعة التي تضم فصائل مختلفة وتقاتل تحت راية واحدة تضم ما بين 2500 -3000 مقاتل، وتعتبر من اقوى الجماعات تأثيرا في حلب وريفها وادلب واللاذقية.
ومع ذلك تواجه الجماعة عزلة من الجماعات الاخرى حيث يحاول الكثيرون ابعاد انفسهم عنها عن الاساليب المتشددة التي تتبعها. ففي مدينة حلب التي شهدت اشد المواجهات العسكرية، ولكن الدولة الاسلامية كانت هدفا لاحتجاجات واسعة بعد ان فرضت حصارا على نقاط التفتيش التي تفصل ما بين المناطق الواقعة تحت سيطرة المقاتلين ومناطق الحكومة. وقد ادت الخطوة الى زيادة مظاهر الحنق، حيث ادت محاولات الدولة الى خنق المناطق الحكومية ومنع وصول المواد الغذائية الى توقف حركة المواد الغذائية وادت الى ارتفاع الاسعار، خاصة ان حلب تعاني من ازمة انسانية متفاقمة، وقد ادى الحصار الى سوء الاوضاع.
27/7/2013 – القدس العربي