حواجز الانقاض والدماء أحمد عمر
قبل الحرب، التي يسميها إعلام النظام السوري “بالأزمة”، وهي تسمية خفيفة المدلول السياسي، لغة هي أقرب منها إلى الطبيعة، الأزمة (في لسان العرب) تعني السنة المجدبة، ومن معانيها العض بالأنياب.. وصفة الأزمة تشعر المستمع بأنّ الحرب وعكة صحية عارضة، وأنّ الأمن و الاستقرار في استمرار. وأن “سوريا بخير” كما تقول الشعارات المكتوبة على الجدران. سوريا كانت تعاني من حواجز كثيرة غير مرئية. بقيت جنيناً مدة اربعين سنة وقد ولدت للتو حواجز في القرى والمدن .. أهمها الحاجز الكبير العملاق مثل سد يأجوج ومأجوج الذي يرد ذكره في المرويات والإخباريات بين القيادة الحكيمة التي كانت تحرص على تسميك الحاجز، وبين الشعب غير الحكيم أو الذي جُنّ.
صفة الملهمة هي بدورها حاجز وحجاب، تشير إلى أنه ليس بينها وبين السماء “حواجز”. ثانيا، تشير إلى أن الشعب غير ملهم. ولتوضيح الحاجز بمثال عملي واقعي وعملي استشهد بمثال للكاتب والمستعرب أو المستشرق -إن صح التعبير – الياباني المحب للعرب والعربية والبدو و حياة البداوة “اكي نوتو هارا” صاحب كتاب “العرب: وجهة نظرة يابانية”، قال لي مرة راثيا الحياة العربية: انظر، نحن اليابانيين.. الإمبراطور عندنا هو ابن الشمس، وسليل الآلهة، لكني الآن أستطيع أن آخذك إلى دارته، وأريكه وهو يلهو و يلعب مع ابنته، وكلبه، نحن عددنا 120 مليونا، أنتم السوريون عددكم عشرين مليونا، يعني فرصة لقاء الرئيس الجمهوري عندكم أكبر افتراضا، والرئيس هو ابن الشعب البار فهل سبق وقابلته؟ قلت: حتى الآن لم أقابل نفسي المنفية، وبقيت أسبوعا على باب رئيس البلدية.. ولو كان هناك إعلام مثل فضائية العربية لأطلقوا علي اسم الرجل الواقف أمام باب البلدية، ونزلوا تعريفا باسمي وصفتي في الوكيبيديا؟
يستطيع السوري أن يتذكر محاولات عبوره اليومي عشرات ومئات الحواجز قبل “الأزمة”، حواجز “العلم”، وهو حاجز زمني بين العسكري والعالم، والعدو ان شئتم، مدته خريفان، وهي تسمية ظريفة يمكن ادراجها في فلسفة الكوميديا العسكرية، أو علم الخدع والحيل. الحُجب كثيرة: الانترنت، حجب حواجز التعليم والتعلم، وحواجز الحصول على القضاء والعدل، وحواجز تثبيت المواطنة أو المواطنة المهددة يوميا بالفساد فضياع البطاقة الشخصية يشبه الخيانة العظمة، تبقى حواجز يومية حواجز في الوظيفة بين الموظف وزميله، و بين الدائرة الوظيفية وأختها، بين الكائن السوري وأخيه، أما حاجز الخوف فهو الحاجز الذي لا يقترب منه أحد، منه ينبثق حاجز حرية التعبير، الإنسان حيوان ناطق في كل مكان إلا في سوريا هو ناطق إلا في السياسة؟
الحجب يخلق الغموض والجهل.. والخوف طبعا. والانسان عدو ما يجهل، وإذا كانت الملاحظة القائلة أن العرب والسوريين بدأوا يعرفون سوريا قرية قرية وشارعا و”حاجزا حاجزا” من خلال الأخبار العالمية فهي تعريفة صحيحة. تمّ الانتقال من نظام الجملة الديكتاتوري إلى نظام اشباه الجمل العرقية أو الطائفية. غير صحيح أن حاجز الخوف سقط كما يشيع إعلاميون سوريون مقيمون في الخارج. ثمة حواجز جديدة تكبر بين الطوائف والقوميات، وهي جدران رهيبة: حاجز الخوف (سيد الحواجز) دونه حواجز الجهل بالاخر، حواجز السلطة، حواجز السفر والحركة بين الجغرافيا، والحواجز عادة بالنسبة إلى السلطة نفوذة باتجاه واحد، ويمكن للناس (حتى لانقول الشعب) اختراقها بواسطة جسور النفاق، أو انفاق المداهة والاستخذاء، أو جسور الغش والخداع والتهريب.. دائما كان النفي الاختياري والنزوح إلى الشمال حلاً للقفز فوق كل الحواجز. الحاجز السوري بين الشعب وبين الحرية كان عاليا وسميكا، إلى درجة أن قفزة الشعب السوري فوقه سببت تحطم سوريا وطنيا واجتماعيا ودينيا. حاجز التعبير والكلام تحول الى تعبير قاس في القتل. الكلمة صارت طلقة. الحواجز المحطمة بأنقاضها العملاقة كونت وأسست حواجز جديدة وعالية يصعب جرفها بسهولة.
السبت 27/07/2013,المدن