الاكراد بدأوا خطوات لتحقيق اطار حكم ذاتي في مناطقهم.. ويستلهمون تجربة اخوانهم في العراق ابراهيم درويش
‘القدس العربي’ يطرح موضوع الاكراد في سورية كثيرا في الاونة الاخيرة، سواء في ضوء تصريحات بعض قادة الاكراد السوريين عن نية اقامة حكم ذاتي ودستور خاص بالمناطق التي يقطن فيها الاكراد في شمال ـ شرق سورية، او في ظل التوترات الفصائلية الدائرة بين المقاتلين الاكراد والمقاتلين الاسلاميين من اتباع جبهة النصرة والدولة الاسلامية في العراق والشام اللتين قامتا حسب المرصد السوري لحقوق الانسان باختطاف مئتين من المدنيين الاكراد في ريف حلب وحصل الاختطاف في وقت حاولت فيه الجماعتان الاسلاميتان السيطرة على تل عرن وتل حاصل.
فيما صرح حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بان العدد 350 كرديا، ولا تعرف ظروف الخطف لكن بعض المصادر اقترحت ان 400 مقاتل كردي تم اختطافهم. وعلى الرغم من ان الاكراد الذين يشكلون نسبة 9 بالمئة من السكان واشتكوا طويلا من التمييز والحرمان من استخدام لغتهم او ممارسة عاداتهم وتقاليدهم الوطنية. ظلوا مترددين في بداية الانتفاضة من الانضمام لها وتجنبوا اغضاب الجيش الذي قرر الانسحاب من خمس قرى كردية وسلم ادارتها لحزب الاتحاد الديمقراطي، الا انهم وهم اكبر اقلية عرقية في سورية قرروا الاستفادة من الفراغ للدفع بحكم ذاتي حرموا منه طوال حكم آل الاسد، مع ان الاسد الابن قرر منح الالاف منهم الجنسية السورية ومعاملة متساوية مع بقية المواطنين السوريين، وهو قرار يبدو انه جاء متأخرا، حيث ظل الاكراد يشكون بالنظام ونواياه وهوية الانتفاضة.
الحلم الكبير
وينظر الى مطالب الحكم الذاتي التي يطالب بها الاكراد على انها جزء من معركة واسعة قادها اكراد العراق الذين يديرون اقليما شبه مستقل عن العراق واكراد تركيا الذين توصلوا اخيرا لاتفاق اطلاق نار مع حزب العمال الكردستاني حيث انهوا حربا استمرت لعقود وحصدت عشرات الالاف من القتلى ويستمرون في معركتهم في ايران.
ويظل الاكراد الطرف المستفيد من الفوضى التي خلفتها ثورات الربيع العربي. ويطمح الاكراد بان تؤدي جهودهم الى اقامة دولتهم الكردية التي وعدهم بها المنتصرون في الحرب العالمية الاولى ثم تراجعوا عنهم ورسموا خريطة جديدة للمنطقة على انقاض الامبراطورية العثمانية مما ترك اثرا سيئا في نفوس الاكراد الذين شعروا بحس الخيانة. وفي الوضع الحالي لا يتجاوز طموح الاكراد اقامة حكم ذاتي ضمن الدول التي يتواجدون فيها.
وفي سورية ادى وضع الاكراد في الانتفاضة الى عدد من المواجهات بينهم وبين مقاتلين في الجيش الحر مرة ومقاتلون اسلاميون مرة اخرى، حيث يتهمهم البعض بالتعاون مع النظام السوري. وتظهر المواجهات واستهداف بعض الساسة الاكراد الصورة المتشرذمة للمعركة في سورية اليوم، حيث تركز بعض الفصائل المقاتلة على تحقيق بعض الانجازات المحلية، وبناء سيادة مناطقية وترتبط بشكل او باخر بجهود للاطاحة بنظام الاسد المتمترس في وسط سورية. ومن هنا يؤكد الزعماء الاكراد في سورية ان كل طموحهم هو متابعة النموذج الكردي في العراق، برلمانا، وحكومة اقليمية، وسياسية خارجية، وسيطرة على المعابر الجوية وقوات مسلحة خاصة بهم. ولا يزال الاكراد في العراق يعتمدون على الحكومة المركزية في ميزانيتهم ولم يمنعهم هذا الوضع من اقامة علاقات تجارية مع تركيا وتوقيع صفقات مع شركات غربية للتنقيب عن النفط.
خطوات نفذت
وتقول صحيفة ‘نيويورك تايمز′ ان الاكراد السوريين تلقوا تدريبات عسكرية في معسكرات في شمال العراق، فيما قدم اعضاء حزب العمال الكردستاني ـ بي كي كي – خبراتهم لاخوانهم الاكراد السوريين في هذا المجال. ولاحظ مراسل الصحيفة في رحلة قام بها بالاونة الاخيرة للمناطق الكردية في سورية ان خطوات اتخذت من اجل تحقيق الحكم الذاتي.
ونقل التقرير عن مقاتل من افراد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في مدينة القامشلي قوله ان الاكراد سينجزون حقهم في تقرير المصير تحت اي نظام سياسي، بالاسد او بدونه. وقال ان الاكراد يدفعون الدم من اجل انجاز حقهم وليس منحة من احد. وتخشى تركيا من التحالف بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني الذي طلب زعيمه عبدالله اوجلان المعتقل لدى الاتراك من المقاتلين وضع اسلحتهم والانسحاب من جنوب تركيا في صفقة تمت بين انقرة والزعيم المعتقل. ولكن صالح مسلم، زعيم حزب الاتحاد حاول طمأنة القادة الاتراك في زيارة قام بها الاسبوع الماضي لانقرة حيث قال ان حزبه سيقوم بانشاء حكومة مؤقتة في المناطق الكردية. وفي الوقت الذي اثنى به احمد داوود اوغلو على تعامل مسلم مع الوضع الا ان طيب رجب اردوغان قد حذر من اي ‘خطوات غير صحيحة وخطيرة’ تجاه حكم ذاتي في سورية. ويظل حزب مسلم هو الاقوى في المنطقة حيث قام بعقد سلسلة من التحالفات المحلية حيث تحالف مع قبائل عربية وفي بعض الاحيان تعاون مع الحكومة في دمشق.
وتنقل الصحيفة عن باحثة في مجموعة الازمات الدولية التي اصدرت تقريرا مفصلا عن خيارات ومواقف الاكراد من الحرب الاهلية في سورية قولها ان حزب الاتحاد الديمقراطي حزب براغماتي ولديه خطة لادارة مناطق الاكراد في سورية وعليه يقوم بعقد التحالفات المؤقتة والتنازلات الضرورية مع القوى الموجودة على الارض لتحقيق هذه الخطة.
ويتهم كثير من سكان المناطق المختلطة في شرق سورية الاكراد بعدم العمل على انهاء الاسد مثل ما يرغب المقاتلون في المعارضة بل يريدون اي الاكراد اقامة دولة مستقلة ـ وهذا يفسر الاشتباكات التي اندلعت الشهر الماضي في بلدة راس العين في الحسكة. وتعتبر مدينة القامشلي من اكبر مراكز الاكراد حيث قامت القوات السورية بالانسحاب من مركزها العام الماضي تاركة فرقة لحماية المطار، وينفي المقاتلون الاكراد تلقيهم اي دعم من الحكومة السورية، مشيرين الى التجاهل والاهمال الذي طبع فترة حكم بشار لمناطقهم.
تقسيم فعلي
ويبدو ان سيناريو التقسيم في ظل التطورات الميدانية بات حديث معظم المحللين الذين يراقبون الشأن السوري، ففي مجلة ‘ايكونوميست’ البريطانية في عددها الاخير كتب تحت ‘الوضع الجديد’ جاء فيه التقسيم في سورية يتعمق بعيدا عن الانجازات التي يحققها النظام او المعارضة.
وتحدث التقرير عن مظاهر التغير التي احدثتها الانتفاضة السورية التي مضى عليها اكثر من 29 شهرا، حيث قالت ان زكريا وزياد وعمار سوريون لكن مكان ولادتهم – في طرطوس ودير الزور، يبدو وكأنهم يمتون الى بلد اخر. ففي طرطوس، شمال- غرب سورية فانها مغطاة بملصقات تحمل صورة الرئيس بشار الاسد، اما في مدينة زكريا، في شمال ـ شرق سورية فيدرس في المدرسة اللغة الكردية التي كانت ممنوعة، وبالنسبة لعمار فهو من مدينة دير الزور ـ شرق سورية فيسيطر عليها المقاتلون.
واشار التقرير الى ان سورية تنقسم تدريجيا الى ثلاثة اجزاء، ففي الوقت الذي حازت فيه قوات الاسد على زمام المبادرة الا انها ليست قادرة على هزيمة المقاتلين، وبدلا من ذلك تقوم بتعزيز سيطرتها على الجزء الغربي من البلاد والممتد من دمشق وحمص الى حماة واللاذقية، وفي هذه المنطقة يقوم النظام برسم دولة ساحلية. في الجانب الاخر يقوم المقاتلون بنفس الامر حيث يرسمون دولة تمتد من وادي الفرات في الشرق الى تركيا وعبر الصحراء الى العراق، فقد سيطر المقاتلون في 22 تموز (يوليو) الماضي على خان العسل، البلدة القريبة من حلب التي لا تزال مدينة مقسمة. وتشير المجلة الى سيادة القاعدة والجماعات الاسلامية المتشددة التي تقيم شبه امارة وترفرف اعلامها السود في هذه المناطق.
في الشرق تقول المجلة ان الاكراد الذين اضطهدوا طويلا يستفيدون من فوضى الحرب الاهلية لانشاء منطقة حكم ذاتي مستقلة. مشيرة الى ان حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي قالت انه الفرع السوري لـ بي كي كي التركي اعلن عن الدستور الجديد للمنطقة، واعلن عن خطط لانتخابات مجالس محلية لادارة المنطقة التي تعرف بغرب كردستان او ‘روجافا’، فقبل عام بالضبط ترك الجيش السوري المناطق لهم لادارة امنها وفي بداية الشهر الماضي طردوا الجهاديين من رأس العين.
وترى المجلة ان خطوط التقسيم او الحرب تتعقد حتى لو استطاع المقاتلون تحييد المدن التي يسيطر عليها النظام. مشيرة الى ان واقعا فعليا يظهر في سورية وينم عن انقسام ثلاثي. وتقول ان داعمي المقاتلين من دول الخليج قد لا يكونون كرماء مثل ايران وروسيا وحزب الله التي تدعم النظام الا ان المقاتلين يواصلون المعركة بعزم ولا تزال الاسلحة تدخل وان بشكل غير منتظم. مما يعني صعوبة استعادة المناطق التي خسرها النظام والتي يديرها الجهاديون، ولكن النظام اظهر قدرة على الدفاع عن المناطق المتنازع عليها وذلك بمساعدة قوات الدفاع الشعبي التي دربتها ايران.
وختمت بالقول ان حالة الجمود التي تعيشها الجبهات كانت واضحة من الخيارات التي وضعها مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الاركان المشتركة الامريكية والذي يظل كل خيار منها وتحقيقه امرا صعبا. وتقول ان سورية كبلد نعرفه لم يعد موجودا، حيث يقوم كل جزء من اجزائه الان بتطبيق نظام قانوني مختلف عن الاخر، وهي تتراوح ما بين قوانين تقليدية قديمة، الى قوانين الشريعة الى لا قانون. فيما اصبح لكل جزء منه نظامه الاقتصادي المحلي ويعتمد على الاقتصاد الجديد المرتبط بالحرب، ولكل منطقة علمها او اعلامها التي ترفرف على المباني الادارية ان وجدت.
فرق التفتيش في سورية
وبعيدا عن سيناريو التقسيم الفعلي، يحضر فريق من مفتشي الامم المتحدة انفسهم لتفتيش مواقع كيماوية والتحقيق من مزاعم استخدام غاز السارين في الحرب الاهلية. وفي تقرير مطول اعده مراسل الشؤون العلمية في صحيفة ‘الغارديان’ ايان سامبل جاء فيه ان فرق التفتيش الدولية ستدخل سورية في وقت قريب بعد ان وافقت الحكومة في دمشق واعطت الضوء الاخضر لاكي ستلستروم، مدير فريق الاسلحة الكيماوية وانجيلا كين، مسؤولة برنامج الاسلحة في الامم المتحدة، حيث اكد المتحدث باسم الامم المتحدة مارتن نيسركي ان الفريق سيغادر الى سورية في غضون ايام. وتقول الصحيفة ان مغادرة الفريق ينهي اشهرا من المفاوضات التي بدأت عندما دعا النظام الامم المتحدة التحقيق في استخدام الاسلحة الكيماوية في بلدة خان العسل حيث اتهم طرفي النزاع الاخر باستخدامها في 19 اذار(مارس) الماضي.
وكان بان كيمون، الامين العام للامم المتحدة قد دعا قبل فترة للتحقيق في استخدام غاز السارين في مدينة حمص. وتقول الصحيفة ان التحقيق الذي سيديره المفتشون سيتركز على فيما ان تم استخدامه وليس على من استخدمه.
وقد اكدت كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ان غاز السارين قد استخدم وان عينات قد هربت من داخل البلاد وارسل بعضها لتحليله. وسيقود الخبير السويدي ستلستروم فريقا من الاطباء والمترجمين وخبراء الاسلحة الكيماوية.
وسيواجه الفريق تحديات في مواقع عدة، ونظرا لان المادة التي استخدمت قليلة ولمرور الوقت على الهجمات. ونقلت عن مفتش قوله ان ‘بعض الاشخاص قد يقول ان الوقت مضى وهذا ما اتفهمه بالتأكيد’، مضيفا ان الناس خائفون من النتائج سواء كانت سلبية او ايجابية ولكنها قد تكون قاطعة. ويعبر رالف تراب، خبير الاسلحة الكيماوية عن عدم تأكده من النتائج حيث قال ان ‘المشلكة هي العودة من سورية بدون ان نعثر على اي شيء، وفي حالة اثبات ان جهة استخدمتها فالسؤال عندها يتغير’، وقال ان غاز السارين ‘ليس مادة تشتريها من الصيدلية، وعندها تنتقل الى الجهة التي تملكها، ومن الصعوبة صناعة السارين ولكن هناك صعوبة في الحفاظ عليه في مكان آمن’.
3/8/2013 – القدس