هل نلغي الائتلاف؟ خطيب بدلة
حينما عدتُ من اجتماع الهيئة العامة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الذي انعقد في اسطنبول أواخر شهر أيار (مايو) 2013، وعُرف باسم اجتماع التوسعة، سارعتُ إلى كتابة نص استقالتي من عضويته، رغم أنها، أي عضويتي، كانت شبه طازجة، فأنا ذهبت إلى الائتلاف، في البداية، نيابة عن المفكر الكبير الدكتور صادق جلال العظم، ممثلاً عن الكتاب السوريين المعارضين، ثم غبتُ ردحاً من الزمن، حتى حضرتُ اجتماع التوسعة الذي أسميتُه، دون خوف أو وجل: الاجتماع المشؤوم!..
في هذا الاجتماع ظهرت هشاشة هذا الجسم السياسي، وعدم (ائتلافه).. واتضح تمترسُ عدد كبير من أعضائه وراء ثلاث منافع أساسية هي الزعامة، والآيديولوجيا، والمال، ولولا وجودُ بعض ممثلي الحراك الثوري، وبعض الأعضاء المستقلين، وبعض الرجال المؤدلجين الأوادم، لما تذكر هؤلاء أن في سوريا ثورة كبرى، وشعباً يُشارك العالم كله في ذبحه، ومدناً تتهدم فوق رؤوس أصحابها..
ولأن هذا الأمر، أقصد عضوية الائتلاف، يهم معظم أبناء الشعب السوري، فقد عرضتُ فكرة استقالتي على عدد كبير من أصدقائي وأصحابي ومعارفي، وبالأخص على أهل الداخل.. فحصلتُ على الآراء المتباينة التالية:
ناس قالوا لي إن الائتلاف محرقة وأنت رجل ذو اسم نظيف فلا تجعل اسمك يتلوث وينحرق.
آخرون قالوا لي إنّ هذه مسؤولية، وأين المشكلة إذا انحرق اسمك؟ لينحرق من أجل سوريا، ولا تنس أن غيرك ضحوا بدمائهم لأجلها.
آخرون قالوا لي إن الائتلاف يحتاج إلى أناس نظيفين مخلصين للبلد، مثلك.. فإذا انزوى الناس الوطنيون الأوادم في بيوتهم ستمتلىء الساحة بالانتهازيين والحرامية وقناصي الفرص.
فريق رابع ذهب إلى أن القرار في الائتلاف يأتي من بعض دول الخليج، وبعض الدول الكبرى كأميركا وفرنسا وبريطانيا.. ونحن نريد قراراً وطنياً سورياً خالصاً.
وعدتُ للتفكير في الأمر على مهلي.. فوصلتُ إلى نتائج أخرى، هي التالية:
أولاً- إن حالة سوء التفاهم الكبرى الواقعة ما بين الشعب السوري والائتلاف، تتلخص في أن الإمكانيات المالية للائتلاف تقدر بمئات الألوف، وربما بمئات الملايين من الدولارات، بينما احتياجات سوريا تقدر بالمليارات! والشعب السوري، بناء على هذا التفكير، كان ينظر إلى الائتلاف على أنه سيكون المخلص، أو المنقذ، أو (مُخرج الزير من البير)، ولكنه كان يُفاجأ بأنه ليس كذلك، فيحنق عليه ويكرهه.
ثانياً- لقد عجز الداخل السوري، حقيقة، وبسبب سيطرة العسكر على مجريات الثورة، عن إفراز قيادات سياسية مهمة قادرة على أن تكون بديلاً للائتلاف الذي يتشكل، في غالبيته، من سوريين أمضوا أعمارهم وهم يقيمون في أوروبا أو في دول الخليج.. وهؤلاء بعيدون عن الصورة الحقيقية لما يجري في الداخل من جهة، وغير قادرين على حياة الخطر والتقشف، وقد أطلق عليهم لقب يناسبهم بالفعل هو: ثوار الفنادق.
ثالثاً- إن السوريين القادمين إلى الائتلاف ممثلين عن الحراك الثوري، البالغ عددهم في البداية 14، ثم أصبحوا 28 بعد التوسعة، لا يدري أحد كيف تم اختيارهم، والداخل كان يعلن، غالباً، أنهم لا يمثلونه..
رابعاً- إن الائتلاف، برأيي المتواضع، ورغم هذا كله، ضروري للثورة، بما حصل من شرعية دولية، ووقوف إلى جانب الثورة، لم يخنها، ولم يعترف بالنظام الأسدي المجرم، ولم يتفاوض معه، ولم يقبل بحلول تحتوي على انتقاص من حقوق الشعب السوري.. وحتى الآن ليس واضحاً، ولا مؤكداً ذهابه إلى جنيف. وحتى لو صرح بذلك الجربا، فالنظام الداخلي يعطي القرار في مثل هذا الأمر للهيئة العامة.
خامساً- إن الائتلاف لم يكن شفافاً إزاء الشعب السوري، ولا سيما فيما يتعلق بالأموال التي دخلت صندوقه، وكيف صرفت، أو وزعت، حتى إن الشائعات التي تملاً الخافقين تقول إن راتب العضو فيه لا يقل عن عشرة آلاف دولار!!..
سادساً- إن الائتلاف، في الواقع، يحجز لأعضائه، على متن الطائرات ذهاباً إلى مكان الاجتماع، وإياباً، ويستضيفهم في الفندق على حسابه، ولا يدفع لهم قرشاً واحداً فوق هذا، والعضو (الذي مثلي) يدفع ما يلزم له من النفقات النثرية من جيبه.. وأعتقد أن الرواتب تعطى فقط لأصحاب المناصب (الرئيس ومعاونيه والسفراء والموظفين في الأمانة العامة وهيئة الدعم والإغاثة)..
سابعاً- كل هذا الذي كتبته لا ينطوي تحت بند الدفاع عن الائتلاف، كيف أدافع عنه وأنا عضويتي فيه تشبه ورقة في مهب الريح؟.. ولكنني، مع ذلك، لست من مؤيدي حله، أو إغلاقه، لأن البديل، في هذه الحالة، سيكون سيطرة العسكر على المعارضة السورية، وربما سيطرة (دولة العراق والشام).. وضياع الثورة بوصلة، أكثر مما هي ضائعة..
4/8/2013 – زمان الوصل