خافوا مثل السوريين ديمة ونوس
سنتان ونصف والسوري يختبر الخوف، كل على طريقته.
لم تعد الطمأنينة حكراً على شريحة صغيرة من السوريين. والخوف لم يعد ضيقاً. اتسع، امتدّ، تسرّب إلى هنا وهناك. إنها العدالة الإنسانية. هذا ما فكرت فيه عندما سمعت أن مقاتلين من “الجيش الحرّ” باتوا على بعد عشرين كيلومتراً عن منطقة القرداحة. فكرت أن أهل الساحل سوريون ولا ضير في أن يتشاركوا الخوف مع باقي السوريين في باقي المناطق. كيف سيتقاسمون وطناً فيما بعد إن لم يتقاسموا الخوف على الأقل!
سنتان ونصف، والساحل السوري ينعم بالهدوء والسكينة. ثمة خوف بالتأكيد، لكنه خوف عابر وغامض وهش. يدافعون عنه بفكرة أن ما يجري بعيد: هناك وليس هنا. عندهم وليس عندنا. أطفالهم وليس أطفالنا. وأرى في الفكرة هذه أصل انقسام جرى. صحيح أن شباباً من الساحل عادوا ويعودون إلى بيوتهم في توابيت، إلا أن ما يجري بعيد. لا غمامات دخان سوداء ولا أصوات قصف. ثمة من لم يسمع بعد صوت القصف. ثمة من لا يعرف الوقع الذي يحدثه هدير المدفعية. ثمة من يتفرج على ما يحدث في بلده من وراء زجاج التلفزيون. لم يختبر أبعاد الخوف التي يختبرها ابن ريف دمشق أو حمص أو حلب أو إدلب أو الرقة ودير الزور. سوريا كلها باستثناء الساحل.
يحدث. لكنه بعيد. في محافظة أخرى يحدث. نحن بعيدون وأطفالنا كذلك وبيوتنا وكل ما يمت للحياة بصلة. سنتان ونصف، مئات آلاف القتلى والمعتقلين والمخطوفين. مدن مدمّرة. قرى منتهكة. مجازر جماعية. أجساد مشوية وممزقة. والساحل السوري منفصل عن الواقع كما كان دائماً. الساحل الذي عاش أبناؤه سنوات طويلة ظانّين أنهم يحكمون سوريا، في حين يعيش معظمهم حياة متواضعة، هامشية، مقهورة. أبناء الساحل الذين قدّموا للنظام خلال عامي الثورة ما لم يقدمه النظام لهم خلال أكثر من أربعين عاماً. هاهم يقدّمون له أبناءهم وليس فقط ولاءهم المطلق. ها هم يجددون بالاكفان بيعتهم للنظام ويقفون في صفّ القاتل ويدافعون عن مدمّر لوطنهم.
أتخيل الخوف الذي عاشه ويعيشه أهل الساحل بعد سماع أخبار عن اقتراب عناصر من “الجيش الحرّ” من مناطقهم المحصّنة. لقد حان وقت الخوف. ليست شماتة. ولا تشفٍّ. ولا انتقام. إنها العدالة الإنسانية. إنه وقت التخلي عن الانقسامات التافهة والتشارك في المشاعر كلها دفعة واحدة بما فيها القلق والخوف والذعر. إنهم هنا. يقتربون. هل سيقتلوننا؟ أين نذهب؟ هذه الأفكار والأسئلة تعفّنت في رؤوس سوريين كثر في قرى شمالية وشرقية وجنوبية.
حان الوقت لتقاسم الخوف. وليس أي خوف. هذا النوع تحديداً وبالجرعة هذه بالضبط. خافوا قليلاً أو كثيراً. ألستم سوريين؟ ألستم في سوريا؟ أم أن الساحل بات دولة مستقلة؟ كلا. لن يكون دولة مستقلة. خافوا. الخوف شكل من أشكال الحياة. على الأقل، ما زال لديكم ترف الخوف. أن تشعر بالخوف، يعني انك لا تزال على قيد الحياة. وحده الميت لا يشعر بالخوف. واعلموا أن ثمة من خرج من بيته قبل سنتين ونصف ليدافع عنكم، ليحارب خوفه وخوفكم، ليصنع له ولكم وطناً أجمل، لتكونوا أفراداً وليس عناصر، ولتكونوا مواطنين وليس طائفة. لتكونوا أنتم كما تريدون وليس كما تريد السياسة لكم أن تكونوا. خافوا وتذكّروا من خاف قبلكم. الخوف يقرّب.
خافوا كسوريين.
الخميس 08/08/2013, المدن