من يحمي آثار سورية؟ خليل علي حيدر
العالم العربي اليوم مسرح لأعنف اشكال القتل والاشتباك، كما في العراق وسورية، ومخزن في الوقت نفسه لأعظم واقدم التحف والآثار.. فما العمل؟ ومن يحمي هذه المباني والمواقع التاريخية وكل ما في المتاحف العراقية والسورية والليبية وحتى المصرية.. من موجودات؟
هناك بالطبع استغاثة المنظمات الدولية كاليونسكو مثلا، ونداءات عالمية ومحلية بالحاجة الملحة الى حماية هذا التراث الانساني الذي لا مثيل له، والذي يسجل في هذه الدول بدايات الحضارة البشرية على الاطلاق.. ولكن من الملبي والمغيث؟
الخوف ليس من الدمار وحده، وإن كان يقع باستمرار، بل كذلك من لصوص الآثار، ومن يعتقد من الثوار ان من حق الثورة المتاجرة سرا ببيع هذه التحف لتمويل عملياته.
كان الاردن ممراً وسوقاً لهذه الآثار المهربة من العراق عام 2003، واليوم يتجدد هذا النشاط بسبب تدفق المنهوبات السورية. في عمان، «قال مهربون ووسطاء ان اسعار الآثار تتراوح بين 50 دولارا للوعاء الحجري و3000 دولار للتمثال والالواح الحجرية، ثم يبيع التجار الاردنيون هذه القطع الاثرية بأكثر من ثمنها بثلاثة اضعاف. وقال التاجر احمد ان اغلى القطع الاثرية هي تلك التي تعود الى فترة مملكة الانباط والألواح الحجرية التي تحمل نقوشا بالآرامية، التي قال ان الزبائن الاثرياء يستخدمونها في تزيين ردهات مداخل فيلاتهم في عمان. ورغم خبرة مسؤولي الجمارك الاردنيين في هذا المجال، فإنهم لم ينجحوا حتى الآن في كشف شبكة تهريب الآثار السورية التي تتنامى بمرور الوقت». (الشرق الاوسط، 2013/2/14).
تتضارب الانباء المزعجة حول مصير التراث السوري. فرابطة حماية الآثار التاريخية السورية ومقرها فرنسا، تفيد بأنه قد تم نهب اثني عشر من اجمالي ستة وثلاثين متحفا في الدولة، فيما صرح مأمون عبدالكريم المدير العام للآثار والمتاحف في سورية بأنه «تم افراغ المتاحف السورية من آلاف من الكنوز الاثرية لحمايتها من النهب». (الحياة، 2013/2/22) وقال خلال زيارته الاردن «المتاحف فارغة. تم افراغ غالبية المتاحف التي اصبحت عبارة عن قاعات فارغة باستثناء بعض القطع الكبيرة صعبة الحركة». وقيل انه تم نقل عشرات الآلاف من القطع الاثرية التي تغطي عشرة آلاف سنة من عمر حضارة البلاد، الى مخازن خاصة لتجنب تكرار ما حدث في بغداد عندما نهب متحف العاصمة قبل عشر سنوات.
ولكن بعض المعالم الأثرية للبلاد كانت ولاتزال في سورية ميادين قتال. والخطر يهدد بشدة الاسواق والبيوت التاريخية والقلاع. كما ان مديرة مكتب اليونسكو تؤكد ان «خطر نهب الآثار الثقافية السورية والاتجار فيها لايزال مرتفعا».
«الجيش السوري الحر» شدد مرارا وتكرارا على التزامه بحماية المواقع الاثرية. ولكن القوى والجماعات التي تحارب النظام لا تكترث كلها بالتزامات الجيش السوري الحر أو ما تلتزم به قيادة الثورة.
وقد جاء في الصحف مثلا عن ثائر من مدينة «ادلب» عمره 27 سنة في مقابلة اجريت معه شرقي الاردن، «في بعض الايام نكون مقاتلين، وفي ايام اخرى، نكون منقبين عن آثار».
بعض الثوار يدافع عن مشاركته في هذه التجارة غير المشروعة متذرعا بأنها مصدر اساسي للتمويل لمواصلة ثورتهم. ونُقل عن منسق للجيش السوري الحر في مدينة «الرمثا» بالاردن قوله «لقد تركنا لنواجه جيشا كاملا من دون اسلحة، الا ان من صميم حقنا استغلال أي موارد يمكننا الحصول عليها». بل ان بعض هؤلاء «الثوار» قد بدأوا منذ اشهر في نشر «فرق تنقيب»، عبارة عن مجموعات من الشباب، تقوم بالبحث في مواقع اثرية عن الذهب والفسيفساء والتماثيل، وكل ما يمكن نقله بسهولة.. وبيعه!
مسؤول سوري في مجال الآثار صرح بأن اهم القطع الاثرية التي فُقدت منذ نشوب الصراع، تمثال مذهب من البرونز يعود الى نحو ألفي عام، سُرق من حماة وأُدرج قبل عام في قائمة الشرطة الدولية كأكثر القطع الفنية المطلوب العثور عليها.
وقد لحقت خسائر محدودة، حتى فبراير الماضي بأحد ابرز نماذج قلاع الصليبيين، وكذلك البوابة الرئيسية لقلعة حلب، وكانت اكبر الخسائر قد لحقت بمجموعة من سبع اسواق قديمة في حلب لا نظير لها في الشرق الاوسط، والتي التهمتها النيران التي ألحقت ايضا خسائر بالمسجد الأموي. لكن لم تلحق اضرار بآثار «بصرى» التي تحتوي على احد افضل المسارح الرومانية الذي مازال يحتفظ بحالته. وقد اعادت الجمارك السورية اكثر من اربعة آلاف قطعة اثرية الى المديرية الحكومية، «لكن نحو ثلث القطع التي تم تسليمها اتضح انها مزيفة». (الحياة، 2013/2/22).
وتتمثل العقبة الكبرى في الحد من تهريب الآثار، تقول صحيفة الشرق الاوسط، في موقف المهربين الذين يدافعون عن تجارتهم كجزء طبيعي من تلك الحرب. ويقول احدهم من مناطق الحرب السورية، «ربما يرى الناس اننا لصوص، ولكن في بعض الاحيان تكون مضطرا للتضحية بالماضي من اجل انقاذ المستقبل».
ألا يشبه مثل هذا المنطق متاجرة ثوار ومجاهدين في دول اخرى بزراعة وبيع المخدرات.. لتمويل الجهاد!
12/8/2013 – الوطن