التداعيات الاقتصادية للحرب السورية لويس حبيقة
للحرب السورية تداعيات كبرى ليس فقط على البلد نفسه وإنما أيضا على الدول المجاورة والبعيدة. تبعا لمنظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR “هذه أسوأ كارثة إنسانية منذ انتهاء الحرب الباردة”. المناخ العام العربي متأثر سلبا بما يحصل في سوريا وفي الدول الأخرى. ما يجري في مصر وليبيا وتونس واليمن والسودان والعراق مقلق ولا يشير إلى مخرج سليم للصراعات الحية. كل مناطق العالم هادئة ويعيش سكانها بأمان نسبي، إلا في منطقتنا حيث تنتقل المشاكل بطريقة أو أخرى من دولة إلى أخرى والوضع ينزف. حتى إفريقيا تعرف اليوم طريقها إلى النهوض، وها هي تجذب الاستثمارات الكبيرة من الصين والغرب وغيرهما. سوريا تخسر الكثير، ومن الصعب تقدير الخسائر رقميا إذ إنها ترتفع من يوم إلى آخر. عندما تنتهي هذه المأساة ستكون سوريا بحاجة إلى أموال كبرى للإعمار، إذ تضرب الحرب اليوم كل شيء بدءا من الإنسان إلى المادة والمؤسسات والثقة بالمستقبل.
فالخسائر الاقتصادية كبيرة جدا إذ تقع اليوم على النمو والبطالة وميزان المدفوعات والموازنة والاستثمارات والشركات والمؤسسات المالية والمصرفية وغيرها. الخسائر الاجتماعية ضخمة وتبدأ من الضحايا أمواتا أو مصابين إلى تفسخ المجتمع السوري وإلى ضرب المؤسسات من صحية إلى تعليمية.
كيف تبنى سوريا الجديدة بعد الحرب؟ سؤال كبير ستجيب عنه الأوقات القادمة، وكلما قصرت الحرب كلما كان هذا أفضل للجميع. المثال اللبناني مهم جدا، إذ لم ننجح حتى اليوم في بناء دولة بكل ما في الكلمة من معنى وما زلنا نتخبط ليس فقط سياسيا وإنما مؤسساتيا فنختلف في تفسير القوانين بما فيها الدستور.
هنالك تأثيرات كبرى على دول الجوار أهمها الأردن ولبنان لها نفس الطابع والخصائص وإن كانت الأحجام تختلف تبعا لوضع كل دولة. تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن حوالي 10.25 مليون شخص سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية ومادية بحدود آخر هذه السنة. سأعالج الوضع اللبناني كمثال، لكن يمكن وضع نفس التحليل بالنسبة للأردن. تأثر لبنان سلبا اقتصاديا واجتماعيا بالحرب السورية من نواح عدة. نبدأ بالسياحة الغائبة التي يعتمد عليها لبنان في الصيف والأعياد والمناسبات إلى النقل التجاري الضعيف إذ سوريا هي الممر الأساسي للسلع المصدرة إلى الزيارات المحدودة بالاتجاهين لننتهي مع الاستثمارات المشتركة الغائبة كليا والتي ازدهرت في العقدين الماضيين. لبنان خسر ويخسر الكثير في نموه وعمالته وأوضاعه المالية والاجتماعية والبشرية، ويمكننا القول إن لا مجال لنهوض الاقتصاد اللبناني طالما استمرت الحرب في سوريا. الترابط قوي مع الدولة الوحيدة التي لنا حدود برية عملية معها.
المشكلة الأبرز اليوم بالنسبة للبنان هي أوضاع اللاجئين السوريين التي تأخذ ثقلا ماديا يكبر مع الوقت بسبب زيادة العدد. هنالك ضرورة لضبط الإحصاءات بحيث لا تكون الأرقام مختلفة كليا بين مصدر وآخر.
الشفافية الرقمية مطلوبة حتى يستطيع المعنيون تقدير التكلفة الحقيقية ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة. تبعا للمؤسسات الدولية، هنالك 8000 مواطن يغادرون سوريا يوميا حوالي خمسهم يدخل إلى لبنان. طبعا من واجب لبنان استقبال السوريين تماما كما استقبلتنا سوريا في ظروف حروبنا. المهم تنظيم الاستقبال ماديا وإداريا وإنسانيا بحيث يتم بأفضل الأشكال الممكنة واللائقة لعدم قدرتنا على تقييم عاملي الوقت والحجم للمشكلة.
أولا: لا بد من التنويه بالمساعدات التي تأتي من الدول والمنظمات الدولية والإقليمية والوطنية التي تعمل على تخفيف الثقل على لبنان. هذا مهم جدا إذ إن أكثرية الدول المانحة مباشرة أو بشكل غير مباشر تعاني هي نفسها من المشاكل المادية والمالية والإنسانية.
ثانيا: الحاجات كبيرة والوسائل محدودة. لبنان غير قادر ماديا على تحمل تكلفة استقبال اللاجئين التي تقدر بمليار ونصف المليار دولار سنويا. فوضعنا المالي ليس جيدا ونعيش من دون موازنات منذ حوالي 8 سنوات.
لا شك أن المساعدات المالية تصل، لكن هل تصل بالكميات المناسبة وفي الوقت المناسب لتلبية الحاجات المتزايدة للاجئين.
تبعا لوزارة الصحة الأردنية، أنفقت الوزارة 53 مليون دولار على اللاجئين في الأشهر الأربعة الأولى من هذه السنة لكنها لم تحصل إلا على 5 ملايين دولار مباشرة من المؤسسات الدولية.
ثالثا: التأثيرات الأخرى كبيرة أيضا على لبنان ومهمة، منها السكانية والسياسية والإدارية والمالية والبيئية والاجتماعية والإنسانية في وقت نصرف فيه الأعمال حكوميا. لا شك أن الجهود المبذولة إيجابية لكن هل تتناسب مع حجم المشكلة؟ المبادئ الأساسية الموضوعة في تقرير مؤسسة الأمم المتحدة للاجئين طبيعية ومنطقية وتركز على ضرورة حسن استقبال اللاجئين واحترام حقوقهم خاصة الأطفال والنساء وتقوية القدرات الذاتية المحلية.
رابعا: هنالك شكاوى لبنانية من منافسة السوريين لهم في الأعمال والمهن، لذا يجب تنظيم الاستقبال ضمن القوانين المرعية الإجراء. من الممكن عبر مؤتمر إقليمي أو دولي تحسين توزع اللاجئين مؤقتا على الدول المجاورة والبعيدة بانتظار انتهاء الحرب. هنالك كفاءات سورية مهنية ربما نحتاج إليها لأننا نفتقدها كالسنكري والكهربائي والميكانيكي وغيرهم.
يجب منح المساعدات للأسر الفقيرة، كانت لبنانية أو سورية وبالتالي نخفف من دقة وحساسية المشكلة الحالية أو الممكنة. ما الذي يمنع أيضا تشكيل صندوق يموله المتمولون السوريون أو غيرهم الموجودون في كل أقطار الأرض يهدف إلى مساعدة الفقراء؟
خامسا: تعاني المنطقة العربية عموما خاصة الدول غير المستقرة سياسيا وأمنيا من ارتفاع عدد الفقراء وضعف النمو أو غيابه. في لبنان، يزداد عدد اللاجئين وترتفع نسب الفقر كما فجوة الدخل.
14/8/2013 – الشرق القطرية