واشنطن ـ طهران: رسائل غزل وأشياء أخرى 22-9-2013
نقلا عن العدد 55 من جريدة حرية:
واشنطن ـ طهران: رسائل غزل وأشياء أخرى
ياسر عطا الله
ها نحن نستمع إلى نغمة جديدة تصدر عن طهران.
الرئيس الإيراني، حسن روحاني، يمطر واشنطن بـ “رسائل إيجابية”، معلناً رغبته الملحة في حوار مباشر معها، في الوقت الذي تتحدث فيه مصادر إعلامية ودبلوماسية عن لقاء مرتقب، في نيويورك، بين الرئيس الإيراني الجديد والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، بل إن هذه المصادر تتحدث عن طموح إيراني باستثمار اجتماعات نيويورك لعقد لقاءات مع مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى، وربما يقود استمرار الإشارات الإيجابية في الأيام القليلة المقبلة إلى قمة بين روحاني وأوباما نفسه..
روحاني ظهر على قناة (أن بي سي) الأميركية ليؤكد “عدم رغبة إيران في حيازة قنبلة ذرية لا في الوقت الراهن ولا في المستقبل”، وكان لافتاً نفض يديه من موقف سلفه، أحمدي نجاد، إزاء المحرقة اليهودية (الهولوكوست)، وكذلك تلك اللغة الودودة، وتلك الأوصاف الإيجابية التي أسبغها على أمريكا والأمريكيين، وهو ما لم يسبق أن صدر عن مسؤول إيراني منذ عهد خاتمي..
غير أن حجم التغيير الحقيقي في النغمة الجديدة يتبدى في تصريحات المرشد على خامنئي، الذي دعا إلى القبول بـ “ليونة الأبطال” في المفاوضات النووية مع الغرب، وأمر الحرس الثوري بالابتعاد عن السياسة وترك الهامش الأوسع أمام الرئيس الجديد، وهو ما يقول المراقبون أنه لم يتح لخاتمي في مبادرته المماثلة إزاء واشنطن وحلفائها..
بالطبع الأمريكيون تلقفوا هذه الرسائل بترحاب شديد، وردوا التحية بأحسن منها، إذ بعث أوباما إلى نظيره الإيراني برسالتين وديتين مترعتين بالتشجيع والترغيب..
ما الذي يجري على خط واشنطن ـ طهران؟ إلى أين سيفضي هذا الغزل المستجد؟ وما يهمنا أكثر: أين الملف السوري في هذا؟
يدرك الإيرانيون أنهم بعيدون عن هجوم عسكري أمريكي أو ضربة إسرائيلية خاطفة، ولكنهم في الوقت نفسه يدركون أن الطريق الذي يسلكونه ينتهي بهاوية سحيقة، فاستراتيجية (الخنق) التي تتبعها واشنطن سبق لها أن أفضت إلى انهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان القطب الثاني في العالم، وهي بلا شك ستفضي إلى مصير مماثل لإيران.
تخوض إيران حربها على جبهات عديدة: الملف النووي الذي جلب عليها حصاراً اقتصادياً خانقاً، والعراق حيث حلفاؤها مهددون بحرب أهلية قد تحرمهم، وتحرمها، من التنعم بمكاسب ما بعد الانسحاب الأمريكي، وسوريا حيث الحرب التي تستنزف أموال طهران وعسكرها ودبلوماسيتها، ولبنان حيث الحليف الذي يثير نقمة إسرائيل المتحفزة على الدوام..
تبدو إيران منهكة تماماً وسط هذه الجبهات المفتوحة على العالم برمته، ويملك ساستها من البراغماتية ما يجعلهم يغيرون حساباتهم، فيلملمون أوراقهم المبعثرة ويقلصون ساحة صراعهم ويقللون عدد أعدائهم..
يفكر الإيرانيون بتحويل الملف النووي من عبء عليهم إلى ورقة تفاوض قوية. فربما يقايضونه باعتراف أمريكي بنفوذ واسع في العراق، ونفوذ أقل في لبنان، أما في سوريا فهم يريدون صيغة تحفظ لهم بعض مصالحهم.. نظاماً إن لم يكن تابعاً أو حليفاً، فعلى الأقل ليس معادياً. إنهم يراهنون على تغيير ما في النظام بدلاً من تغيير النظام.
الطريق إلى ذلك ليست سالكة تماماً، ففي إيران صراع مستمر بين البراغماتية والعقائدية، بين الدين والدولة، بين الحرس الثوري والساسة المدنيين.. هذا الصراع أطاح بجهود خاتمي من قبل، ومن المبكر معرفة ما إذا كان روحاني سيلقى المصير نفسه.