تيار مواطنة- عرض سياسي 10-3-2013-في متغيرات الموقف الدولي
عرض سياسي
في متغيرات الموقف الدولي
لعل أهم متغير في الموقف الدولي من الثورة السورية منذ انعقاد مؤتمر روما لأصدقاء الشعب السوري هو الانزياح في موقف الولايات المتحدة وأوروبا باتجاه توفير شروط الحل السياسي من خلال العمل على تغير ميزان القوى على الأرض بتقديم مستوى أعلى من الدعم العسكري والمادي والسياسي للمعارضة السياسية (الائتلاف الوطني) والمسلحة (قيادة الأركان المشتركة للجيش الحر بقيادة سليم إدريس). حيث قررت الولايات المتحدة تقديم 60 مليون دولار للمعارضة المسلحة على شكل عتاد حربي “غير فتاك” وتدريب عسكري لمساعدة الطرف المعتدل فيها على حماية المدنيين (سترات واقية من الرصاص وعربات مصفحة). كما أعلنت بريطانيا وفرنسا عن سعيهما إلى تغيير قرار الاتحاد الأوروبي بحظر توريد السلاح إلى سوريا بما يسمح بتزويد المعارضة المسلحة بالسلاح، ودراستهما لخطط من أجل مد المعارضة بمزيد من الدعم المادي والعسكري. ثم جاء قرار المجلس الوزاري للجامعة العربية بالسماح للدول التي ترغب بتزويد المعارضة السورية بالسلاح، ودعوة الائتلاف الوطني لتشكيل “هيئة تنفيذية” لشغل مقعد سورية في الجامعة تقديراً من الجامعة لتضحيات الشعب السوري، وحديث وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو وأمين عام الجامعة العربية نبيل العربي عن عدم تمكين النظام السوري من تحقيق انتصار عسكري، وحديث الأخير عن أن مهمة الأخضر الإبراهيمي تتلخص بتشكيل حكومة انتقالية. وبالتالي بات بإمكان الدول العربية المساندة للثورة السورية (السعودية – قطر – ليبيا في المقام الأول) تسليح الجيش الحر تحت غطاء سياسي من الجامعة العربية وبموافقة أمريكا والاتحاد الأوروبي، وربما تحت إشرافهما أيضاً.
ومن الواضح الآن أن الولايات المتحدة الأمريكية –في المقام الأول- وأوروبا على وشك أن تنفض يدها إن لم نقل قد نفضت يدها من إمكانية أن يتخلى الروس عن الأسد وبالتالي التوصل إلى موقف ملزم في مجلس الأمن يجبر الأسد على القبول بعملية سياسية تفاوضية تفضي إلى تنحيه والدائرة الأمنية العسكرية المحيطة به، وأدركت –أي الولايات المتحدة- أنّه لإجبار الأسد وحلفائه على القبول بالتخلي عن السلطة لا بد من تغيير موازين القوى على الأرض بما يجبره مع حلفائه على تغيير حساباتهما والقبول بالحل السياسي، وأن هذا الأمر لن يتم إلا بتقوية المعارضة وتمكينها من تحقيق تقدم حقيقي نوعي عسكرياً وسياسياً يمهد لنزع الشرعية عن نظام الأسد والاعتراف بحكومة مؤقتة تشكلها المعارضة ممثلاً شرعياً للشعب السوري على نحو كامل وناجز سياسياً وقانونياً. ولم يكن الموقف الضاغط للولايات المتحدة -ومن ورائها أوروبا والعرب وتركيا- على المعارضة السورية بشقيها العسكري والسياسي باتجاه القبول بحل سياسي عبر تجفيف منابع الدعم السياسي والعسكري والمالي، سوى لإعطاء فرصة للروس لكي يقنعوا حليفهم الطاغية بالقبول بحل سياسي واستنفاذ هذه الإمكانية، وجاءت مبادرة رئيس الائتلاف الوطني أحمد معاذ الخطيب في هذا السياق لتؤكد أن النظام غير مستعد للقبول بأي حل سياسي إلا وفق شروطه؛ أي تنازل الثورة والمعارضة عن مطالبهما. وبات من الواضح أن هذه الخطوة لم تؤدِ إلاَّ إلى تعزيز مواقع المتطرفين في الثورة السورية (جبهة النصرة ومثيلاتها) وتراجع الأجنحة المعتدلة في الجيش الحر حتى باتت الأولى الطرف الفاعل والرئيس في القتال ضد النظام، وأدركت الأطراف المعتدلة في المعارضة السياسية والعسكرية أن هذا التطرف بات يشكل خطراً حقيقياً على مسار الثورة وتوجهها، كما أدرك الغرب أن الضغط على المعارضة لن يفيد إلاّ بتعزيز التطرف والتشدد في أجنحتها السياسية والعسكرية. ولا يسعنا أن ننسى أن الموقف المتذمر لدول الخليج (وعلى رأسها السعودية وقطر) وتركيا من التردد الأمريكي والغربي عموماً تجاه مساعدة الثوار، فضلاً عن شكوى دول الجوار السوري من الضغط الكبير الذي بات يشكله موضوع اللاجئين وخشيتها من توسع النزاع إلى خارج الحدود السورية، جميعها دفعت إلى الإسراع في دفع الولايات المتحدة ومن ورائها الغرب في البدء جدياً بتوفير شروط الحل السياسي الذي تنادي به منذ بداية الثورة.
ومن الواضح أن الموقفين المذكورين (مؤتمر روما وقرار المجلس الوزاري للجامعة العربية) ليسا سوى رأس جبل الجليد فقط، وبداية لصيرورة نزع الشرعية تماماً عن نظام الأسد وفرض الحل السياسي بصرف النظر عن موقف روسيا والصين، وربما يؤدي في النهاية –إذا استمر التصلب الروسي وتزايد الدعم الإيراني للنظام وتصاعد وحشيته كماً ونوعاً- إلى نفض اليد من إمكانية وجود حل سياسي أصلاً، وأن لا حل إلاّ بالقوة العسكرية. ونحن ندرك أن الدول الأكثر استعداد لدعم المعارضة وتسليحها هي السعودية وقطر وليبيا وتركيا وتأتي بريطانيا وفرنسا في المقام الثاني، وربما لن تقوم الولايات المتحدة بمد المعارضة بالسلاح، إلاّ أنها أعطت الضوء الأخضر لمن يريد من الدول بالتسليح، ولعلها ستقوم بدور الإشراف على نوعية الأسلحة المقدمة والأطراف التي ستصل إليها، أي ستقتصر على دور الإشراف والقيادة من الخلف، أو على الأقل هذا ما يبدو عليه الموقف الأمريكي حالياً. وتشكل دعوة اللواء سليم إدريس رئيس أركان القيادة المشتركة للجيش الحر لحضور اجتماع للبرلمان الأوروبي وتقديمه لائحة بالأسلحة التي يحتاجها الجيش الحر إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الاهتمام الإعلامي والرسمي الذي حظي به في الفترة الأخيرة، ، دليلاً على أن الغرب قد حسم أمره باتجاه تسليح المعارضة وحدد الطرف الذي سيوجه إليه الدعم في المعارضة المسلحة؛ أي القيادة المشتركة للجيش الحر.
ولا بد في هذا السياق من الإشارة إلى أن التذمر الواسع والملحوظ من جبهة النصرة والكتائب الإسلامية المتشددة المشابهة لها في المناطق التي سيطرت عليها وبين أوساط الناشطين السياسيين عموماً، والمسلكيات المسيئة للثورة والثوار التي بدرت من جانبها مؤخراً من حلب إلى إدلب والمناطق الشرقية (اعتقال ناشطين وإعلاميين والتنكيل بهم إلى حد القتل أحياناً – قطع رأس تمثال أبو العلاء المعري)، إضافةً إلى تذمر أطراف عديدة من الجيش الحر والمعارضة السياسية من تزايد نفوذ جبهة النصرة على الأرض وإعلان بعض الأطراف أنها لا تؤيد ما تقوم به الجبهة رغم عدم ممانعتها لمشاركتها في القتال ضد النظام، وتصريح بعض السياسيين عدم تأييدهم للتطرف الذي تمثله الجبهة (معاذ الخطيب، عماد الدين رشيد، اللواء سليم إدريس… الخ)، جميعها يشير إلى أن لا أفق حقيقي لجبهة النصرة وخطها في الواقع السوري حتى الآن، وهذا ما يدل عليه تجاوز الولايات المتحدة وأوروبا لخشيها الفعلية أو المزعومة من وصول السلاح إلى المتطرفين في أوساط مقاتلي الثورة.
في الحكومة المؤقتة
ذكرنا في أكثر من مناسبة ومكان أن الحكومة المؤقتة ضرورة من حيث المبدأ بالنسبة للثورة السورية ولا بد من وجودها، شريطة توفر الشروط الملائمة لتشكيلها (استعداد المجتمع الدولي للاعتراف بالحكومة المؤقتة بديلاً عن نظام الأسد وليس إلى جانبه منعاً لاعتبار ما يجري في سوريا حرباً أهلية بين طرفين – الحاجة إلى إدارة المناطق المحررة وتنظيمها وضبط السلاح فيها – وجود قيادة موحدة للجيش الحر تنضوي ضمن هذه الحكومة لتكون ذراعها الضاربة لإسقاط نظام الأسد واستلام دفة الأمور منعاً لوقوع الفراغ والفوضى عند سقوطه وهو ما يتطلب بالإضافة إلى الدعم السياسي والقانوني والمادي دعماً حقيقياً بسلاح نوعي كافٍ).
ونحن في تيار مواطنة، نعتقد أن وجود هذه الحكومة بات ضرورة أكثر إلحاحاً ولا بد من تشكيلها بحيث تحظى بإجماع كبير في أوساط الثوار والمعارضة، خاصةً أن المناطق منزوعة السيطرة في الشمال والشمال الشرقي من البلاد باتت بحاجة حقيقية إلى إدارة وتنظيم شؤون الإغاثة والدعم والأمن، وأن المجتمع الدولي على ما يبدو قد بدء بصيرورة نزع الشرعية عن النظام وقطع الأمل بتحقيق تقدم على مستوى الحل السياسي، هذا بالإضافة إلى أن هذه الحكومة يجب أن تكون عاملاً لزعزعة تماسك جبهة النظام (حزب البعث – الجيش – الموالين) وطمأنة الشرائح الخائفة والمترددة على مستقبلها بعد الثورة بأن الحكومة ستحفظ لهم حياتهم وأمانهم وحقوقهم. ونرى أن موقف الجامعة العربية هو أول الغيث تشجيعاً للمعارضة السورية على تشكيل هذه الحكومة لتكون ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري، ومؤشراً على أن هذه الصيرورة قد انطلقت، وأن موقف الجامعة هو البداية وتمهيداً لموقف مماثل في الأمم المتحدة. ولا بد من التشديد على أن يتم اختيار رئيس الحكومة من قبل المعارضة بعناية شديدة وبالتشاور الحقيقي مع الثوار، بحيث يكون رئيس الحكومة موضع إجماع –وليس مثار خلافات وتجاذبات- في أوساط الثوار والمعارضة السياسية ووجهاً يحظى بالقبول الداخلي والعربي والدولي من اللحظة الأولى.
ميدانياً
لا يزال الثوار يحققون تقدماً ملحوظاً في جبهات عدة، ولعل أبرز هذه التطورات خلال الأيام الماضية هو السيطرة على مدرسة الشرطة في خان العسل في حلب، وتحرير الرقة، دون أن ننسى صمود المناطق المحاصرة في حمص والتقدم –وإن يكن بطيئاً- الذي يحققه الجيش الحر في إدلب ودير الزور ودرعا ودمشق وريفها (السيطرة على حي جوبر في دمشق). إن السهولة النسبية والمفاجئة في سقوط مدينة الرقة واستسلام جزء كبير من رموز النظام وقواته في المدينة تشير من جهة أولى إلى استراتيجية العمل التراكمي على المدى الطويل للجيش الحر واعتماده مبدأ قضم المواقع واحداً بعد الآخر من سيطرة النظام حتى باتت الرقة بحكم الموقع الساقط عسكرياً، وتشير من جهة أخرى إلى إنهاك قوات النظام من المعارك على طول البلاد وعرضها وعدم قدرته على تعويض النقص في العناصر والإمداد البعيد ما يدفعه إلى التخلي عن المناطق البعيدة عن مركز سلطته والتركيز على الاحتفاظ بالمدن الاستراتيجية بالنسبة له (حلب – حمص – دمشق). ولا بد من التنويه إلى النموذج البارز الذي قدمه الثوار في الرقة في الحفاظ على المنشآت العامة والممتلكات الخاصة في المدينة وحمايتها ودعوة كافة موظفي الإدارات العامة بالعودة إلى أعمالهم لتسيير أمور المدينة، ودعوة كافة القوات المسلحة من غير أهل الرقة بالخروج خارج المدينة وترك مسألة تسيير أمورها وتأمينها إلى المقاتلين من أهلها كقوة شرطة. كما لا بد من التنويه أيضاً إلى تداعي كافة الناشطين السياسيين من أهل الرقة إلى العودة إلى المدينة للمساهمة بدورهم في المدينة بعد تحريرها.
أما في دمشق، فإن التطور الأبرز هو سيطرة الجيش الحر على حي جوبر والوصول إلى حدود ساحة العباسيين، بما يعنيه ذلك من اقتراب قوات الجيش الحر من قلب العاصمة والقرب من المدخل الشمالي لدمشق (بالاتصال بين القابون وجوبر وبرزة). ولا بد من التنويه أيضاً إلى حسن التنظيم القائم في المناطق المنزوعة السيطرة في كل من برزة والقابون، والتنظيم الممتاز في جوبر أيضاً، لاسيما لجهة التعامل مع سكان الحي من المسيحيين.
وفي سياق متصل، لا بد من الإشارة إلى الخطأ الفادح الذي ارتكبته عناصر من الجيش الحر في قرية جَمْلَة في درعا على الحدود مع الجولان باحتجازهم عناصر من قوات الأمم المتحدة لمراقبة مناطق فض الاشتباك مع إسرائيل، وحسناً أن المسألة انتهت على خير بتسليم المحتجزين الأمميين دون أخطاء أخرى، ونؤكد على ضرورة عمل كافة أطراف المعارضة السياسية والعسكرية من أجل عدم تكرار مثل هذه الأخطاء في المستقبل.
تيار مواطنة
10/3/2013