حول المعارضة- تيار مواطنة 21-10-2015
حول المعارضة
ليس في نيتنا اختراع البارود من جديد ،لذلك لا نجد داعيا للعودة إلى الوراء للحديث عن
المراحل التي مرت بها الثورة والمعارضة .إذ لا معنى لتكرار المعروف ،وبدلا من ذلك
سنحاول تفسير وتفهم المآلات التي وصلنا إليها على كل الأصعدة بدءا من العسكرة وانتهاء
بالتشرذم السياسي والعسكري في صفوف المعارضة السياسية والمسلحة .
يمكن القول باختصار شديد إن الطابع العام للثورة السورية التي انطلقت بوصفها انتفاضة
عفوية لا رأس لها .ترك بصماته الواضحة على كل المآلات اللاحقة ،ولقد تفاقم الوضع على
قاعدة ما أسميناه مرارا وتكرارا تعقيدات الوضع السوري التي تبدأ من الانقسام العمودي
للمجتمع حول الثورة ،بل ربما حول كل شيء وصولا إلى الموقع الجيوسياسي الاستراتيجي
لسورية مرورا بوجود إسرائيل على تخومها ،وتشابك وتفاعل العوامل داخل ما كان يسمى بلاد
الشام ،بما في ذلك بالطبع الانقسامات الطائفية فيها وفي العراق أيضا ،الأمر الذي تجاوز في
تعقيده تعقيد أي ساحة أخرى من ساحات الربيع العربي بما في ذلك حتى اليمن.
ولعل الاسواء من بين تلك التعقيدات السورية الطابع الشمولي والطائفي العميق للسلطة الذي
كان لا بد له أن يولد رد فعل طائفي من النوع ذاته عاجلا أم آجلا .وهذا ما حصل بعد الأشهر
الأولى .كما كان من شأن القمع السلطوي البهيمي ومضمونه وطابعه الطائفي،أن يولد رد فعل
عنيف مطبوعا هو الآخر بالطابع الطائفي النقيض . واليوم وعلى قاعدة التعقيدات والأخيرة
منها بشكل خاص نفهم-بغض النظر عن الرفض والقبول- الطابع الإسلامي الاكثري للثورة
وتحولها إلى السلاح والعسكرة ليس هذا فحسب بل لنا الحق في القول :إن انطلاق الثورة نفسها
وبنيتها الداخلية قد ساهمت إلى حد بعيد إلى ما آلت إليه بالإضافة إلى العوامل التي ذكرناها
أعلاه .إن من بين أهم سمات الثورة السورية التي لا تزال فاعلة حتى اليوم ،بل قادرة على أن
تعطي قدرا لا يستهان به أبدا من التفسير .السمات التالية بدون ترتيب :
هي الطابع الشمولي والطائفي العميق للسلطة (حيث لا تسمح أمثال السلطة السورية بنضال
انسيابي تصاعدي على مستوى الوطن كله )
لا رأس سياسي لها ولا حتى أهداف موحدة في بدايتها والتي لا تزال حتى الآن كذلك .فلا هي
قبلت برأس من المعارضة السياسية من خارجها ولا هي استطاعت أبدا أن تفرز قيادتها
السياسية الموحدة على مستوى البلاد من داخلها .
1
وقد تفاقم الأمر أكثر فأكثر أثناء تحولها إلى انتفاضة مسلحة حيث تكاثرت كالفطر الفصائل
العسكرية وصارت تعد بالآلاف ،ولا نجانب الصواب إذا قلنا : إن كل حي تقريبا إستولد فصيله
العسكري وهذا ما أثر تأثير ا بالغ الضرر على الأفراد – بغض النظر عن الرتب- الذين انشقوا
عن المؤسسة العسكرية .حيث عاد كل منشق تقريبا إلى مدينته أو بلدته أو قريته أو حتى
حارته .مما أفقد المنشقين أي قوام عسكري موحد .
ولا يزال هذا التشرذم العسكري قائما إلى حد كبير اليوم ،على الرغم من كل الاتحادات
العسكرية التي نشأت في الشهور الأخيرة ،وعلى الرغم من أهميتها البارزة في الانتصارات
المحققة على الأرض في الأسابيع الأخيرة .ويصح القول اليوم :ليس هنالك وحدة عسكرية
للفصائل المقاتلة كما أنه ليس هناك إستراتيجية موحدة على مستوى البلاد .
ولاستكمال الصورة ينبغي القول : إن التدخل السافر لأطراف دولية وإقليمية وعربية قد فاقم
هذا التشتت السياسي والعسكري ،بل لا يزال يلعب دورا سلبيا واضحا على الأرض وفي
السياسة للحؤول دون انجاز الوحدة السياسية العسكرية الإستراتيجية للثورة السورية والتي
هي قضية حياة أو موت لها في نهاية المطاف . وبعيدا جدا عن نظرية المؤامرة واتهام
الآخرين يمكن أن نلاحظ الآثار الايجابية لبعض التفاهم بين الأطراف الخارجية الفاعلة في
الوضع السوري الذي هو نتاج داخلي من حيث الأساس فاقمته إلى حد كبير التدخلات
المذكورة حتى الآن أو حتى أسابيع قليلة مضت .وعند هذه النقطة نجرؤ على القول:
نحن نرفض اعتبار السبب الرئيسي في الانقسام السوري على كل الأصعدة وفي كل الحقول
هو الخارج ، وبدلا من ذلك نحن نعتقد أن هذا الانقسام هو الوليد الشرعي لتعقيدات الوضع
السوري البالغة ولم يكن من شان الخارج إلا الركوب عليه وتغذيته ودفعه إلى المآلات
المأساوية واستثماره وتوظيفه لأغراض ليس بالضرورة لصالح الشعب السوري وثورته ،إن
لم نقل أكثر ،أي أنه على نقيض المصالح المذكورة في غالب الأحيان .وتكفي هنا الإشارة إلى
الدور القبيح الذي لعبته الفصائل المتطرفة مثل داعش والنصرة وربما أطراف أخرى ،وهي
مدعومة من الخارج بهذا الشكل أو ذاك وإلى هذه الدرجة أو تلك حتى وقت قريب على الأقل
بل إن بعضها لا يزال يحظى بالدعم الملموس في حرف الثورة عن أهدافها وفي التهام
الفصائل السورية المعتدلة ،وفي تغليب الطابع الديني أو الطائفي غير الوطني عليها .الأمر
الذي يحتاج إلى جهود عملاقة وزمن غير قصير لنزعه ،ولاستعادة الطابع الوطني القديم
الضروري كل الضرورة إذا كان للثورة أن تؤتي ثمارها .
2
لقد قلنا: إننا نرفض جعل الخارج المشجب الذي نعلق عليه نواقصنا ،ولكننا بالمقابل لا نجد
حرجا في أن نعتبر أن عجز المجتمع الدولي وبخاصة منه المؤيد نظريا للثورة السورية –
موضوعيا أو ذاتيا- شكل مساهمة سلبية على الأقل – إن لم نقل أكثر- في الكارثة التي تحوم
فوق سورية .وبخاصة أن ما يجري في سورية اليوم قد يكون أدنى من ثورة أو أكبر منها
بكثير ،حسب اختلاف وجهات النظر .ومع ذلك فإننا نجرؤ على القول :
بعيدا عن التصنيفات المعهودة والأوصاف المحفوظة إن ما يحدث وما حدث في سورية هو
انفجار اجتماعي عاصف لكل الاحتقان التاريخي لبعيد والقريب الاجتماعي والاقتصادي
والسياسي والطائفي ،انفجار أكبر من أي وصف وبؤرة للصراعات الإقليمية والدولية والعربية
،ومكان لتصفية الحسابات وتحقيق الانتصارات ،وإعادة رسم الأدوار والحصص وتقاسم النفوذ
على خريطة الكوكب كله لا على خريطة الشرق الأوسط فحسب .
إذا انفجار محلي أصيل ،وبؤرة صراع ضاري ،وأرض حروب بالوكالة والأصالة ،وإعادة
رسم خريطة جديدة وبهذا المعنى نعتقد أن ما سميناه بالطابع الانفجاري في بداية الانتفاضة قد
آل إلى ما سميناه في النهاية :(انفجار اجتماعي شامل ).
فأين منه اليوم وفي السابق المعارضة السياسية السورية على اختلاف مواقعها .يمكن القول
الكثير في هذه المعارضة ،بل إن الردح والندب قائم ليل نهار من كل حدب وصوب على
الرغم من اتفاقنا مع الكثير من هذا الردح فإننا نختلف معه في بعض الأمر ،وعلى سبيل المثال
1* ثمة مسافة لا تختزل بين الردح والنقد ،بين الواجب والممكن ،بحيث يصح القول إن الردح
لا يعنى بالمعايير والأسس والأسباب المفسرة ،في حين يكون من شان النقد كما يكون
موضوعيا أن ينطلق من الممكنات ،لأن التقصير يكون بالقياس إليها فقط وليس بالقياس إلى
الواجب .وعند هذا الحد ينبغي التمييز بين المسؤولية الذاتية في التقصير وبين الأساس
الموضوعي له ،وعلى هذه القاعدة وفي ظل كل التعقيد المحلي والعربي والإقليمي والعالمي
وفي ظل عجز الجميع إن لم نقل تواطؤهم وتخاذلهم عن القيام بواجبهم في نصرة الشعب
السوري ،هل كان بوسع المعارضة السوية أن تخرج الزير من البير ؟ نعتقد لا
2* هل الانقسام في المستوى السياسي في سورية مثله في ذلك مثل الانقسام في المستوى
العسكري وليد شرعي للتعقيد المذكور أم هو قصور ذاتي صرف ؟نحن نعتقد أن هذا الانقسام
وهو أمر مختلف عن الاختلاف الطبيعي في كل زمان ومكان ،ناشئ عن الشرط الموضوعي
3
أكثر مما هو نتاج الشرط الذاتي ،وإن يكن هذا الأخير فاعل فيه بحق ،ولا تخطئ العين
المواقف والممارسات والإنحيازات الخاطئة التي تغذي ذلك .
3* هل كان الانزياح نحو العسكرة ونحو التشرذم العسكري سببا فاعلا في عجز المعارضة
عن الاتحاد فحسب بل في مكانها من الصراع وقيادته ، نحن نعتقد نعم لأن معارضة ذات
تاريخي سلمي طويل ما كان لها حتى لو كانت من نوع السوبرمان ،أن تتكيف بسرعة – كلها
أو بعضها على الأقل- للتنطح لقيادة ثورة مغايرة لكل ما ألفته المعارضة ؟نحن نعتقد لا
4* هل كان لطبيعة الانتفاضة التي جئنا على ذكرها فيما سبق ،ولطبيعة القيادات الشبابية
المحلية لها ،بل ورفضهم القاطع في البداية لأي دور قيادي من الخارج الأثر البارز في التباعد
بين ما يجري على الأرض وفي الميدان والمعارضة التقليدية ،نحن نعتقد :نعم
5* هل كان لانفلات الأرض من السلطة والمعارضة التقليدية على حد سواء دور في عجز
المعارضة ،وهل غذى هذا العجز والافتقار إلى ذراع ضارية على الأرض بعد التحول إلى
العسكرة ،انقسام المعارضة وصعوبة الاتفاق على الأهداف والوسائل والآليات ،نحن نعتقد نعم
،بل نعتقد بما هو أكثر ونقول :إن هذا الافتقار هو أساس للعجز.
6* هل عززت الأجندات الدولية والإقليمية والعربية هذا العجز وهذا الانقسام ،وهل أعاقة
الصيرورة المعاكسة نحو الوحدة والحضور :نعم لا شك في ذلك
7* هل كان الاختلاف في المحصلة العامة بين المعارضة التقليدية بكل أطرافها والمحصلة
العامة للثورة المسلحة على الأرض دور في الانقسام والعجز المذكورين،نحن نعتقد نعم ،لأن
المحصلة العامة للمعارضة كانت في أسوأ حالها مدنية وطنية على الأقل ،في حين كانت
المحصلة العامة للفصائل المسلحة في أحسن أحوالها إسلامية بدرجات مختلفة ،وعندئذ كيف
يمكن لمعارضة من النوع المذكور أن تقود فصائل من النوع الآخر ،وبخاصة عندما تكون
المعارضة في حال فقر ذريع جدا في الوجود على الأرض عسكريا ،بل سياسيا لألف سبب
وعلى الرغم من أننا نعتقد أن الأسئلة السابقة لا تستغرق المشكلة المطروحة فإننا ننتقل لضيق
الوقت إلى إبداء الرأي المختصر التالي :
إن مشكلة المعارضة من الناحية الرئيسية هي موضوعية إلى حد كبير والأسباب هي ما
ذكرناها وما لم نذكرها ،ومع ذلك فإن هناك تقصيرا ذاتيا لا يمكن تغطيته بالسبب الموضوعي
.لقد كان بوسع المعارضة التقليدية – نترك جانبا العجز حتى الآن عن ولادة قيادة عسكرية
4
سياسية ذاتية للثورة ،ولأسباب معروفة وقد يتاح لنا لاحقا البحث فيها – نقول لقد كان بوسعها
أن تحقق بعض الانجاز على طريق وحدتها وحضورها ،لو تخلصت من الفكر التقليدي
المتخشب دينيا ويساريا ووطنيا ،وسمحت لبعض الهواء النقي المعاصر باقتحام الرؤوس .وهذا
لم يكن محالا لأن درجة من درجات إعادة النظر في الماضي ومسلماته كانت قد بدأت منذ ما
والأمر نفسه فيما يتعلق بتخلص المعارضة المذكورة من التفكير السياسي والحزبي الضيق
للدخول في الأفق الوطني الأوسع هذا التفكير الضيق الذي رسم الكثير من الأحزاب والكيانات
السياسية والأفراد بشكل مبالغ فيه إلى حد كبير .ومما زاد في الطين بله الافتقار الحقيقي للعقل
المؤسسي وروح الفريق والعمل الجمعي والاحتكام للقواعد الديمقراطية والالتزام بالمواثيق
والوعود ،وهو أفسح في المجال كثيرا وزاد في طغيان الفردية الموجودة في الأصل والتي
طبعت بشكل سافر سلوك الكثير من القوى والأفراد بشكل خاص .وفي السياق نفسه كان
بالإمكان التخفيف إلى الحد الأقصى الممكن من الارتهان للخارج أو للشعبوية الداخلية من أجل
بناء سياسة مستقلة بقدر الإمكان عن املاءات الخارج ،ودواعي الشعبوية الداخلية ونحن إذ لا
نتوهم الاستقلال التام عن العنصرين المذكورين .بسبب كل التعقيد الذي أتينا على ذكره في
الوضع السوري ،إلا أننا نعتقد أن درجة منه- وهي ضرورية- لم تكن في خانة المحال ،ومما
لا شك فيه أن المخاوف الكبرى من المستقبل سواء استمر الصراع أم لم يستمر بشكل أو بآخر
كان له دور ملموس في الإحجام عن الدخول بجرأة في خضم المعارضة الجذرية وفي
موضوع وحدتها وبرنامجها .كما كان هناك الخوف من السلطة وقمعها دور لا يستهان به من
الإحجام الذي وسم الكثير من القوى الداخلية للذهاب أبعد في مشروع معارضة جذرية موحدة.
وربما لعب الفقر المالي وليس الفقر الحضوري فقط ،دورا سلبيا كبيرا في كل سياسات
المعارضة التقليدية وخياراتها وممارساتها .الأمر نفسه فيما يتعلق بفقرها الإعلامي المؤسسي
والحزبي والفردي .وخلاصة القول : – وفي ذلك بعض الغرابة والتناقض في الظاهر- إن
العديد من الأسباب المبدئية والأخلاقية والانتهازية والمخاوف المشروعة وغير المشروعة
والفقر النظري والعددي والمالي كانت وراء التقصير الذاتي وهي من الأسباب التي يمكن
تجاوزها – جزئيا على الأقل- إن لم يكن كليا وقديما قيل: (ما لا يدرك كله لا يترك جله )
ودون الدخول في تفاصيل معروفة للجميع إلى حد كبير نستطيع القول بشكل إجمالي : إن
الخاسر الأكبر في المثلث المذكور في الشهور الأخيرة هو السلطة على كل الأصعدة ،ويتقاسم
الربح داعش والأطراف الإسلامية المقاتلة الأخرى ،ولما كانت داعش تواجه بل ستواجه
بشكل أفضل مستقبلا من التحالف الدولي وربما من غيره ،فإنها هي الأخرى سوف تفقد
5
مكاسبها . وعندئذ سيكون الرابح الأبرز الفصائل التي ذكرناها أعلاه بما فيها جبهة النصرة
.التي تستعد منذ زمن بعيد للحلول كليا أو جزئيا محل السلطة وداعش على حد سواء .وسوف
نترك معالجة مسألة جبهة النصرة إلى وقت آخر مع التأكيد على ضرورة الرفض القاطع
لغض الطرف عنها وعن ممارستها ، وإدلب شاهد على ذلك .
إن ميزان القوى التي ذكرناه للتو لم يعد في صالح السلطة ،وسيكون في المستقبل لغير صالح
داعش على الرغم من احتلالها اليوم لنص مساحة سورية بما فيها مصادر الطاقة الرئيسية
.وهو أمر من شأنه أن يدفع بالحل السياسي خطوة نحو الأمام في حال توفر الموقف الصائب
من قبل الأطراف المقاتلة الأخرى على الأرض ،وهو ما نعتقد انه لن يحصل في المستقبل
القريب .كما لن يحصل – إذا حصل في الأصل- دون موقف حازم من قبل القوى الخارجية
التي تقف بشكل أو بآخر وراء هذه الأطراف أو حتى ضدها ،وهنالك من مؤشرات ايجابية عن
مواقف بعض القوى الخارجية في هذا الاتجاه ،وفي كل الأحوال إذا سمحنا لأنفسنا أن ندلي
بدلونا في هذا الحقل فإننا نقول :
لم تنضج بعد شروط الحل السياسي ،الذي يتطلب العديد من الأمور من بينها خارجيا الاتفاق
الأولي بين الدول الكبرى صانعة القرار والأمر نفسه على صعيد الإقليم والعرب أو اتخاذ
بعض الأطراف منها موقفا حاسما من أطراف أخرى وأخذ الأمور على عاتقها .ونحن نعتقد
أن المقصود في هذه الحال هي الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وتركيا والسعودية وقطر
وربما أطراف أخرى أقل أهمية .وهنالك إشارات إيجابية أولية على هذا المستوى .
على الصعيد الداخلي يحتاج الحل السياسي إلى سيناريوهين :
– إما قيام هيئة الحكم الانتقالي المنصوص عليها في جنيف بدعم من المحور الخارجي المذكور
– كله أو بعضه – وإصباغ الشرعية التامة عليها ودعمها بكل الوسائل والأشكال لمواجهة
التطرف التكفيري الداعشي وغير الداعشي ،عبر كل الخيارات بما في ذلك خيار دخول قوات
إقليمية عربية لدعم الهيئة المذكورة ،وتشكيل قوة سلام وفصل ضرورية بالتأكيد لمستقبل
سورية وشعبها ووحدتها .أو سحق داعش أولا وتحجيم الفصائل الأخرى لاحقا .بما لا يعطي
أي أفضلية للسلطة ووضعها في ميزان القوى .ونخص بالذكر من هذه الفصائل جبهة النصرة
التي لا يمكن تصور حل سياسي بدون مواجهتها أو تركيعها أو إدخالها في المعادلة الداخلية
خارج التصور العقيدي الأممي المتطرف لها .ولما كان من الصعب تصور قبولها بهذا الأمر
،فإن مواجهتها بشكل أو بآخر وإخراجها من المعادلة سيكون ضرورة لا تقل بكثير عن إخراج
داعش نفسها.يبقى أنه من الضروري في هذا السياق زيادة الضغط الشامل والعسكري منه
6
بخاصة على السلطة وحلفائها ،وإضعافها إلى الحد الضروري لإجبارها على الحل الذي يخرج
رأسها من المعادلة السورية .ومن المعتقد أن الأمر سيحتاج في هذه الحال إلى تدخل دولي
حقيقي أيا يكن شكله العسكري ،لضمان إضعاف السلطة وعدم انهيار الدولة وعدم تنمر
الفصائل المقاتلة واستغلال الوضع لصالحها فقط والمرور بسورية إلى بر الأمان مهما يطول
الزمن . ومن الواضح أن كلا السيناريوهين المذكورين بحاجة إلى قوة تدخل عسكرية دولية
إقليمية حاسمة .إذا كان لنا أن نصل إلى ما نريد ،بغض النظر عن الأولويات في كل سيناريو
على حدة . ومن المعتقد أن الصيف القادم سوف يشهد إمكانية معرفة اتجاه الأحداث التي تظهر
ولأن كل الأطراف تستعد ليس منذ الآن فحسب ،بل ومنذ بضعة أسابيع ،ليس للحلول محل
داعش في حال انكماشها وهو متوقع على الرغم من انتصاراتها الأخيرة ،بل وللحلول محل
السلطة في حال تراجعها وانكماشها إلى مناطق نفوذ باتت شبه معروفة .نقول لأن ذلك كذلك
على المعارضة السياسية الجادة أينما تكن الاستعداد مثلها في ذلك مثل غيرها ،للحل السياسي
.وللاستعداد لغير ذلك في حال تعثره بما في ذلك إمكانية تفكك بعض مفاصل السلطة إن لم نقل
انهيارها الذي ليس في الأفق القريب المنظور بعد ،بل نجرؤ على القول ينبغي الاستعداد منذ
الآن للاحتمال الأخير ولاحتمال هيمنة الفصائل الإسلامية على الوضع السوري في الميدان
والسلطة على حد سواء ويجب العمل في سبيل ذلك لتجاوز الوضع المأساوي للمعارضة
السورية التقليدية الناشئة على حد سواء .بدأ من الخروج عن التردد السياسي والمحاور
الإقليمية السياسية والشعبوية الميكانيكية والإمساك بالحلقة الإستراتيجية للأحداث التي هي
وثيقة الصلة بالتحالف الدولي والتحالف الإقليمي العربي الذي يمكن أن ينشأ في المستقبل ومن
المعتقد أن المحصلة العامة لسياسة جزء من المعارضة إنما يصب موضوعيا شاء أصحابه أم
أبو مع كامل حسن النية وبدون الشك في أحد أو إقصائه ،نقول يصب موضوعيا إما في العبث
واللا مكان أو في طاحونة السلطة ،في حين تصب المحصلة العامة اليوم وحتى إشعار آخر
لجزء من المعارضة الأوسع تمثيلا وحضورا في خانة المحور القطري التركي ،مرة أخرى
مع كامل حسن النية والاعتبار وبخاصة فيما يتعلق بالائتلاف الوطني ،بل يمكن الذهاب أبعد
من ذلك في القول : إن بعض الأطراف ممثلة ببعض التيارات الإسلامية وحتى بعض
الأطراف والشخصيات داخل حركة الإخوان المسلمين ، وبعض الممارسات السياسية – ولا
نقول أطراف – من قبل جهات معارضة أخرى سورية تصب الحب موضوعيا في خانة
الفصائل الإسلامية المتطرفة إن لم نقل حتى ذاتيا ،الأمر الذي يستدعي ،ليس وحدة المعارضة
السياسية حول برنامج سياسي وطني فحسب ولا وحدة عسكرية إستراتيجية فحسب أيضا ،بل
الذي يستجيب لمصالح الشعب السوري وأهداف ثورته.إذا لاح في الأفق وكان ممكنا
7
الدفع قدما في تحسين الأداء السياسي المنفرد والموحد على حد سواء ومأسسته جنبا إلى جنب
مع تحسين الأداء الإعلامي الذي هو الآخر بائس بحق والإمساك بالحلقة المركزية والاتجاه
الرئيسي للأحداث والطرف أو الأطراف الأكثر قربا من أهداف الشعب السوري الذي أشرنا
إليه أعلاه والاستماتة في الوجود على الأرض والحضور كطرف فاعل في الميدان من خلال
إقامة علاقة وثيقة مع الفصائل المقاتلة التي تعمل بأجندة وطنية وحتى بأجندة إسلامية معتدلة
حقا لا قولا .والاتفاق على وثيقة برنامجية موحدة لمستقبل سورية وللمرحلة الانتقالية وقد تكون
وثائق القاهرة /2-3/ تموز2012م مع بعض التعديل صالحة على هذا الصعيد .بالإضافة إلى
وثيقة ضرورية تشكل قاعدة وآلية وخارطة طريق للمفاوضات في حال حصولها ،ويمكن
بناؤها على بعض الوثائق الموجودة اليوم مع القدر الضروري من التعديل على ضوء
المتغيرات الحقيقية التي حصلت في المنطقة وفي سورية خلا هذا العام /2015/.
ويجب أن نضيف إلى هذا كله خطابا سياسيا وطنيا جامعا لا لبس فيه ولا تكاذب ولا تدليس
على المشكلة أو المشكلات السورية الحقيقة بدءا من الاحتقان الطائفي المتفجر اليوم قولا
والذي قد يتفجر فعلا إذا سارت الأمور على هواها ،وانتهاء بالمسألة القومية وبخاصة المسألة
الكردية ، مرورا بالحاجة الماسة إلى جيش وطني بعقيدة وطنية سورية جامعة يحب العمل
على بنائه من داخل الثورة والميدان مع الاستعداد الدائم لدمج أي مجموعات منشقة عن جيش
السلطة الذي يتوقع له في القادم من الشهور أن يعود إلى ما كان عليه في البدايات -زمن
الانشقاقات بغض النظر عن أهميتها- نقول مجموعات منشقة ،ولا نقول انقساما على الرغم من
ان التعويل ليس على الانشقاق بل على الانقسام ،ولكن الأخير لا يلوح في الأفق وإن تكن
هنالك مفاجآت في التاريخ يجب الاستعداد لها منذ اليوم وبقدر المستطاع .
إن الخطاب السياسي الواضح المعترف علنا وبوضوح بمشكلات سورية وثورتها ضروري
كل الضرورة ،دون أن يعني ذلك أن الاعتراف بها -وبخاصة الطائفية والقومية- يعني الرد
عليها بالمنطق ذلته ،بل على العكس يعني الرد على المرض الحقيقي الموجود والمعترف به
بخطاب وطني قادر على تفكيكه وتجاوزه وبخاصة إذا تساوق ذلك مع برنامج سياسي توحيدي
أشرنا إليه مرارا وتكرارا ،وقبل كل شيء وبعده ، يبدو من المحال تجاوز الطائفية والقومية
بخطاب متعال لا يعترف بها ويتركها ألغاما خطيرة في رحم المستقبل على الرغم من تفجرها
السافر بكل قبح وبشاعة ،كما هو من المحال أيضا تجاوز المشكلات المذكورة بخطاب من
إن الخطاب السياسي المتجاوز لا بد أن يشفع بالفعل السياسي والفكري والاجتماعي المتجاوز
أيضا .كما ليس من المعيب طلب العون الضروري من الخارج للمساعدة في ذلك .مع توفر
8
المرونة العالية والمبدئية الوطنية للدخول في خطة عملية وليس سياسية فكرية فقط .لتذليل
المخاوف الحقيقية والوهمية للطوائف مجتمعة أم منفردة على أرض سورية .هذه الخطة العملية
التي لا وجود لها في العلن والتي يخرس الجميع تقريبا عنها على الرغم من الكثير من اللغط
يدور حولها في الغرف المغلقة .والمعارضة السورية مجتمعة مطالبة بالعمل على صعيد
العلاقات الخارجية الدولية والإقليمية والعربية بفعل الكثير من أجل كسب الرأي العام على هذا
الصعيد ،رسميا ومدنيا وشعبيا وحزبيا….الخ
ويجب عدم الاكتفاء أبدا بالعلاقات الموسمية مع بعض الدول ،والميدان المذكور وعلى الرغم
من انه ليس في صفها الأغلب الأعم وبخاصة دوليا ،إلا أن العمل به ضروري لتغيير هذا
الواقع وعلى الأقل تحييده إن لم نستطع كسبه إلى صفنا .
إن المطلوب من معارضتنا السياسية أكثر بكثير مما تقوم به وهو أقرب ما يكون إلى انتفاضة
فكرية سياسية ميدانية تنظيمية جديرة أن تسمى بحق انتفاضة الحياة .فهل نحن جديرون بكسب هذا
الرهان.
تيار مواطنة 21-10-2015