التقرير السياسي لمؤتمر تيار مواطنة 14 تشرين الثاني 2015

في السياق الإقليمي والدولي:
يبدو العالم وكأنه أمام منعطف جديد في التعامل مع الوضع السوري والإقليمي يوحي ببداية الخروج من الاستعصاء التاريخي الحاصل، ومع أن الخطط والإجراءات والتوجهات لا تزال الى حد ما غير واضحة، وربما متناقضة، وكل يوم نكون بانتظار نتائج لقاءات أو مبادرات أو اجتماعات، فإن هناك توتراً يسبق الوصول إلى حالة الاسترخاء، التي يمكن ان تبدأ بوجود تصورات محددة وبرامج تنفيذية وزمنية.
توقيع الاتفاقية النووية مع إيران ينهي مرحلة طويلة من المفاوضات الصعبة بالتوصل الى اتفاق يحد من الطموحات النووية الإيرانية ويضعها تحت المراقبة والسيطرة العالمية خاصة في منطقة الشرق الأوسط حيث تمارس نفوذها بفعالية. وضمن النظرة الغربية والأمريكية خصوصاً لابد من الموازنة بين القوى الكبرى في المنطقة، وإذا تم الحد من الطموحات النووية الإيرانية فلا يزال نفوذها الإقليمي في المنطقة مطروحا على البحث، وهو نفوذ ملتبس، مسموح به بحدود مواجهته للخطر الداعشي عبر دعمه للنظامين العراقي والسوري، إنما هذا لا يعني السماح له بالتمدد ضمن مشروع ديني-طائفي على حساب القوى التقليدية في المنطقة “السعودية”، أو تهديد وربما مجرد إزعاج الحليف الإسرائيلي عبر بعض أدواته “حزب الله” أو على الأقل جناحه العسكري الموسوم عالميا بالإرهاب.
وقد كاد الوضع الإقليمي أن يتحول عن توازناته التقليدية بسبب الطموحات الإيرانية التي استحالت عن مشروع تصدير الثورة الإيرانية الإسلامية، والتي هيج انتصارها في نهاية السبعينات مداً إسلامياً متنوع التوجهات،استحالت الى مشروع مد النفوذ الإيراني، نفوذ الدولة الإيرانية، الى الإقليم بالاستعانة بالموروث الديني الثقافي المتوازع بين السنة والشيعة، معتمدة على انكفاء السياسة الغربية عموما عن التأثير الفاعل في المنطقة ومعتمدة ايضا على عدم وجود مشروع عربي تحديثي للملكيات والإمارات الحاكمة وعلى إفشال الربيع العربي في بلد مثل مصر، وعلى دعم روسي يحاول استعادة الدور الروسي التقليدي في المنطقة،وكل ذلك مكنها من لعب دور يتجاوز قوتها الحقيقية أو قوة أدواتها المحلية ودوائر نفوذها.
وكان طبيعيا أن تستفيق الملكيات على هذا التجاوز الإيراني في عقر دارها في اليمن وتبدأ عملاً عسكرياً يحظى بدعم دولي أمريكي خاصة وغربي، وبدعم الشرعية الدولية عبر قرار الأمم المتحدة 2216، ووفق رؤية سياسية عقلانية لحل سياسي يقر بمشاركة الجميع ودون إقصاء لأي من مكونات المجتمع اليمني، ويمكن اعتبار “عاصفة الحزم”أو “إعادة الأمل” أول خطوة هجومية تقوم بها السعودية ودول الخليج للمحافظة على دورها ولاستعادة ما فقدته من نفوذ، لكن هذا العمل العسكري السياسي له أيضا أهمية في تأثيراته وإيحاءاته بإمكانات الحلف العربي التقليدي وقوة حلفائه العالميين، والهامش المسموح به، لهذا الحلف إقليمياً.
ويتجه الوضع في اليمن الى انحسار واضح للحوثيين وعلي صالح، وربما على طريق الهزيمة الكاملة دون أن يعلن هؤلاء عن وجود استعداد حقيقي للقبول بالقرار الدولي 2216 باستثناء بعض التصريحات عن قبول مشروط بنقاطهم السبع التي يعتقد أنهم سيتخلون عنها كلياً أو جزئياً في نطاق الاجتماع الذي يمكن أن يكون في أواسط تشرين الثاني لهذا العام، ربما لأنهم لا يزالون يمتلكون مقداراً كبيراً من القدرة العسكرية والبشرية في مواجهة الحلف الخليجي السعودي، ولكن أفقهم اصبح محدوداً، وبالنتيجة لن يتم اقصاؤهم عن العملية السياسية في اليمن، لكنهم سيفقدون معظم مراكز قوتهم وسيطرتهم على الدولة اليمنية وسيعودون الى مراكز قوتهم الجغرافية العشائرية او الدينية الطائفية. إن التأثير الإقليمي لعاصفة الحزم أو الامل ربما يكون ذا طابع متناقض فهو من جهة يشكل صفعة حقيقية للإيرانيين ويخرجهم بشكل شبه كامل من اللعبة، عدا المحافظة على بعض العلاقات على أساس ديني طائفي، لكنه من جهة اخرى، وهذا ما يجب أن نهتم به كثيراً، سيكون له تأثير على التشدد الايراني في الملف السوري فإذا خسر الإيرانيون الساحة اليمنية فإنهم سيسعون بكل قوتهم الى عدم خسارة الساحة السورية التي يمتلكون فيها اوراقاً أقوى، وحيث خسارة نظام الأسد لن تسمح لهم بأي نفوذ مستقبلي وربما يكون وجود التمثيل الديبلوماسي لهم موضع شك.
وفي العراق حيث يثبت التاريخ الترابط الوثيق بين البنى السياسية والاجتماعية والتأثير المتبادل وتناوب الخصومات والصداقات بين النظامين السوري والعراقي وهشاشة الحدود الجغرافية، أثبتت التجربة العراقية فشل النموذج المدعوم إيرانياً، رغم أن نخبتها وصلت إلى السلطة بشكل ديموقراطي لكن هذه النخبة لم تنشغل ببناء دولة مؤسسات أكثر مما انشغلت ببناء ولاءات ومصالح معتمدة على الدعم الايراني فانتهت إلى فشل سياسي واقتصادي وإلى فشل عسكري ذريع في مواجهة داعش، داعش التي عرفت كيف تستفيد من خصائص التداخل الجيوسياسي والاجتماعي والديني والطائفي لتقيم “دولتها ” ولتسيطر بسهولة فائقة على أسلحة عدة فرق عسكرية عراقية ولتسيطر على مساحات شاسعة تتواصل بين سورية والعراق ومستفيدة من الانقسام الطائفي الذي عمقته ممارسات النظامين اللذين انهت مصالحهما السياسية العداء السابق لتتعاونا في وجه عدو جديد. ويهمنا هنا التأكيد على أن الدعم الإيراني لا يمتلك- وربما لا يمكن أن يمتلك إلا بحدود نظامه السياسي ذي التعددية المضبوطة والموجهة – أية رؤية تحديثية للأنظمة التي يدعمها ولا يريد منها أكثر من الولاء والتبعية لنفوذه، وهذا يؤكد ما قلناه سابقا عن انتهاء مشروع تصدير الثورة وقيمها.
إن للثورة المضادة في مصر بقيادة السيسي تأثيرات درامية على الوضع العربي فهو لم ينه فقط ثورة 25 يناير بل أعاد مصر سنوات الى الوراء ربما إلى ما رواء عصري مبارك والسادات فهو أشبه ما يكون بالنسخة المهزلة للناصرية، وفي حين كان انتصار الربيع العربي في مصر كفيلاً بانتصاره في بلدان أخرى، أو على الاقل دعم تغييرات حقيقية في الدول العربية بسبب الدور التاريخي لمصر في المنطقة العربية، فقد أصبحت مصر نموذجا سيئاً في الفساد الإداري والسياسي والإعلامي والقضائي وفي القمع والحد من الحريات العامة والصحفية والسياسية، وعلى المستوى العربي وبحجة مواجهة الإرهاب يدعم السيسي النظام السوري بالأسلحة والمعدات وينسق معه سياسياً وأمنياً، وبانقلاب السيسي خسرت الثورة السورية ساحة هامة للتواجد والتأثير والعمل والتفاعل مع الشعب المصري الذي كان بمعظمه مؤيدا للثورة السورية، وخسرت أيضاً التأثير المصري التقليدي على الجامعة العربية الذي كان أيضاً لمصلحة الثورة السورية، مع ذلك فإن الدور المصري في عهد السيسي ليس مرشحاً للعب دور إقليمي هام، ومشروع القوة العربية المشتركة التي يمكن أن يكون له فيها دور لا يبدو أنه سيرى النور قريبا بسبب عدم التوافق عليه، هذا في حين يحقق الحلف الخليجي نجاحات حقيقية في اليمن تسمح بتصور دور إقليمي أكبر له،في سورية مثلا، برعاية دولية كررت الدول الغربية اكثر من مرة استعدادها لدعم مثل هذا الدور.
بعد تلميحات وتردد أصبح ثابتاً في الخطاب السياسي الغربي،تحميل المسؤولية الحقيقية للنظام السوري عن وجود ونفوذ داعش والتطرف عموماً سواء كتأثير غير مباشر لسياساته القمعية والوحشية والطائفية أو عبر مسؤوليته المباشرة في رعاية التطرف بداية عندما كان يرسل المتطرفين إلى العراق،ثم الإفراج عن المتطرفين الموجودين في سجونه في الأشهر الاولى من الثورة السورية، ثم عبر التسهيل والتساهل العملي معهم عسكرياً ليكون لهم قوة عسكرية وتواجد على الأرض يسمح له بالقول أمام العالم أنا أو داعش، والتشدد بنفس الوقت مع المعتدلين، لكن الشيء المهم أن هذه اللعبة وصلت إلى نهايتها على الأقل بالمعنى النظري، صحيح أن معظم العالم الغربي لا يزال يرى أن داعش والنصرة والمتطرفين هم الخطر الاكبر لكن هذا العالم يدرك أن الأسد مغناطيس للإرهاب وانه مسؤول عن قتل السوريين بنسبة 99% وعن تدمير المدن والقرى والبنى التحتية، وأخيرا يدرك أن بقاء الأسد لا يسمح بمواجهة حقيقة لداعش وهزيمتها، أما بالمعنى العملي فلم يطور الغرب بعد، ترجمة حقيقية لاستراتيجية تتعامل مع هذه الحقيقة.
مع ذلك لا تزال المشكلة بنظر الغرب -كما يرسم الواقع الآن، فهو لم يكن كذلك عند بداية الثورة السورية – هي مشكلة البديل في حالة سقوط الأسد، ولا بد من الاعتراف بأنهم محقون في ذلك، فالقوى العسكرية والتكوينات السياسية السورية التي تحمل مشروعاً وطنيا غير ديني وغير طائفي لا تزال هي الأضعف، ولسنا الآن في مجال مناقشة الصيرورة التي أوصلتنا الى هذه الحالة فلابد أن نتعامل معها كواقع قائم، إذن هم يريدون إطاحة الأسد-في نهاية المطاف- كمسؤول عن الوضع الكارثي في سورية لكنهم لا يريدون أن تحل داعش أو النصرة مكانه، وإيجاد حلول لهذه المعادلة الصعبة لا يزال يتعثر فخطاب الجولاني المطمئن للغرب لا يعني أنه يمتلك مشروعاً داخلياً وطنياً أو مدنياً وفي حين تشكل النصرة مكوناً عسكرياً قوياً في الشمال وابتدأ بتقوية نفوذه في الجنوب، فإن تدريب مقاتلين على يد أمريكا هو مشروع يتقدم ببطء شديد ويعاني من إشكاليات عديدة من أهمها عدم وجود توجه استراتيجي أمريكي للتعامل الفعلي مع الملف السوري وعدم امكانية توظيف هذا الجهد في مشروع سياسي سوري لا يكون عنوانه فقط مواجهة داعش، وكذلك مشكلة الحاضنة الاجتماعية والحماية العسكرية للمقاتلين المدربين.أما الاحتمالات الاخرى الأقل أهمية فربما تساهم في حل الكثير من المعضلات نقصد هنا احتمال خروج بديل من داخل النظام أو عبر ضغط غربي او روسي ايراني، يضمن استمرار مؤسسات الدولة وينخرط مباشرة في حل سياسي، ويسمح لنا الضعف الواضح للنظام عسكرياً وبشرياً وسياسياً، كما عبر عنه رأس النظام، وربما بعض التوترات الداخلية في مناطق نفوذ النظام اللاذقية –السويداء وضمن استمرار الضغط العسكري والسياسي على النظام وإحداث اختراقات جديدة بعد اختراقات إدلب وجسر الشغور وبعض مناطق من درعا وسهل الغاب وكذلك انعدام أفق تجديد مشروعية الأسد دوليا- حتى لو تم التفاوض معه وقبوله في بداية المرحلة الانتقالية – وذلك رغم الدعم الايراني والروسي، ربما يسمح لنا كل ذلك بأن لا نهمل مثل هذا الاحتمال. لكن ما أسميناه المعادلة الصعبة، أو ربما ذات الحل المستحيل، إضافة إلى الانكفاء الأمريكي – الآن وفي الأمد المنظور- والعجز الأوروبي، وبالمقابل الاندفاع الروسي الذي تحول تدخله في الوضع السوري إلى تدخل نوعي في الأسابيع الاخيرة، كل ذلك ربما أعاد النقاش في أطراف او حدود المعادلة الصعبة الحل لنشهد تحولا شبه كاسح عالمياً نحو ضرورة التفاوض مع الأسد من أجل حل سياسي رغم التفاوت في الموقف حول دوره في اجرائيات المرحلة الانتقالية، مع شبه اتفاق على عدم وجود دور له في مستقبل سورية السياسي. إن الترجمة الحقيقية على الأرض للتوجهات العالمية الجديدة لا تزال بانتظار ما سيسفر عنه التوجه العالمي الجديد غير المنسجم تماما، ولكن من الطبيعي أن نتوقع أن القوى الاكثر فاعلية في الساحة الجيوسياسية التي يجري الصراع فيها “الروس وايران ” يمتلكون الأوراق الأقوى في الحل السياسي المتوقع، لكن بالمقابل القوى الإقليمية الأخرى “تركيا، قطر، السعودية” وإن كانت ستتأثر بالموقف الأمريكي والغربي عموما، لكنها أيضا لها حساباتها الخاصة، خاصة تركيا،وهي جميعها تمتلك على الأرض تأثيرا قوياً على المقاتلين، كما انها تنسجم مع الأفق الاستراتيجي للتغيير في الوضع السوري الذي تدعمه معظم الفعاليات العسكرية والسياسية السورية وهي إن لم تكن قادرة على فرض حل يناسبها فانها قادرة على تعطيل أي حلٍ لا يحقق الحد الادنى من متطلباتها، من هنا صعوبة الوصول الى حل سياسي يوفق بين جميع المتناقضات، ولكن يمكن أن نرجح أن حلا سياسيا يضمن رحيل الأسد بعد فترة محددة ربما هي ضمن الفترة الانتقالية، مع ضمانات دولية حقيقية، يمكن أن يكون حلا قابلاً للتطبيق ومن يقدر على إخراجه للواقع في الظروف الحالية هم حلفاء النظام الروس والإيرانيين. ولم نتكلم عن الاطراف التي هي خارج الحسابات السياسية للعبة أو الحل “داعش والنصرة” التي ربما ستتوحد أمام أي حل سياسي وهي تمتلك إمكانية كبيرة، إن لم يكن على إفشاله، فعلى الاقل على إعاقته لفترة طويلة ومن يحدد هذه الفترة حجم الجهد العالمي المبذول والاستراتيجيات المناسبة اقليمياً في العراق وسورية خاصة ودرجة نجاح المرحلة الانتقالية داخل سورية.
كاد الاتفاق الأمريكي التركي القاضي بالسماح للطائرات الأمريكية باستخدام القواعد الامريكية القريبة لضرب داعش واشتراك الطرفين في توجيه الضربات مقابل الموافقة على إقامة منطقة آمنة، كاد هذا الاتفاق أن يشكل مدخلا حقيقيا لبداية فرض حل سياسي فالمنطقة العازلة في الشمال السوري، وكان هناك أيضا احتمال لمنطقة اخرى في الجنوب، كانت مطلبا ملحا للثورة السورية، بما تعنيه من إقامة منطقة تحييد للطيران “القوة الفاعلة للنظام “وإفساح المجال أمام المجموعات المسلحة لتنظيم وتشكيل جيش حقيقي يحظى بدعم إقليمي ودولي عسكرياً وسياسياً، وبما تحققه من عودة المهجرين، ومن توفر منطقة تشكل مثالا جاذبا،، لكن الآمال المعلقة على المشروع تكاد تتبخر قبل أن يبدأ تنفيذه، مع أنه لم يفقد بعد كل فرص التحقق، وبالمقابل وفي الأسابيع الاخيرة ثمة معالم جديدة بدأت ترتسم على أرضية الانكفاء الامريكي عن الفعل، أهمها بداية تغير نوعي في نمط التسليح والدعم العسكري للنظام السوري عبر تزويده بأسلحة جديدة وعبر تطوير مدرجات مطار حميم في جبلة وتواجد عسكري بشري روسي وتشييد منازل للجنود الروس وكشفت صور الأقمار الصناعية عن وصول طائرات مقاتلة روسية إلى قاعدة جوية في اللاذقية، وذلك بعد إرسال موسكو لطائرات مروحية وعتاد وآليات إلى جانب جنود من مشاة البحرية الروسية، وربما بدأ الحديث عن انتشاره الى للمشاركة في تدعيم المواقع العسكرية للنظام السوري والتعويم العملياتي له بل والقيام بضربات جوية كثيفة وعنيفة ومتلاحقة منذ 30 أيلول وحتى الآن. طبعا كل ذلك ترافق مع اعترافات للروس ولوزير خارجية النظام بهذا الدعم وبإمكانية تطويره وبالطبع مع التأكيد على أنه ينسجم مع القانون الدولي باعتباره تلبية مشروعة لطلب من نظام معترف به.وبدرجة أقل ايضا بدأ الحديث عن تواجد بشري عسكري ايراني ربما هو تطوير للمشاركة الميليشاوية المستمرة. وباعتبار إيران وروسيا تحرصان على استمرار وبقاء النظام السوري فإن الأعمال العسكرية الروسية والإيرانية تحصل ضمن توجه متضامن متكافل، حتى لو أنه يحمل بذرة بعض التعارضات بسبب الطابع الديني الطائفي، ذي الخطاب الممانع والمعادي لإسرائيل لإيران وبالمقابل الطابع العلماني الصديق والحريص على المصلحة الإسرائيلية وربما يمكن إضافة بعض التعارضات المتعلقة بمصالح اقتصادية مستقبلية، التدخل الروسي -الإيراني المباشر يكتسب مشروعية واقعية، وإلى حد ما مشروعية سياسية دولية، بسبب الانكفاء الغربي، وبحجة مواجهة داعش، مع أن دوره الاساسي هو تحقيق المصالح الدولية لهذين الطرفين في حاضر ومستقبل سورية عبر حماية الأسد فبغير حماية الاسد لن تكون هذه المصالح مضمونة،والنظام من جهته يبدو أنه غير قادر على استعادة السيطرة على أغلب المناطق التي فقدها، ولا يزال يتعرض لنزيف بشري مستمر، ولأزمة اقتصادية خانقة، وتصبح ظروف الحياة الطبيعية في أماكن سيطرته اكثر صعوبة. ويشكل الاقتراح الروسي ببدء مفاوضات عسكرية مع الأمريكان تتعلق بالوضع العسكري في سورية وقبول الطرف الامريكي لها تعبيرا واضحا عن المشروعية المكتسبة للتواجد الروسي، ولو كانت القصة هي محاربة التطرف وداعش لكان الروس سعوا الى تفاهم استراتيجي وميداني عسكري وسياسي مع الغرب، لكن إذا كان الغرب يريد محاربة داعش دون تقوية النظام السوري فإن الروس يريدون محاربة داعش دون تقوية الأطراف المعارضة الاخرى وحماية مناطق نفوذهم في الساحل السوري، ومن أجل تقوية الموقع التفاوضي للنظام السوري. إن مستقبل الوجود الروسي محفوف بالمخاطر لأن الصراع ذو طبيعة حدية ولا نتصور تسوية ممكنة –غير استمرار الامر الواقع – تسمح بنفوذ كالذي تطمح إليه إيران وروسيا ربما حتى مع القيام بدور واضح في إزاحة الاسد، مع ذلك يبقى المستقبل غامضاً مع تعدد وتنوع الفصال العسكرية وإمكانية استمرار دعمها لفترة طويلة، وربما تبرهن على ذلك تجربة ضرب داعش في سورية والعراق التي بدأت منذ ما يزيد على سنة لم تحقق حتى الآن النتائج المرجوة وحتى لم تفقد داعش إمكانية المبادرة العسكرية.ولا نعتقد بتغير هذا المسار او التوجه التاريخي طالما بقيت السياسة الامريكية على حالها، ويبدو انها ستبقى هكذا على الاقل حتى نهاية ولاية اوباما.
ومن المفيد القول في هذا السياق إن الموقف الإسرائيلي من تغيير النظام عسكرياً يدخل في باب المحظور حالياً، وخاصة بما يعنيه هذا الإسقاط الفوري واستلام قوى إسلامية – جهادية للسلطة في سورية، مما يعني التهديد المباشر لأمن إسرائيل – هذا على الأقل من وجهة نظرها. وقد بدت تأثيرات هذا التوجه الإسرائيلي في الضغط على الإدارة الأمريكية –وربما على دول أخرى- من أجل عدم تقديم الدعم المباشر للفصائل المقاتلة ضد النظام السوري. وليس نافلاً القول أيضاً إن إسرائيل ليست مع بقاء نظام الأسد ولكنها غير مستعجلة في استبداله اللهم إلا بنظام تستطيع التفاهم معه في المستقبل ولو طالت عملية الاستبدال هذه أشهراً أخرى، طالما أن حدودها ما تزال بعيدة عن خطر انتقال الحرب عبرها إلى داخل إسرائيل أو إلى انتقالها إلى الدول المجاورة لسورية كلبنان والأردن أيضاً.
إن مجمل التعقيدات والصراعات الاقليمية والعالمية على الساحة السورية وعدم وجود افق للحل في المستقبل القريب والطبيعة الحدية للصراع التي لا تسمح، حتى الآن، بتوافق مقبول من جميع الاطراف، إضافة الى المشكلة الطائفية في سورية، التي أعادت المجتمع السوري عشرات السنوات الى الوراء حيث كان يجري اندماج واقعي بطئ بحكم طبيعة المجتمع والاقتصاد والتنقل الجغرافي، رغم الطبيعة الطائفية للنظام والتوظيف السيئ للطائفية كأحد مصادر السيطرة، في حين أصبح التعايش بين المكونات السورية وتحديدا بين السنة والعلويين أمرا صعباً ومعقداً، كل ذلك يطرح فكرة التقسيم في سورية طبعا التقسيم السياسي مرفوض محليا واقليميا ودوليا، وحتى من قبل أطراف الصراع في سورية، لكن استمرار المراوحة في المكان، واحتفاظ كل طرف بمناطق سيطرته، سيخلق موضوعيا وقائع عديدة على الأرض لصالح تقاسم فعلي وهذه الحالة ستشكل عائقا حقيقياً أمام إعادة توحيد الكيان السوري على أساس وطني مع ذلك لا يزال هذا الخيار الصعب والمعقد هو المنشود بالنسبة لجميع مكونات المجتمع السوري.

في الوضع المحلّي – الميداني والسياسي
لقد مضى ما يزيد على ثلاثة سنوات منذ انعقاد المؤتمر الأخير لتيار مواطنة، جرى فيها الكثير من الماء تحت جسر الزمن، وقد كان من عادة التيار متابعة الأحداث عن كثب عبر العديد من التقارير.
بدأت بالتقرير الأول في 12/1/2012 وتواصلت حتى التقرير السابع في 8/9/2013 الذي كان الأخير، لأنه توقف هناك مفضلاً متابعة الأوضاع عبر أساليب أخرى تتراوح بين المقالة والبيان مروراً ببعض المطالعات الإستراتيجية التي صدر أحدها على الأقل تحت عنوان: نقاط استناد لإستراتيجية عمل وتتعلق بالموقف من التحالف الدولي وإعلانه بدء الضربات ضد داعش في سورية في 23/9/2014.
من الضروري القول اليوم: أن الأساليب المذكورة -خارج التقارير – لم تكن كافية للإمساك بالوضع السوري عرضاً وتحليلاً وممارسة، ولذلك ربما كان مشروع التقرير هذا مقدمة لاستعادة الإحاطة به. ولما كانت التقارير السبعة التي أشرنا إليها أعلاه قد أوضحت إلى حد كبير خط التيار الفكري والسياسي والعملي فإنه ليس هنالك من داع لإعادة اختراع البارود، وبوسع الرفاق -وكل أحد- العودة إليها للوصول إلى المعرفة الضرورية، لأنه من المفترض ان تكون مبذولة لمن يريد، كما انه لا معنى يذكر – باستثناء (مآلات الثورة)- للخوض من جديد في التطورات المهمة التي حصلت طيلة الفترة المذكورة، لأننا نعتقد أن الأهم هو التركيز على التطورات شبه النوعية – إن لم نقل النوعية- التي حصلت خلال هذا العام وبخاصة خلال الربيع الأخير وحتى كتابة هذا التقرير، ولما كانت الأحداث تتسارع بشكل كبير بدءاً من التدخل الروسي، ولما كان من المحال متابعتهما إلى النهاية أو على الأقل مواكبتها فإننا نعتذر عما هو غير ممكن ونركّز التحليل على الوضع حتى زمن الكتابة التي بين أيدينا.
نبدأ بالقول: إن التطورات الميدانية التي حصلت في سورية خلال السنوات الثلاث الماضية مرئية ومعروفة للجميع ولا داعي لاستعادتها، ولذلك يمكن التركيز على أهم المحطات الأخيرة التي من بينها التقدم العاصف الذي حققته داعش في محافظات سورية عدة تبدأ من جنوب الحسكة وتمتد إلى شرق حمص وشمال حلب، بحيث أصبحت تستولي تقريباً على ما يقارب ثلث سورية، الثلث القليل السكان والصحراوي إلى حد كبير، ولكنه الغنيّ بالنفط والغاز، وفي بعض الأماكن بالزراعات الحقلية كالقمح والشعير، بالطبع ثمة استثناء هو شمال حلب الكثيف بالسكان، وداعش تضغط اليوم باتجاه دمشق وحمص بوتيرة مدروسة تأخذ بعين الاعتبار كل العوامل المحلية والعربية والإقليمية والدولية.
من نافل القول: إن هذا التقدم العاصف قد أحدث تداعيات شبه نوعية في موقف كل الأطراف من الصراع في سورية وخلق وضعاً أقل ما يقال فيه: إنه ليس لصالح الشعب السوري ولا المعارضة السياسية ولا المقاتلين الآخرين على الأرض، وأجبر أطرافاً عدّة على تشكيل التحالف الدولي لضرب داعش في العام الماضي جوياً في العراق/10/ آب وفي سورية /23/ أيلول ومن التداعيات المحلية الأخرى لتمدد داعش هذا معركة عين العرب-كوباني، ومعارك الجزيرة الأخرى حيث استطاع الكرد بمساعدة التحالف الفعلية إنزال هزيمة بداعش في العديد من المناطق، وبخاصة في عين العرب، وتل أبيض، وشمال الحسكة، والحسكة نفسها.
ليس هذا فحسب بل أن الـ /PYD/ والـ/YPG/ استطاعا التعاون والتنسيق مع قوات التحالف- الأمر الذي يشكل نقلة هامة في الصراع سياسياً وعسكرياً، إذ لولا ذلك لما كان الكرد اليوم في الموقع الذي هم فيه- جنباً إلى جنب مع استمرار التنسيق والتعاون مع السلطة- الطغمة كما كان الحال دائماً على وجه التقريب، ويصح القول: إنّ الأطراف الثلاثة: الكرد والسلطة والتحالف الدولي كانت في خندق واحد- عملياً- ضد داعش في الجزيرة وبخاصة في مركزها الحسكة، الأمر الذي مكّن الكرد من أن يكونوا القوة الحقيقية السياسية والعسكرية والإدارية على الأرض في نهاية المطاف، وان يضعوا موضع التطبيق الفعلي نظام الإدارة الذاتية في الكانتونات الثلاثة: القامشلي، عين العرب-كوباني، عفرين، حيث سنعود لاحقاً لمعالجة الوضع المذكور على صعد أخرى: سياسية واجتماعية وقومية.
ننتقل الآن نحو الغرب لنقول: إن جبهة النصرة وفصائل إسلامية أخرى استطاعت تشكيل غرفة عمليات جيش الفتح الذي انتزع إدلب ومركزها بشكل كامل تقريباً بعد معارك مركز المحافظة وجسر الشغور وأريحا والمعسكرات السلطوية وصولاً إلى أبي الضهور وأخيراً إلى اتفاق الهدنة الذي وقع منذ وقت قصير مع السلطة وإيران وحزب الله حول الفوعة وكفريا والمناطق المحيطة بهما والزبداني ومضايا… الخ. وأصبح جيش الفتح نتيجة لهذا التقدم على أبواب المناطق التي تشكل الخزان البشري للسلطة في جبال الساحل وسهل الغاب وهو الأمر الذي كانت له تداعيات مهمة جداً والتي من بينها بالتأكيد التدخل الروسي ليس من خلال الدعم الهائل للسلطة بالسلاح النوعي والخبرة و… الخ بل بالتحديد من خلال الحضور المباشر في الجو أصلاً وعلى الأرض بشكل أو بآخر، وسنأتي لاحقاً على الأسباب الأخرى لهذا التدخل وعلى تداعياته المتوقعة.
وفي الجنوب وعلى الرغم من التوقف الفعلي للهجوم الذي بدأ في أواخر (آذار ربما يعود للانطلاق مرة أخرى)، فإن بعض النتائج التي تحققت في بصرى واللواء /52/ دقت جرس الانذار، وبخاصة في حال تضافر ذلك مع الهجوم في محافظة القنيطرة والغوطتين الشرقية والغربية بحيث يصحّ القول لاحقاً: إن العالم كان على موعد في شهر آذار في شمال سورية وجنوبها -وفي اليمن أيضاً- وإن آذار المذكور ربما ينطبق عليه القول العربي المشهور: “هذا يوم له ما بعده”.
ولاستكمال الصورة لابدّ من الإشارة إلى احتلال السخنة وتدمر وبعض حقول النفط والغاز في بادية حمص والسيطرة على طريقين استراتيجيين هما طريق دير الزور-دمشق ودمشق -العراق، ولايزال احتمال التقدم غرباً نحو حمص والقلمون الشرقي وارداً دائماً، وفي سياق متصل ربما كان من الضروري التركيز على احتلال داعش لريف حلب الشمالي وانتزاعه بشكل شبه كامل من قوات المعارضة لما هذا الاحتلال من أهمية بالغة إن يكن في أسبابه أو تداعياته التي من بينها- وقد يكون أهمها- السيطرة على المنافذ الحدودية مع تركيا في هذه المنطقة للتعويض عن فقدان داعش للسيطرة على المنافذ في الجزء الشمالي الشرقي من سورية التي أصبحت في يد الكرد بدءاً من منقار البطة وانتهاء بعين العرب-كوباني، إن سيطرة داعش على المنافذ الحدودية شمال حلب مهمُّ جداً لداعش كي لا يكون المعبر الوحيد هو نحو العراق وكي تؤمن انتقال المقاتلين المتطرفين والسلاح والمال في الاتجاهين على هذه المنافذ، وهي مهمة أيضاً في قطع خطوط الإمداد عن الفصائل المقاتلة الأخرى كما تشكل في الوقت نفسه ضربة قوية لمحاولة التمدد الكردي نحو الغرب من نهر الفرات ليس هذا فحسب، بل أن هذه السيطرة تصعب إلى الحد الأقصى إنشاء منطقة آمنة هناك بإشراف تركي، لأن من شأن وجود داعش هناك إحراج الحكومة التركية على كافة المستويات إلى حد واضح جداً، لأن قيام منطقة آمنة بوجود داعش – وهذا من شبه المستحيل- يحول تركيا إلى مظلّة واقية لها، وهذه فضيحة لا تحتمل بعد كل فضائح أردوغان في دعمه المباشر وغير المباشر لداعش ومثيلاتها، والواقع هو أن الاصطدام بداعش حتمي في حال أرادت تركيا إقامة المنطقة الآمنة، لأن داعش ليست في وارد الانسحاب الطوعي كرمى لأردوغان وبهذا المعنى يمكن القول: إن داعش قد تغدّت بالترك قبل أن يتعشوا بها، ومع ذلك فإن حضورها المكثف هناك يزيد إلى حد كبير في الضغط الواقع على أردوغان عالمياً وإقليميا ومحلياً لمواجهة داعش وهو ما يتهرب منه إلى حد سافر على الرغم من توقيع الاتفاق مع أمريكا في أواخر تموز، وعلى الرغم من مرور ما يقارب ثلاثة أشهر فإن أردوغان لم يتوجه بعد ضد داعش وهو يجسد هجومه على الإرهاب حتى الآن بالهجوم على حزب /PKK/ فقط معطيا الانطباع بأن الاتفاق مع أمريكا بالنسبة له لم يكن أكثر من غطاء للهجوم على الحزب المذكور وقواته المسلحة تاركاً مواجهة داعش للتحالف الدولي مؤجلاً إلى إشعار آخر دخوله في هذه المواجهة، ومن الممكن أن يكون وقف النشاط العسكري ضد تركيا من قبل العمال الكردستاني /PKK/ إلا في حالة الدفاع عن النفس مدخلاً إلى إحراج أردوغان من جديد في علاقته المتلبسة بداعش.
وفي كل الأحوال يشكل الاتفاق التركي – الأمريكي المذكور نقلة ملموسة في الموقف التركي من التحالف الدولي سياسياً وعسكرياً وعملياً وإعلامياً، وقد نأتي لاحقاً على ذلك في الحقل السياسي، وما دمنا في هذا السياق فإن احتلال داعش لريف حلب الشمالي دفع بمعركة حلب التي كانت على جدول الأعمال إلى الوراء في الزمان والمكان والإمكانية، وخلق وضعاً ميدانياً لصالح السلطة على غير صعيد، إن فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة، أو معركة حلب، أو حالة الاشتباك بين داعش وتركيا- نظرياً على الأقل- والاشتباك الفعلي بين داعش وسائر الفصائل الإسلامية المقاتلة الأخرى و..الخ.
وبدون الإطالة أكثر ننتقل إلى جبهة القلمون الغربي حيث شاهدنا هناك الهجوم الرئيس للسلطة وحلفائها وبخاصة حزب الله ويبدو هذا الهجوم بوصفه الاستثناء الرئيسي حتى دخول الروس في استراتيجية السلطة الدفاعية في المناطق الأخرى، وأسباب ذلك معروفة للجميع: بدءاً من أهمية هذه السلسلة الجبلية الممتدة من جنوب القصير حتى السفوح الجنوبية لجبل الشيخ -لا يقتصر الأمر على القلمون بالمعنى الضيق للعبارة إذن- لكل الأطراف المتصارعة وبخاصة للسلطة بوصفها خطاً دفاعياً رئيساً عن العاصمة، وعن الطريق الذي يصلها بالمناطق الأخرى في وسط وشمال وغرب سورية والدفاع عنه إلى النهاية، والذي يمتد من درعا حتى حلب ولكن بخاصة دمشق، حمص، حماه، الغاب، الساحل وسلسلته الجبلية، والحدود اللبنانية، والسلسلة المذكورة -القلمون بالمعنى الواسع للعبارة مع جبل الشيخ- مهمة بالقدر نفسه وربما أكثر لحزب الله وإيران، فهي خط الدفاع الرئيسي عن البقاع بأكمله -الشرقي والأوسط والغربي- كما انه يشكل خط الإمداد الرئيسي لسلاح حزب الله، وخط المواجهة مع الفصائل الإسلامية المقاتلة على اختلاف مسمياتها، ليس لحماية الإمداد المذكور فحسب، بل ولحماية البقاع المذكور – أو بعض أجزائه على الأقل – الذي يشكل احد أهم خزانات حزب الله البشرية وفيه بعض أهم معاقله العسكرية.
هنا على صعيد هذه السلسة يبدو أنّ السلطة وحزب الله استطاعا تحقيق بعض الاختراقات المهمة بدءاً بالقصير وانتهاءً بالزبداني التي صمدت بشكل أسطوري طيلة شهور، وتشكل معركة القلمون هذه التي زجّ فيها حزب الله بكل قواه الاستثناء الأهم -حتى دخول الروس- في نطاق الإستراتيجية الدفاعية للسلطة لأنها قامت ولا تزال على قاعدة الهجوم لتعزيز الإستراتيجية المذكورة.
وفي كل الأحوال يصح القول -حتى التدخل الروسي- باختصار شديد: إن المحصلة العامة كانت في غير صالح السلطة، وهي اليوم محصورة في جزء من سورية قد لا تتجاوز مساحته 25% من المساحة الكلية -لكن مع كثافة سكانية عالية ومع أهمية إستراتيجية نوعية- هذه المحصلة أجبرت السلطة -حتى التدخل الروسي- على اللجوء إلى إستراتيجية دفاعية من الناحية الرئيسية، وعلى تقليص الأماكن التي يجب التمسك بها والدفاع عنها، ولقد كان من بين أسباب الإستراتيجية المذكورة نقص الموارد البشرية وسوء الأداء القتالي، وضعف القدرة على الربط والتحكم والتنظيم والقيادة، وضعف الروح المعنوية وانتشار الفساد، وتعدد الجبهات، وافتقاد زمام المبادرة و…الخ.
وفي كل الأحوال سيكون من بين عناصر هذه الإستراتيجية حتى إشعار آخر -وهذا الإشعار قد حل بالتدخل الروسي- التركيز على استخدام القدرة النارية الفائقة للسلطة وبخاصة في الجو وسلاح الصواريخ، وترك المناورة والحركة على الأرض لحلفائه من حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى وقوات الدفاع الوطني ومثيلاتها، جنباً إلى جنب مع الحرص على قوات النخبة (الحرس الجمهوري، الفرقة الرابعة، القوات الخاصة) بوصفها الاحتياط الاستراتيجي للدفاع عن السلطة والعاصمة حتى النهاية، وهي القوات التي تحرس القوس الممتد من اتوستراد حمص باتجاه الشمال والغرب عبر قاسيون وصولاً إلى جبل الشيخ والزبداني حيث تحتفظ السلطة هنا لا بقوات النخبة فحسب، بل بالمخزون الأساس من سلاحها الاستراتيجي. ومن عناصر الاسترايجية المذكورة الحرص على العنصر البشري وعدم التفريط به في معارك وفي مناطق لا تحظى بالقيمة الإستراتيجية العليا من منظور السلطة، إن على الصعيد الجغرافي أو العسكري او السياسي أو الاجتماعي أو المعنوي.
ومع كامل الأهمية لكل ما جئنا عليه فإن التطور النوعي الرئيس في خريف هذا العام هو التدخل الروسي المباشر والاشتراك الفعلي في القتال الذي بدأ في /30/ أيلول عبر استخدام سلاح الصواريخ بعيدة المدى وعبر ضربات جوية مكثفة من قبل طائرات حربية فائقة الدقة والقدرة والمناورة والقوة النارية، ولا حاجة هنا لإضاعة الوقت بالتساؤل عن هدف هذه الضربات، لأن ما يجري أمام أعيننا لا يحتاج إلى البرهان، ويصح القول في هذه الحال: إن الهدف الرئيسي للضربات الروسية هو “تطهير” المناطق الواقعة ضمن ما يسمى “سورية المفيدة” من كل سلاح ومسلح معارض للسلطة سواء أكان المسلحون من داعش – وهي على تخوم هذه المنطقة مع جيوب فيها- أم من النصرة أم من الفصائل الإسلامية الأخرى، وسيكون لهذا “التطهير” أثاره الفعلية الملموسة على الأرض وعلى ميزان القوى إن نجح أم لم ينجح، ناهيك عن الآثار الخطيرة التي يمكن أن تترتب على السكان المدنيين في أرواحهم وممتلكاتهم ومصادر حياتهم ورزقهم، إن يكن مباشرة من خلال الهجمات الروسية بالصواريخ والطيران، أم من خلال توزيع الأدوار بين الروس والسلطة بحيث تكون مهمة قصف المناطق السكنية من اختصاص السلطة في الغالب كما كان عليه الحال حتى الآن وتفرغ الروس للمواقع العسكرية المعارضة بما في ذلك حتى تلك الموجودة في مناطق مأهولة في بعض الأحيان، وفي كل الأحوال وحتى لو لم يقصف الروس مثل هذه المناطق فإن ذلك لا يمكن أن يعفيهم من المسؤولية السياسية والمعنوية والأخلاقية بل حتى المادية لأن سلاحهم هو الذي يقوم بذلك استخدموه هم أم استخدمته السلطة، ولأنهم شكلوا ويشكلون الغطاء السياسي الكامل للسلطة بدءاً من الفيتو في مجلس الأمن وحتى الوجود المباشر على الأرض السورية.
وسنعود لاحقاً لمعالجة التدخل الروسي في الحقل السياسي والميداني في أسبابه وتداعياته، وحتى ذلك الوقت يبقى أن نقول: إن التطور النوعي الآخر هو الهجوم البّري الذي ستقوم به السلطة وحلفاؤها وبخاصة إيران وحزب الله – وقد بدأ بالفعل في ريف حماه- لاستعادة المناطق الني خسرها النظام في نطاق سورية المفيدة وبتغطية كثيفة من الطيران الحربي الروسي.
إن تيار مواطنة يعتقد أن الموضوعات الإنشائية والخطابات النارية حيال هذين التطورين النوعيين لا تسمن ولا تغني من جوع، حيث لا بدّ من تضافر جهود جميع السوريين الذين لا يزالون في صف المعارضة الجذرية والفعلية للسلطة _ إن لم نقل في صف الثورة _ على الأصعدة كافة مع ضرورة الوحدة العسكرية للفصائل المقاتلة – أو على الأقل غرف عمليات واحدة وهو الأرجح – مع ضرورة تفعيل وزيادة الدعم متعدد الوجوه وبخاصة العسكري منه – من قبل أصدقاء الشعب السوري دولياً وإقليمياً وعربياً بحيث يكون بالإمكان وضع إستراتيجية مواجهة ميدانية إبداعية إن في الدفاع أو في الهجوم، جنباً إلى جنب مع تضافر كل الجهود السياسية والدبلوماسية والإعلامية والمدنية والشعبية في كل مواقع تواجد شعبنا وبخاصة في المخيمات أينما تكن لشّن أوسع حملة ممكنة ضد التدخل الروسي في كل مكان. وبعيداً عن الخطاب الإنشائي فإن الدور الأساسي على هذا الصعيد يقع على عاتق التحالف الدولي وبعض دول الاتحاد الأوربي وبخاصة فرنسا وبريطانيا، وبعض الدول العربية ودول المنطقة مثل السعودية وقطر وتركيا.. الخ، وفي الوقت نفسه سيكون من الضروري جداً توحيد الموقف بين الائتلاف والمعارضة المتفقة معه – مع المقاتلين على الأرض- بالتأكيد عدا داعش والنصرة وصولاً إلى تحول الائتلاف إلى قيادة سياسية – أو على الأقل ند سياسي- للمقاتلين على الأرض.
ولأن هذا التقرير ليس متابعة صحفية للميدان يوماً بيوم -لأن ذلك غير ممكن في الأصل، ولأن الأسابيع القادمة- إن لم نقل الأيام- حبلى بتطورات مهمة يجب الإمساك بها ومتابعتها بوسائل أخرى فإننا نعتذر عن ملاحقة الأحداث ونذهب إلى الحقل السياسي بتفاعله مع الحقل الميداني لنسلط الضوء على النقاط التي ذكرنا قبلاً أننا سنعود إليها وإلى نقاط أخرى سابقة أو لاحقة لا بدّ من معالجتها في سياق تقرير يزعم انه يريد الدخول إلى المؤتمر القادم بشكل مقنع.
ولأننا نعتقد أن التقارير السابقة والمقالات والبيانات اللاحقة تكون الجزء الرئيسي من خط التيار ومواقفه وممارسته فإننا لا نجد داعياً للإطالة، لأن المعطيات المذكورة موجودة وتشكل مادة حقيقية لمن يرغب في الاطلاع عليها أو اعتبارها جزءاً من اهتمامات المؤتمر لنسفها أو تعديلها، أو تثبيتها، ولذلك فإننا نكتفي بالتركيز على بعض المحطات الضرورية في سياق الفترة الزمنية السابقة وبخاصة في الشهور والأسابيع الأخيرة التي من أهمها بالطبع التدخل الروسي المباشر، والكانتونات الكردية الثلاثة والموقف التركي ومآلات الانتفاضة الشعبية والثورة، ومسألة الائتلاف والتجمع الوطني ووسائل الإعلام… الخ.
ولأن بعض من المسائل سيعالج أو عولج بشكل شبه منفصل في الحقل الدولي أو الإقليمي أو الكردي فإننا سنكتفي هنا بمعالجة مكثفة لبعضها مع الاستفاضة في بعضها الآخر كمسألة التدخل الروسي المباشر.
وسنبدأ بالكانتونات الثلاثة- قامشلي، كوباني، عفرين- لنقول: إنّ التطورات العاصفة فيها سياسياً وميدانياً لم تكن صاعقة في سماء صافية وقد أعد لها بعناية وبشكل مدروس منذ زمن أبعد إلى الوراء، وقد تم الاستعداد لها في كل الحقول بما في ذلك الحقل العسكري بالتأكيد من قبل /PYD/الذي تلقى دعماً واسعاً بالسلاح والمقاتلين من جبال قنديل – قيادة /PKK/كما تم بالتنسيق المباشر أو غير المباشر مع السلطة السورية- وأحيانا بالدعم المباشر بالسلاح – بدءاً من غض الطرف إلى القتال في الميدان جنباً إلى جنب، ومثل ذلك مع بعض الفصائل العربية الانتهازية – الصناديد- ومع المكون السرياني الآشوري في الجزيرة، في هذه المناطق وعلى تخومها، إلا ان التنسيق المذكور لم يكن كافياً لإنقاذ رأس الكرد من داعش – وبخاصة في كوباني – لولا ضربات التحالف الدولي الجوية الحاسمة التي مكنت من انتصار الكرد هناك وفي مناطق أخرى، ويمكن القول دون مجانبة للصواب: إن الكرد – ونقصد القوات المذكورة أعلاه- يعملون بشكل فعال من خلال التنسيق المثلث بينهم وبين السلطة والتحالف الدولي، لا بل لقد ذهب الكرد – ودائماً القوات المذكورة – اليوم إلى طلب الدعم الروسي، ليس في مواجهة داعش بل النصرة وربما سائر الفصائل الأخرى في مناطق حلب، وبكلمة أخرى على طول الشريط الحدودي الشمالي الذي يبلغ طوله /911/كم عدا بعض الاستثناءات المعروفة في شمال حلب، وحتى هنا بل في حلب ذاتها يستجيرون بالروس بشكل أو بآخر.
وسيكون من الصعب أن يفهم أحد خارج سورية كيف يمكن للقوى الكردية المذكورة التنسيق مع السلطة ومع عدو السلطة- التحالف الدولي -في آن واحد، واليوم مع الروس إذا استجابوا – وهم سيفعلون على الأرجح -بل لا شيء يمنع أن يكون التنسيق مع ايران – وربما حزب الله – على قدم وساق من خلال جبال قنديل، وتيار – جميل بايق – في حزب ال/PKK/ وثمة محاولة قديمة وربما جديدة لكسب موقف تركي متفهم… الخ.
والحق إن ذلك كله مفهوم تماماً ليس فقط بسبب البراغماتية الواسعة من قبل القوى المذكورة وهي مشروعة سياسياً بشكل عام وإلى حد كبير بل أن الواقع والمصالح الفعلية للأطراف المذكورة تلتقي بشكل أو بآخر في منطقة مشتركة بينها تسهل إلى أقصى حد سلوك ال/PYD/ وال /YPG/، وهذه المنطقة هي مواجهة داعش، إلا ان البراغماتية المذكورة تصل في بعض الأحيان من قبل القوى الكردية المذكورة إلى شكل خطر من الانتهازية وبخاصة عندما تمدّ اليد للسلطة والروس وذلك لأن التحالف مع هذين العدوين للشعب السوري-حتى وإن كانا عدوين لداعش- يجعل من أي طرف متحالف معهما مقامراً على مستقبله ومستقبل البلاد بما في ذلك مستقبل الكرد بالطبع، وهنا تكمن المشكلة في انتهازية القوى الكردية المذكورة، التي تنطلق من أفق ضيق يقوم على الأنا الحزبية وفي أحسن الأحوال على الأنا الكردية القومية. إن تيار مواطنة الذي يتفهم السلوك المذكور تمام التفهم على قاعدة الظلم والقهر والاضطهاد الفادح الذي وقع على الكرد طيلة ما يزيد على القرن الأخير يجد من الصعب إن لم نقل من المحال قبول ذلك أياً تكن الذرائع والمسوغات المطروحة الأمر الذي يستوجب القيام بالمراجعة الضرورية لتعديل السلوك الممارس وبخاصة مع الروس.
وبهذه المناسبة يعيد تيار مواطنة التأكيد على موقفه المبدئي والصريح من حق الشعب الكردي في أجزاء كردستان الأربعة – إيران، العراق، سورية، تركيا- في تقرير مصيره بالشكل الذي يستجيب لهذا الحق كما مارسته كل الشعوب الأخرى في العالم والمنطقة، وطبقاً لما نصت عليه المواثيق الدولية سواء أكان ذلك في نطاق كردستان الكبرى الموحدة أرضاً وشعباً أم في كل جزء على حدة، ام في اتحاد جزء او أكثر مع جزء آخر أم… الخ، وسواء اكان ذلك في الانفصال والاستقلال التام أم في أشكال أخرى ذات حكم ذاتي أو لا مركزي…الخ، وسواءً أيضاً أكان ذلك في نطاق تكتيكي أم استراتيجي، ونحن لا نرى في هذا الطموح الأساسي المتعلق بالحق أي تناقض مع انتماء الكورد السوريين إلى الوطنية السورية ونضالهم في إطارها.
والآن وبعد ذلك نقول: على الرغم من الموقف المبدئي السابق فإن من الضروري أن يأخذ الكرد بعين الاعتبار الجدّي الحازم الوضع الكردي في كردستان سورية بما هو وضع طرفي بامتياز على كل الأصعدة وبما هو وضع يفتقر للاتصال الجغرافي ولذلك فلا غرابة في وجود ثلاثة كانتونات – وبما هو وضع سكاني هامشي تقريباً بالقياس إلى وضع كردستان تركيا وحتى بالقياس إلى كردستان العراق وإيران.
إن تيار مواطنة يعتقد أن كرد سورية يعرفون ذلك جيداً بل يعرفون ما هو أكثر، ولكن الانتهازية تنبع من اعتقادهم -ونقصد القوى المذكورة أعلاه- بأن بوسعهم استغلال الظروف الراهنة ودعم التحالف الدولي للوصول إلى تحقيق أمر واقع يصعب التراجع عنه لاحقاً عند استقرار الأوضاع، وعلى الرغم من الكثير من الصواب في هذا الاعتقاد فإنّ مكمن الخطر في تحققه على حساب العرب السوريين وبخاصة بالتحالف مع أعدائه.
ليس هذا فحسب بل ان القوى المذكورة تدرك انه حتى لو تسامح الشعب السوري بكل مكوناته مع الممارسة الكردية فإن الموقف التركي سيكون للمطامح الكردية بالمرصاد، ولأن الحال كذلك فإن أي مغامرة غير محسوبة جيداً لن تكون في صالح الكرد أبداً.
إن تيار مواطنة يلفت النظر إلى هذه الحقائق على سبيل الواقع العنيد لا على سبيل المماطلة أو التسويف أو التحايل على الحقوق القومية المشروعة للكرد، كما لا يغيّر من هذا الحق الاتهامات الرخيصة التي تسوقها الأوساط الشوفينية الفارسية والتركية والعربية، أو تلك الأشكال من الرفض الصريح أو الخجول أو أي شيء من هذا القبيل. وفي كل الأحوال سيكون هنالك قسم من هذا التقرير يسلط الضوء على الوضع الكردي بشكل منفصل بدءاً من الانقسامات الداخلية وصولا إلى الخارجية وبخاصة في كردستان العراق وآثار ذلك على كرد سورية وسياستهم ممارستهم.
وبانتظار ذلك القسم من التقرير فإننا نبادر هنا إلى القول مع سعيد عقل: وأين في غير شام ينطق (او ينبت) الحجر؛ بمعنى أين في غير سورية يمكن لطرف مهما يبرع في السياسة أن يمدّ اليد او ينسق أو يتعاون أو يدعم او يتحالف مع ايران والسلطة وبعض العرب في سوريه وربما حزب الله ومع روسيا ومع المقلب الآخر الذي هو التحالف الدولي وبعض مؤيديه، وبكلمة مختصرة مع أعداء الشعب السوري وأصدقائه. إننا نعتقد ان القوى المذكورة يمكن أن تحقق اليوم بعض المكاسب على القاعدة الذهبية – مواجهة داعش- لأنها تواجه داعش بحق وبجدارة عالية، ولذلك يمكن ان تدعم من الجميع، لكننا نحذر في الوقت نفسه من ان هذه المكاسب وبخاصة تلك التي تتم بالتحالف مع أعداء الشعب السوري وعلى حسابه، سيكون لها دور سلبي جداً في المستقبل على طبيعة العلاقة بين العرب والكرد وعلى الكرد انفسهم، وعلى سورية المستقبل مرة أخرى.
إن التعويل على القوى الكردية في مواجهة داعش ينطلق من اعتمادهم على ايديولوجية قومية ذات طابع علماني ومناهض للتطرف الاسلامي بشكل عام، ومن واقع ان الدين لم يقدم شيئاً يذكر للكرد في إيران والعراق، وربما يقدم بعض الشيء في تركيا على قاعدة الاسلام المعتدل في نطاق العلمانية التركية. وحتى لو حصل ذلك فإن حلّ القضية الكردية ليس حلاً دينياً بل هو سياسي قومي ديمقراطي اولاً وأخيراً.
ولقد كان للتعويل المذكور ما يدعمه، ومع ذلك فإن من الضروري بمكان الاشارة إلى ان ما يعيق ذلك ويضعفه بل ويبهته في عيون الكرد والعرب وسائر المكونات الأخرى – هو تلك الممارسة السياسية الاحتكارية للـ /PYD/ سلطة الحزب الواحد المعروفة سياسياً وأمنياً وعسكرياً وثقافياً- تلك الممارسة ذات الطابع الشوفيني – على الرغم من أن البرنامج قد لا يكون شوفينياً في الظاهر على الأقل- ناهيك عن الممارسات الأخرى- حتى لو لم تكن منهجية ونهائية – التي تقف عائقاً سافراً امام المجموعات الأخرى وأمام مشاركتها الفعالة والتي من بينها بعض أشكال القهر والاضطهاد ذات الطابع الديمغرافي بما في ذلك أشكال الانتقام وبعض التهجير -حتى لوكان قليلاً جداً جداً -وغياب المجالس الشرعية التمثيلية الحقيقية في الاجتماع والسياسة على حد سواء.
في الموقف التركي:
لقد أوضح تيار مواطنة بطرائق مختلفة رأيه في الموقف الغربي والإقليمي والعربي وبخاصة فيما يتعلق بالتحالف الدولي منذ شهر أيلول لعام /2014/، ولا داعي هنا للغزل على هذا المغزل، فموقف التيار وممارسته متاحان لرفاقه وللجميع في أي وقت مضى، ومع ذلك يبقى من الضروري تسليط بعض الضوء على الموقف التركي الذي كان دائماً وأبداً- بعد الشهور الأولى _ مع الثورة ومع رحيل السلطة وعلى رأسها الأسد.
وعلى الرغم من هذا الموقف الواضح فإن الترك- ونقصد حزب العدالة والتنمية وبخاصة زعيمه أردوغان- لم يمارسوا موقفهم هذا بما يخدم المصالح العميقة والتطلعات المشروعة للشعب السوري بالشكل الصحيح، وسنبين فوراً كيف أمكن لهذا الموقف الجذري من السلطة أن يتطور على حساب الشعب السوري بحق.
إن تيار مواطنة يقدر عالي التقدير الموقف الإنساني -الأخلاقي للحكومة التركية من اللاجئين السوريين ويعتبر أن هذا الموقف هو الأفضل بما لا يقاس مع البلدان الأخرى، ويجب الحفاظ عليه وعدم نسيانه أبداً، بل الإقرار- وعلى طول الخط بالعرفان بالجميل للشعب التركي وزعامته، والأمر نفسه ينطبق على حركة العمل المتاحة سياسياً ومدنياً- لجميع أطياف المعارضة السورية – وليس الإسلامية فقط- بما في ذلك بالطبع الائتلاف والحكومة المؤقتة ومنظمات المجتمع المدني السورية والدولية..الخ، وإلى درجة يمكن القول فيها إن تركيا أصبحت خلية نحل لقوى الشعب السوري والمكان الأهم على الإطلاق لها، ويصعب تصور مآل الأمور لو لم تكن الحال كذلك.
إلا أن ما سبق لا يستغرق الموقف التركي -الأردوغاني – فعلى الرغم من صواب الموقف التركي فيما يتعلق بالإطاحة بالأسد أو ترحيله-في سياق حل سياسي حقيقي- فإن الوسائل التي أتبعها أردوغان كانت من السوء إلى درجة تضاهي عكساً الجود في التعامل مع اللاجئين وقوى الشعب السوري السياسية والمدنية.
لأن المذكور عمل على طول الخط لتعزيز الخط الإسلامي المتطرف- وحتى الإرهابي منه- في الثورة السورية، وليس من الخطأ القول : إن داعش والنصرة والأحرار ما كان لهم أن يصلوا إلى القوة والفعل والعدد والشكل الذي هم فيه لولا تركيا أردوغان التي غضت الطرف، أو تساهلت، أو فتحت الحدود، أو حتى دعمت هذه الأطراف المذكورة مباشرة في بعض الأحيان، الأمر الذي جعل العالم كله يتذمر من هذا السلوك ويطالب بوقفه بشكل حاسم، لقد حاولت تركيا – أردوغان مراراً وتكراراً أن تضحك على العالم من خلال اعتقال بعض الأفراد والأعداد من الجهاد المعولم والسلفي وهم في طريقهم إلى سورية، إلا أن هذا الأمر لا ينطلي على أحد ففي حين مرّ عشرات آلاف المقاتلين الإسلاميين المتطرفين من شتى بقاع العالم إلى سورية أوقفت تركيا بضع مئات منهم في أحسن الأحوال، بنسبة أقل من 2% من المقاتلين، وللمرء في هذه الحال أن يمسك بحقيقة الموقف التركي المذكور ودوره الرئيسي في المآل الكارثي للثورة السورية والوضع السوري بشكل عام.
إن ما سبق يصعب إنكاره وهو يشكل فضيحة بكل المعايير إلا لأولئك الدجالين، وجماعة- عنزة ولو طارت.
إن من شبه المحال – إن لم نقل المحال- أن تصل سورية وشعبها وثورتها إلى ما وصلت إليه من طغيان وعربدة داعش وأمثالها لولا تركيا أردوغان، وكل ما عدا ذلك هو ضحك على اللحى. إن تيار مواطنة يأمل ويرغب في أن يرى مراجعة تركية جذرية للموقف المذكور بحيث يتطابق الموقف السامي من اللاجئين والقوى السياسية السورية مع الموقف العملي من التنظيمات الإسلامية المتطرفة ومع الجهاد السلفي والمعولم.
إن ما سبق لا يعني في حال من الأحوال أن علاقة هذه الفصائل المذكورة مع الحكومة التركية كانت سمناً على عسل لأنها في الحقيقة مرّت بحالات من المد والجزر إن يكن مع داعش أو النصرة وهي اليوم ترسو على علاقة وطيدة مع أحرار الشام، وربما نكون مقدمين- ولو بعد حين- على علاقة عدائية مع داعش، وأخرى حذرة مع النصرة بمعنى الدخول في طور جديد مختلف عن السابق إلى حد ملموس إذا لم يغيّر التدخل الروسي طبيعة العلاقة – وسوف يغيّرها جزئياً على الأقل.
إن تيار مواطنة يعتقد ان إصرار الترك على المنطقة الآمنة، ومنطقة الحظر الجوي لا ينطلق من حماية الشعب السوري فحسب، ولا من عودة اللاجئين، ومن دخول الحكومة المؤقتة والائتلاف إلى الأرض السورية، وإقامة نواة سورية مستقبليه مصغرة فحسب، بل ومن مصالح تركية بالتأكيد وبخاصة الخلاص من اللاجئين وإبعاد شبح الإرهاب الممكن في المستقبل ضد تركيا- الذي بدأ قولاً و فعلاً في الأيام الأخيرة في تفجيري أنقرة، وقبلها في سوروج – بالإضافة إلى الفصل بين الكانتونات الكردية، وربما بالقدر نفسه من الأهمية إيجاد موطئ قدم آمن للبديل التركي للسلطة الأسدية، الذي هو التيارات الإسلامية بشكل عام بما فيها حتى تلك المتطرفة- لأن من شأن المنطقة المذكورة أن تعزّز وتقوي هذه الفصائل بما في ذلك تمكينها من أن تكون السلطة العسكرية والسياسية والأمنية والشرعية في المنطقة المذكورة في طريقها لأن تكون كذلك على مساحة سورية بالكامل، ولعلّ هذا هو السبب الرئيسي في استمرار الحماس التركي للمنطقة الآمنة، مثلما هو السبب الرئيس في الرفض الأمريكي واستمرار الخلاف التركي- الأمريكي حول المنطقة حتى الآن على الأقل، لافتقاد الأمريكيين لأي بديل مقنع على الأرض، ولخوفهم من البديل التركي القائم على رؤوس الأشهاد، ومع ذلك فإن تيار مواطنة يعتقد أن التدخل الروسي المباشر سوف يدخل بعض التعديل على كل المواقف بما في ذلك بالطبع الموقف من المنطقة الآمنة، وسيضاف هذا التدخل إلى انتفاخ داعش وتمردها على كل أحد بما فيها تركيا التي كانت القناة الرئيسية لوجودها بدءاً من شهر تموز الماضي وحتى اليوم ليدفع نحو المزيد من التقارب بين الموقفين الأمريكي والتركي، على الرغم من أن تركيا – أردوغان لا تزال حتى اليوم، وبعد ثلاثة شهور من إعلانها الحرب على الإرهاب تتجاهل داعش وتركز بشكل مطلق على حزب الـ/ PKK/ بما يوحي بأن الأمر كله كان في سبيل القضاء على الحزب المذكور أولاً وأخيراً وقبل كل شيء حتى الآن على الأقل مع أن المستقبل مفتوح على سياق آخر، وبخاصة بعد إعلان الحزب وقف النشاط العسكري في تركيا إلا دفاعاً عن النفس، وهو الإعلان الضروري حتى لا يخسر حزب الشعوب الديمقراطية الكردي الانتخابات القادمة.
وفي كل الأحوال إن تيار مواطنة يعتقد أن شكلاً من أشكال الاتفاق التركي- الأمريكي حول سورية وليس حول المنطقة الآمنة فحسب فهو ضروري إلى أقصى حد، بل هو المقدمة الأولى والقاعدة الصلبة لإيجاد حل سياسي حقيقي في سورية، أو أي حل آخر عند اندفاع الأحداث إليه.
وحتى ذلك الوقت فإن مثل هذا الاتفاق سيوفر الأرض التي يمكن أن تقوم عليها نواة حياة سياسية ومدنية ضرورية كلّ الضرورة لسورية الراهنة والمستقبلية.
وما دمنا بصدد الموقف التركي فإن من المفيد الإشارة إلى انه من المرجح ألا يقوم أردوغان بأي رد فعل جذري على التدخل الروسي قبل ظهور نتائج الانتخابات التشريعية في الأول من تشرين الثاني، إلا إذا أوغل الروس في انتهاكهم للمجال الجوي التركي إيغالاً يهدد هيبة أردوغان وحزبه، وهيبة تركيا نفسها وجيشها أو حصل اتفاق ما بين حلف الناتو وتركيا والتحالف الدولي على ضرورة ردٍّ ما يتناسب مع الانتهاك الروسي، وفي كل الأحوال ليس من المرجح حصول رد عسكري عنيف في الفترة الزمنية القصيرة القادمة لأكثر من سبب من بينها أن الروس أنفسهم لن يذهبوا في التحدي إلى نهايته بعد الذي فعلوه والذي هو ذو طابع استعراضي حتى إشعار آخر، وسنعود إلى هذه النقطة لاحقاً في حقل الإعلام.
في التدخل الروسي:
الذي يعتقد تيار مواطنة انه تحول نوعي في سياق الصراع المحتدم في سورية بغض النظر عن النتائج التي يمكن ان يسفر عنها في المستقبل القريب أو الأبعد، وخلافاً للخطاب الإنشائي الحماسي ضده واستصغار شأنه نقول : إن التدخل المذكور غيّر المشهد إلى حد كبير في أيام قليلة وخلق وضعاً جديداً في غاية التعقيد يجب الاعتراف به والنظر إليه بعيون مفتوحة لا فيما يتعلق بأسبابه -وهي مكشوفة للجميع تقريباً – بل فيما يتعلق بتداعياته الممكنة إن على الصراع العسكري أو الحل السياسي أو على مستقبل البلاد ومكوناتها الاجتماعية ويمكن للمرء أن ينظر إلى هذه التداعيات في السياق الراهن والمستقبل القريب، كما يمكن النظر إلى ما هو أبعد من ذلك بقليل أو كثير.
لا بدّ ان يكون السبب الرئيس للتدخل هو عجز السلطة السورية عن مواجهة الفصائل المقاتلة على اختلاف انتماءاتها، بل وعجز حلفائه وبخاصة حزب الله وإيران عن المواجهة الناجحة للفصائل المذكورة، إن التدخل إذن هو نتاج عجزين: عجز السلطة وعجز إيران ومن يدور في فلكهما.
سيقول كثيرون بالطبع إنه أيضاً لحماية المصالح الروسية وسيذهبون بعيداً في تسمية هذه المصالح بدءاً من القاعدة البحرية وانتهاء بالغاز والنفط الساحليين مروراً بأهداف أخرى تتعلق بالصراع الاستقطابي في العالم. ومسألة نقل الغاز القطري الى اوروبا. إن تيار مواطنة لا يدير الظهر أبداً للأسباب والأهداف المذكورة ولكنه يعتقد أن الأسباب الرئيسة هي حماية النظام وتعزيز موقع متقدم على خارطة العالم عبر سورية ومواجهة الإرهاب أو بالأحرى مواجهة الأطراف المسلحة أياً تكن لأنه بدون ذلك لا يمكن حماية النظام أو انتزاع الموقع المتقدم.
إن تيار مواطنة يعتقد -بل يكاد يجزم- ان الأهداف الروسية من التدخل المتزامنة منها والمتعاقبة يمكن ان تندرج في السياق التالي:
1) وقف انهيار النظام وتثبيت السلطة على الأرض التي هي عليها الآن على الأقل.
2) تحصين هذه الأرض إلى الحد الأقصى وذلك من خلال “تطهيرها” من المعارضة المسلحة، أياً تكن هذه المعارضة بدءاً من داعش وانتهاء بأي مقاتل آخر أياً يكن انتماؤه لأن ذلك من البداهة من وجهة النظر الروسية والسلطوية فكيف يمكن تحصين ما يسمى بـ/سورية المفيدة/ من خلال ضرب داعش في تدمر أو الرقة، بدون إنهاء وجود المعارضة المسلحة في المنطقة المذكورة.
3) توسيع هذه الرقعة إلى حدود محسوبة بالمعنى الدفاعي الاستراتيجي، أي بمعنى الرقعة التي تشمل كلّ الطرق الاستراتيجية والمواقع العسكرية و الرقعة الجغرافية الكافية لسورية المذكورة بدءاً من حلب المدينة وحتى درعا والسويداء مروراً بالطبع بحماه وحمص ودمشق مع ضمان نطاق شرقي هذا الخط بما يكفي للاطمئنان الاستراتيجي عليه، وفي الغرب يبدأ النطاق من شمال سهل الغاب والساحل السوري وجباله وصولاً إلى السفوح الجنوبية لجبل الشيخ وبخاصة المناطق الأربع التالية: الغاب -الساحل وجباله- المنطقة الممتدة من القصير حتى حضر أي الحدود اللبنانية بالكامل والقلمون الغربي المحيط بدمشق من شمال يبرود وحتى الزبداني وجبل الشيخ. إن أسباب ذلك معروفة للجميع وهي عديدة: ديموغرافية، وجغرافية، وعسكرية، واستراتيجية وسياسية.
4) تحقيق انتصارات رمزية في مناطق قريبة من المنطقة المذكورة تمّ انتزاعها من السلطة قبل فترة قصيرة مثل جسر الشغور وبعض مناطق إدلب وحلب وحماه وحمص، وربما بعض المواقع في باديتي حماه وحمص، إن لم يكن على صعيد الأرض مباشرة فعن طريق الجو على الأقل في المرحلة الأولى وفي كل الأحوال: إن تحقيق الأهداف الأربعة المذكورة بحاجة إلى هجوم بري بالتأكيد محدود أو واسع النطاق تبعاً لسير العمليات الجوية وهو ما تهيئ له السلطة وما تقوم به بالفعل بشكل أو بأخر. إن عماد هذا الهجوم سيكون بعض قطعات الجيش السلطوي وقوات إيرانية برية وقوات حزب الله والمليشيات المعهودة المحلية والشيعية الخارجية الأمر الذي يعني أن الجو سيكون بقيادة الروس والأرض بقيادة السلطة والخبراء الروس.
5) في حال تمكن الروس والسلطة وحلفاؤها من تحقيق ما سبق – بانتظار ردود الفعل المضادة- فإنها سيكون في موقع تفاوضي قوي – على قاعدة التحصين العسكري – على النقيض مما هو عليه الحال الآن الأمر الذي سيسمح للسلطة باللعب على كل الحبال، فإذا أرغمت على الحل السياسي نتاجاً لرد فعل قوي من الأطراف المضادة فإن الوضع الميداني يسمح بفرض مطالب من شأنها ان تحول دون تحقيق مطالب الشعب السوري بشكل حقيقي وإذا لم يكن كذلك فإن السلطة وحلفاؤها سيكونون قادرين على الصمود في معركة عض الأصابع ومعارك الكر والفر في الميدان إلى “ما شاء الله”.
6) وفي كل الأحوال وعلى ضوء ما سبق وفي سياق بعض الأهداف – وحتى لو لم يحصل ذلك – فإن الروس سيكون بوسعهم القول: أنهم حموا الدولة والنظام والمؤسسات والجيش والأمن.. الخ وهو ما يعبر عنه عادة بالقول: تجنب انهيار الدولة والنظام وعدم الوقوع في الفوضى المدمرة.
ودون الدخول في جدل عقيم حول الدولة والنظام والسلطة والحكومة..الخ، نكتفي بالقول : إن هذا هو الهدف الأول من التدخل الروسي.
7) بوسع الروس القول أثناء ذلك وبعده: إن مبدأ حماية الأقليات قد استقام بوجودهم وبخاصة حماية أم الأقليات التي هي الطائفة العلوية، ولذلك ليس غريباً أن يتمركز الروس من الناحية الرئيسة في الساحل والغاب وحماه -وربما حمص- وأن تترك دمشق للسلطة وإيران وحزب الله والميلشيات الشيعية الأخرى.
8) وفي سياق آخر يكون من تحصيل الحاصل أن يحمي الروس مصالحهم في قاعدتهم في طرطوس وأن يدفعوا قدما مسألة هدفهم الأكبر الذي هو إعادة رسم مواقعهم على خريطة العالم انطلاقاً من القفقاس والقرم وأوكرانيا وسورية.
إن الوصف السابق للأهداف الروسية وللسيناريو القتالي المتبع لم يعد احتمالاً مرجحاً، بل إنه ما يجري على الأرض بالفعل الأمر الذي يعني أن التساؤل حول التدخل الروسي صار وراءنا وهو ما يوجب انصراف التحليل إلى التداعيات المستقبلية وإمكانية تحقيق الروس والنظام لبعض الأهداف وطبيعة ردود الأفعال المضادة ومستقبل هذا التدخل.
إن تيار مواطنة يعتقد أن الروس والنظام وحلفاؤهما يمكن أن يحققوا بعض التقدم على الأرض والكثير من الدمار للقوى المسلحة المعارضة والمدنيين من الجو في المرحلة الأولى، وإذا كان للتدخل الروسي أن يتحول الى ورطة فهو في مراحل تالية بعد تجميع القوى المضادة لنفسها و انتزاع زمام المبادرة الذي هو اليوم في الصف الروسي وحلفائه، وحتى تلك المرحلة فإن الأسوأ سيكون استغلاق الحل السياسي جنباً إلى جنب مع استغلاق الحل العسكري على الخندقين، بفعل الهجوم الروسي السوري من طرف ورد الفعل التصاعدي المتوقع من الطرف الآخر المحلي والعربي والدولي، الأمر الذي سيؤدي إلى وضع جديد نسبياً على الأرض في سياق توازن قوى جديد يدفع نحو التخندق الذي قد يدفع بعضهم للقول: إنه التقسيم، أو تقسيم الأمر الواقع المحمي روسياً.
ونحن نعتقد أن في ذلك من السوء ما يكفي بعد أن تم كسر الخندقة السابقة في شهر آذار وما تلاه هذا العام وهو ما سيعيدنا إلى الاستنقاع والمراوحة من جديد بانتظار ظروف أخرى غير قائمة بعد للحل السياسي أو للحسم العسكري الذي أوقفه الروس عند حد معين دون أن يكون بوسعهم وبوسع النظام كسره وحسمه لصالحهما، وكل ما في الأمر أنهم سيكونون قد استطاعوا لجم تنامي إمكانية كسره من قبل القوى المعارضة المسلحة.
على صعيد آخر وفي سياق ردود الفعل يعتقد تيار مواطنة ان جميع الأطراف الأخرى ستحاول التكيف مع الواقع الجديد، بل ان الأطراف الدولية سوف ترحب -وهذا مفهوم- بضرب داعش والنصرة وترفض ضرب المعارضة المسلحة الأخرى، ولا يمكن أن يكون الأمر بخلاف ذلك جنباً إلى جنب رفض دعم السلطة بوصفها مولدة للمزيد من الاستقطاب الطائفي والتطرف البالغ الأمر الذي يشكل مقدمة حرب طائفية شاملة سنية – شيعية، تضع مستقبل المنطقة على كف عفريت، وتصل آثارها حتى القارة الأوربية. وفي حال حصول ذلك، وهو لا يزال مجرد احتمال يصبح راجحاً في حال استمر التخاذل الدولي- فإننا سنقطف معاً الثمار المرّة لهذا التخاذل القديم والجديد.
وعلى صعيد الإقليم والعرب فإن الجميع سيجد نفسه مضطراً -لأسباب لا تخفى على أحد لعدم- معارضة ضرب داعش بشكل خاص، أو داعش والنصرة مع قدر من الامتعاض، وبالطبع مع رفض السلطة وتعزيز مواقفها، وهو رفض لفظي لا طائل تحته، لأن الحاصل هو كذلك وحتى تركيا لن تذهب بعيداً عن هذا السياق، وربما كانت زيارات الخليج والسعودية إلى بوتين تحمل ما يكفي من الدلائل على ما نقول. إن تيار مواطنة يعتقد أن التدخل الروسي – بعيداً عن الإنشاء اللفظي- قد فرض واقعاً جديداً وأجبر الجميع على قبوله المشروط، بل وإلى مشاورات عديدة للتنسيق معه باعتباره أمراً مفروغاً منه، ولذلك فإن من شأن الخطابات النارية لبعض القوى أن تكون عديمة الصدى في ظل التنسيق والتكيف المذكورين إلى حد يصح معه القول: لقد نجح التدخل- حتى الآن على الأقل- في خلق ستاتيكو (وضع) جديد جعل الغالبية العظمى من كل القوى تقبل به وإن يكن مع الكثير من الكلام عن أخطاره ومستقبله الأسود، وفي كل الأحوال فإن هذا التدخل سوف يجعل الحل السياسي وراءنا إلى حد يطول او يقصر حسب تطورات الظروف، كما سيجعل مبادرة ديمستورا الأممية- في جوهرها – لا في لجانها الأربعة امراً معلقاً إلى أجل آخر.
وفي السياق نفسه فإن مسألة قيام منطقة آمنة أو حظر جوي سوف تصبح أكثر تعقيداً- حتى مع تصاعد الحاجة إليها – وذلك لأن هامش مناورة كل الأطراف في سورية- تركيا، الغرب، إسرائيل..الخ – سوف تضيق لصالح المناورة الروسية الواسعة التي تبدو وكأنها سيدة الموقف- في الجو على الأقل – عملياً وسياسياً وشرعياً وعسكرياً، ومع ذلك يمكن القول: إن التدخل الروسي سلاح ذو حدين، في حده الأول يدفع إلى التكيف والتنسيق، وفي حده الثاني سوف يدفع الأطراف المقابلة إلى المزيد من التنسيق والاتفاق وتصعيد الدعم المتعدد الوجوه للقوى المعارضة المسلحة- عدا داعش والنصرة- وإلى المزيد من الدعم السياسي و المعنوي بما يمكن أن يحيل التدخل الروسي إلى ورطة حقيقية في المرحلة اللاحقة كما يأمل المعسكر المضاد له.
وحتى ذلك الوقت -وقد لا يكون بعيداً- فإنّ من أسوأ الأمور في تداعيات التدخل الروسي هو تشكيل حلف الأقليات عملياً – حتى لو لم يكن رسمياً – لأن من شأن هكذا تحالف أن يدفع المنطقة إلى الهاوية وهو ما حذرنا منه قبل قليل عند الحديث عن احتمال انفجار صراع سني – شيعي مفتوح، وحتى في حال عدم حصول ذلك فإن تحالف الأقليات في المنطقة – كما علّمنا التاريخ- كان ولادة حروب لا تنتهي حتى تبدأ، وقد كان في الغالب الأعم على حساب الأقليات نفسها، وليس على حساب الجميع فقط، ولذلك فإن المأمول أن تكف هذه الأقليات في سورية عن فرحها الطاغي بالتدخل الروسي وان تعقلن سلوكها منه بما لا يزيد في عمق الخندق الموجود في سورية اليوم بين مكونات شعبها. وسيكون على جميع عقلاء العالم والمنطقة والعرب وبخاصة في صفوف الأقليات العمل على تلافي المحظور. إن الحلف الحقيقي الذي يعطي كل ذي حق حقه في سورية والمنطقة هو حلف الوطنيين الديموقراطيين ودولة المواطنة المتساوية بإطلاق والوطنية السورية في المقام الأول.
وعلى الصعيد السوري فإن التدخل الروسي سوف يعيد فرز القوى العسكرية والسياسية على الأرض وفي حقل السياسة، وسوف يزيد من حدة الانقسام القائم أصلاً، كما سوف يولد المزيد من التطرف جنباً إلى جنب مع بعض التمايز المطلوب إذا أمكن توجيه ضربات موجعة إلى كل من داعش والنصرة وأمثالهما، ومن المعتقد أن هذا التمايز سوف يتخذ شكلاً أوضح من ذي قبل، حتى لو قاتل الجميع معاً ضد الروس والسلطة وحلفائهما وهو متوقع، وفي الحقل السياسي سوف يجد التدخل الروسي كثيراً من الداعمين في أوساط الأقليات الشعبية وفي أوساط الكتلة السياسية التي لم تكن بعيدة عن الروس في يوم من الأيام وبخاصة بعد تبلور الموقف المصري الداعم للتدخل الروسي نظراً لأهمية مصر عند عديد من القوى و الشخصيات السورية بوصفها الإقليم و القاعدة وام العرب وتوأم سورية وتاريخ عبد الناصر… الخ.
وهو الأمر الذي سوف يزيد من الضغط السياسي على أطراف مثل هيئة التنسيق ومثيلاتها التي يمكن أن تجد نفسها في موقع لا تحسد عليه، في موقع مفتوح على العديد من الاحتمالات لسنا بصددها الآن وإن يكن من بينها التردد والارتباك والافتراق والاستقالات.. الخ.
إن الطرف الوحيد الأكثر انسجاماً في سورية سيكون الطرف الكردي المتمثل في ال /PYD/ و /YPG/ الذي سينحاز علناً إلى الروس والذي سيطالب بالمزيد من دعمهم وتدخلهم وربما حتى على الأرض، ولما كان الأمر كذلك فإن من حقنا لفت الانتباه إلى تنامي الافتراق بين موقف الكرد وموقف الفصائل المعارضة المسلحة الأخرى وهو ما سيكون له انعكاساته المريرة على الأرض وفي السياسة.
وما دمنا قد أشرنا إلى آثار الموقف المصري على المعارضة السياسية في سورية فإن من الضروري استكماله في آثاره المحلية على مستقبل العلاقة مع السعودية وأمريكا حيث يصعب تصور مرور الاستقلالية المصرية وهذا القدر من الحسم مرور الكرام، ومع ذلك لا نتوقع التصعيد الشديد نظراً لأن الموقفين السعودي والأمريكي ليسا جذريين ضد الروس إن لم نقل إنهما بصدد التنسيق والتكيف والتفاعل جنباً إلى جنب مع تصعيد المواجهة غير المباشرة على الأرض عبر الأطراف المسلحة المعارضة وهو الأمر الذي يسمح لنا بالقول: إن المعسكر المضاد للتدخل الروسي سوف يجد نفسه مضطراً للاقتراب من بعض محلياً وعربياً وإقليمياً ودولياً، بما في ذلك اضطرار التحالف الدولي إلى بحث صيغ جديدة لتصنيف المعارضة المسلحة ولدعمها المتصاعد وبوادر ذلك قد تكون بصدد الممارسة.
وفي الحقل السياسي نعتقد أن الائتلاف سوف يعاد الاعتبار له إلى حد ما إن يكن في سياسته أو مضمون تمثيله للثورة والشعب السوري وموقعه في خارطة القوى السياسية المعارضة والدور المنوط به، وسوف نشهد- ونحن نشهد- بداية متواضعة لعلاقة جديدة بين المقاتلين على الأرض والائتلاف بعيداً عن داعش والنصرة ومثيلاتهما، ومن حقنا أن نراهن على تطور هذه البداية المتواضعة لاحقاً وصولاً إلى علاقة ندّية بين السياسة والعسكر لأنها اليوم ليست أكثر من علاقة سفارة ناطقة باسم الأخير، ليس ذلك فحسب، بل يجب العمل ليل نهار لتحويل الائتلاف إلى قيادة سياسية فعلية للمعارضة السياسية والمسلحة بعد ضم المكاتب السياسية للأخيرة إليه.
وفي حال نشأ مثل هذا السياق في قادم الأيام وهو أمر مرغوب فيه لدى جميع الذين يهمهم أمر سورية وشعبها وثورتها وتطلعاتها فإنه لا شيء عصيّ على الفرز الحقيقي في صفوف المقاتلين بين التيارين السلفي الجهادي والجهادي القاعدي المعولم من جهة وبين سائر المقاتلين السوريين من جهة أخرى، وهو وفرزٌ سيكون من شأنه المساهمة في إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح الأمر الذي سيعيد طرح مسألة وحدة البندقية بقوة، ولكن هذه المرة البندقية المقاتلة ذات الطابع الوطني، وهي الوحدة الضرورية إن يكن في مواجهة الروس أو النظام أو التيارات الجهادية الأجنبية.
وإذا كان ما سبق يتعلق بالوحدة على الصعيد العسكري _ بما في ذلك وحدة الإستراتيجية والقيادة العسكرية والسياسية – فإن مسألة الوحدة على صعيد المعارضة السورية سوف تأخذ هي الأخرى شكلاً ومضموناً غير الذي طرح حتى الآن لأن التدخل الروسي سوف يزيد من الانقسام وسوف يجعل من الوحدة الشاملة وهماً إنشائياً من شأنه إضاعة الوقت، فالوحدة المطلوبة والممكنة هي تلك التي تقوم بين أطراف المعارضة المناهضة للسلطة والروس وإيران وحزب الله، لا بين المعارضة ككل بصرف النظر عن مواقفها من الرباعي المذكور لأن الوحدة الأخيرة غير ممكنة وهي نقيض المنطق والواقع والسياسة.
وإذا كان لنا أن نقول بضع كلمات أخرى في التدخل الروسي فأنها سوف تركز على الأمرين الذين أشرنا إليهما من قبل وهما : تقسيم التخندق، وحلف الأقليات لما لهذين الأمرين من آثار مأساوية مدمرة على النسيج الاجتماعي السوري ومستقبل البلاد وبخاصة لأن حلف الأقليات ذهب بعيداً اليوم في تشكيل غرفة العمليات التي تضم إيران، العراق، السلطة السورية، روسيا، وبالطبع بقيادة الإمبراطورية الروسية الناشئة وعلى رأسها القيصر بوتين، ومما يزيد في الطين بلة أن الحلف المذكور بالإضافة إلى حزب الله هو حلف بين أنظمة دكتاتورية في الجوهر وبطابع طائفي سافر في الأطراف الأربعة الإقليمية وبطابع ديني بشع في روسيا بوتين (موقف الكنيسة الأرثوذوكسية)، ولما كان الحال كذلك فأي خير يرجى من هذه الأطراف عندما يتعلق الأمر بالمواطنة والديمقراطية والحرية والدولة المدنية الحديثة وبناء الأوطان، وهل من الضروري التذكير بأن فاقد الشيء لا يعطيه.
وفي حال أردنا الذهاب أبعد من ذلك ألا يحق لنا القول: إن الرمزية الفائقة التي تجسدها مباركة رأس الكنيسة الروسية لحرب بوتين (المقدسة) وتبخير السلاح الذاهب إلى سورية من قبل رهبانها علناً وعلى رؤوس الاشهاد، نقول: إن هذه الرمزية تشكل حالة من الاستعلاء الصريح والغطرسة القومية الدينية، والتعصب المقيت واحتقار العقل والروح والتاريخ والموقف الإنساني الضروري مثلما هو على خلاف تام مع قول المسيح الشهير لبطرس عندما حاول الدفاع عنه في وجه الجنود “من أخذ بالسيف بالسيف يؤخذ”، ومن الواضح إن المنطقة لم تكن بحاجة أبداً لهذا الجنون الكنسي فهي تغلي بالتعصب والتطرف والاستعلاء الأسوأ من نوعه الذي يصل إلى احتكار الله والحقيقة والبشر وعندئذ فعلى من يصب الزيت على النار أن يتوقع المزيد من اللهيب وربما حتى احتراق يديه.
ولأن الأمر كذلك نكرر ما قلناه قبل قليل عن حلف الأقليات الذي هو في جوهره هو حلف الدكتاتوريات أيضاً ونناشد الجميع العودة إلى العقل والروح والحكمة والمسؤولية حتى لا نكرر المرة تلو الأخرى التاريخ الإشكالي بدءاً من الحروب الصليبية والغزو المغولي وو… وانتهاء بالاستعمار الحديث.
إن تيار مواطنة يعتقد أن بوتين يعرف كلّ ما جئنا على ذكره، أو بعضه على الأقل، فإذا أضفنا إلى ذلك الوضع الاقتصادي في روسيا والذي ليس خافياً على أحد فإن من المرجح أن يحاول بقدر الإمكان البقاء في الجو وفي الأرض في أضيق الحدود لأنه يعرف أن النزول إلى الأرض سيكلفه الكثير حتى لو لم نقل سيضعه في ورطة لا تحمد عقباها بالنسبة للجميع وبخاصة له بالذات، ولما كانت الطلقة الأولى في الحرب لا تحتاج إلا إلى قدر من الشجاعة أو الحماسة أو التهور، ولما كانت تداعياتها وخواتيمها قد تذهب في اتجاهات بعيدة عن الأهداف المرسومة لها، نقول: لأن ذلك كذلك ولأننا نعتقد أن بوتين ليس مجنوناً حتى لو كان مسكوناً بجنون العظمة وحبّ إذلال الآخرين والشبق إلى العودة إلى خريطة العالم من موقع القوة وعبر سوريا، نقول مع كل ذلك فإننا نرجح انه سيحاول التصرف بحذر ومسؤولية ومع أننا لا نستبعد كلياً شكلاً من أشكال التورط العسكري المفتوح على القوات البرية فإننا نعتقد أن بوتين اليوم وغداً وفي نهاية المطاف سوف فيحاول عدم استعداء الأطراف الأخرى جذرياً وسيحاول العمل معها بكل وضوح على الوصول إلى تسوية سياسية (ولا نقول حل سياسي حقيقي) لا غالب فيها ولا مغلوب، بمعنى بقاء الأسد سيد الموقف مع بعض الإصلاحات التي لا بدّ منها لأن العودة إلى 17 آذار 2011 هي مستحيلة لا من وجهة نظر الثورة السورية فحسب، بل من وجهة نظر حلفاء السلطة، وبخاصة روسيا بوتين، وفي غير هذه الحال ولأن الانتصار العسكري لحلف السلطة وحسم الأمور غير ممكن فعلياً و”دونه خرط القتاد” فإن الأمور سوف ترسو على دويلة أسدية تتمركز في ما يسمى سورية المفيدة وربما فيما هو أدنى من ذلك بقليل أو كثير.
ملاحظات اخيرة على التدخل الروسي:
1) سيقوم الروس بكل ما من شأنه “تدعيش” المعارضة المسلحة ضاربين عرض الحائط بكل الوقائع على الأرض، فالتدعيش هذا ضروري للظهور بمظهر من يضرب داعش فعلاً كما هو ضروري من أجل القول: ليس هناك في سوريا إلا الدواعش ولذلك لا معنى للتمييز، بحيث لا يكون الروس مضطرين لتعامل مختلف مع اختلاف الوقائع فعلاً ناهيك عن ان هذا يتفق تماماً مع إرادة السلطة ويجعل من كل حديث عن أنّ الروس لا يضربون داعش غير دقيق تماماً لأنهم يطالونها بشكلٍ أو بآخر عندما يطالون الجميع بصرف النظر عن المسمّيات.
2) ثمّة مسألة أخرى هي تجاوزات روسيا في تركيا وطبيعة ردود الأخيرة والحلف الأطلسي، حيث نعتقد أنّ الرد الدولي والتركي لن يذهب الى الصدام مادام التجاوز في الحدود التي عرفناها حتى الآن، لأنه لا أحد عاقل يريد فتح معركة دولية إقليمية بسبب بعض التجاوزات سواء أكانت خطأً أم مقصودة، ويبقى أنه في حال تجاوزت الإنتهاكات الحدود الدنيا فإنّ لكل حادث حديث.
3) من المفيد تسليط الضوء على طبيعة المناورة الروسية في سورية والتي هي ذات طابع استعراضي واضح وسخيف بغاية إحداث الصدمة المطلوبة بدءاً من القصف من بعيد – وهي غير مضطرة لذلك وانتهاءً بعرض حياة الجنود الروس ومأكلهم ومشربهم والخ… مروراً بكثافة النار والحديث عن ميزات السلاح الجوّي، إن هذا الاستعراض يتفق تماماً مع البنية الشخصية الإستعراضية لبوتين ومن المرجح أن يكون بأمرٍ منه فعلى الغالب كثير من القادة عبر التاريخ يقودون شعوبهم وقوّاتهم بما ينسجم مع بناهم الشخصية والنفسية. وفي كل الأحوال لابد ان يكون المقصود من ذلك في نهاية المطاف إبهار العالم، ووضعه أمام الأمر الواقع، والنفخ في الجيش الروسي وسلاحه لإظهاره بمظهر الجيش الحديث الضخم والجبار جيش الدولة الكبرى التي هي الاتحاد الروسي الفدرالي، واللعب على الآثار النفسية المترتبة على ذلك لدى الأصدقاء والأعداء على حدٍ سواء.
4) أخيراً في الوقت الذي تتفق فيه روسيا وإيران على التدخل الروسي وفي الوقت الذي يحمل هذا التدخل بعض العبء عن إيران ويعمل على تلافي عجزها لا بد من الإشارة إلى أنّ التدخل الروسي هو في نهاية المطاف على حساب الحلفاء والأصدقاء وليس الأعداء فقط.
إنّ الروس سوف يقتطعون لأنفسهم الحصّة الكبرى من حصص الجميع وسيكون لهم أولويّة القيادة وهذا مفهوم جداً في الوضع الراهن للقوى المتصارعة في سورية، وسيكون الدور الروسي مرحباً به لدى السلطة وأنصارها في سورية بالمقارنة مع إيران، وأن تكون دولة كبرى عالمية في صفّك مفضلٌ على دولة إقليمية مهما كبرت وباعث على الاطمئنان أكثر وبخاصة للطابع القومي للحضور الروسي في جوهره بالقياس الى الطابع الديني للحضور الإيراني على الرغم من أنّه في جوهره هو فارسيّ ايضاً كما هو يتمسّح ايضاً بالقضية المركزية الأولى للعرب – فلسطين.

مآلات الانتفاضة الشعبية والثورة السورية:
قد يكون هذا الموضوع اليوم من أهم القضايا التي تطرح نفسها على جميع السوريين أياً يكن موقعهم وبخاصة أولئك الذين كانوا ولا يزالون في صف الثورة في مرحلتيها السلمية والمسلحة. وإن تيار مواطنة يعتقد أنه قد تأخر كثيراً في طرح هذا الموضوع ومعالجته بروح نقدية جريئة على قاعدة الوقائع العنيدة، لا تلك التي تقوم على الخطاب الإنشائي ومحاباة الذات وبخاصة محاباة الذات الثورية الذي استمر طويلاً وطويلاً جداً، وإذا كان من الصحيح أن هناك أسباباً عديدة لهذا التقصير بعضها مفهوم بالتأكيد – من مثل ترحيل المسألة إلى المؤتمر كما هو عليه الأمر الآن – لكن بعضها الآخر وإن يكن مفهوماً – وهو ليس كذلك – فإنه غير مسوغ ابداً – لأنّ الوقائع كانت تتراكم على الأرض بشكل يفقأ العيون، في حين كان التحليل والممارسة يجريان على أرض اخرى لا تمتّ بصلة في الكثير من الأحيان للأرض الحقيقية. يعتقد كثيرون أنّ نقد الذات والثورة هو إضعاف لهما، وإعطاء سلاح مجاني للخصوم والأعداء لاستخدامه ضدها، والحال إن ثورة غير قادرة على نقد نفسها وتصويب ممارستها، وتجاوز أخطائها وتطهير نفسها من كل ما ومن يتسلق عليها ليس بوسعها إكمال الطريق إلى أهدافها الحقيقية التي انطلقت من أجلها.
لقد سبق لتيار مواطنة أن تقدم ببعض الملاحظات الحقيقية لتصويب الوضع المأساوي للعنف المسلح، وبخاصة فيما يتعلق بالشرذمة الفظيعة – لكل حارة وحيّ في سورية فصيل مسلح – والتيار على الرغم من تفهمه التام لأسباب ظهور هذا التشرذم إلا أنه دعا – وعلى طول الخط – الى تجاوزه نحو الوحدة العسكرية والاستراتيجية مؤكداً في كل مرّة على أن ذلك هو شرط الانتصار وأنّ مقدمات هذا التجاوز كانت متاحة في ذلك الحين، في حين يحتاج الأمر اليوم إلى فرز حقيقي قبل الحديث عن الوحدة المطلوبة بقوة بين أولئك الذين يتصارعون على أسس سورية – لا عالمية – وطنية حتى لو كانت بطابع إسلامي. هذا الفرز مطلوب اليوم أكثر من أيّ يوم مضى فكرياً وسياسياً وتنظيمياً وعملياً حتى لو كان هنالك اشتراك تام على الأرض في القتال.
وفي سياق آخر تقدّم تيار مواطنة بنقدٍ خجول لحرب المدن وبخاصة حرب الميدان في دمشق صيف عام / ٢٠١٢/ معتبراً أنّ القوى المقاتلة قادرة على أخذ العبر من المعركة المذكورة وبناء استراتيجية مختلفة، ولكن الذي حصل هو شيءٌ آخر – مع قيام بعض الأطراف بنقدٍ عابرٍ ومحلّي.
إن تيار مواطنة يتفهم لجوء الثوار الى المدن انطلاقاً من انكشافهم وضعفهم وبؤس سلاحهم، الخ….
لكن الذي لا يتفهمه هو الكذب الصريح في هذا المجال من مثل القول: إنّ الثوار يدخلون المدن لحماية الأهل والشعب والمظاهرات… الخ. والحال إن الأمر معكوس تماماً فهم يدخلون لحماية أنفسهم حتى لو كانوا يظنون عكس ذلك – وهو وارد- وقد ظهر ذلك جلياً من خلال تدمير المدن وتشريد أهلها وقتل عشرات بل ومئات الآلاف من الأطفال والنساء والرجال والمدنيين بشكل عام، بذريعة مواجهة الثوار. وربما كانت التجربة الأولى هي حي بابا عمرو في حمص حيث كرّت السبحة لاحقاً في حمص القديمة كلها وفي حلب ودير الزُّور وغيرها الكثير من المدن والبلدات.
وإذا كان من الصحيح أن السلطة الغاشمة لا تحتاج الى ذرائع وقد قامت بمجازر فظيعة في كثير من الأحيان فإن من الصحيح ايضاً أن المدن التي لم يدخلها الثوار بقيت الى هذا الحد أو ذاك بمنأى عن الدمار والموت الشاملين. وهذا أمر لا يمكن إنكاره أو الالتفاف حوله، والأمثلة كثيرة ومنها مثلاً مدينة حماه. لقد قلنا قبل قليل إن الشيء الذي لا يقبله تيار مواطنة هو الكذب وقلب الحقائق وقد أشرنا إلى ذلك أعلاه لكن ذلك لا يستغرق الموضوع لأنّ استراتيجية حرب المدن خاطئة كليّاً في الأصل حتى لو صدق الثوّار في أقوالهم وبخاصّة بالشكل الذي مورست به، وللمقارنة يمكن النظر الى ما حصل في الرّقة، وفي محافظة إدلب بشكل خاص حيث لم تدخل مدينة إلا عندما توفرت القوى الكافية لتحريرها بأسرع وقت وللخروج منها عسكرياً الى الجوار، وتجربة محافظة إدلب ردّ واضح على كل من يدافع أو يسكت عن حرب المدن الأخرى المدمرة، وكذلك الأمر في الرقة الى حد كبير بصرف النظر عمن قام بطرد النظام منها حيث تم الأمر بغضون بضعة أيام، في حين علقت الثورة في فخ المدن في حمص وحلب والزبداني والقصير و….الخ… ومصير الثورة والمدن المذكورة معروف للجميع.
ليس هذا فحسب بل إن الثورة في مفهومها واستراتيجيتها وتكتيكها العسكري بعيدة جداً عن حرب الخنادق وعن استراتيجيات الدفاع، لأنها في الأصل حرب الحركة والهجوم مهما يكن الأخير صغيراً وصغيراً جداً، بحيث يصح القول: إن موت الثورة أو تعفّنها واستنقاعها هو في الدفاع والخنادق. وإذا صح ذلك، فإن تجربة إدلب الرائدة هي التي كان على الثوار سلوكها، لا ما سلكوه في مدن أخرى. ربّ قائلٍ، إن ظروف محافظة إدلب تختلف عن المحافظات الأخرى، وهذا صحيح، ولأنه كذلك كان على الثوار تركيز نشاطهم على أوضاع مشابهة وليس على ما فعلوه.
خلاصة القول: إن التشرذم وغياب الوحدة والإفتقار الى استراتيجية ثورية حقيقية موحدة، والغوص في أوضاع محلية والانطلاق منها، والإعتماد على تمويل الخارج – وهو مفهوم في كل ثورة لكن ليس الى الحد التبعي الذي وصلت اليه الأوضاع لدينا – وتخاذل المجتمع الدولي، واستكلاب السلطة وحلفائها والعنف البهيمي والطابع الطائفي لهذا العنف، وإخفاق الحلول السياسية، والتشبث المرضي بالسلطة بالإضافة الى ظروف وأوضاع أخرى أدت ليس إلى الأخطاء التي ذكرنا بعضها ولكن الى ما هو أسوأ من ذلك بكثير، بحيث صار من الضروري القول دون خوف أو خجل أو تردد: لقد تحولت الثورة السورية الى حرب أهلية في المرحلة الثانية، وليس في ذلك أيّ شيء لم يعرفه التاريخ فالثورة البلشفية في روسيا تحولت الى حرب أهلية استمرت خمس سنوات / ١٩١٨- ١٩٢٢/ والثورة الإسبانية كذلك من/١٩٣٦- ١٩٣٩/ وقد تحولت ثورة جنوب اليمن الى ما يشبه ذلك ولو من بعيد من خلال تصفية الجبهة القومية لسائر الجبهات الأخرى التي كان من بينها تلك الجبهات التي قادها الأصنج والمكاوي…الخ….
وإذا كان من الصحيح أن أحد أهم الظروف المولدة للحرب الأهلية هو غياب الدولة أو ضعفها الشديد فإن أمثلة كثيرة في التاريخ ذكرنا بعضها تتوالد فيها الحرب الأهلية على الرغم من وجود الدولة، ولذلك يصح القول في سورية.
إن السلطة الطغمة في سورية بالأصالة عن نفسها وبالوكالة عن بعض المكونات الاجتماعية التي تشكل قاعدتها الفعلية تواجه في حرب أهلية من نوع خاص الثورة الي تحولت بالتدريج الى طرفٍ أهلي عموده الفقري الجمهور السنّي دون ان يعني ذلك أنها لا تعبر عن الشعب – أو على الأقل معظمه – في تطلعاته المشروعة. إلا أن الأمر لم يقف عند هذا الحد حيث اندفعت الثورة والحرب المذكورة الى طور ثالث صارت فيه الأطراف الخارجية ذات البرامج الدينية التي لا علاقة لها بما قامت من أجله الثورة السورية هي سيدة الموقف، مثلما أصبحت السلطة المدعومة مباشرة وبشكل غير مباشر من أطراف أخرى ذات طابع ديني هي الأخرى سيدة الموقف على المقلب الآخر بحيث يصح القول: إن الوضع تحول في هذه المرحلة الى حرب أهلية أوسع نطاقاً بكثير مما كانت عليه بكثير في الطور الثاني وهو الأمر الذي تحول لاحقاً الى ما هو أسوأ، الى حرب أهلية محلية إقليمية عالمية الى حد كبير، من خلال وجود القوى المذكورة مباشرة او بشكل غير مباشر وحتى في هذه الحال فإنّ الوكلاء المحليين هم أدوات هذا الصراع المتفاقم المفتوح – اليوم وبعد التدخل الروسي – على حرب دينية طائفية شاملة، _ وهذا أحد أهم تداعيات وأخطار التدخل الروسي _ ذات طابع إقليمي شامل مستندة إلى تدخل دولي سافر.
خلاصة القول: إنّ الانتفاضة الشعبية والثورة السورية تحولت بفعل عوامل عديدة محلية، وإقليمية، وعربية، ودولية أتينا على ذكر بعضها منذ الأيام الأولى وبخاصة العوامل المحلية، نقول تحولت الى ما هي عليه الآن، ولم يبق من الطور الأول والثاني وبخاصة بفعل هيمنة العسكرة على كل شيء، إلا بعض الجيوب في سورية وبخاصة في الجنوب وبعض مناطق الوسط والشمال على شكل بؤر صغيرة مع استمرار الإرادة الشعبية في التغيير وفي الدولة المدنية الديمقراطية التعددية التي لم تمت أبداً والتي عبرت عن نفسها في بعض الاستطلاعات التي وصلت أحياناً الى ٥٠٪ من المستطلعين ومهما تكن الأخطاء في العينات، وطرائق الاستطلاع، وقراءة النتائج فإن الأمر الثابت هو وجود هذه الإرادة حيةً حتى الآن مع كل ما أصابها من إحباط أو تحول أو..الخ..
اذا كان ذلك في مقلب الثورة فإن المقلب الآخر أوضح بكثير فالثورة المضادة لا تخبئ نفسها وهي متجسدة في داعش والنصرة ومثيلاتها مثلما هي متجسدة في نظام السلطة الطغمة وفي حلفائها من إيران إلى حزب الله وكل فصائل الجهاد السلفي والقاعدي المعولم والميليشيات الشيعية على اختلاف أسمائها، والحق اننا وصلنا إلى هنا وعيوننا مفتوحة لكن ألسنتنا مربوطة، لا بل إن بعض الثورة والمعارضة السياسية كانت تشير بالبنان إلى الثورة المضادة بوصفها ثورة كالموقف من جبهة النصرة وإذا كنّا قد قصّرنا في نقد ورفض داعش في الوقت المناسب فإن من الواجب اليوم تجنب هذا الخطأ ورفض النصرة ومثيلاتها وليس داعش فحسب واعتبارها بحق ثورة مضادّة.
وفي كل الأحوال يكفي إلقاء نظرة عابرة لرؤية المآل الذي وصلنا إليه ولنأخذ على سبيل المثال:
الرقّة – داعش، إدلب – النصرة بشكل رئيس لنضع اليد على طبيعة الحياة التي تنتظرنا على يد داعش في كل الأصعدة العامة والشخصية فكرياً وسياسياً ومدنياً واجتماعياً وثقافياً وبكلمة حياتياً، إلى حدٍ يصبح القول فيه: إن الرقة قد تحررت من السلطة كلاماً أبله، لأنها وإن تكن كذلك فقد وقعت في قبضة طرفٍ لا يحتكر الأرض فقط بل السماء أيضاً وكل قول عدا ذلك من مثل ما نسمعه من كثيرين وعلى سبيل المثال: الخلاص من داعش أسهل، وحكم داعش لا قاعدة شعبية له، وزمنه قصير، وهو ساقط بالمعنى التاريخي.. و…الخ. هو تهويم في الفراغ والتفاف بائس حول الوقائع العنيدة التي شهدناها ليس في الرقة فقط بل في كل مكان وصل إليه أو حكم فيه الإسلام المتطرّف. ولا يغير من ذلك كثيراً القول: إن سورية ليست أفغانستان أو الصومال أو..الخ. وعلى الرغم من أن سورية هي كما وصفت إلا أن الاطمئنان إلى هذه المقدمات الإنشائية والصحيحة إلى حدٍ كبير لا يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي دخلت على سورية منذ / ٨أذار -١٩٦٣/ وفيما بعد /١٦ تشرين الثاني ١٩٧٠/ وفي السنوات العشر المريرة /١٩٧٦- ١٩٨٦/ واليوم منذ خمس سنوات وحتى الآن. لأن هذا التاريخ السلطوي الغاشم والموت والدمار والإقصاء والتهميش و…الخ. حوّل سورية وجزءاً كبيراً من شعبها الى شيء مختلف عما كانت عليه في سنوات الخمسينيات الذهبية. هذا التحول هو ما يجب أخذه بعين الاعتبار الجدّي عند مناقشة عمر داعش وقدرتها على الاستمرار في بعض مناطق سورية بالإضافة بالطبع إلى الآثار المدمرة لحلف الأقليات وعلى رأسه الشيعة في المنطقة وفي سورية. وآثار ذلك على ” تطييف وتطريف ” الجمهور السنّي العام. وكلها أمور تصبّ في صالح داعش ومثيلاتها.
قد يجادل بعضهم بالقول: إن جبهة النصرة مختلفة وعندئذ نحيله الى محافظة إدلب بعد طرد النظام منها، أيّة حياة فكرية وسياسية ومدنية وثقافية قدمتها النصرة أو قدّمها جيش الفتح !. إنّ إدلب وليس الرقة فقط هي المثال السيء والنموذج السلبي الذي يجب الكفاح ضده حتى الموت وليس الجلوس منتظرين على مقاعد المتفرجين بحجة مواجهة السلطة – الطغمة وهي حقيقة وكلام حق ولكنه يجب ألا يغطي بحال من الأحوال على الواقع الأسوأ بكل المعاني الذي أوصلتنا إليه الأطراف المذكورة بحيث يصح القول: إن الثورة صارت وراءنا الى حدٍ كبير حتى وهي ما تزال بين ظهرانينا بشكل أو بآخر وإن الأوضاع القائمة اليوم خارج نطاق سيطرة السلطة هي وجه العملة الآخر إن لم يكن أسوأ بكثير في كل شيء بما فيه حتى اللغة المستخدمة ضدّ العدو والخصم التي تنحطّ الى درجة الحيوانية ويكفي ذكر جملة واحدة يكررها الخندقان المتصارعان لمعرفة المآل الذي وصلنا إليه حيث يستخدم كل طرف ضدّ قتلى الطرف الآخر جملة ” كلب وفطس ” ومع كل هذا الوضع المأساوي فإنّ تيار مواطنة يعوّل على الإرادة الشعبية – أو معظمه – وعلى بعض الجيوب كما يراهن على بعض الفرز العسكري والسياسي الذي يمكن أن يعكس المجرى ويعيد ولو جزءاً بسيطاً من حكاية العام الأوّل للثورة بشقيها السلمي والمسلّح.
وفي حال السؤال عن طبيعة الموقف المطلوب بعد كل هذا العرض الأسود نقول كما يقول الكثيرون من العقلاء في العالم والمنطقة: ليس الشعب السوري مضطراً للخيار بين السلطة الطغمة من جهة وداعش ومثيلاتها من جهة أخرى، وهو يستحق خياراً ثالثاً ضدّهما معاً لأن الخيارين ذاهبان بِنَا بخطٍ مستقيم أو متعرج إلى الهاوية، فبقاء السلطة الطغمة يزيد ويفاقم التطرّف والارهاب مثلما هو قائم على الإرهاب في الأصل – ولكن إرهاب الدولة – ومجيء الطرف الآخر ينطبق عليه القول: كالمستجير من الرمضاء بالنار. وعبثية الاختيار بين الطاعون والكوليرا.
أمّا فيما يتعلق بكيفية تجسيد هذا الرفض المزدوج، وبناء الخيار الثالث فإنّ له ربه في سياق آخر يصعب اليوم الإمساك بعناصره بالوضوح الكافي لأسباب ليست خافية على أحد وقد أوردناها غير مرّة وبأشكال مختلفة من سياق لآخر.
وقبل الانتهاء من هذا الفصل ينبغي تسليط الضوء على الساحة الكردية في سورية التي كما يبدو لنا لها رَبها الخاص، وقد سبق لنا أن أشرنا الى بعض عناصر هذه الساحة في سياق هذا التقرير ومن المعتقد أنّ الفصل الخاص بهذه الساحة سوف يغني معرفتنا بها وبعلاقتها الملتبسة بالثورة والثورة المضادة وبخاصة القوى المهيمنة، وما نحن على ثقة منه هو أن هذه الساحة بشكل كامل تقريباً هي ضد داعش ومثيلاتها وهي بهذا المعنى قوّة حقيقية فاعلة في المواجهة بحاجة إلى أن تستدير ويمكن – نقول يمكن فقط – أن تستدير ضد السلطة الغاشمة بشكل أو بآخر في سياق زمني لاحق وفي ظروف مختلفة على رأسها تنامي قوة المعارضة المسلّحة المعتدلة الوطنية منها والإسلامية وتوقف الحرب في تركيا بين الحكومة و/pkk/ وحدوث توافقات إقليمية ودولية حقيقية ضد السلطة السورية ودحر داعش في دير الزُّور أو الرقة بخاصة من قبل التحالف الدولي وقوى عربية سورية محلية تخلق وضعاً فيه قدر من التوازن مع القوى الكردية الفاعلة على الأرض بما في ذلك حتى دخول البيشمركة السورية من العراق الى سورية و….. أسباب أخرى لسنا بصددها الآن.
وأبعد كثيراً عن الكرد والساحة الكردية فإن الوضع العام في سورية اليوم هو أبعد من ثورة – ليس بالمعنى الإيجابي- وأقل منها، بمعنى مضمون الأهداف التي يمكن أن تتحقق سياسياً أو عسكرياً – ويصح وصفه – أي الوضع- بأنه انفجار محلّي – إقليمي عاصف تشتبك فيه وتتداخل معه قوى دولية كبرى جعلت من المسرح السوري مكاناً لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية – وربما العربية – وحرباً لإعادة التموضع الإقليمي والدولي على خريطة العالم. بحيث أضحت الثورة السورية الشجاعة وقضية الشعب السوري مجرد جزء – ولا نجرؤ على القول: صغير – لا أكثر في الانفجار والحرب المذكورين.
بخصوص الإعلام
على الرغم من الأهمية القصوى لحقل الإعلام – وربما بسبب ذلك – لا شيء يدل على أننا تعاملنا مع هذا الحقل بما يستحق الى درجة أن الثورة السورية ومعارضتها السياسية، وفصائلها المسلحة – نترك داعش والنصرة جانباً – ليس لديها وسيلة إعلام واحدة محترمة قادرة على تقديم البديل المقنع للسلطة الطغمة وللطغاة الجهاديين، ناهيك عن أن الغالبية العظمى من المتحدثين باسمها وباسم المعارضة يقعون في الكثير من الأحيان في مطبات بشعة.
وقبل الدخول في صلب الموضوع ينبغي أن نمر ببضع كلمات على إعلام السلطة وحلفائها بدءاً من دمشق وانتهاءً بإيران مروراً بلبنان…الخ. ولا نكون ظالمين ابداً إذا قلنا: إنّ الإعلام المذكور بعيد بعد السماء عن الأرض في المعطيات والوقائع والحقائق والتحليل والمهنية والمصداقية وهو جدير بالازدراء والاحتقار بما هو إعلام ديماغوجي رخيص بكل معنى الكلمة، ولعل المثال الأبرز على ذلك – الأخوان قنديل – على الرغم من كل البلاغة اللفظية وركام المعلومات، وبناء السيناريوهات، وخلق الآمال…الخ.. ولكن مالنا وللإعلام المذكور، أليس الأجدى والأجدر التحدث عن إعلامنا، وعند هذه النقطة فإننا سنجد الإعلام العربي المعارض للنظام السوري على الرغم من خبرته الطويلة وإمكاناته الجبارة إعلاماً تحريضياً بائساً غير قادر إلا على إقناع المقتنعين أصلاً، وهو على الرغم من بعض البرامج الرائعة ونجاحاته في حقل الثقافة والمقابلات الا أنه في حقل السياسة ينطوي على ألغام كثيرة تبدأ بالكذب بأشكاله المختلفة: العاري، المبالغة، التقزيم، إخفاء الحقائق ولوي عنقها، ولا تنتهي بالتحريض على التعصب والكراهية و…الخ.. وعلى الرغم من اعتبارنا أن الإعلام سوف ينحاز في النهاية فإننا لا نقبل أبداً بخدمة هذا الانحياز عبر الأساليب السابقة ولعل المثال الأبرز على ذلك هي محطة الجزيرة التي لا تخدم في المحصلة العامة إلا التيارات الإسلامية بما في ذلك المتطرفة بل وحتى الأكثر تطرفاً، وحتى إذا اعتبرنا أن هذا من حقها فإن ما ليس من حقها هو اتباع الوسائل غير المهنية وغير الأخلاقية، وسنضرب مثلاً واحداً على ذلك ففي ٩ من ١٠ من الأخبار التي تذكر نتائج ضربات التحالف الدولي أو الروس أو الجيش العراقي – نترك جانباً الجيش السلطوي السوري لأنه يستحق ما يقال عنه – تقدم النتائج على صيغة قتل كذا وكذا دون ذكر ممن وفي غالب الأحيان عند ذكر طبيعة القتلى يذكر أنهم من المدنيين وعندئذٍ يثار السؤال كيف يموت العشرات، والمئات بل الآلاف من داعش وربما من غيرها. يجب أن يكون الموت في هذه الحال بسبب المياه الملوّثة وليس بسبب الغارات، أن تكون ضد التحالف وضد الجيش العراقي والحشد الشيعي، وضد الروس وضد السلطة أمر مفهوم جداً وحق لا يناقش لكن أن تصل بتزوير الوقائع الى هذا الحد فإنه ليس مما يشرِّف إعلام المعارضة ابداً.
والأمر نفسه بكل التفاصيل ينطبق على الإعلام المحلي وعلى رأسه – أورينت – التي تقتفي هي الأخرى خطوات الجزيرة بشكل مدروس على الرغم من بعض البرامج والمقابلات المهمة، وفي كل الأحوال فإن المحصلة العامة لها لا تختلف عن الجزيرة إلّا قليلاً جداً، وهي محصلة لدعم التيارات الإسلامية جمعاء – دون داعش هذه المرّة – أما فيما يتعلق بالأخبار والأعداد والخسائر على الأرض، فإن المرء سيصاب بخيبة الأمل إذا توقع ان تذكر خسائر الصديق جنباً الى جنب مع خسائر العدو، فالمحطات العربية والمحلية المذكورة لا تتحدث إلا عن انتصارات الصديق، وقتلى العدو وهزائمه مثلها في ذلك تماماً مثل إعلام السلطة وحلفائها، وسيكون البحث عن الموضوعية هنا كالبحث عن إبرة في كومة من القش. وإذا كنّا قد ركزنا على هاتين المحطتين لا بسبب أن الأخريات أفضل بكثير بل لأنهما الأبرز عربياً ومحلياً وسائر المحطات تحذو حذوهما بشكل أو بآخر مع بعض الفروق والانحيازات مع أو ضد.
إن الفقر الفكري والسياسي والأخلاقي الذي يعاني منه الإعلام الموالي والمعارض – حتى مع الكثير من الفرق بينهما – هو نتاج ظروف تاريخية متخلفة على الأصعدة كافة بما في ذلك بالطبع وعلى رأسه الآثار المدمرة لأشكال الاستبداد الاجتماعي والثقافي والديني وعلى رأس الكل الاستبداد السياسي، ولذلك فان من حق العقلاء الذين لايزالون يحتفظون لأنفسهم – ويرغبون للآخر – بقدر معقول من الموضوعية والمسؤولية والأخلاق الابتعاد كل الابتعاد عن الإعلام المذكور لا التسمّر أمام شاشاته كما يفعل الناس اليوم وحتى فئات واسعة من الفئة المذكورة بسبب غياب وسيلة إعلام محترمة، وفي حال الانتقال إلى صفحات التواصل الاجتماعي فإنّ الأمر يتحول الى كارثة موصوفة لأنها تمتلئ حتى التخمة بالحقد والكراهية والعنصرية والاستعلاء والغطرسة والطائفية والإسفاف والكذب والدجل الدنيء والرخيص وكل شيء يمكن أن يخطر بالبال من وسخ الأرض والتاريخ، ومن البديهي أن تكون اللغة المعبرة عن ذلك هي الأخرى متناغمة مع المضمون الأمر الذي يحول هذه الصفحات الى فسيفساء سوداء من الشتائم والعهر الذي ينتصب أمامنا بوصفه جدار العار الفظ في كل الحقول، نستثني بالطبع بعض اللوحات والموضوعات والتعليقات والكتابات والصور والفيديوهات التي تأخذ بالألباب بحق والتي تبدو – أحياناً – أكبر وأجمل من حقيقتها لأن هذا من طبائع الأمور فهي في حضورها شبيهة بحضور الواحات في الصحاري.
ليت الأمور وقفت عند هذا الحد، فأقطاب المعارضة السياسية والعسكرية الذين تحولوا بقدرة قادر الى خبراء استراتيجيين في كل الحقول يصدعون الرؤوس بتحليلات موصوفة عن المؤامرات الكونية والمصالح الشيطانية ويغوصون عميقاً قي بحار العالم المؤبلس ويعودون إلينا بغنائم باهرة من لآلئ الغباء والأستذة والشكوى المريرة والنجوى الذاتية العقيمة، نضرب هنا مثالاً واحداً عن التدخل الروسي الذي مر عليه بضعة أسابيع حيث لا ينفك هؤلاء الخبراء عن تقديم براهينهم على أن الروس هنا لدعم النظام وحماية مصالحهم لا لمواجهة الإرهاب، والحال ان هذا الكلام لا معنى له لأن الروس قالوا منذ الساعة الأولى أنهم هنا لحماية النظام ودعمه ودعم المناطق التي يسيطر عليها وأنهم في سبيل ذلك سيواجهون الإرهاب – ويقصدون بالطبع كل حامل سلاح بما في ذلك داعش حقاً – في حين يتفنن الخبراء في التركيز على أن المناطق التي تقصف لا داعش فيها، وان داعش لا تقصف، والحال إن الجميع يقصفون بما في ذلك داعش وفي كل مكان في الرقة، في القريتين، في شمال حلب، في شرق سلمية، في المنطقة الوسطى حيث بعض الجيوب. ان مثل التناول الإعلامي المذكور يُبين البؤس الذي نعيشه حيث يجب القول بدلاً من ذلك ما يلي: إنّ الروس يدعّشون المعارضة كلها وهم يقصدونها كلها ولأن الأمر كذلك لابد أن داعش الفعلية تقع في مرمى نيرانهم في غالبية المناطق السورية، ولكنهم في الحقيقة يركزون – وهذا مفهوم – على ” تطهير ” المنطقة الوسطى لتحصين النظام ومناطقه، وفي هذه المنطقة لا تشكل داعش الفعلية – لا الروسية – الوجود الأساسي.
وبانتظار إعلام موضوعي وإعلاميين موضوعيين ومهنيين وأذكياء ومعارضة تسير على هذا المنوال سنبقى ننتظر المطر كالأرض الجدباء.
مبادئ عامة ونقاط استناد ومقترحات في السياسة والممارسة:
1) التأكيد من جديد على خط تيار مواطنة الفكري والسياسي والمدني كما تجسد في تقاريره السبعة ووثيقة (من نحن) وفي سائر المساهمات الأخرى، ومن بين ذلك كله التأكيد على الأقانيم المميزة لتيار مواطنة والتي هي: فرد، حر، كريم، مواطن، متساوٍ.
2) التأكيد على الموقف الراسخ لتيار مواطنة في دعمه للثورة في مرحلتيها السلمية – والمسلحة واعتبار السلطة – الطغمة هي المسؤولة نتيجة لأكثر من سبب عن التحول إلى السلاح، وعلى رأس هذه الأسباب العنف السلطوي البهيمي ذو الطابع الطائفي السافر، دون إغفال الأسباب الأخرى لهذا التحول، المحلية والإقليمية والدولية ومن بينها بالتأكيد المجموعات السلفية والجهادية المعولمة والدعم المباشر وغير المباشر الذي حصلت عليه من دول لم تعد مجهولة في الإقليم.
3) الاستمرار الصارم في دعم تطلعات الشعب السوري التي ثار من أجلها، ودعم التيارات الثورية الوطنية والإسلامية المعتدلة التي لا تزال حتى اليوم متمسكة بأهداف الثورة المعروفة في الحرية والكرامة والعدالة.
4) التأكيد على دولة المواطنة المتساوية، الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، دولة الدستور القائم على القيم والمثل والحقوق الإنسانية العليا كما جاءت في المواثيق الدولية ووثائق المعارضة السورية وبخاصة وثائق /٢-٣/ تموز لعام ٢٠١٢ الخاصة بالمرحلة الانتقالية ومستقبل سورية. وسائر المواثيق الأخرى بما فيها اتفاقية سيداو والقرار ١٣٢٥ الصادر عن الامم المتحدة والخاص بوضع النساء في مناطق الصراع والحفاظ على حقوقهن واشراكهن في الحلول السياسية المقترحة بما يضمن حق المرأة والدفاع عنها ضد العنف الموجه لها كنوع وضمان حمايتها.
5) التأكيد على سورية السيدة الحرة الموحدة أرضاً وشعباً على قاعدة الدستور المذكور وحكم القانون.
6) التأكيد على الوطنية السورية الجامعة والبوصلة الموجهة لكل سلوك سياسي أو مدني أو ثقافي في مواجهة تهتك النسيج الاجتماعي الوطني السوري منذ آذار 1963 وحتى اليوم وبخاصة في السنوات الخمس الأخيرة، والعمل ليل نهار لإعادة بناء هذا النسيج والانتماء القائم عليه في مواجهة كل الانتماءات الأخرى التي تحفر الخنادق اليوم في جسم الوطن والشعب والكيان.
7) التأكيد على أفضلية الحل السياسي على أساس بيان جنيف حزيران ٢٠١٢ وبشكل خاص على هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، ورفض أيّ تسويات من أية جهة كانت تحاول الالتفاف على البيان المذكور.
8) التأكيد الواضح على رفض الخيارين الكارثيين خيار السلطة الطغمة وخيار الإسلام المتطرف والإرهابي المجسد اليوم في داعش والنصرة بشكل خاص، وضرورة مواجهتهما بشكل متزامن اليوم وفي نهاية المطاف.
9) الوقوف ضد التدخل الروسي بحزم والعمل على شنّ أوسع حملة سياسية وإعلامية ومدنية ضدّه بالتزامن مع مواجهته على الأرض كما يجري اليوم من خلال مواجهة حلفائه من جيش السلطة وميليشيا حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى والكتائب الإيرانية الموجودة والمحتمل وجودها اللاحق.
10) التحالف النقدي مع التحالف الدولي والعمل على التقريب بينه وبين تركيا جنباً الى جنب مع تعديل تعامله مع المقاتلين على الأرض – خارج داعش والنصرة – وكذلك تعديل شكل ومضمون تعامله مع السلطة الطغمة حتى مع اولوية مواجهة داعش التي صارت بمثابة البداهة العالمية والإقليمية وربما العربية.
11) التأكيد على ضرورة العنصر البشري الوطني – الديمقراطي بكافة انتماءاته من أقصى اليسار الى أقصى اليمين الذي اضمحلَّ وجوده مع نهاية الطابع السلمي للثورة لأسباب كثيرة، والذي في غاية الضرورة وجوده اليوم في كل الميادين – مع كل الصعوبات والمعيقات التي تواجه ذلك – لان غياب هذا العنصر هو الكارثة الحقيقية في الثورة السورية بعد تحولها الى السلاح، والى الوضع الراهن، ومن نافل القول: إن غياب هذا العنصر هو أحد الأسباب العميقة التي تدفع الى ضرورة الحل السياسي الذي من شأنه اعادة الاعتبار إليه.
12) الدعوة الى تشكيل قوة تدخل اممية – عربية – إقليمية لخلق الظروف المناسبة للحل السياسي وتحولها لاحقاً الى قوة حفظ سلام بوصفها القوة الحقيقية التي يمكن أن تطمئن الأقليات وبخاصة الطائفة العلوية الى المستقبل – بالطبع بالإضافة الى طبيعة الدولة المنصوص عليها في الوثائق التي ذكرناها أعلاه.
وفي حال غياب مثل هذه القوة يصعب تصور أمور ثلاثة مترابطة. أولها اجبار السلطة – الطغمة وسائر الفصائل المقاتلة – خارج داعش والنصرة – على الحل السياسي، وثانيها ضمان الأمن والقانون ولجم الثأر والانتقام والعنف المنفلت من العقال، وحماية كل مكونات الشعب السوري، ومنع التقسيم الإثني والطائفي و…الخ. وثالثها خلق الظروف المناسبة السياسية والعسكرية والأمنية لمواجهة حقيقية لداعش والنصرة ودحرهما والقضاء عليهما في نهاية المطاف.
13) اعتبار الائتلاف الممثل الرئيس والمؤقت للشعب السوري والمعارضة السياسية والعمل ليل نهار على مأسسته ودمقرطته وتفعيله دينامياً ووصله بالأرض والفصائل المقاتلة ليكون في نهاية المطاف – ممثلاً فعلياً وقائداً سياسياً لها. وعلى هذه الطريق يتوجب على الائتلاف العمل بروح المسؤولية والحكمة والحصافة للانفتاح على المكونات السياسية جميعاً وبخاصة تلك التي تتفق معه في الخطوط العريضة في سبيل الوصول معاً الى أعلى درجة من تمثيل الشعب والمعارضة والثورة والجناح المسلح. ويبدو أن بوادر ذلك قد لاحت في الأفق.
14) وفي مواجهة التدخل الروسي ومن أجل انشاء أرض سورية حره، ينبغي اتفاق التحالف الدولي مع تركيا لإنشاء منطقة حظر جوي بعيدة عن مناورة الطيرانين السوري والروسي، ومن الممكن أن يصبح هذا الأمر أسهل مع تقدم عملية إنهاء الصراع المسلح في تركيا بين الحكومة وال / PKK / وقد سبق ان أشرنا في أكثر من ملاحظه على الأهمية القصوى لهكذا منطقة، وهي اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى لا في مواجهة السلطة – الطغمة وحلفائها من الروس الى إيران فحسب، بل لمواجهة الإرهاب الداعشي والتطرف الإسلامي ودعم الاعتدال قولاً وفعلاً.
15) فيما يخص تيار مواطنة يجب اعادة النظر في كل تحالفاته وعلاقاته على أساس المبادئ والمقترحات السابقة وبخاصة علاقته بالتجمع الوطني، والعمل على طول الخط من أجل أن تكون البوصلة السياسية هي الموجهة في كل ممارسة ذاتية أو تحالفية، مع ترك الباب مفتوحاً لعلاقات قائمة على أسسٍ فكرية – مدنية في مجالها الخاص.
16) العمل فوراً من أجل انشاء وسيلة إعلام معارضة ثورية تستحق اسمها فعلاً من قبل الائتلاف أو أية جهات معارضة متعاونة، يكون دليلها الموضوعية والصدق والمهنية والثورية والخبرة. وتشكل الوجه النقيض بكل المعاني لإعلام السلطة _ الطغمة، وللإعلام العربي المحلي المعارض ولإعلام الطغاة الجهاديين.
17) وبخصوص موقف تيار مواطنة داخل الائتلاف، ينبغي العمل على:
‌أ) التموضع النقدي داخل الخط المشترك بين استراتيجية التحالف الدولي والسعودية.
‌ب) استكشاف إمكانية الدفع في هذا الاتجاه داخل الائتلاف خلال فترة زمنية يحددها أعضاء التيار في الائتلاف.
‌ج) التوجه نحو أصحاب البرنامج الديمقراطي من أمثال الكتلة الديمقراطية في الائتلاف وغيرها.
‌د) الخروج من التحالفات الثابتة والانتخابية التي لا تعكس فكرنا وخطنا السياسي.
‌ه) اعتماد تكتيكات وتفاهمات أوسع.
‌و) اعتماد تفاهمات دائمة وبرنامجية وأخرى سياسية تتعلق بالتوجهات.
‌ز) التشاور مع المكتب التنفيذي وكل من تلزم مشاورته من التيار والمشاركة في تحديد التوجهات.
‌ح) يترك لرفاقنا في الائتلاف المرونة في تحديد التوقيت باتجاه تحقيق المحددات المذكورة أعلاه.

في الموقف من المسألة الكردية
في البدء يود تيار مواطنة التأكيد على موقفه المبدئي والصريح مع حق الشعب الكردي في أجزاء كردستان الاربعة- إيران، العراق، سورية، تركيا- في تقرير مصيره بالشكل الذي يستجيب لهذا الحق كما مارسته كل الشعوب الأخرى في العالم والمنطقة، وكمانصت عليه المواثيق الدولية سواء أكان ذلك الحق في نطاق كردستان الكبرى الموحدة أرضاً وشعباً أم في كل جزء على حدة، ام في اتحاد جزء او أكثر مع جزء أخر والاستقلال التام أم في أشكال أخرى ذات حكم ذاتي أو لا مركزي……الخ وسواء كان ذلك في نطاق تكتيكي أم استراتيجي، ونحن لا نرى في هذا الطموح الأساسي المتعلق بالحق أي تناقض مع انتماء الكورد السوريين إلى الوطنية السورية ونضالهم في إطارها. لكن من المفيد ايضا أن يأخذ الكرد بشكل جدي الوضع الكردي في كردستان سوريا بعين الاعتبار لجهة عدم وجود مناطق يقطنها بشكل صرف مواطنون كرد لان معظم المناطق الكردية هي مختلطة بين الكرد والعرب والسريان والارمن والجركس والتركمان….الخ وان بنسب مختلفة وهذا الكلام لا يغير من الموقف في شيء الا اننا نحاول ان نلفت نظر السياسة الكردية الى هذا الامر وعدم المغالاة في موقفها عند القيام برسم سياساتها التكتيكية والاستراتيجية.
ومن ثم فمن المعلوم بأن حافظ الاسد قد افسح المجال للتنظيمات الكردية، كالحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني وحزب العمال الكوردستاني وبدرجة أقل للأحزاب الكردية السورية للعمل بين كرد سوريا وغض النظر عن نشاط هذه الاحزاب وخاصة بعد الانتهاء من حركة الاخوان المسلمين في أوائل الثمانينات من القرن الماضي واستخدم بعض من هذه التنظيمات (العراق، تركيا ) في تنفيذ سياساته الخارجية وقد ساهم ذلك في انقسام كرد سوريا وتعزيز ارتباطهم بالحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني وحزب العمال الكردستاني بقيادة عبد اوجلان، وباتا يتحكمان في مصير ومستقبل كرد سوريا سياسيا، ومنعا من ظهور شخصية كردية سورية تدين بالولاء للوطن السوري، ونتج عن ذلك تأسيس شبكة من الاحزاب الكردية السورية موالية لهما كالحزب الديمقراطي الكردستاني –سوريا الذي يقوده حاليا سعود الملا الموالي لمسعود البارزاني، والحزب الديمقراطي التقدمي الذي يقوده حميد حاج درويش الموالي للاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطالباني، وحزب الاتحاد الديمقراطي بقيادة صالح مسلم حيث يعد الاخير امتداداً ايدلوجياً وسياسياً “وتنظيمياً” لحزب العمال الكردستاني، الذي خاض حرباً ضد تركيا، خلال أعوام 1984- 2011. مستفيدا من قاعدته الجماهيرية والتنظيمية ضمن المجتمع الكردي السوري، فقد استطاع حزب العمال الكردستاني ان يستميل ويجند قرابة 15 ألف كردي سوري في قوات الكريلا، قتل منهم بحدود 5000 مقاتل خلال سنوات الحرب مع الدولة التركية وبعد طرد زعيم حزب العمال الكردستاني من سوريا عام 1999 اصبح الحزب محظورا، خاصة بعد مجيء بشار الاسد للسلطة وعقده عدد من الاتفاقات الاقتصادية والامنية مع تركيا مثل اتفاقية اضنة، وحصول شهر عسل سوري تركي بين اردوغان والاسد الامر الذي دفع حزب العمال الكردستاني لتغيير استراتيجيته التنظيمية وقام ببناء احزاب محلية في الاجزاء الاربعة من كورستان سمي الفرع السوري بالاتحاد الديمقراطي، ومع انطلاقة شرارة الثورة في سوريا ومشاركة الكرد الكثيفة فيها واتساع رقعة التظاهرات في المدن والبلدات الكردية حاول النظام بداية استمالة كرد سوريا عبر الاحزاب الكردية من خلال دعوتهم الى دمشق لمقابلة بشار الاسد او تجنيس الكرد “الاجانب ” وبعد رفض الاحزاب الكردية السورية، القسم المتمثل الان في المجلس الوطني الكردي لتلك الدعوة ليس من واقع موقفها المبدئي من النظام أو الثورة وانما من واقع الارتباط البنيوي مع قيادة اقليم كردستان العراق الذي اراد ان يكرر تجربته في العراق ليكون له نفوذ قوي وعمق استراتيجي لان كورد سوريا كانوا تاريخيا مرتبطين ومساندين لثورة البارزاني وقدموا له كل ما يستطيعون من مال وعتاد هنا في سوريا من جهة، ومن جهة اخرى حاول استخدام موقف هذه الاحزاب للضغط على الحكومة التركية في ابتزازها للتوقيع على اتفاقية النفط التي تحققت فيما بعد، لكنه لم يقطع خطوط التعاون مع النظام السوري رغم ان مسعود البارزاني صرح في اكثر من مكان بانه مع طموحات ومطالب الشعب السوري الا إنه اراد ان تبقى ورقة احزاب المجلس الكردي ومعه حزب الاتحاد الديمقراطي في منتصف الطريق للاستفادة منهم في تمرير سياساته الاقليمية والدولية.
لكن الموقف التركي المؤيد والمساند للثورة السورية جعل السلطة السورية تلتفت الى حزب العمال الكردستاني الحليف القديم وتطلق يده من جديد في المجتمع الكردي السوري. عبر توافق سياسي غير معلن بين الطرفين، سمحت عبره السلطات السورية لحزب العمال الكردستاني بالنشاط من جديد ضمن المجتمع الكردي السوري، مقابل ان يقف في وجه تطلعات الكورد السوريين ويمنع مشاركتهم في الثورة عبر تحييدهم عبر مقولة “الخط الثالث ” التي رددها وبانهم ليسوا مع السلطة ولا مع المعارضة واشترك مع احزاب المجلس الوطني بذلك ولكن لدينامية حزب العمال الكردستاني وخياراته المتعددة وانتهازيته وعلاقاته الاقليمية وخاصة ايران جعلته اكثر وثوقية للنظام، وفعلا وبسرعة تامة استطاع حزب العمال الكردستاني ترتيب وإعادة تنظيم نفسه واحياء حزب الاتحاد الديمقراطي الذي كان تأسس في 2003 وإن كان في حالة شبه موت سريري بعد تلقيه عدة ضربات موجعة من قبل النظام السوري، بعد شهر العسل التركي السوري، من خلال اعتقال قيادته وتعرضه لعملية انشقاق في وقت سابق، وكي لا تكون الامور مجرد حالة سوبرمانية، لابد هنا من الاشارة الى الاسباب العميقة التي سهلت لحزب الاتحاد الديمقراطي من الاستلاء على الشارع الكردي وتجييره بهذه المرونة له.
يعتبر المجتمع الكردي، ببناه الأساسية، ككل المجتمعات المتداخلة معه او المحيطة به، هو مجتمع متدين ولا يختلف كثيرا بطبيعة علاقاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية عن المجتمعات العربية او التركية او الفارسية، رغم ظهور سمات توحي بانه قد تجاوز المحددات الدينية والمناطقية في تأطير هويته، وهذا يعود بالأساس الى عوامل تاريخية وطبيعة الصراع المخاض منذ عشرات السنين من اجل الحصول على حقوقه القومية الاساسية، المغتصبة أساسا من قبل من يشاركه ” الهوية الدينية”، لذا برزت الهوية القومية على حساب الهوية الدينية كأولوية لهكذا صراع.
بالإضافة الى طبيعة ” الإسلام الكردي” الذي كان بعمقه اسلاما صوفيا متسامحا بعيدا عن الجهاد والعنف، قبل ان يتراجع هذا الإسلام لصالح الإسلام القادم من منطقة ” الخليج العربي – الفارسي، والذي مازال تأثيره على المجتمع الكردي قائما ومازالت منابره تكافح “الإسلام الوهابي” – ان صح التعبير- بقوة.
ورغم ان المجتمع الكردي مازال في طور التكوين، وفيه اديان متعددة رغم سيطرة الاسلام السني الا ان هذه الصراعات الدينية تكاد لا ترى بالعين المجردة، او انها على الاقل منذ النصف الاخير من القرن الماضي، لم تعد ذات أهمية بالمستويين الداخلي والخارجي. و لم يشهد التاريخ القديم أو الحديث صراعا بمعناه الدقيق بين مكوناته الدينية، الا انه شهد بعض الاصطفافات والاحتقانات القبلية او الجهوية في بعض الاحيان، وان كانت في معظمها لأسباب غير دينية.
وقد قامت التمردات والثورات الكردية الرامية الى الاستقلال خلال نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن الماضي كنتاج لتحالفات بين رجل دين وزعماء عشائر واجهها داخليا رجال دين وزعماء عشائر، بالتحالف مع الدولة العثمانية او الصفوية. وهذا ما يعزز الاعتقاد بان الصراع الذي جرى في الماضي كان يهدف الى تعزيز الهيمنة العشائرية، رغم ما كان يطفو عليه من سمات قومية.
لقد ساهمت ممارسات الانظمة الغاصبة لكردستان، بالإضافة الى عوامل أخرى، في تعزيز الرابطة القومية الكردية واعطتها بعدا وجوديا تمثل في المحافظة على الهوية القومية والدفاع عنها، دون ان ننكر العوامل الاخرى المحيطة بها ومنها بروز الوعي القومي وتقدم الوعي نسبيا في مجمل المنطقة وهذا بكل تأكيد لا يمكن نفيه او التقليل من أهميته.
هذا التماهي للهوية القومية رغم عم وجود الدولة المركزية او القرار المركزي السياسي ساهم الى حد بعيد في توحيد مواقف الكرد في اللحظات الحرجة في مواجهة الخطر الخارجي، حتى وان اتخذ في بعض الاحيان طابعا شعبويا متخلفا، كما في الحالة التي نشهدها حاليا في مواجهة داعش أو اثارة الزوابع واستحضار المظلومية الكردية تجاه أي خطأ او تصريح من هذا او ذاك من المعارضين السوريين.
هذا بالضبط ما استطاع حزب الاتحاد الديمقراطي الاستفادة منه تماما في تجييش المجتمع الكردي واستقطابه عموما في مواجهة داعش والى حد بعيد في مواجهة المعارضة السورية ايضا، وفي كثير من الاحيان أخذ هذا التجييش بعدا فاشيا أو شوفينيا وتغييب للمطالب الانسانية والديمقراطية والاجتماعية الاخرى لصالح الدفاع عن ” الوجود القومي”. و ما يثير الاستغراب والدهشة، رغم ان حزب الاتحاد الديمقراطي لا يطرح نفسه، نظريا على الأقل، ” حزبا قوميا كرديا”، ولكنه استطاع ان يلامس – ما يمكن ان نطلق عليه- ” الهامشية التاريخية الكردية” لينطلق منها كقوة هائلة، وليس من الشعارات القومية الكردية، في استنهاض جماهيري مثير. جذب معظم القواعد التي كانت مرتبطة به، نقصد هنا الهامشية التاريخية الكردية، وخاصة الأكثر فقراً وتهميشاً في المجتمع الكردي السوري، وفي ضواحي المدن ذات الأغلبية الكردية، وفي القرى وخاصة من تضرر من المهاجرين الكرد من المدن السورية الكبرى، وارسل مجموعات من الكريلا الى المدن والبلدات الكردية في الجزيرة وكوباني وعفرين لتشكيل قوات عسكرية بين الشباب والنساء وتحت قيادة هذه القوات وبدأت عمليات الاستلام والتسليم بين السلطة وهؤلاء وفي إطار اعلامي يظهر انها ثورة كردية (هنا استخدم بجدارة الخطاب الوجودي بحيث جير كل امكاناته من أجل تبرير استلامه المواقع من النظام بأنها من أجل الدفاع عن الوجود الكردي وحمايته )في مواجهة النظام وجبهة النصرة والمجموعات المتطرفة آنذاك والمعارضة المتهمة بالاردوغانية.
على الجانب الاخر تشكل المجلس الوطني الكوردي في 26/10/2011 بتوجيه واشراف مباشر من قيادة اقليم كوردستان العراق ودعم المجلس بالمال ودرب العشرات من الجنود الكورد الذين انشقوا عن الجيش او هربوا الى اقليم كردستان العراق خوفا من الالتحاق بصفوف جيش السلطة ولكن لطبيعة تكون هذه القوى تاريخيا وترهلها التنظيمي وسوء اداءها السياسي بمعنى اخر تفتقد هذه الاحزاب بالأساس للكثير من المصداقية في الشارع الكردي كما أن انتقالها بين السلطة والمعارضة مرارا وعدم وضوح الرؤية لديها جعلها حصان خاسر لدى الشارع الكردي وأيضا لحد ما لدى قيادة الاقليم وقد برز الامر بوضوح في مؤتمر حزب الاتحاد الديمقراطي الاخير وأيضا في كوباني حيث دعم الاقليم قوات حماية الشعب بينما حتى الان مترددا جدا في ادخال قوات البشمركة المشكلة من الجنود الكرد السوريين لصالح المجلس الوطني الكردي.
أخيرا التحق المجلس الوطني الكوردي الى ائتلاف قوى الثورة والمعارضة بعد أن فشل أن يكون قوة مادية على أرض الواقع، وبعد أن تم تسوية الاوضاع بين قيادة الاقليم وتركيا حول اتفاقية النفط وتعثر مسيرة السلام التركية مع حزب العمال الكردستاني التي كان عرابها مسعود البرزاني ومع تنامي دور ايران في سوريا واغلاق المجال الكوردي بسبب سيطرة قوات الحماية اشعبية و في اطار الاستقطابات الاقليمية، تركيا والاقليم الكردستاني من جهة و ايران وسوريا من جهة اخرى، لكن المجلس الكردي، لم يستطع ان يكون جزءا من هذا الائتلاف لا في توجهاته ولا في تحالفاته، ولم يسعى الى دعم قوى الثورة الموجودة في المنطقة الكوردية بحيث ان وجود المجلس من عدمه في الائتلاف لم يبدل من المعادلة الكوردية شيئا ولم يضف اي ثقل لأنه بقي مترددا ورماديا في الكثير من المواقف والممارسات بحيث اصبح شريك الربح سالم الخسارة على رأي المثل واصبح ينوس وينتقل بين الائتلاف ومحاولة إرضاء حزب الاتحاد الديمقراطي ومحاولة الشراكة معه تحت حجج وذرائع شتى كخصوصية المنطقة الكردية. وسلمية الثورة..الخ، وقد استمر مسعود البارزاني قيادة كورد سوريا من خلال رعايته لعد من الاتفاقيات بين الطرفين بدءا من اتفاقية هولير1 وتشكيل الهيئة الكوردية العليا وهولير 2 واتفاقية دهوك الاخيرة الا ان تنامي دور وقوة حزب الاتحاد الديمقراطي و ارتباطاته المتعددة المشارب وضعف المجلس الوطني الكوردي حال دون استمرارية وتطبيق هذه الاتفاقيات مما اوقع كورد سوريا بين سندان البارزاني ومطرقة اوجلان، وتحدث الاتحاد الديمقراطي مرارا بان الثورة الحقيقية حدثت في المناطق الكردية فقط، وأن ما تشهده المناطق الأخرى هو “صراع على السلطة”، وشكل إدارة ذاتية، باتت تدير شؤن السكان في المناطق الخاضعة لسيطرته فبدأ بتطبيق التجنيد الاجباري وفرض الاتاوات والمناهج التعليمية وبناء مؤسساته ومحاكمه الخاصة وفرض سياسة الامر الواقع، وبالرغم من تعرضه لانتقادات من قبل النشطاء واحزاب المجلس الكردي وبعض القوى العربية واخرها كان بيان الاتحاد الكنسي الا انه برز كإحدى أقوى أعداء داعش والقوة الحقيقية الحامية للكرد.
اضافة لما سبق تعزز موقف حزب الاتحاد الديمقراطي نتيجة تسارع نمو الخطاب الديني المتطرف في العراق وسوريا وتهديده الوجودي للكرد الذي لم يرى منه الا أنه يهدد وجوده كقومية وتساوق هذا التهديد مع بروزها كقوى تهدد السلم العالمي الذي اصبح يشكل تهديدا للقيم والمصالح الغربية وبما ان الغرب قد فشل سواء في العراق او سوريا في تشكيل قوة بشرية في مواجهة امتداد هذا الخطر، تحركت الانظار باتجاه الكرد كي يكونوا قوة موثوقة وذو مصداقية في مواجهة هذا الخطر لأكثر من سبب ربما أهمها أن الكرد لا يشكلون حاضنة للإسلام المتشدد ولان معركة الكرد هي وجودية اضافة للعوامل الجيوسياسية الاخرى، وأيضا حاجة الاتحاد الديمقراطي ومعه حزب العمال الكردستاني الى مصادر تمويل جديدة و داعمين جد لإعادة الحياة الى حزب العمال الكردستاني الذي كان قد خسر الكثير من شعبيته وقوته في مواجهة حزب العدالة والتنمية في تركيا في الآونة الاخيرة الامر الذي جعل حزب العمال الكردستاني يلتفت ويستدير الى الساحة السورية ويجعلها حلقة رئيسية في مواجهة اردوغان ومنطلقا لتطبيق سياساته تجاه الاجزاء الاخرى وخاصة تركيا والعراق وهذا ما حدى به الى ايقاف العمليات العسكرية في ايران التي وفرت له الدعم المالي والعسكري، ضمن هذا المستوى يمكن ان نقرأ أسباب صعود حزب الاتحاد الديمقراطي ودخوله في حلقة المصالح الامريكية وربما الروسية في قادم الايام.
لا تتميز الثورات بحواملها الطبقية كما جرى تعريفها عند المثقفين اليساريين، رغم أهميتها، وانما تتميز بأهدافها و بإنجازاتها فيما بعد، ويشهد التاريخ أن كثير من الثورات انحرفت عن أهدافها وفشلت، او انها اخذت منحا داميا ومتعرجا ولم تحقق ما كانت تصبو له، ومنذ ان تحولت الشعارات في سوريا الثورة من حرية وكرامة الى قائدنا الى الابد سيدنا محمد، انكفئ الشارع الكردي تدريجيا عن اللحاق بالثورة وتراجع معه النشاط الشبابي لتتقدم القوى السياسية التي اساسا لم تكن متحمسة للانضمام لها واخذ الاصطفاف السياسي يتبلور مع تقدم الهيمنة التركية على قرار المعارضة السورية وبروز الخطاب الديني ومن ثم طغيان التشدد على اهداف الثورة وشعارتها. هذه العوامل مجتمعة ساهمت في تقدم حزب الاتحاد الديمقراطي كقوى رئيسية واساسية في المنطقة لا يمكن تجاوزها بالرغم من كل الانتقادات لسياسته ولسلوكه وعلاقات التنسيق بينه وبين النظام السوري، لكن من المفيد القول إن سلوك وانتهازية وممارسة حزب العمال الكردستاني لا يرتبط ولا ينتمي كما يحلو للبعض القول بانتماءات طائفية علوية بل يرتبط باستراتيجيته التي تعتبر تركيا هي الحلقة الرئيسية في صراعه وكل ما عدا ذلك هي مجرد أدوات وجسور لتعزيز قوة وموقف حزب العمال الكردستاني.
ان وحدات الحماية الشعبية تنطلق في مواجهة داعش اعتمادا على ايديولوجية “الامة الديمقراطية” ذات الطابع العلماني والمناهض للتطرف الاسلامي بشكل عام، وهذا ما يجعلها الاقرب الى قوى الثورة وان شاب هذا القرب تعاونها مع النظام فهي اجلا ام عاجلا ستكون جزءا مهما من القوى الديمقراطية والعلمانية في مستقبل سوريا لأنها ترتبط بنفس الوقت بعلاقات وثيقة مع التحالف الدولي المناهض لداعش.
توصيات:
1) إن تيار مواطنة يشير في نهاية هذا التقرير الى الملاحظات والتوصيات التي يجب يكون في مقدمتها التحذير من انجرار القوى الكردية الى مزيد من الانخراط في محور ايران-دمشق ودعم الاحتلال الروسي في سوريا مما يوسع الهوة بين الكرد والعرب والمكونات الاخرى في المنطقة ويجعلهم في جزيرة معزولة، الا من محيطها العدائي، وهذا المحيط سيشكل عاجلا ام اجلا الشريك الحقيقي للكرد في اطار سوريا مدنية تعددية ديمقراطية تصون حقوق مكوناتها القومية بما فيهم حقوق الكورد والسريان….الخ.
2) يرى تيار مواطنة أن حلّ القضية الكردية هو سياسي قومي ديمقراطي اولاً وأخيراً. ومع ذلك فإن من الضروري بمكان الاشارة إلى ان ما يعيق ذلك ويضعف بل ويبهت مشروع الإدارة الذاتية الحالي في عيون الكرد والعرب وسائر المكونات الأخرى – هو تلك الممارسة السياسية الاحتكارية للـ /PYD/ سلطة الحزب الواحد المعروفة سياسياً وأمنياً وعسكرياً وثقافياً- تلك الممارسة ذات الطابع الشوفيني والشمولي- على الرغم من أن البرنامج قد لا يكون شوفينياً في الظاهر على الأقل- ناهيك عن الممارسات الأخرى- حتى لو لم تكن منهجية ونهائية – التي تقف عائقاً سافراً امام المجموعات الأخرى وأمام مشاركتها الفعالة والتي من بينها بعض أشكال القهر والاضطهاد ذات الطابع الديمغرافي بما في ذلك أشكال الانتقام وبعض التهجير -حتى لوكان قليلاً جداً جداً -وغياب المجالس الشرعية التمثيلية الحقيقية في الاجتماع والسياسة على حد سواء.
3) كما يرى تيار المواطنة أن حزب الاتحاد الديمقراطي وإدارته الذاتية، رغم الزوبعة التي تثار من قبل المجلس الوطني الكردي او من قبل الائتلاف السوري، فان قوات الحماية الشعبية تشكل قوة اساسية لمواجهة تقدم القوى الدينية المتطرفة في المنطقة الكردية والان باتت هذه المنطقة تتمدد على حساب الاسلام الراديكالي المتطرف، من هنا لابد من تفهم تجربة الادارة الذاتية للحزب رغم التعاون مع النظام وهو تعاون غير معلن ولكنه غير مستتر في اغلبه، لأنها عززت قدرات الناس المدنية والادارية والامنية.
4) سياسيا رغم الأهمية البالغة للحزب الديمقراطي الكردستاني – العراق ورغم التأثير العاطفي والسياسي من قبل قيادة الاقليم على كرد سوريا، الا ان كرد سوريا ليس لهم أي مستقبل خارج سوريا المدنية الديمقراطية على الاقل في المدى المنظور بانتفاء خيارات التقسيم والفدرلة، بعد اجتماع فيينا الاخير وتأكيد المجتمع الدولي على وحدة اراضي الدولة السورية، فالإقليم الكردي في العراق لا يشكل عمقا استراتيجيا حقيقيا لا جغرافيا ولا سياسيا. لعوامل متعددة أهمها انقسام الاقليم بين تيار جلال ومسعود والاضطراب الذي يعيشه بالإضافة الى طبيعة الحدود بين الطرفين وانغلاق مشروع الاقليم على نفسه. وبسبب تزايد شعبية وهيمنة حزب العمال الكردستاني على كرد تركيا وسوريا وايران مع وجود ملحوظ في العراق، مما يعزز ارتباط كرد سوريا مع نظرائهم في تركيا بسبب كتلتها السكانية والامتداد الجغرافي والانقطاعات والاستكمالات بين الطرفين اضافة الى ان مشروع حزب العمال الكردستاني الذي مازال يملك الكثير من الخيارات والطاقات.
5) يعتقد تيار مواطنة بان السلوك العدائي من قبل المعارضة السورية، وبالأخص الائتلاف تجاه مطالب الكرد السوريين وبشكل خاص اتجاه حزب الاتحاد الديمقراطي لا يخدم الثورة ولا القضية الوطنية السورية وانما يزيد الاحتقان والعداء وعدم الثقة.
6) رغم الموقف المبدئي لتيار مواطنة الواضح والصريح من القضية الكردية والذي جاء في البداية الا انه يحاول ان يلفت النظر من باب التذكير ليس الا، الى ضرورة تمثل اعضائه لقيم وجوهر هذا الموقف المبدئي وتطبيقه في اي نقاش او اتفاق او تحالف وان يحاول ترويجه وتعزيزه في المجتمع السوري سواء من خلال الممارسة اليومية او من خلال الاعلام، لان ما هو مكتوب شيء وما يجري في الواقع شيء اخر بعيد كل البعد عن جوهر وموقف التيار.
حول مسار الحل السياسي الآن
توقفت محادثات جنيف٢ قبل أن تنتهي من وضع جدول أعمال جنيف ٣، بخلاف حول ترتيب الأولويات: هل يتم بحث مسألة مكافحة الإرهاب أولاً، كما يريد النظام، أم ينبغي الالتزام بقرار مجلس الأمن رقم ٢١١٨، ومادته السادسة عشر التي تقول إن مبتدأ الحل السياسي هو تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، كما تريد وتقبل المعارضة؟! تنازلت المعارضة آنذاك إلى حل وسط، يتم من خلاله السير بشكل متوازٍ في المسألتين، ولم يقبل النظام، مستقوياً بتهديد الإرهاب القائم والقادم، ليثير لدى العالم أشباحاً يخشاها وتشكل له رضوضاً مستعصية منذ ١١/٩/٢٠٠٠. و” متنبِّذاً” بأن قادمات الأيام سوف تجعل من هذا الشبح ورماً كبيراً على الأرض السورية ينذر المنطقة والعالم بشر مستطير، يرجع بالعالم للاستجارة بالنظام واعتماده وشرعنته من جديد. ومع السياق العنيف على الأرض فيما بعد، تم اعتماد المبعوث الدولي دي ميستورا، بعد استقالة الأخضر الإبراهيمي.. ليبدأ بعدها تمرير الوقت وتقطيعه، بتفاصيل على الأرض، حتى انتهى إلى مشروع تجميد القتال في بؤر شتى تبدأ من حلب بل أحد أحيائها. انطلقت فكرة دي ميستورا من مفهوم البناء من تحت إلى فوق، بحيث ينتشر السلام ويغطي سوريا كقطع اللغز المتفرقة التي تشكل لوحة في النهاية. وكانت فكرة فاشلة بالطبع، وغير جدية إذا اعتبرنا أن الجدَّ هو التوصل إلى تسوية سياسية توقف سفك الدم وعمليات التدمير. وابتدأ تقارب ما، روسي- أمريكي لاحقاً، يستند إلى رؤية روسية لإنقاذ النظام بالقانون الدولي، وأخرى أمريكية تفضل تسوية سياسية غرضها الأول تجنيبها احتمالات التورط بطريقة وضعتها إدارة أوباما في خانة تشبه المحرَّم. وتبلورت خطة المبعوث الدولي لتشكيل مجموعات عمل أربع، تبحث في عدد كبير من النقاط المتعلقة بعملية الانتقال، يلعب دوراً فيها في اختيار وتنظيم الطرف المعارض، بحيث لا يثير مشاكل ويضع عقبات. فشلت هذه الخطة بالتدريج، حتى ظهر واضحاً على السطح عدم رغبة النظام بها، طمعاً في تحقيق تغيير أكبر في ميزان القوى على الأرض، وحتى رفض الائتلاف الوطني رسمياً في النهاية أية مشاركة في مجموعات العمل هذه، على النسق الذي كان مُقترحاً. تزايد بعدها بخطوة أخرى التقارب الروسي الأمريكي، حتى تبعت ذلك خطوة ثانية من التقارب، التقت فيها روسيا مع الولايات المتحدة والسعودية، من خلال اجتماعات الدوحة الثلاثية خصوصاً. وانتهى الأمر إلى تشكيل مجموعة عمل تمهيدية رباعية: أمريكية- روسية- سعودية- تركية، اصطدمت لفترة، حتى اتفقت على عقد لقاء موسع في فيينا في ٣١/١٠/٢٠١٥، كان أهم مشارك مختلف عليه هو إيران، من ضمن الطيف الأقرب إلى النظام، مع لبنان والعراق وغيرها. علماً أنه في ذلك الاجتماع، شاركت إجمالاً ١٧ دولة، والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. لم يستطع المشاركون الوصول إلى اتفاق على مصير بشار الأسد، بشكل يخالف مراهنة بعض أصدقاء سوريا على تراجع الموقف الروسي نسبياً في هذه المسألة أو التوصل إلى حل مقبول من الجميع، من دون الأخذ بالاعتبار تأثير الإحساس الروسي بالتفوق حالياً بالوجود العسكري الوازن على الأرض (وفي الأجواء)، وتأثير وجود إيراني لم تستوعب بعد ذلك التطور الذي يمثله اندماجها الجديد بالحراك الشرعي الدولي والإقليمي. كما لم يستطع المشاركون التوصل إلى توافق أكبر على تفسير بيان جنيف ١، بين من يريد ذلك انطلاقاً من القرار الدولي رقم ٢١١٨ والبدء بموضوع هيئة الحكم الانتقالي، والآخر الذي يريد أخذه بعيداً إلى مستوى تشكيل حكومة” وطنية” تضم المعارضة إلى النظام، من دون المساس بأساسيات النظام. فتح باباً مهماً للتسوية أيضاً تركيز الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة، بعد تزايد احتمال الانهيار المفاجئ للنظام، وخشية من تكرار التجربة العراقية أيضاً، الاهتمام الكبير بمسألتي الحفاظ على مؤسسات الدولة، وحماية الأقليات. وعلى الرغم من تباعد الآراء، كان الإصرار الأمريكي حاسماً على عدم الخروج من القاعة إلا بعد الاتفاق على بيان مشترك، لكنه أعطى بالمقابل فرصة للطرف الآخر للتمترس خلف طلباته واعتراضاته، فصدر” بيان فيينا المشترك” على الشكل الذي صدر به: جاءت النقطة الأولى متميزة وبارزة، تقضي بالحفاظ على وحدة سورية وسيادتها واستقلالها وعلمانيتها هي أمور أساسية. ولا مشكلة في ذلك إلا ما يثيره من تناقض مع ما ورد في النقطة الثامنة من كون الشعب السوري فيما يخص مستقبل الدولة. تحاشياً لذلك جاءت ترجمة الخارجية الأمريكية بتعبير” الطابع المدني للدولة، إلا أن ذلك لم يزاحم الترجمات التي شاعت، وأثارت مباشرة اعتراضات الإخوان المسلمين والمجلس الإسلامي الأعلى وغيرهما من احتجاجات سريعة. في حين أن العديد من أصدقائنا قد تفهم الأمر فوراً، وأقر بأنه كان ممكناً تدارك الأمر بالنص على كلمة أخرى ( مدنية مثلاً) قد تؤدي الغرض من دون إعطاء سبب لتقسيم المعارضة في وقت غير مناسب. وفي النقطة الثانية” الحفاظ على مؤسسات الدولة من دون مساس” ملغومة بقوة بالتعبير الأخير، الذي نخشى فهمه على أنه استمرار للجيش والأجهزة الأمنية من دون أية إعادة هيكلة وإلغاء لما ينبغي إلغاؤه، أو ربما استمرار قادتها المجرمين في مناصبهم. وفي النقطة الثالثة نص على حقوق السوريين بغض النظر عن قومياتهم أو طوائفهم بالحصول على الحماية. وهي نقطة لم تثر إشكالية. وكان محور التركيز حول النقطة السابعة، التي تقول أنه” استناداً إلى بيان جنيف ٢٠١٢ وقرار مجلس الأمن رقم ٢١١٨، يدعو المشاركون في الاجتماع الأمم المتحدة إلى جمع ممثلي الحكومة السورية والمعارضة السورية إلى عملية سياسية تقود إلى حوكمة ذات مصداقية وشاملة للجميع وغير طائفية، يتبعها دستور جديد وانتخابات. وينبغي أن تكون هذه الانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، قائمة على قواعد الحكم الرشيد، وعلى أعلى معايير الشفافية والمحاسبة الدولية، حرة وعادلة، متاحة لكل السوريين، بمن فيهم أولئك الذين في الشتات.” أمر إيجابي هنا التسليم الرسمي بمرجعية بيان جنيف والقرار ٢١١٨، ولكن ليس كذلك من حيث ما تلاه، لأنه يحوي عناصر من التفسير الروسي، ويفسح مجالاً للتملص ربما من أولوية هيئة الحكم الانتقالي، وجوهر ما احتوى عليه بيان جنيف. فيما بعد، أبدى بعض المشاركين في الاجتماع وغيرهم من أصدقاء سورية تفهماً لمثل هذه التحفظات والمخاوف، وأكدوا التزامهم ببيان جنيف وتشكيل هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات، وبأنهم يسلمون بأنه لا ينبغي أن يكون للأسد دور في مستقبل سورية، وحتى في المرحلة الانتقالية، رسمياً أو شفهياً على الأقل، من دون إغلاق الباب على أي” إبداع” يحل مشكلة الأسد. سوف يلتئم اجتماع ثانٍ في فيينا اليوم ١٤/١١/٢٠١٥، وسوف ينشغل بنقطتين شائكتين هما وقف إطلاق النار وتحديد القوى التي تنزل تحت تعريف الإرهاب. ولن يكون من السهل التوصل إلى اتفاق تفصيلي حولها. ينطلق عملنا في هذا المسار من المعايير التالية:
أولاً- تحقيق الهدف المركزي لنا وهو إنهاء الاستبداد إلى غير رجعة، وقيام دولة حديثة، مدنية ديموقراطية، تستند إلى قيم التعددية والمواطنة المتساوية.
ثانياً- محاربة الإرهاب والتطرف والوجود الأجنبي على الأراضي السورية، وهو خطر وجودي على سورية والمنطقة والعالم.
ثالثاً- لا يمكن تحقيق هذين الهدفين بمشاركة الأسد أو ترك أي مجال له ليكمل تدمير سورية.
رابعاً- الانخراط في العملية السياسية ليس بهدف تحقيق ما سبق وحسب، بل لوقف الدمار وسفك الدم بأقرب وقت ممكن.
وسوف يعتمد حجم دور قوى الثورة والمعارضة في تقرير مصير سورية، على مقدار الوحدة والانسجام والتنسيق بين المستويات السياسية والعسكرية والمدنية، وعلى مدى صلابة وانسجام مواقف أصدقائنا وحلفائنا، في المستوى الإقليمي والدولي.
المكتب التنفيذي لتيار مواطنة
تشرين الثاني 2015

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة