الافتتاحية::جنيف 25 يناير، وما بعد جنيف .
مثلما هو منطق الحياة دائما ،المؤتمرات السياسية والاتفاقات والتسويات ،تكون محكومة بالوقائع السابقة لها من جهة ولكن أيضاً بالوقائع والتوجهات المحتملة والكامنة وبالأوزان النسبية للقوى العسكرية والسياسية الفاعلة ، لذلك فإن نجاح أي تفاوض ووصوله الى نهايات “سعيدة” يكون مرهونا بمراعاة المعادلات السابقة .
في سورية ،ودون أن نتعرض الآن لتفاصيل وسياقات تاريخية معروفة ،لكن طبعا بالاستبداد والإعتقال والإبادة الجماعية واللعبة الطائفية والقصف والحصار والتجويع واستدراج التطرف والاستعانة بميليشيات طائفية ، نجح النظام السوري في إقناع العالم بأنه لا يزال إن لم يكن الأفضل فهو الأقل سوءاً من داعش والنصرة وحتى من الكيانات المعارضة الإسلامية الاخرى التي تبدي اشارات معقول نحو الاندماج في عملية تغيير وطنية سورية . لذلك ، وعلى أهمية القرار 2254 فقد جاء خاليا من الاشارة الى اطاحة او إزاحة الاسد ،رغم وجود وعي كامل لدى الغرب عموما بمسؤوليته الاسد عن وجود التطرف وحتى تفريخه ،ولم يكن ذلك التنازل الغربي تغييرا لهذا الموقف بل قبولا بالوقائع العنيدة التي لا يمكن تجاهلها ومن أهمها الدور الروسي الفاعل عسكريا والذي ملأ فراغا لم ترغب بتعبئته دول الغرب الاخرى لأسبابها وساعد النظام في تحقيق نجاحات عسكرية ملحوظة ،ترافق ذلك مع حضور كثيف لمسألة هجرة السوريين والكوارث الانسانية التي يتعرضون لها داخل وخارج بلادهم وترافق ذلك ايضا مع تفعيل النشاط الارهابي الداعشي عالميا في نوع من الرد على تصعيد الدور الغربي في مواجهة داعش وتحقيق بعض التقدم في مواجهته في العراق وجزئيا في سورية ، رغم ان هذا الدور كان يبدو وكأنه يضعف التنظيم دون ان يسعى على انهائه .
إذا امام كل هذه الوقائع ليس غريبا ان يلتف القرار الدولي 2254 على صيغة هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات والتي تشكل المدخل الإجباري للإنتقال السياسي في سورية لتبرز بالمقابل صيغة النظام البديلة “حكومة الوحدة الوطنية ” التي قد تناسب ازمة سياسية عابرة لكنها يستحيل ان تكون مقاربة ناجحة لوضع بلدنا سورية،و بوتين ،رغم انه يخدم حتى الآن بإخلاص شديد مشروع اعادة تأهيل النظام الاسدي او استنساخه بغض النظر بقي الأسد أم ذهب ، ربما تكون بعض تعليقاته حول اخطاء الاسد وحول امكانية قبوله لاجئا في روسيا وحول التغييرات الدستورية التي تسمح للشعب السوري بحرية الاختيار ربما تكون تعبيرا عن الإحساس بصعوبة تمرير تغيير سياسي لا يتناسب مع الحالة السورية وأيضا صعوبة هذا التغيير بسبب عدم قبوله على الاقل اقليميا من اطراف اقليمية فاعلة سياسيا وإلى حد ما عسكريا .
عن كل ما سبق يؤكد صعوبة موقف المفاوض السوري فالاشتراك في المفاوضات خيار تفرضه واقعية سياسية ووطنية ،لكن ايضا دون ان يفقد المفاوض السوري بوصلته التي تؤشر عل اتجاه عام وعريض هو ثورة الحرية والكرامة ،وثوابته المتعلقة بوحدة السوريين أرضا وشعبا ورفض الدور الخارجي الذي شوه ثورتنا سواء كان من الميليشيات الطائفية الداعمة للنظام او من الميليشيات المتطرفة .
يعمل الفريق التفاوضي السوري حتى الآن بحرفية جيدة معتمدا على النقاط المهمة في القرار الدولي المتعلقة بعملية الانتقال السياسي ودور الامم المتحدة في إجراء الانتخابات ومراقبتها وفي التمثيل الحصري للثورة وعدم قبول إملاءات مباشرة أو غير مباشرة عبر المبعوث الدولي لكن امكانية إحداث اختراق في هذه المباحثات لا تبدو قوية بسبب كثافة الدور الداعم للنظام السوري وضعف وعدم فاعلية
الدور الداعم للثورة السورية معبرا عنها بالفريق التفاوضي،يجب ان ندرك جيدا ان الحل السياسي الممكن لا يمكن ان يشكل انتصارا كاملا للنظام ولا للمعارضة ،لكن قبول حل سياسي لا يلبي الاحتياجات الاساسية للشعب السوري من التغيير لن يجعل هذا الحل قابلا للتطبيق وسيبقي الصراع مفتوحا بانتظار تكون وقائع جديدة على الأرض.
تيار مواطنة- المكتب الإعلامي