افتتاحية الموقع: القرار الأممي 2254 في مهب الريح.
الطريق إلى مفاوضات جنيف 3 بدأ زلقاً ومستعصياً بمنزلقات خطرة ومحفوفا بمخاطر وألغام عدة، أبرزها محاولات روسيا الضغط على الأمم المتحدة بإشراك بعض الشخصيات إلى وفد الهيئة العليا للمفاوضات متجاوزة مخرجات مؤتمر الرياض، وتحديداً المتعلقة بتشكيل وفد الهيئة العليا للمفاوضات وتوافق أطراف المعارضة المختلفة المدنية والعسكرية على توقيع وثيقة سياسية تضمنت التأكيد على إجراء انتقال سياسي وفقا لمقررات جنيف 1 وبياني فيينا.
ورغم تأكيد البعض في حينه على ضعف التمثيل الكردي في المؤتمر وتساؤله عن شكل وتأثير غياب قوى موجودة على الأرض (سورية الديموقراطية)، تهتم بوجودها وغيابها قوى نافذة دولياً وإقليمياً، إلا أن غياب هذه القوى ورفض مشاركتها في مباحثات جنيف قد فتح باب النقاش مجدداً حول ضعف التمثيل الكردي وعدم وجوده “كمكون” مستقل، لا سيما وأن الموجودين ضمن وفد الائتلاف لا يمثل الكرد بحسب البعض، إلى درجة أن الإدارة الذاتية وقوات سورية الديمقراطية أعلنت صراحة أن مخرجات جنيف 3 لا يعنيهما في شيء من جهة استبعادهما من العملية السياسية.
وفي الوقت الذي يجب أن يكون فيه السوريون صفاً واحداً إلى جانب وفد الهيئة العليا في مواجهة نظام القتل والدمار، بغض النظر عن التباينات والمحاصصات، فإن إثارة الحديث عن عدم أو ضعف الوجود الكردي في جنيف أمر مبالغ فيه، ولا يستحق إثارة كل هذه الضجة التي تشير إلى أن وراء الأكمة ما وراءها!، فجوهر مباحثات جنيف هو كيفية إجراء عملية انتقال سياسي وتشكيل هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات تنفيذية واسعة استنادا الى جنيف1 وبياني فيينا والقرارات الأممية ذات الصلة، وهو ما يستدعي وقوف الديمقراطيين السوريين إلى إلى جانب حقوق الشعب السوري عند صياغة الدستور الجديد بما يؤدي إلى تحقيق دولة المواطنة المتساوية بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الدين.
ورغم تأكيد المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا على أن البندين 12 و13 من القرار الأممي 2254 هي “فوق” تفاوضية، إلا أن تعنت النظام ووضع العراقيل وتجاهل المجتمع الدولي لهذه المطالب الإنسانية واستمرار القصف الروسي وزيادة وتيرته في ظل وجود صمت أميركي بالتوازي مع الدور السلبي الذي يقوم به ديمستورا ومحاولة استخدام مسار جنيف كرخصة للقتل أو غطاء لمسرحية العدوان، هو الذي أدى إلى تعليق المباحثات حتى 25 شهر شباط/ فبراير الحالي.
إن أقصى ما يطمح إليه المحاصرون اليوم هو ضرورة فصل المسار الإنساني عن المسار السياسي والعسكري برفع الحصار وتجنيب المدنيين ويلات الحرب وعدم إدخالهم في الصراعات القائمة، لذا فإن التنسيق بين جميع أطراف الصراع سيكون أمراً ضرورياً لإدخال المساعدات وتمكين موظفي الإغاثة من الوصول إلى مناطق الحصار، لا سيما بعد صور الجوع المرعبة التي ظهر فيها أطفال ونساء وشيوخ بلدة مضايا، والتي تشكل وصمة عار في جبين المجتمع الدولي.
إذ من غير المعقول أن تدخل المعارضة في المفاوضات في الوقت الذي يموت فيه السوريون من الجوع والبرد والحصار، كما لا يمكن الدخول في أية مفاوضات فيما يستخدم النظام سياسة التجويع والحصار لتركيع السكان في عملية أقل ما يمكن أن توصف بأنها بربرية ووحشية ومنافية للقانون الإنساني والدولي.
إن ما تعمل عليه روسيا اليوم هو استمرار للحل العسكري بالتوازي مع الحديث عن الحل السياسي بقصف المعارضة ومحاولة إحداث تغيير حقيقي في ميزان القوى القائم على الأرض وهو ما جرى في سلمى وربيعة والشيخ مسكين والآن في شمال وشمال غرب حلب وغيرها من المناطق حيث نشاهد الآن دخول قوات النظام وتمددها إلى مناطق لم يكن الدخول إليها ممكناً، في ظل الصمت الإقليمي والدولي وعدم وجود دعم عسكري حقيقي يوقف العربدة الروسية.
يمكن وصف سياسة الولايات المتحدة الأميركية اليوم تجاه سوريا بالعمى وعدم الجدية في الحرب كما في السلم لافتقادها إلى بوصلة تمكن السوريين من الوصول إلى جنيف آمن، فواشنطن تتجه حسب ما أعلنه وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر إلى مواجهة تنظيم الدولة في العراق وسوريا وتتلخص الإستراتيجية الأميركية الجديدة، بحسب كارتر حول الدفع بإرسال قوات برية إلى المنطقة لاستعادة مدينتي الرقة والموصل، وهو ما يجعلنا نربط بين حديثه وإعلان المملكة العربية السعودية عن استعدادها للدخول في حرب برية إلى سوريا بهدف محاربة التنظيم، حيث من الواضح أن هناك علاقة ما بين مباحثات جنيف 3 وإستراتيجية مجابهة داعش بشكل مباشر على الأرض وعدم الاكتفاء بالقصف الجوي، حيث من غير المستبعد بالاستناد إلى الإعلان السعودي، حدوث مواجهات برية على الأرض داخل سوريا.
وفي هذا الإطار يأتي تجهيز مطار الرميلان في الحسكة ووصول قوات أميركية إلى قاعدة عين الأسد وفي أحسن الأحوال فإن أوباما لن يغامر سوى بإرسال الفرقة 101 جواً إلى العراق وسوريا، وربما سيمارسة سياسة المماطلة ليلقي العبء الأكبر على من سيأتي بعده في البيت الأبيض، وحينها سيكون هناك حديث آخر.
إن أية حرب حقيقة على الإرهاب لا يمكن أن تستقيم إلا بوجود الشعب السوري وهذا لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال إعادة الشعب إلى قلب المعادلة ولن يتم ذلك إلا بتحقيق المقدمات التي تشجع المعارضة على الدخول في مفاوضات حقيقية تفضي إلى انتقال سياسي على أرضية بيان جنيف 1 ولقائي فيينا والقرار الدولي 2254 ، فالذهاب إلى مفاوضات مكتوبة نتائجها سلفاً كما ترغب روسيا بقلب الأولويات عبر اتفاق على حكومة مطعمة ببعض الوزراء بعيد كل البعد عن القرار الدولي وعن مطالب السوريين، وهو يشكل عملية انتحار يجب على المعارضة أن ترفضه لأن ما يجري في سوريا يرتقي إلى جرائم حرب، ولا بد من محاسبة مرتكبيها.