افتتاحية الموقع :هل بات التدخل العربي في سوريا ضرورة ؟
2016-02-14
أضافت موجات زحف الاسر السورية النازحةً من موطنها في ريف حلب الشماليجراء القصف الروسي الاخير, الكثير من فصول المأساة السورية الدامية فقد امتلأت الشاشات والفضائيات بالصور المؤلمة لهذه التغريبة السورية التي لن تنتهي.
فمنذ ان أدار مجلس الامن ظهره لاحتجاجات معظم الشعب السوري في 2011 وسمح بالفيتو الروسي الصيني الشهير وحتى التدخل العسكري الروسي السافر في الأجواء السورية المرهقة بالتدخلات والعسكرة والدماء, ومما فاقم تلك المأساة اعلان المبعوث الاممي “ديمستورا” تاجيل المباحثات السورية في فيينا الى أواخر شباط الجاري, تحت وقع استمرار ضربات الطيران الروسي ومحاولات قوات النظام وحلفائه استعادة السيطرة على محيط حلب والذي كانت قد فقدته منذ 2012 في مساعي جدية للاخلال في موازين القوى على الارض, وهكذا اشتعلت الساحة الدبلوماسية بلقاءات مكوكية لوزراء خارجية السعودية وتركيا وامريكا وروسيا كما اعلن “فابيوس” وزير الخارجية الفرنسي عن استقالته مؤكداً اعتراضه على سياسة ادارة اوباما في سورية, وراحت تتعالى اصوات اتهامات عدة دوائر اعلامية وسياسية أمريكية وأوربية تصل لحد تخوين ادارة اوباما التي تركت المعارضة السورية المسلحة وحيدة في مواجه الجدار الاخير, كي تخضع لشروط وقف اطلاق نار والتفاوض على سقوف أقل بكثير مما اتفق عليه في جنيف1 (دون الاشارة لرحيل الاسد وهيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات).
ويلاحظ أن “كيري” قد تابع الجريّ وراء سراب الأمل في التحول الذي من المفترض ان يخلقه حضور روسيا القوي بالحالة المعقدة في سورية, مغلقاً الاعين لما سببه ويسببه هذا الانفلات ال”بوتيني” من دمار ميداني وانساني وتردي لسمعة سياسة امريكا وحلفاءها من “أصدقاء” الشعب السوري المنكوب من اصدقاءه قبل الاعداء, حيث يستمرالامريكي تجنب خوض الخيارات الصعبة في سوريا, رغم وعيه أن نتيجة الحملة الروسية سوف تكون أحد معززات التطرف و الجهادية في سورية وليس مواجهاً له, لكن الادارة الامريكيةكما زعمت سمحت به من أجل الحفاظ على عملية جنيف قيد الحياة, في حين رأى «معهد دراسات الحرب» الأميركي أن تراجع المعارضة وتقدم النظام شمال حلب، يشكل خللاً كبيراً في موازين القوى ويمثل تحدياً جدياً للمصالح الأميركية، وقد يؤدي الى اضطرابات طويلة الأمد في المنطقة، الامر الذي دفع رئيس حلف الناتو في بروكسل 10-2-16 للاعلان عن ضرورة الرد على اخلال روسيا لموازين القوى.
وفي تعارض وربما احراج لهذا الاداء الامريكي السلبي جاء اعلان السعودية عن التحضير لاستعداد قوات عربية واسلامية للتوغل البري على الارض السورية مندرجة في التحالف الدولي ضد الارهاب, في حين اعلن “أوغلو” أن على امريكا أن تختار إما علاقاتها مع تركيا أو مع الكرد في الجزيرة السورية(PYD) في انكشاف كبير لعمق الخلاف الامريكي/التركي حول القضية السورية,”لكن الرد الامريكي جاء سريعا على لسان المتحدث باسم الخارجية الامريكية جون كيربي بان حزب الاتحاد ليس ارهابيا والكرد حلفاء مهمون في المنطقة مما ساهم في تكريس هذا الخلاف وعليه ردّت تركيا بعد هذه التطوارات عسكرياً, من خلال القصف المدفعي على قوات الPYD) ) بمناطق الاشتباكات داخل الاراضي السورية واعلان اعزاز ومحيطها تحت الحماية العسكرية التركية، واحتمال تزويد المعارضة بأنظمة دفاع جوي محمولة على الكتف وقد تتصاعد الى تدخل عسكري بري في شمال سورية بالتنسيق مع السعودية.
وبغض النظر عن حجم ومدى تأثير تدخل القوى البرية العربية والاسلامية, وسرعة حضورها وفاعليتها, والتي لن تكون فورية بالطبع, (فالسعودية دون ضمان موافقة الولايات المتحدة وقيادة هذا التحالف وقبل انتصارها الناجز في اليمن باستعادة صنعاء العاصمة على الاقل من غير المحتمل أن تغامر بفتح صراعين مسلحين واسعين بآن معاً), كان هذا التدخل متوقعاً ومنتظراً بعيد التدخل الايران العسكري الفاضح لصالح الاسد وحتى قبل حضور الطيران الروسي, وأيضاً يعتبرضرورة بسبب تردي واقع الفصائل المسلحة المعارضة, تلك التي تعاني بدورها من التشتت وتعدد الولاءات بل والتصارع أحياناً, حيث عجزت عن حسم الصراع عسكرياً, ولم تستطع أن توحد الشعب السوري خلفها, بل دفعت المجتمع الدولي نتيجة خطابها الاسلامي بعيداً عن دعم الثورة السورية بما يكفي لانتصارها.
لقد بات واضحاً أن المجتمع الدولي عموماً والامريكي خصوصاً, لم يثق يوماً بواقع المعارضة السورية المسلحة التي أثقلت بالاسلمة (كما أرادها الداعم التركي- القطري).وعليه مالم تستعد الثورة السورية اعتدالها الوطني, ووحدة فصائلها على الارض وتلقي بعيداً والى غير رجعة تلك الرايات الدينية السوداء وقريناتها, لن يعقد أي رجاء على مستقبل قريب لسورية الحرة.
وهكذا يمكننا المراهنة أن يفعل التحالف الدولي و الحضور البري العربي الحاسم ما عجزت عن فعله فصائل المعارضة المسلحة, فيما لو حقق هذا التحالف درجة كافية من الانسجام الامريكي/التركي بسياستهم تجاه سورية ولمواجهة الارهاب الداعشي والتطرف مساهماً باعادة ميزان القوى لصالح قوى الثورة والقضاء على سلطة الاسد ودفن أي مشروع تقسيم راهن الاخير عليه, حيث سيتراجع حينها الخطاب الجهادي, وسيجنح المقاتلون – الذين سيجدون نصيرهم العربي حليفاً حقيقياً – للاعتدال واستعادة الخطاب الوطني, فضلا عن تحقيق مساحات ممكنة وموارد حقيقية تكفي لقيام حكومة وطنية مستقلة القرار, تفرض وجودها ميدانياً وتفاوضياً في مواجهة سلطة الاسد التي تستعيد اليوم أنفاسها على ترياق الدعم الروسي الايراني.
علي عثمان
بات التدخل العربي ضرورة ملحة
لكن يبدو أنه حبر على ورق والوعود لاتحقق نتائج