معليش درعا معليش..!
جاءت جموع السوريين المحتشدين في 104 نقطة تظاهر على مساحة الوطن المحرر يوم 4-3-2016 في جمعة “الثورة مستمرة”, لتحيي مجدداً الآمال التي تآكل كثير منها جراء وديان خيبات وشلالات دماء وطول حصار والجوع والتهجير الذي ألم بالسوريين. وتنفض هذه الجمعة ما تكرس من احباط ويأس بعد اجتياح الأعلام السوداء والصفراء معظم الساحات التي كانت يوما ما مسرحاً للمظاهرات السلمية المطالبة بالحرية قبيل اجتياحها.
ولعلنا نسجل فيض التظاهرات وأعراس الحرية هذه كباكورة موسم الهدنة القائمة, بالرغم من استمرار الخروقات هنا وهناك, كما بيّن “رياض حجاب” رئيس هيئة التفاوض: (تجاوز عدد الغارات الخمسين .. وبالصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية وبراميل الغازات السامة أبرزها الكلور على مناطق فصائل المعارضة المسلحة التي التزمت باتفاق الهدنة) وذلك لغاية يوم جمعة “الثورة مستمرة”, وأضاف (مازالت عمليات قتالية مستمرة, ولم تصل كامل المساعدات, كما لم يطلق سراح معتقلين, ولم يطبق القرار 2254).
وفي مشهد واسع الدلالة سُجل بقوة أن الراية الوحيدة التي رفرفت فوق رؤوس المتظاهرين كانت علم الثورة .. في “معرة النعمان”، بريف “إدلب”، و”اعزاز”، “عنجارة” في ريف “حلب”، حتى “يلدا” جنوب “دمشق” و”نوى” في “درعا”, من بين الأنقاض خرج الشعب مودعاً شهداءه وتاركاً خلفه حطام المباني التي دمرها قصف “بشار الاسد” وأكمل تدميرها “بوتين وطائراته”, ليؤكد الثوار مجدداً على وحدة سورية ورفض الاحتلالات والتقسيم ويسمعون من به صمم “الشعب يريد اسقاط النظام” , وهتافات الشهيد “القاشوش” و”الساروت” الذي عاد منشداً أغاني الحرية, وغرّد واثق الصمادي في بصرى الشام “معليش درعا معليش”..
هاهو الشعب الثائر يسطر حروف الحقيقة, ليكنس الأحاديث الفارغة عن أدوار المعارضات والمؤسسات والائتلافات وغيرها من مصطلحات وشعارات (كالتدخل الخارجي والعنف والأصدقاء ومحاور الشر والعسكرة والأسلمة والحرب الشيعية السنّية والطائفية… ), فالشعب أراد الحياة وأراد سورية الحرة الموحدة لكل السوريين.
وبالرغم من كل هذا وما أشيع في أوساط الرافضين للهدنة الكسيحة, وبرغم كثير من التحليلات حول مكاسب ومخاسر الهدنة, فإننا نقول يكفي الهدنة أنها سمحت بـعودة المظاهرات وعودة الناس الى الشارع بدل الموت حصاراً وجوعاً تحت وطئ قتال غير متكافئ بالعدة والعتاد, فالهدنة أتاحت المجال مجدداً أمام هتافات المدنيين الأحرار في ساحات كان قد أثقلها أزيز الرصاص ودوي المدافع, وبدأت ملامح الاستفادة من دروس سنين الخمس بالتجلي, فالرصاص بظرفه ولوحده لم يثمر عن ازاحة أبشع نظام مدجج بالسلاح من رأسه حتى قدميه ومدعوماً بروسيا وإيران وميليشياتها, بل زاد الرصاص المشبوه معاناتهم وانتعش أمراء الحرب والظلام وتجار الموت على حساب ثورتهم.
ستتكسر رهانات النظام وحلفاءه على اجهاض الثورة أو محاولات حرفها إلى حرب طائفية, وباتت مفضوحة مساعي دفعه وتسهيله ظهور التطرف المسلّح “السنّي” ولن تحشر ثورة الكرامة زوراً في مربع الارهاب, فالشعب اتقن الدرس وعرف أن لا بديل عن وطنية ومدنية الثورة.
ان التمسك بالثورة وحرية شعبنا يتطلب الحرص على استمرار الهدنة ووقف القتال وهذا لا ينبع فقط من أجل مواجهة الموت في صراع البقاء السوري, بل ينبع من ثقتنا بشعبنا الذي أدهش أصراره العالم, وبامكانيات استثمار مناخ وقف اطلاق النار وابتداع الجديد من الادوات على طريق الحرية ودحر الاستبداد.
لم يعد الحديث عن مثالب المفاوضات ومآلات جنيف والمساومة ذي معنى, أمام حقيقة فعل الشارع وخصوصاً اذا قُيض لهذا الشارع ضمانة وقف القصف والاعتداءات ووصول الاغاثة ورفع الحصار ومنع الاعتقالات التعسفية, وهنا يبرز دور الوفد المفاوض المدعو الى جنيف في العاشر من آذار الحالي بعد تأجيل الموعد عدة مرّات (لأسباب لوجستية وفنية، وأيضاً كي يستقر اتفاق وقف إطلاق النار بصورة أفضل) حسب تصريح المصادر الدبلوماسية الأممية, فعلى وفد المعارضة المفاوض المضي بالهدنة ولو ليوم آخر إضافي برغم سلبياتها واستثمار تلك الاحتجاجات الشعبية, الحدث الأبرز, لتمكين السوريين عبر جنيف والمفاوضات من الانتقال السياسي النهائي الى دولة المواطنة والقانون وفق مقررات جنيف 1 والقرار 2254.