المرجعية كانت ولا تزال جنيف 1

alternative picتحدد موعد استئناف جلسة المفاوضات القادمة في 14 الجاري مواكبة للذكرى الخامسة لانطلاقة الثورة السورية ،ثورة الحرية والكرامة ، وجاء الموعد أيضا في الأسبوع الثاني الذي تستمر فيه المظاهرات حيث سميت هذه الجمعة جمعة “تجديد العهد ” إشارة إلى تجديد عهد الشعب لثورته ،لطبيعتها السلمية و لمنطلقاتها الوطنية الجامعة ،ولشعاراتها في الحرية والكرامة وإسقاط سلطة الاستبداد ، وبرز فيها كما في الجمعة السابقة التظاهر العفوي غير المرتبط بأجندات حزبية . ورغم استبدادية وشمولية الحاكمين في المناطق التي تخضع لسيطرة النصرة تظاهر الناس تحت علم الثورة ، فتم إيقاف بعض الناشطين الإعلاميين ،وتم الاعتداء على بعض المتظاهرين وإن إطلاق سراح الإعلاميين بعدها لا يعني القبول بحرية المتظاهرين ،وقد أكد المحيسني في تصريح جديد رفض أي توجه ديموقراطي وعلماني ومحاربته بقوة السلاح ، ورغم قوة السيطرة العسكرية وليس واضحا بعد أن النصرة ستكون قادرة على فرض نمطها “الشرعي” بقوة السلاح ،أم انها ستقبل ولو على مضض ، بهامش الحركة الشعبية العفوية التي من الواضح أنها لا تتطابق مع الأوامر والنواهي ” الشرعية.
من ناحية أخرى السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم تتظاهر المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ؟ الأمر لا يمكن تفسيره بتعب الناس من الحرب فهذا التعب عام وشامل في كل المناطق ،لكن هنا إضافة الى سيطرة القوة العسكرية توجد قوة القمع الأمني والميليشيات الخاصة ،وقوة الميليشيات الطائفية ، وكل هذه الأشكال تفرض هيمنة أسوأ من هيمنة الدولة المنظمة باعتبارها متعددة وباعتبار ممارساتها منفلته من أية ضوابط أو روادع تخضع لها مؤسسات الدولة،لا بل إن تجاوزاتها لا توفر المؤيدين أيضا ، ومن جهة أخرى تلتقي مصلحة “نظام الميليشيات “هذا تماما مع مصلحة المتطرفين في قمع الحركة العفوية ،مثلما التقت مصلحته مع التطرف الداعشي في اعتقال وتعذيب وقتل المواطنين والمثقفين والأدباء والفنانين الخارجين عن الطاعة كما جرى في إعدام الشاعر والإعلامي السوري بشير العاني ونجله بالرصاص في إحدى الساحات العامة في دير الزور بعد ستة اشهر من اعتقالهما.
قبل الدخول في المفاوضات، وفي مفارقة تبرز حجم مأساتنا كسوريين ، لا نزال نمني النفس بالتأثيرات الإيجابية لإيقاف الأعمال القتالية ،لا نزال نرتاح إلى أن عدد القتلى منذ بدء “الهدنة” حوالي مائة فقط وهؤلاء كانوا حصيلة يوم واحد من القتل قبلها ،لا نزال نمني النفس بدخول بعض مواد الإغاثة والأدوية إلى المناطق المحاصرة والمجوَعة في حين
أن الدخول الحقيقي في مفاوضات بهدف التحضير لعملية انتقال سياسي يتطلب من نظام الميليشيات الأسدي ،خاصة وأنه يدخلها من موقع قوة وليس من موقع ضعف ، وبعد الدعم الروسي النوعي ،يتطلب منه اجراءات وسلوكات تعيده الى صورة الدولة الحقيقية ،الدولة التي يهمها إرضاء الجميع بمن فيهم خصومها ، منطق الأمور هذا إذا لم يكن النظام الأسدي يعلمه فلابد أن الناصحين الروس قد لقنوه إياه ،منطق الأمور هذا لا يسمح مثلا بتحديد موعد لانتخابات ما يسمى “مجلس الشعب” في حين أن المفاوضات لم تبدأ بعد ، ومنطق الأمور هذا يقول بالإفراج عن جميع المعتقلين حتى لو لم يرد ذلك في القرار 2254 ، وبالكف عن خرق الهدنة لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية ،وبالكف عن استهداف المدنيين والمشافي ،وبالمقابل تركيز الجهود على الخطر الأكبر على مشروع الدولة السورية المقبلة : داعش والنصرة. من الناحية الظاهرية لا يزال النظام يتعامل وكأنه نظام “دولة “لكنه من الناحية الفعلية لا يزال مصراً على التعامل كنظام ميليشيات ،كنظام مرتهن لإرادات خارجية إقليمية ودولية .
وعل طاولة المفاوضات لا تزال إشكاليات التناقض بين الأجندات الدولية والإقليمية ترخي بثقلها على المشروع الوحيد القابل للتطبيق والقادر على فرض حل سياسي حقيقي لصالح جميع السوريين وهو مشروع تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحية ، فليست مشكلتنا في تشكيل حكومة جديدة ” شاملة “عل حد تعبير السيد “ديمستورا “أي مطعمة بوزراء من المعارضة فأية حكومة ولو كانت كلها من المعارضة ستكون عاجزة أمام السيطرة الأمنية المفرطة في البلاد ،التي لن ينهيها إلا إعادة هيكلة تامة أمنية وعسكرية ،إن تغيير الدستور وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ليست مجرد مسائل اجرائية يتفق عليها بعد خلافات سياسية بل إنها تشكل مع إعادة هيكلة الاجهزة الامنية والعسكرية جوهر العملية الإنتقالية السياسية وإلا فإننا سنكون أمام خطر تجدد القتال واستمراره ، إن ما بدأنا به في جنيف 1 يجب ان ننتهي به في جنيف 3 او 4 حتى لو لم يكن ميزان القوى السياسية والعسكرية يسمح بذلك ، هذا ما يجب أن يفهمه رعاة المؤتمر والأطراف الإقليمية وأيضاً المعارضة السورية بجميع مكوناتها .
أخيرا وبدون تخويف من التقسيم ومن أشكال الدولة الاتحادية ،التي توجد في الكثير من مناطق العالم دون أن يعني ذلك أنها مقسمة ، ومن أجل ايجاد حلول حقيقية لمشاكلنا ،لا بد من التفكير بكل أشكال النظم السياسية والإدارية المناسبة لإعادة تكوين سورية الجديدة بدءاً من أشكال اللامركزية الإدارية ، وصولا إلى أشكال من الحكم الذاتي ،وانتهاء بوجود فدرالية خاصة قد تناسب حالة الكرد في سورية كشكل من اشكال التعبيرعن حق تقرير المصير ،كل ذلك يجب أن يجري في أجواء تسمح لجميع السوريين داخل وخارج سورية بالمشاركة الفعالة غير المقيدة في تقرير مصير بلدهم.
تيار مواطنة 13/03/2016

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة