افتتاحية الموقع :المرحلة الانتقالية وتحدياتها
تتميز المرحلة الحالية في الوضع السوري باتفاق دولي على موضوع الانتقال السياسي،اتفاق لا يعني بالضرورة تلك الدرجة من الوضوح التي تضمنتها وثيقة مؤتمر جنيف 2012 ،اتفاق لا يستطيع “النظام السوري” ،المتضرر الأكبر منه، نظريا على الأقل ، أن يرفضه جبهياً رغم بعض التصريحات الإعلامية لمسؤوليه أحياناً، إنما هو يحاول المماهاة بينه وبين تصوراته الخاصة عن هذا الإنتقال ،بما يسمح له بإعادة إنتاج نفسه وسط التناقضات الدولية والإقليمية و المحلية ، ومن خلال صعوبة وتعقيد عملية الانتقال ذاتها ،لذلك هو يعتمد مبدأ “حكومة الوحدة الوطنية” ،التي يشارك فيها معارضون ومؤيدون ومستقلون ، بديلاً عن مبدأ الجسم الانتقالي ذي الصلاحيات التنفيذية الكاملة بما فيها صلاحيات الرئيس نفسه ،وهو يحوٍل قضية جوهرية ،لا يمكن أن يكون الإنتقال السياسي ناجحا دونها ،هي قضية “إعادة هيكلة الاجهزة الأمنية و العسكرية”، إلى قضية إدماج بعض المسلحين في الجيش أو إلقاء سلاحهم بعد إعلان توبتهم ،وهو يهمل طبعا كل متطلبات مبدأ العدالة الانتقالية ،الذي لا يمكن أن تنجح عملية انتقالية من دونه ،والذي ينص على المصالحة والتسامح ،ولكن في الوقت نفسه على محاسبة المجرمين من العسكريين أو غيرهم ،من النظام أو من أية تنظيمات عسكرية أخرى.ورغم التصور المتتابع زمنياً، الذي أعلن عنه رأس النظام :حكومة موسعة ثم صياغة دستور ثم انتخابات ، فإن الإصرار على إجراء الانتخابات “التشريعية” في 13 الجاري يعني أن النظام يريد القول لأعدائه، وربما لأصدقائه الناصحين ،إن الدخول في حوار سياسي لا يعني تعطيل أو انقطاع استمرارية النظام . لكن من جهة أخرى يبدو سلوك النظام مكابرة تحسب عليه أكثر مما يمكن أن تحسب له ، فكل التفاصيل الإجرائية للعملية الإنتخابية تجعلها باهتة وأشبه ما تكون بمسخرة سياسية تعود عليها السوريون ،مع أنها في هذه المرة أكثر هزلية من كل سابقاتها ،و النظام الدولي إما أنه تجاهلها أو أنه لم يقابلها بما تستحقه من الرفض.
أيضاً تتميز المرحلة الحالية باتفاق دولي على محاربة داعش ،حيث يسمح الكثير من الغربيين لأنفسهم بنسيان أو تجاهل الأطروحات المتعلقة بالنظام السوري كمغناطيس للإرهاب ،وتركيز الجهد على المسألة الرئيسة :مواجهة داعش .داخلياً أيضا أصبح الوضع الإقليمي والدولي عاملأ مشجعا لقوى المعارضة السورية غير المحسوبة على الإرهاب، أو حتى للنصرة مثلاً ، على مواجهة “تنظيم الدولة الإسلامية” الذي أصبح الآن ذلك الرجل العجوز الذي ينتظر موته، ولكن ليس دون مقاومة شرسة ،ذلك بعد أن كان مالئ الدنيا وشاغل الناس ، فبالنسبة لنظام الأسد وصلت لعبة ” الطرف الأخطر أو الأسوأ” إلى نهايتها وأصبح من مصلحة هذا النظام ، كما فعل في تدمر والقريتين ،مواجهة داعش وهزمها ،بعدما وفر له الروس مقومات القوة واستعادة الثقة ،بعد استعادة الكثير من الأراضي على حساب المعارضين المعتدلين أو المتطرفين منهم ،ولكن التحدي الأكبر أمام النظام وأمام المعارضة وأمام قوات الحماية الشعبية هو ، تحرير الرقة والقسم المحتل من دير الزور ،وأي طرف ينجح في هذه المهمة جزئيا أو كليا سيكون له نصيبه الأدسم في العملية السياسية التفاوضية الجارية .قد يربح الجميع على حساب داعش لكن الربح الحقيقي للثورة هو للرابح الذي يحمل مشروع الثورة السورية في الحرية والكرامة .
أخيراً تتميز هذه المرحلة باتفاق عرضي بين النظام والمعارضة السياسية والعسكرية على رفض الفيدرالية التي أعلنتها “حركة المجتمع الديموقراطي “وحلفاؤها ،وأيضا برفض اقليمي أعاد بعض الدفء إلى العلاقات الإيرانية التركية وبرفض أمريكي هادئ ، إن كل هذا الضجيج سواء كان برفض أسلوب وطريقة وتوقيت الإعلان أو الرفض المبدئي الذي يعتبر أن دولة المواطنة كافية لإعطاء الكرد حقوقهم أو الرفض الناتج عن التعصب القومي،كل ذلك لا يعفي الجميع من الإهتمام الجاد والحقيقي بمناقشة المسألة الكردية باعتبارها تمس مكوناً أساسياً من مكونات الشعب السوري . ومثلما لا يمكن الوصول إلى حل سياسي في سوريا بدون انتقال سياسي حقيقي، أيضا لا يمكن القفز فوق حقوق الكرد الذين لا بد أن يحصلوا على شكل من أشكال الحكم الذاتي يتضمن صلاحيات واسعة في نظام حكم لا مركزي ،هذا مع أن الشكل النهائي لحل المسألة الكردية يرتبط بمجريات و مآلات عملية التفاوض.
تيار مواطنة 11/04/2016