الثابت والمتحول في خطاب السلطان أردوغان

تابلايسيبسي

وجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الرفض الأوروبي المتواصل لدخول تركيا إلى نادي القارة العجوز، ضالته في إعادة توجيه البوصلة التركية نهائياً باتجاه دول منطقة الشرق الأوسط، كيف لا وهو البارع في تحويل المحن إلى منح منذ أن حوّل دخوله السجن عام 1998 إلى رئاسة إحدى أهم دول الشرق الأوسط حالياً.
ورغم أن منطقتنا لا تتردد في حرق أصابع من لا يتقن اللعب فيها، إلا أنها تظل الأسهل على السلطان الجديد من تدقيقات الأوروبيين وتعقيداتهم ومضايقاتهم، وتبقى أقل صعوبة من الخضوع لقوانينهم التي تصر في كل مرة على احترام الإنسان وحقوقه، فمنطقتنا ـ مع الأسف ـ، لا تحتاج الزعامة فيها لأكثر من إلقاء الخطب على الطريقة العثمانية القديمة بما تحمله من عبارات دينية تدغدغ مشاعر جماهير شعوبنا، خصوصاً مع تعمق المشكلات المعقّدة التي ازدادت معها رقعة الفقر وفقدان كل أمل في التغيير والحياة الديمقراطية.
ولعلّ التصريحات الأخيرة التي شدد فيها أردوغان على أن “المساواة بين الرجال والنساء أمر يتنافى مع الطبيعة، وأن أمومة المرأة يجب أن تكون لها الأولوية عند المرأة المسلمة”، تأتي في إطار ترسيخ مسار الزعامة الأردوغانية بشكل جليّ، إلا أنها ليست التصريحات الأولى التي تنبئ بتحولات هذا الرجل تجاه قيادة بلاده والمنطقة برمتها باتجاه مزيد من التعقيد، فقد سبق للسلطان الجديد أن أدلى بعبارات من قماشة أن الأكراد المتمردون كفاراً وأنهم زردشتيون!!، مطلقاً بها مارد الطائفية والإثنية من رقاده التاريخي المزمن في منطقتنا غير آبهٍ بتبعاتها.
حديث السلطان هذا، فضلاً عن أنه لا يمكن قبوله من زعيم ديبلوماسي لرئيس دولة بحجم تركيا، إلا أنه لا يمكن فهمه إلا من زاوية النقلة النوعية التي تنتظرها تركيا مع تحولها إلى نظام رئاسي يكون كل شيء بيده ضارباً بعرض الحائط كل قيم الدولة المدنية العلمانية التي رسخها أتاتورك قبل نحو 93 عاماً.
إذ كيف يمكن فهم كلام لرئيس دولة ديمقراطية يصنف جزء من شعبه بهذه التصنيفات غير المقبولة، ومنذ متى أصبحت الزرادشتية تهمة يجب التنصل منها؟!، وهل يمكن أن تطلق كلمة كافر بهذه السهولة على مجموعة كبيرة من الأكراد لمجرد أن لديهم مشروعاً سياسياً ووطنياً لا ينسجم مع الرؤية التركية؟!، لو لا أن للسلطان مشروعه بإشعال المنطقة تحت يافطة الكفر والإيمان وإعلان الحرب المقدسة.
إذاً، وبما أن النزعة الإسلامية قد غلبت أخيراً على الزعيم المسلم، فقد أصبحت شعوب الشرق الأوسط بنظره أمام فسطاطين، وعلى هذه الشعوب أن تختار في أي فسطاط ستكون، فأي مصير بائس ينتظر شعوب منطقتنا المثخنة أصلاً بالجراح والآلام!.
عاد السلطان إذاً ليقلّب دفاتر التاريخ، وعاد ليستحضر منها أشد العبارات تطرفاً وأكثرها عنفاً، وها هو يعدها على نار حطبه، لتكون حاضرة في المكان والزمان الذي يختار فيه فتح المعركة، غير آبهٍ بكل المكتسبات التي حققها المواطن التركي خلال الأعوام الماضية، فهيبة السلطان أهم من كل إنجازات الشعب التركي في مسيرته مع الدولة المدنية!.
والمتابع للتحولات السياسية في المشهد التركي، يرى أن نزعة السلطنة الأردوغانية بدأت منذ أن سيطرت عليه فكرة النظام الرئاسي، ولم يسلم منها حتى أقرب المقربين إليه في حزب العدالة والتنمية رئيس وزرائه السابق أحمد داوود أوغلو، وفتح المعركة على كل من يحاول تعطيل سير المركبة، وها هو يحاكم الصحافيين ولم يتردد في التفافه على كل أشكال التنوع في بلاده وفي حقوق القوميات والأقليات والمذاهب، ليتحول شيئاً فشيئاً إلى رمز للإقصاء والديكتاتورية، فهو يعلم جيداً أن الطريق إلى وهم السلطنة لا يمكن أن يسير على الطريقة الديمقراطية.
تصريحات أردوغان الأخيرة مخيفة ليس فقط بسبب رغبته في تحويل تركيا إلى دولة مركزية يكون هو السيد الأوحد فيها.. وليس فقط لأنه يمضي خطوة كبيرة نحو اضطهاد المرأة التركية ومنعها من حقوقها التي حققتها سابقاً، وليس لأنه يرغب في التدخل بين الزوج وزوجته في منع الإجهاض أو تحديد عدد الأولاد، بل لأنها تتعمد فتح جروح جديدة ستدمينا إذا ما تحولت إلى واقع، لا سيما وأن أردوغان بدأ فعلياً بصبّ الزيت على نارٍ لن تبق ولن تذر إذا ما استطار لهيبها.
ففي الوقت الذي كنا نتأمل فيه تنظيف المنطقة من داعش ومثيلاتها الإرهابية ومن نظام الأسد واستبداده، ها هو سلطان تركيا يبشرنا بأنه لم يحن الوقت بعد لاستقرار هذه المنطقة فهناك ما يستدعي توسيع رقعة الحرب إلى مستويات أخطر و أشد فتكاً.
أما الخوف الأكبر فسيكون على السوريين وما تبقى من ثورتهم، لا سيما وأن الكثيرين منهم سينضوون تحت عباءة أردوغان التي تدغدغ حلمهم القديم الجديد بدولة الخلافة الإسلامية، والكثيرون منهم سيكرسون جهدهم الآن لكسب رضى الخليفة المسلم، والكثير منهم سيستشهد بقصص السلف الصالح التي تؤيد وجهة نظر السلطان المسلم لا سيما المتعلقة منها بضرورة الأولوية لإكثار مواليد المسلمين واهتمام المرأة بأسرتها.
فهل تعي المعارضة السورية خطورة هذا المشهد وهل تستطيع الخروج من هذه العباءة ومنع نفسها من الغرق في هذا المنقلب الخطير الذي يعده سلطان تركيا، في الوقت الذي نعلم صعوبة ذلك كونها تقبع فيه جلّ هذه المعارضة في الحضن التركي منذ اندلاع الثورة وإلى الآن؟.. سؤال سيبقى الجواب عليه رهناً بالقادم من الأيام، رغم أن عنوان المكتوب في غاية الوضوح.

13/6/2016

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة