استطاعت الحكومة التركية وبسرعة وعبر دعم شعبي واضح السيطرة على الوضع وتكبيد الانقلابيين الفشل الذريع ، ولم يتطلب الامر الا ظهور اردوغان بمقابلة تلفزيونية عبر خدمة ( الفيس تايم ) التي تتيحها شركة آبل لمستخدمي هواتفها النقالة، ولكن ماذا لو كان نجح الانقلاب ؟
ما يهمنا كسوررين بشكل اساسي هو انعكاس نجاح الانقلاب على الوضع السوري، وهنا يجب دراسته على مستويين، الاول المستوى الانساني بانعكاس ذلك على وضع اللاجئين السوريين في تركيا، ليس هناك احصائية دقيقة لعدد اللاجئين السوريين في تركيا ولكنه قد يبلغ حوالي الثلاثة ملايين بين من يعيش في المخيمات أو الذين يقطنون المدن التركية ويعملون بها، كان نجاح الانقلاب سينعكس سوءا على الوضع المعيشي اليومي لحياة السوريين في تركيا وسيتم التضييق عليهم، ولم تمحى من الذاكرة بعد انعكاس انقلاب السيسي في مصر على حياتهم هناك ، هذا ما جعل السورييين جميعا في ليلة الانقلاب التركي الفاشل يتسمرون امام شاشات الاخبار لمتابعة مجريات الامور لحظة بلحظة، فرغم كل التشدد التركي الاخير في عدم السماح بالدخول عبر الحدود الى اطلاق النار على محاولات التسلل الى فرض الفيزا على السوريين وعدم اعطائها بسهولة ، تبقى تركيا هي الحاضنة الاكبر للجوء السوري ويبقى اللاجئون فيها يتمتعون بحرية اكبر للحركة والعمل وبشروط معيشية أفضل، عدا عن أنها الوحيدة التى ما زالت تسمح  بتواجد تعبيرات المعارضة على اراضيها. أما بخصوص انعكاسه على الوضع السياسي، فقد كان التوقع أن يكون الانعكاس سلبيا، اذ كان من غير المتوقع أن تحظى المعارضة بدعم الانقلابيين، مما دفع بالنظام السوري واتباعه لاقامة الاحتفالات واطلاق النار الكثيف احتفالا به قبل نجاحه وأوقع العديد من الضحايا بالرصاص الطائش في سوريا،لم يخف النظام السوري فرحه بالانقلاب، بل سارع لتبنيه والاحتفال به واعلان انتصاره قبل ترسخه وثباته، فقد كان متوقعا تضييق الانقلابين على الوجود السياسي والعسكري والثقافي والمدني المعارض على اراضيها، عدا عن التضييق على ادخال الاسلحة عبر الشمال السوري وعلى التواجد العسكري المعارض على حدودها.ولكن الانقلاب رغم فشله قد حدث، وسيترك انعكاسات قطعا على السياسة الداخلية والخارجية لحكومة اردوغان، والتي كانت قبل الانقلاب قد قامت ببعض التغييرات بسياستها الخارجية، من اعادة العلاقات مع اسرائيل الى الاعتذار من الحكومة الروسية عن اسقاط الطائرة، الى التصريحات بضرورة علاقات جيدة مع الجوار بما فيها سوريا، فكيف سينعكس هذا الانقلاب الفاشل على هذه السياسات، ما زال الوضع غامضا ولا نمتلك حتى الآن الا الترقب، فقد ينعكس الانقلاب الفاشل بسياسة خارجية أكثر تشددا، أو قد يدفع حكومة اردوغان الى تقديم تنازلات أكبر.وإن كنا نأمل أن تبقى تركيا على دعمها للقضية السورية بعد التخلي عن الاسلام السياسي المتطرف واتخاذ موقفا أكثر تشددا منه، وجدير بالانتباه أن امريكا قد سارعت الى نفي علاقتها بالانقلاب وذلك بعد اتهام الحكومة التركية لفتح الله غولن المعارض التركي المقيم لديها  بالوقوف وراء الانقلاب، وهي من المفترض أنها من حلفاء تركيا، مما يوضح أن تركيا تواجه اشكالات الآن مع حلفائها التقليدين وسيترك ذلك أثرآ على السياسة الخارجية.
النقطة الثانية التي اضاءها هذا الانقلاب الفاشل هي الدرس الديمقراطي الذي اعطاه الشعب التركي والاحزاب السياسة التركية للعالم،فقد دافعوا جميعاً عن الديمقراطية في وجه العسكر، ووقف معارضي اردوغان معه في رفض الانقلاب فسارعت الاحزاب المعارضة الاساسية بما فيها حزب الشعوب الكردي المعارض الى رفض الانقلاب والوقوف مع الحكومة المنتخبة ديمقراطيا،ونزل الشعب التركي الى الشوراع في مواجهة دبابات الانقلابيين يحمل الاعلام التركية، و كان من الملاحظ أنه لم تحمل صورة لأي زعيم بما فيه اردوغان الذي دعى الشعب للنزول والدفاع عن الديمقراطية، وهذا يؤكد أن الشعب التركي في نزوله الى الشارع كان يدافع عن ديمقراطيته في مواجهة الاستبداد العسكري وعن حقه بالانتخاب ولم يكن يدافع عن زعيمه الذي انقلبوا عليه، وهذا أيضا ما فعلته الاحزاب المعارضة بوقوفها ضد الانقلاب، والذي نأمل أن يتطور أكثر الى انفتاح لحكومة اردوغان باتجاه الكرد وحل المعضلة الكردية في تركيا وإحلال السلام، أما كيف سينعكس هذا الانقلاب على الوضع الداخلي التركي فالامر مفتوح أيضا للاحتمالات، فالاعتقالات الاخيرة تثير القلق ولا يمكن تجاهل التحذيرات الدولية ( المانيا وفرنسا مثالا) للجكومة التركية لعدم استغلال الانقلاب للتضيق على الحريات بحجة مواجهة الانقلابيين، ونتمنى أن تكرس دولة المؤسسات والقانون التركية نفسها بعد الانقلاب وأن المعارضة السياسية التركية التي واجهت الانقلاب مع الحكومة لن تسمح  بالتعدي على حقوقها وعلى الحريات السياسية، وأن لا تسمح للحكومة بتجاوز الديمقراطية ودولة المؤسسات التي دافعت عنها.

تيار مواطنة 18 تموز 2016