ثلاث مشكلات… ستبقى بلا حلول؟- سركيس نعوم
ثلاث مشكلات يمنع عدم حلّها عودة الحياة الى رئاسة الجمهورية، والإنتاج الى مجلس الوزراء والى المجلس النيابي المقفل أمام التشريع والمحاسبة. الأولى استمرار الشغور في الرئاسة الأولى والاختلاف على طريقة إنهائه بين زعماء “الشعوب” اللبنانية وداخل كل منها. والثانية استمرار عدم اتفاقهم على قانون انتخاب يوصل ممثلين فعليين “لشعوبهم” الى مجلس النواب باعتبار أن “الشعوب” التي يقودون، وغالباً نحو الهلاك والانتحار، هي آخر همومهم. والثالثة استمرار عدم اتفاق الزعماء وإياهم على شخص يفترض أن ترشحه الأكثرية في مجلس النواب الجديد لرئاسة الحكومة في الاستشارات التي يفرض الدستور على رئيس الجمهورية إجراءها. وعدم الاتفاق هذا لا يعود الى صعوبة البحث عن شخص يمتلك المواصفات الطائفية والمذهبية الدستورية والعرفية والميثاقية والمؤهلات العلمية والخبرة السياسية والنظافة، بل الى الفساد العلني العام لغالبية الطبقة السياسية القديمة والجديدة.
طبعاً لا يرمي ذلك الى تبرئة الخارجَيْن الإقليمي والدولي من دورهم في خلق المشكلات الثلاث المذكورة، أو في ربط مساهمتهما في إيجاد حلول لها بشروط أو سماحهما بإيجادها. بل يرمي الى تأكيد مسؤولية اللبنانيين في كل ذلك جرّاء انقساماتهم الأفقية والعمودية التي فتحت الباب واسعاً أمام الخارجَيْن للتدخل، بل لممارسة وصاية مطلقة على الداخل لا باسم الدين أو الطائفة أو المذهب كما يدّعيان بل باسم مصالحهما المتناقضة.
هل صار زعماء “شعوب” لبنان جاهزين لحل المشكلات الثلاث المذكورة أعلاه؟
لم يصبحوا كذلك بعد مع الأسف الشديد، وعلى رغم محاولاتهم التي يدعون أنها جدية والتي يقودها رئيس مجلس النواب نبيه بري من خارجه أي بواسطة هيئة حوار لا صفة رسمية لها، ومع ذلك فإنها قد تكون بروفة لمؤتمر تأسيسي يخشاه الكثيرون. علماً أنه ليس مخيفاً من حيث المبدأ اذا كان هؤلاء الزعماء مؤمنين فعلاً بلبنان الـ10452 كلم2، وإذا لم يكن كل منهم مؤمناً بلبنانه الخاص على حساب لبنانات الآخرين. وهم ليسوا كذلك مع الأسف الشديد أيضاً.
فانتخاب رئيس جديد للجمهورية على رغم شغور موقعه منذ سنتين وشهرين وثلاثة أسابيع لا يزال متعذراً بسبب خلافات زعماء “الشعب” المسيحي وربما لاحقاً “الشعوب”، وبسبب الصراع السني – الشيعي المستحكم، وبسبب تحوّل كل من طرفيه أداة في الصراع الاقليمي وتحديداً السعودي – الايراني المحتدم في المنطقة عسكرياً وسياسياً. ولا أحد من الناخبين المحليين مستعد لتسوية، ولا تسوية من دون تنازل، من أجل المصلحة العامة، أو قادر على تجاوز الناخبَيْن الاقليميَّيْن اللذين يربطان رئاسة لبنان بل أوضاعه كلها بتطوّر صراعهما في المنطقة.
والاتفاق على قانون انتخاب جديد لا يزال متعذّراً بدوره لأن كل “شعب” لبناني، وأحياناً كل جزء من كل “شعب” لبناني، يريد قانوناً يترجم مكاسبه المحلية أو يعيد له ما خسره في الصراع المحلي المتنوّع، ولأن غالبية الأفرقاء مضطرة الى احترام رغبات الخارجَيْن المُشار إليهما، أو لا تمانع في احترامها.
انطلاقاً من ذلك يفرض التساؤل الآتي نفسه: هل يمكن إجراء انتخابات نيابية مع استمرار الشغور في رئاسة الدولة وغياب قانون جديد للانتخاب؟
الجواب النظري هو نعم. فمن جهة هناك قانون انتخاب ساري المفعول اسمه “قانون الستّين”. ومن جهة ثانية “زالت” الموانع الأمنية التي حالت دون انتخاب مجلس جديد قبل ثلاث سنوات وفرضت التمديد له ولاية جديدة من أربع سنوات وإن على دفعتين. والدليل إجراء انتخابات بلدية قبل أشهر في أجواء طبيعية الى حد كبير. كما أن التحسّب للوضع الأمني يجب أن يكون دائماً في أولوية المسؤولين رسمياً وغير المسؤولين عملياً. أما الجواب الفعلي فهو كلاّ لأن غالبية زعماء “الشعوب” اللبنانية لا تمانع في “قانون الستّين”، أو لأن قسماً كبيراً منها يفضّله على أي قانون جديد، أو “لأن “الشعوب” ترفضه وتطالب بقانون آخر فيه من “النسبية” نسبة كبيرة، أو لأن زعماءها لا يتجرأون على مخالفتها. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل تستطيع “الشعوب” فعلاً مخالفة زعمائها وخصوصاً إذا اعتمدوا التعبئة الطائفية والمذهبية؟ والجواب هو كلاّ على الأرجح. الى ذلك لا يحلّ إجراء انتخاب وفقاً لـ”الستّين” المشكلة، لأن الشغور في الرئاسة سيعزّز الفراغ جرّاء استقالة الحكومة بحكم الدستور وتعذّر تشكيل أخرى.
ماذا عن المشكلة الثالثة وهي استمرار عدم الاتفاق على رئيس “الحكومة الجديدة”؟ وماذا عن النسبية المطروحة لقانون الانتخاب؟
sarkis.naoum@annahar.com.lb
النهار 17- اب- 2016