مناقشة لماجد كيالي في مسائل الثورة والمعارضة السوريتين- حسن عبد العظيم

مقالات 0 admin

نشرت «الحياة» بتاريخ 2/8/2016 مقالاً هاماً للكاتب ماجد كيالي حول «أسئلة عدة هامة طرحت نفسها منذ اندلاع الثورة السورية في آذار (مارس) 2011، لكنها لم تجد إجابة عنها حتى الآن، حتى أن قيادات المعارضة لم تتطرق إليها… لا في خطاباتها وبياناتها، ولا في الندوات وورشات العمل الكثيرة التي عقدتها»!
ثم استطرد وضرب أمثلة على ذلك: «منها شعار إسقاط النظام –وهو مفهوم بالنظر لعفوية الثورة السورية في سبيل التعبئة والتحشيد وكتحديد للهدف، بيد أن هذا شيء وتحويل الشعار إلى واقع شيء آخر، لا سيما بعد أن بات لهذه الثورة كيان سياسي يعبر عنها، أو يفترض أنه كذلك (المجلس الوطني ثم الائتلاف الوطني)… مما يستلزم من الكيانات السياسية المعنية الإجابة عن السؤال: «كيف بمكن إسقاط النظام؟ أو هل يمكن إسقاطه بإمكانات الشعب الذاتية؟».
ويضيف أنه «يتعذر التنبؤ بحالات الثورات وتداعياتها كما بنجاحها أو فشلها، لكن السؤال في شقه الثاني يبقى مشروعاً وضرورياً، والإجابة عنه بمسؤولية تقع على عاتق الجهات المقررة في الثورة التي يفترض أن تدير الصراع بأفضل… ما يمكن…».
ثم يحاول الكاتب أن «يعذر الكيان الثوري المعارض في التأخير عن الإجابة في الأشهر الأولى للثورة – بسبب نوع من الشعور بأن «القوى الدولية الفاعلة» لن تترك السوريين مكشوفين إزاء بطش النظام، وأن ثمة نوعاً من التدخل الدولي سيحصل، ما سيسهل عليهم إسقاط النظام، بيد أن هذا الشعور الذي تأسس على تجارب مماثلة، وعلى تشجيعات دولية وإقليمية وغربية أهمها تصريحات الرئيسين الأميركي والفرنسي، ورئيس الوزراء التركي (في حينه) ومواقف جامعة الدول العربية التي جمدت عضوية النظام، ما لبثت أن تكشف عجزها عن توفير الحد الأدنى من الإسناد الدفاعي».
ثم يضيف الكاتب: «الآن لنفترض أن ثمة خذلاناً للثورة السورية وتخلياً عنها، أو لنفترض أن ثمة تلاعباً ما، لأغراض معينة من قبل هذه الدولة أو تلك، لحرف ثورة السوريين، أو تحميلها ما لا تحتمل، ألم يكن من الأجدى في حينه، أي بعد أن تكشفت أوهام «التدخل الخارجي»، مراجعة الطريق واقتراح معادلات سياسية جديدة تجنب السوريين الأهوال التي عانوا منها، والتي سهلت للنظام تدمير عمرانهم وتشريد الإعلاميين منهم، لا سيما أننا نتحدث عن المرحلة التي تلت صفقة الكيماوي (آب 2013). فمنذ هذا التاريخ كان يفترض في المعارضة السورية تقديم الإجابة عن السؤال: هل يمكن إسقاط النظام بالإمكانيات الذاتية؟
فإذا كان الجواب على ذلك نعم، فقد كان يلزمها ذلك التوضيح: كيف وبأي قوى؟ وهل الكيانات السياسية والعسكرية والمدنية على هذه الدرجة من التوحد والنضج السياسي والعملياتي، ما يؤهلها لذلك حقاً؟ هل لديها الإمكانيات الذاتية العسكرية لحسم هذا الأمر؟
في المقابل إذا كان الجواب بالنفي، فما العمل؟ ومثلاً هل كانت قيادات المعارضة تملك الجرأة السياسية والأخلاقية لمخاطبة شعبها في شأن هذا الواقع، والتوجه نحو تخفيف وتأثر الفعاليات الثورية، وضمنه تخفيف الصراع المسلح بدل تصعيده للحفاظ على طول نفس الثورة، وتجنيب البيئات الشعبية مزيداً من الكوارث.
وحتى التصرف على أساس أن الثورة في هذه المرحلة أثبتت ذاتها بخروج الشعب إلى الشوارع، إلى مسرح التاريخ، في مواجهة النظام للمرة الأولى، وفي تعبيره عن ذاته في صيحته: «الشعب يريد إسقاط النظام» ألا يمكن اعتبار كل ذلك مرحلة أو «بروفا» بانتظار مرحلة قادمة أنسب؟
أما إذا كان الجواب بالنفي يأتي في إطار قناعة، أو معاندة، تقيد ضرورة تعزيز اعتماد الثورة وزيادة ارتهانها للخارج، على القوى الدولية والإقليمية والعربية، أو ما عرف بالدول «الصديقة»، فعلى المعارضة أن توضح لشعبها من هي الدول التي تعول عليها؟ وأن تفسر لماذا ينبغي الاعتماد عليها، في حين أنها لا تستطيع أن تقدم الإسناد الملائم لمواجهة النظام، ولا حتى على صعيد مضاد طائرات، ولا فرض مناطق «آمنة»؟
وقد تبين أن كل دولة من هذه الدول تشتغل وفق أجندتها الخاصة، وأنها تريد أن توظف الثورة السورية وفق مصالحها، علماً أنها تشتغل تحت السقف الذي تحدده الإدارة الأميركية، وفي الواقع أن المعارضة سكتت عن هذه السؤال، أو إزاحته من دائرة النقاش، لأنها بين أمور أخرى كانت ضعيفة إزاء إملاءات الدول «الصديقة» أي أنها تصرفت بطريقة دونية مع هذه الدول حتى في بنائها لهيكليتها، وفي خطاباتها، وفي سكوتها عن التدخلات الفجة والمضرة بالثورة، بخاصة في تشكيلات أو تصريحات الألوية والكتائب العسكرية وفي تجميد الجيش الحر، وإضعافه لمصلحة دعم جماعات عسكرية ذات أيديولوجيا معينة، ما أضر بالثورة وبصورتها، في العالم وإزاء السوريين، من دون أن تشكل فرقاً في مواجهة النظام وحلفائه في الصراع الدائر. هذا ينقلنا إلى السؤال التالي: هل اعتماد المعارضة السورية على المساندة الدولية والإقليمية، أو ارتهانها لها، زاد الثورة قوة أو أفادها، أم أنه أضعفها وقيدها ونمى أوهامها وأدخلها في مغامرات غير محسوبة، وجرها لحسابات (الدول) المتباينة؟ هذا السؤال كما سؤال إسقاط النظام يبدو سؤالاً راهناً، ويفترض الإجابة عنه، لاستنباط الدروس والعبر، ولتجنيب السوريين مزيداً من الخسائر والكوارث».
هذا المقال الهام للكاتب العتيد، يتطلب إجابات هامة مماثلة في أهميته من كيان آخر معترف به وطنياً، وعربياً وإقليمياً ودولياً ومن الجامعة العربية، والأمم المتحدة ومبعوثيهم السادة كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي وستيفان ديمستورا، ونوابهم وبعثاتهم. وهذا التجاهل الذي وقع فيه الكاتب مقصود، مع أن هيئة التنسيق الوطنية تأسست في 30/6/2011 قبل تأسيس المجلس الوطني، والائتلاف الوطني، وهي طرف أصيل وتاريخي في المعارضة صممت على البقاء في الداخل، ولها امتدادها في الدول العربية ودول الخارج، وقد أجابت عن أسئلة الكاتب قبل أن يطرحها، سواء في وثيقة تأسيسها المعلنة بتاريخ 30/6/2011 أو في مؤتمراتها التي عقدت تحت شعار «لا للاستبداد، لا للتدخل الخارجي، لا للعنف، لا للطائفية» في مؤتمر حلبون الذي حضره ما يزيد على 300 عضو من ممثلي الأحزاب العربية والكردية ولجان أحياء المجتمع المدني وتيار المستقلين، بتاريخ 17/9/2011 وأصدر بيانه الختامي، أو في مؤتمر فرع المهجر في برلين بتاريخ 20/9/2011 أو في مؤتمر الوطن العربي بتاريخ 24/9/2011.
وشاركت في مؤتمر المعارضة في القاهرة مع المجلس الوطني وممثلي فصائل الجيش الحر بتاريخ 2-3 تموز (يوليو) 2012 بإشراف الجامعة العربية ووزارة خارجية مصر العربية، وعملت على توحيد جهود المعارضة ورؤيتها ومواقفها في اللقاء التحضيري في القاهرة بتاريخ 22-24/1/2015 الذي ضم أطرافاً من الائتلاف الوطني، وفي مؤتمر المعارضة في القاهرة بتاريخ 8-9 حزيران (يونيو) 2015 وفي إقرار وثائق هامة («بيان القاهرة من أجل سورية» و«خريطة طريق الحل السياسي التفاوضي»، والميثاق الوطني السوري، والبيان الختامي)، كما شاركت في لقاء موسكو 2 وفي مؤتمر الرياض وفي لقاء بروكسيل بمشاركة الاتحاد الأوروبي ككيان سياسي معترف به دولياً، ولو أن الكاتب كلف نفسه عناء الاطلاع على صفحة الهيئة، ووثائقها وبياناتها، ومواقفها، لوجد إجابات واضحة عن أسئلته، إذ لا يمكن حجب الشمس بغربال!
ومع ذلك أرى من واجبي تقديم أجوبة سريعة عن أسئلته الهامة.
1- لقد تجنبت هيئة التنسيق الوطنية شعار إسقاط النظام الذي طرحته الانتفاضة الثورية الشعبية والشبابية بإمكانات الشعب الذاتية، ورفضت التدخل الخارجي وبخاصة العسكري منه، وحذرت من العنف وإثارة النعرات الطائفية، والمذهبية، ومن الانجرار إلى حمل السلاح، والعسكرة لأنه ملعب السلطة وهي الأقوى فيه، ويعطيه الذريعة للادعاء بأنه توجد عصابات مسلحة ومؤامرة كونية خارجية.
كما أن جميع السفراء الدوليين وبخاصة الغربيين منهم بمن فيهم الأميركي والبريطاني والفرنسي، وجميع سفراء الاتحاد الأوروبي، أكدوا في زياراتهم لمكتب هيئة التنسيق الوطنية والمنسق العام قبل انسحابهم من سورية، رفضهم للتدخل العسكري في سورية، وأنها غير العراق وليبيا، وكذلك رفض الحظر الجوي والمناطق الآمنة، والعازلة، ورموز المجلس الوطني يعرفون ذلك تماماً، فضلاً عن أن خطورة التدخل العسكري الخارجي لا تقل خطراً عن خطورة الاستبداد الداخلي، واحتكار السلطة والثروة، وقمع الحريات والاستهتار بحقوق الإنسان وكرامته، وتجربة العراق وليبيا، بعد انهيار الدولة أبلغ مثال على ذلك.
كما أن موقف القوى الدولية كان معروفاً للمعارضة، وهو إضعاف النظام لا تغييره، وعدم الاعتراض على حصول حرب بالوكالة تدمر الدولة والمعارضة وتشغل الجيش النظامي والمنشقين عنه (الجيش الحر) والمعارضة المسلحة بحرب أهلية، وصراعات طائفية ومذهبية تخرق النسيج الوطني والعربي، والإسلامي، وتريح الكيان الصهيوني، من دون تعرض دول الناتو لأي خسائر كما حصل في أفغانستان والعراق وليبيا، ومن الواضح أن الحسم العسكري من جانب المعارضة وحلفائها الإقليميين والدوليين غير مسموح به والسلاح النوعي محظور، وأن الحسم العسكري من قبل النظام وحلفائه – إيران والعراق وحزب الله – غير مسموح به، ويغدو الحل السياسي التفاوضي وفق بيان جنيف والبيانات الأخرى والقرارات الدولية هو الخيار الوحيد، بعد أن أصبحت ظاهرة الإرهاب المتمثلة بداعش والقاعدة وأخواتها تشكل خطراً على دول المنطقة والعالم، بالإضافة إلى موجات الهجرة الملغومة بخلايا الإرهابيين التي زعزعت الأمن والاستقرار في العواصم الأوروبية والإقليمية.
من هذا المنطلق تطالب هيئة التنسيق من في إطار الهيئة العليا للمفاوضات «بتخفيف وتأثير الفعاليات الثورية وتخفيف الصراع المسلح بدل تعقيده، للحفاظ على طول نفس الثورة وتجنيب البيئات الشعبية مزيداً من الكوارث»، كما ورد في المقال، وما يجري في حلب يدمي القلوب ويدمر ما بقي من العاصمة الاقتصادية.
2- كما أن ذلك يخفف من ارتهان قوى الثورة والمعارضة للخارج من الدول الإقليمية والخارجية التي تشتغل وفق أجنداتها الخاصة وتوظيف الثورة لصالحها، وكلها تعمل تحت السقف الذي تحدده الإدارة الأميركية… كما يقول الكاتب.
كما أن التمسك باستقلالية القرار الوطني لقوى المعارضة والثورة وتوحيد جهودها ورؤيتها ومواقفها وتوسيع مشاركة قوى معارضة فعلية في ذلك، يعزز دورها، وخطابها، ودور المعارضة المسلحة المعتدلة والجيش الحر الملتزمة بالحل السياسي، بالتوازي مع محاربة قوى الإرهاب ومشاريعها الخاصة المتعارضة مع مطالب الشعب السوري وطموحاتها.
3- كما أن المعارضة السورية لم تنجح حتى الآن في إدارة وضعها سواء في علاقاتها بشعبها، أو طبيعة بناها ومؤسساتها ولا ينبغي أن تكون راضية عن نفسها، مع أنها حققت بداية جديدة جدية بعد مؤتمر الرياض، وتشكيل الهيئة العليا للمفاوضات والوفد التفاوضي، وشاركت في جولات ثلاث في جنيف 3، قدمت في الثانية منها وثائق سياسية هامة حول تصورها لبيان جنيف 1 والقرار 2118/2013 والقرار 2254/2016، وحول طبيعة الحكم والمبادئ العامة، وشكلت لجاناً للحوار مع القوى السياسية والمجتمعية… غير أنها لا تزال بحاجة إلى تطوير أدائها، وتفعيل العلاقة والتوافق بين أطرافها، والانخراط في العملية السياسية التفاوضية المباشرة من دون شروط مسبقة على العملية التفاوضية، ومن دون توقف، وإدارة صراعها مع النظام بكفاءة وإدارة المناطق الواقعة تحت سيطرتها، بطريقة يظهر فيها الفارق النوعي الكبير مع حاضنتها الشعبية بينها وبين المناطق التي يديرها النظام وحلفاؤه، أو تديرها المجموعات الإرهابية.
4- ولا بد من أن يكون خطاب قوى المعارضة والثورة، تجاه مكونات الشعب السوري، وبخاصة الكرد والسريان والأشوريين والتركمان والأرمن وغيرهم، متميزاً ومطمئناً، يشعرهم بوجودهم القومي، واحترام حقوقهم الثقافية واللغوية، والسياسية، كجزء أصيل وتاريخي، من النسيج الوطني السوري، في نظام لامركزي إدارياً ضمن وحدة البلاد أرضاً وشعباً، بالإضافة إلى احترام التعدد الديني والطائفي والمذهبي، وحرية الاعتقاد، في دولة المواطنة والحريات والمساواة والعدل والعدالة الاجتماعية.

* المنسق العام لـ «هيئة التنسيق لقوى التغيير الديموقراطي»

الحياة 22-8-2016

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة