في الإنعطافة الأخلاقية للثورة السورية

بلا شك غيرت الثورة السورية من تصوراتنا حول إمكانية وحدود الصمود الإنساني، فبالرغم من الآلام والكوارث التي لحقت بشعبنا، وتحول الثورة إلى اقتتال أهلي طاحن، فإنه ما يزال يمتلك تلك القدرة الهائلة على الاستمرار في الحياة والمقاومة ويغتنم الفرص للعودة الى الحالة السلمية التي بدأت واستمرت لستة أشهرٍ متحديةً عنف النظام وقمعه الهمجي، وحالة التحدي هذه تضفي معانٍ جديدةٍ على قدرة هذا الشعب وعظمته، لكن ذلك لا يمنع من البحث والتفكر فيها بطريقة نقدية.

لقد امتازت الثورة في انطلاقتها بعمق أخلاقي وإنساني جعل العالم يقف مدهوشاً أمامها، وجعل السوريين أكثر يقيناً بأنها ثورة ستغير البنية الاستبدادية للنظام القائم، نظام البعث الذي حول سوريا إلى جمهورية رعب حقيقية، بل إن المراقبين كانوا أكثر تفاؤلاً بنجاح الثورة وبأنها في طريقها لتحقيق أهدافها المبدئية ـ الحرية والكرامة ـ الشعار الفضفاض الذي أنعش آمال المواطنين من جميع الفئات بتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص بعد قرابة خمسة عقودٍ من النظام التوليتاري البوليسي القمعي.

لكن تزاحم المصالح الدولية والإقليمية، وتقاعس المجتمع الدولي عن نجدة الشعب السوري، والعنف والهمجية التي مارسها النظام، وظهور داعش وفيما بعد جبهة النصرة، أدخل الثورة في مسارٍ آخرٍ مختلفٍ تماماً، جعلها تطيح بالمبادئ العامة التي انطلقت منها، وتتحول من شعارات “الشعب السوري واحد” و ” حرية… حرية ” إلى شعارات وسلوكيات تحاكي أساليب النظام القمعية والدموية في تعاملها مع رموز وجنود النظام في حال أسرهم أو قتلهم خلال المعارك. نحن هنا لا نقارن بين سلوك النظام وهمجيته وبين سلوك غالبية المنتفضين من حيث مقدار الهمجية، فتلك المقارنة تنطوي على الكثير من الغبن، ولكننا نتحدث عن التراجع الأخلاقي الذي يجعلهم يستخدمون الأساليب نفسها.

من المؤسف والمرير حقاً الإقرار بأن الثورة انزاحت عن أخلاقياتها، وهذا الانزياح لا يمكن تجاهله فقد عم صداه في الرأي العام المحلي والدولي، الذي كان جله مناصراً في بداية انطلاقة الثورة، ومن ثم بدأ يشكك بها وبجدواها في أعقاب نشر صور وفيديوهات توثق لجرائم قامت بها المجموعات المحسوبة على الثورة بدءاً بأبو صكار ومروراً بعشرات الفيديوهات التي وثقت ذلك، وانتهاءً بسحل الطيار الروسي.

لا يختلف اثنان على أن النظام قاتل ومستبد وهمجي وفاسق، ولكن لا يجوز أن تكون أخلاق الثائر والثورة في مستوى دونية و وضاعة هذا النظام، بل يجب أن تكون بديلاً ونقيضاً له، إنسانياً وقانونياً وأخلاقياً وسياسياً. إن الأزمة الأخلاقية قد تخطت، في إحدى جوانبها، هذا القتل والعنف المتبادل، الذي قد يُفسر في إطار الفعل ورد الفعل أو في إطار القهر الإنساني الذي تعرض له المقاتلون إلى مستوىً أكثر كارثية – مستوى النخب السياسية والثقافية التي ساهمت بفعالية في إنتاج الأزمة- من خلال انتهاج العاطفة بديلاً عن العقل والإنشائية والشتيمة والاتهام والطعن بدلاً من الاحتكام إلى الوقائع. ولعل البروبوغندا الإعلامية التي رافقت تحول النصرة إلى فتح الشام، ومعركة حلب وما رافقها من تجشؤٍ للعبارات الطائفية، وتحرير منبج وما رافقه من تشويه وتشكيك حتى قبل أن تتحرر نهائياً من داعش، يجعلنا مضطرين للقول أن العثور على بصيص أمل في نهاية النفق سيكون أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً، ما لم يعد قطار الحرية والكرامة إلى سكته، ويتم تنظيف جسد الثورة من المجموعات المتطرفة والدخيلة كداعش وجبهة النصرة.

 

تيار مواطنة 22/08/2016

 

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة