افتتاحية مواطنة – إن ما يجري في سوريا لعبة أمم..؟؟!!

دونما تشويه أو تمويه للحقائق أو التفاف على الوقائع العنيدة التي قد تفاجئ وتصدم الكثير من الثوريين الغرقى في سباتهم الأيديولوجي، ينبغي قراءة الواقع السوري قراءة توليدية، من أجل تجديد الفكر وخلق أفق جديد للمقاربة والمعالجة.

بهذا المعنى يمكننا القول بأن ما جرى في داريا جريمة جديدة بحق الإنسانية، ويمكن لها أن تمتد الى المعضمية وقدسيا والوعر وكل المناطق المحاصرة، وأثبتت أن حرب المدن عبثية مع احترامنا لأسطورة الصمود – كأن فضل البعض الانتحار على الاستسلام – ، وينبغي تصحيح هذا الخطأ التاريخي الذي ارتكبه مقاتلوا المعارضة، لأنهم ببساطة راهنوا مثلهم مثل النظام ومريديه، على إمكانية الحسم العسكري الذي عزّ حصوله وطال انتظاره، وبالتالي بات ملحاً الاعتراف والخروج من المدن وتركها لإدارات مدنية ومجالس محلية من أهلها. كي لا يخرجوا لاحقاً صاغرين وباتفاقيات إذعان، بل ينبغي ان توضع سلوكيات الثوار وبرامجهم دوماً تحت المسائلة والمراجعة، كارتهان المعارضة السورية للخارج وفقدها قرارها المستقل، وتعلقها بأجندات إقليمية لا صالح للسوريين وفقها أصلاً.

ولا ينفك الإرهاب ينتشر ويتمدد ويفاجئ العالم بأساليبه القذرة، ابتداء من قطع الرؤوس، وتفجير المدارس، والهجوم على مقرات الصحف وقتل المدنيين، مستهدفاً الجميع، ولأنه يعمل باسم الدين ويهدف الى إقامة دولة الخلافة وتطبيق الشريعة، صار الإسلام هو المتهم الأول، سيما إذا سمعنا فتاوي مشايخه الايمانوية، وعقائدهم التكفيرية، واختصاراً آن الأوان لتوجيه النقد الى العقائد الدوغمائية والتكفيرية التي أمست سبباً رئيساً لما يجري من كوارث ومصائب وشرور محيطة، باعتبارها عقائد عدمية تختص في صناعة الموت، وهدم الحضارة، ترفض الديمقراطية والدولة المدنية وحقوق المرأة والإنسان، فضلا أنها دفعت العالم للتخلي عن ثورة السوريين التي ابتليت براياتهم السوداء.

لقد انكشف لدى الإسلاميين ميلهم القديم للقبض على السلطة، حتى لو انتهكت كل القيم الإنسانية، ولا يغير من الامر شيئاً تبني بعضهم لمقولات حديثة عند اندلاع الثورات في انتهازية مفهومة ضمن معركة الوصول الى السلطة، وكان شعارهم كسلطة الاستبداد “إما نحن أو لا أحد“، ولكن لسوء الحظ أو ربما لحسنه أصابهم الفشل، حتى في أبسط من هذا، كتوحيد فصيلين إسلاميين يتقاتلان تحت راية الإسلام، وذهبوا لأسلمة الفكر والحياة كأصحاب مشروع شمولي ماضوي، لن يستطيع ان يجد طريقه في الحياة العصرية، و ذو نهاية كارثية، كما هي نهاية المشاريع التي تستند الى مفاهيم القداسة والثبات والتطرف ويلتقي مع الديكتاتوريات الشمولية.

ودونما تبسيط للمسائل، فالصراعات الجارية اليوم مركبة بقدر ما هي متداخلة وملتبسة، وكي نحسن قراءة التحولات التي جرت منذ بدء الانتفاضة الشعبية السورية، وهي تواجه التحديات البالغة المحيقة، فتحولت أساليب النظام المتوحش وممارسات الثوار المنعكسة الى حرب أهلية / طائفية مكشوفة لا ناقة للشعب السوري فيها ولا جمل، فغدت معظم القوى التي تقاتل في الساحة إسلامية ومتطرفة، رغم عدم نفي وجود بعض القوى المعتدلة التي لا دور حاسم لها في عملية التحرير من نظام الطغيان الاسدي، فأوغلت الحرب بطائفية يخوضها السنّي والشّيعي على معظم المستويات السياسية والأيديولوجية، خاصة بعد انخراط حزب الله والميليشيات الشّيعية وإيران بالقتال الى جانب النظام السوري ونيابة عنه أحياناً.

في ظل هذا الوضع المعقد، وعدم وجود حلول سهلة للمقتلة السورية، لأنها مركّبة فعلاً, وخارجة عن أيادي السوريين، الذين أصبحوا أسرى في ملعب الكبار، وإذا أردنا أن لا نحكم على أنفسنا بالعجز المطبق، وبمعرض بحثنا عن المخارج والحلول، حيث لا أحد سيساعد السوريين على حل مشكلاتهم اذا هم أنفسهم لم يسعوا الى حلها بالتقارب والتواصل ووضع حد للتدخلات الإقليمية والدولية, و العمل لدحر الاستبداد والإرهاب والمجموعات الجهادية المتطرفة.

ومع غياب الحلول في الأفق، فالتسويات الجارية مؤقتة ولا ترقى لتكون أنصاف حلول، بسبب التواطؤ القائم بين الدول الإقليمية والعالمية التي تتشابك وتتداخل مصالحها على منصة الصراع السوري، وبين السلطات والقوى القديمة المناهضة لأي تغيير أو تحرر، فضلاً عن تعزيز القوى الأصولية التي ركبت الموجة الثورية، فأغرقت البلاد -مع وحشية السلطة- بكل هذه الدماء، وكل هذا الدمار، وباتت لعبة أمم في سورية.

 

تيار مواطنة 05/09/2016

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة