افتتاحية مواطنة – لا تطفئ الشمعة حين تلعن الظلام ..!

بعد مناقشات ماراتونية خرج الاتفاق (الأمريكي-الروسي) الى ضرورة احياء وقف الأعمال العدائية في سورية، وذلك بعد أن اجتمعت “النواة الصلبة” لمجموعة أصدقاء سوريا في مركز الأبحاث اللندني واستمعت إلى “رؤية هيئة التفاوض العليا للحل السياسي في سورية”، التي تكاد تتطابق مع تصور قرارات مجلس الأمن بشأن الحل السياسي من حيث الشكل والمدة، بالرغم من عوزها لاستيعاب متطلبات كل المكونات العرقية والدينية السورية في مقدمتها.

الأمر الذي تسبب باعتراضات السريان الأشوريين والكرد والتركمان، ولكنها تبقى خطوة صحيحة وضرورية في وقت راح العديد من دول العالم يقترب من -أو على وشك- تبني رواية النظام الديماغوجية عن الإرهاب والتي نجح الى حد كبير بتسويقها مقدماً نفسه كشريك في “الحرب على الإرهاب” بينما فشلت المعارضة المسلحة في تحقيق الحسم الميداني و فاقم سلوكها وخطابها من الكارثة، كما فشلت في كسب الرأي العام المحلي والعالمي، متذرعة باتهام الجميع بالتخاذل والعدوانية، الصحيح نسبياً، دون اجراء أي مراجعة أو نقد جدي لخطابها “الثوري”، الخطاب اللاعقلاني الذي استمر يختطف الساحات الثائرة ويعرّض مدنييها لأبشع مواجهة وحصار راح يدفع ثمنه الأبرياء دماً وتهجيراً وشقاءً.

خطاب مازال يخسر الأصدقاء، مبرراً ذلك بعدم جدوى كسب أي من العالم في صفنا، لأنهم كلهم ضدنا ومتآمرين علينا ويريدون بقاء الأسد..! ولهذا سنقاتل الجميع حتى نموت ولو قبل ان ننتصر، وجزاؤنا في الآخرة……..

هذا الخطاب والسلوك العدمي، أدخل سورية والثورة في مأزق الاستنقاع, وبأحسن الأحوال الى صيغة الكرّ والفرّ في الميدان، فاستعاد نظام الكيماوي الطائفي وحلفاءه الإيرانيين الأنفاس مجدداً، كما جرى في الأسبوع المنصرم، حيث قام بتحشيد وتوزيع ألف مقاتل جديد من حركة “النجباء” الشيعية العراقية وبإشراف “قاسم سليماني” شخصياً، فضلاً عن استئناف طائرات القتل الروسية لغارات الموت وهذه المرّة راحت تنطلق من مطارات ايران، في رسائل بالغة الدلالة قبل وخلال لقاءات “كيري-لافروف” في جنيف بغية استرداد مناطق كان قد خسرها النظام في جنوب حلب في محاولة لإعادة تصحيح كفة موازين القوى، قبل جولة المباحثات التي تلوح في الأفق، لاستعادة السيطرة على مناطق كان قد انتزعها “جيش الفتح” من النظام خلال الشهر الماضي, أثناء عملية فك الحصار عن مناطق المعارضة في حلب.

وضمن نفس الغاية بالطرف المقابل انتفضت “جبهة فتح الشام” لتحريك جبهة القنيطرة مؤكدة حضورها بالوقت الذي يطلب رأسها دولياً.

من البديهي أن طهران وموسكو سترفضان أي تغيير جدي في ميزان القوى إلا اذا جاء لصالح السلطة الأسدية، وعليه من الطبيعي أن لا تنجح بيسر لقاءات “لافروف-كيري” بفرض أية هدنة مستدامة. حيث جاء الاتفاق الأخير لإحياء اتفاقات وقف الاعمال القتالية و الطلب من “فصائل المعارضة السورية أن تنأى بنفسها عن “تنظيم الدولة” وعن “جبهة فتح الشام”، و بعد وقف تطورات التصعيد التركي الداعم لفصائل “الجيش الحر” والتوغل في مناطق جرابلس وما يسمى “المنطقة الامنة” التي كانت تطالب تركيا بها منذ عامين، لتغلق الطريق أمام اندفاعة الـ PYD غرب نهر الفرات، بحجة ان التوغل التركي سيساهم في “تعقيد الوضع العسكري السياسي الصعب في سورية”.

إن ثورتنا تحتاج اليوم الى أكثر من عقلنة في الخطاب السياسي كي تستعيد جذوتها المدنية وتستعيد تحالف أصدقائها والعالم الحر، وهذا ما يلتمس من تصريح هيئة التفاوض الذي يدعو لتجاوز صيغ الهدن المؤقتة و المطالبة “بوقف اطلاق نار شامل ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة”، و بالضبط كما فعلت في “لندن” بإعلان وثيقة رؤيتها للحل و الانتقال السياسي وفق القرارات الدولية سيما جنيف 2012، في مسعى لوقف التدهور الذي تسببت به “القاعدة” وتفريخاتها المنسجمة مع أداء النظام المتوحش المحترف إرهاباً تاريخياً والماهر في صناعته و حتى في “صناعة الأعداء” المناسبين، فجاء تنظيم الدولة “داعش” -الذي استثمر به الجميع- والذي ملأ ولفترة ليست بقصيرة فراغ السلطة في مناطق واسعة من البلاد، وهي المسألة التي كرّست اللغة الطائفية والتطرف والإرهاب، فأطالت بعمر سلطة الأسد وبررت دعمه من حلفائه وغيرهم، وسببت في تردد الأصدقاء وتخوفاتهم من هزيمة الأسد السريعة، الأمر الذي حول الثورة الى صراع طائفي على السلطة، فوأد انتفاضة شعبنا العصماء بوجه سلطة الأسد والاستبداد الأمني، واستمرت كذلك معاناة السوريين والمقتلة باستمرار أوهام النصر والحسم عند طرفي النزاع المسلح، في الوقت الذي يتأكد فيه كل يوم أن الحسم العسكري ممنوع، محلياً و إقليميا ودولياً.

آن الآوان لدعم المنطق العقلاني الذي يحدد خارطة طريق تكون قادرة على إنقاذ البلاد وتخلص السوريين في آن واحد من سلطة الأسد و من ظلاميات القرون الغابرة التي انتشرت واستمرت بسبب عناد تلك السلطة لاستحقاقات التاريخ.

 

تيار مواطنة 12/09/2016

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة