وجهة نظر تيار مواطنة في الفيدرالية
في الفيدرالية
يتميز السجال حول الفدرالية بقدر من التهافت ، وباستثناء قلة من الأشخاص والمقالات ،فإن الإفتقار الفاضح للموضوعية والعقلانية والقيم الإنسانية والأخلاقية، يعود في الكثير منه إلى التخلف المريع لهذه القيم المذكورة بشكل عام، وإلى طغيان الايدولوجيا والشوفينية بتنوعاتها العديدة، وإلى الانقسام والمشاريع والمصالح المتناقضة في المنطقة بشكل عام، وإلى التخندق الحاد الناتج عن الصراع الدائر في سورية منذ ما يزيد على خمس سنوات، وإلى الانقسام العميق في العراق أيضا، بما في ذلك بالطبع التشابك المعقد بين السياسي والطائفي والديني، وبين العوامل المحلية والإقليمية والدولية، وإلى الذاكرة التاريخية البعيدة والقريبة المرضوضة بشكل كارثي لدى كل شعوب المنطقة، وبخاصة الأرمن والكرد والعرب. وإذا تناولنا الأخيرين فقط فإن بوسعنا القول: إن الكرد همشت وأقصيت قضيتهم بالكامل تقريبا بعد الحرب الكونية الاولى، وقسموا على دول أربع على الأقل في أعقاب تفكك الامبراطورية العثمانية، كما ذهبت سايكس بيكو بآمال العرب والسوريين في دولة موحدة أدراج الرياح، وكانت الطامة الكبرى اغتصاب فلسطين الفاضح من قبل الحركة الصهيونية بالاستناد إلى دعم وتخطيط مباشر من القوى الاستعمارية الكبرى، وعلى قاعدة ما سمي بالحق التاريخي، ومقولة ” أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” [نترك الآن المذابح والتشريد للبحث التاريخي].
إن الذاكرات الشعبية القائمة على العناصر السابقة لم تكن تؤدي إلى عقدة الاضطهاد والنرجسية القومية الذاتية، وعدم الثقة والعدوانية بين شعوب المنطقة فحسب، بل و إلى فقدان الثقة والعدوانية ذاتها تقريبا بين هذه الشعوب – أو غالبيتها على الأقل – وشعوب العالم الأخرى وبخاصة الغربية منها. وإذا قبلنا بما سبق يصعب تصور موقف موضوعي أو عقلاني أو انساني او أخلاقي من قبل هذه الشعوب ذات الذواكر المرضوضة حتى النخاع، وبخاصة الشعب الكردي الذي كادت المخططات والتقسيمات أن تطيح بهويته القومية إلى حد مأساوي ظالم. ومع ذلك وبعيدا عنه لا يزال هناك متسع لقول الكثير في الموضوع الفيدرالي بشكل عام، وفي فيدرالية الشمال الشرقي من سورية بشكل خاص من مثل:
- يجب الاعتراف من قبل الجميع وبخاصة من قبل العرب بسقوط أسطورة القومية المنسوجة بعناية ولكنها الوهمية بالقدر نفسه عن أمة عربية موجودة منذ القديم وطافية فوق سطح الصيرورة التاريخية، والأمر نفسه فيما يتعلق بالأسطورة السورية التي وإن تكن أقل وهما ومفارقة للواقع، إلا أنها هي الأخرى تعاني من عطب كبير لا يخفى على العين البصيرة، وإذا كان المقتل التاريخي لأسطورة الأمة العربية الطافية على سطح التاريخ هو عدم تحول الامبراطورية العربية الإسلامية إلى أمة عربية مع وجود الكثير جدا من العوامل السياسية واللغوية والأثنية وحتى الدينية المساعدة مثلها في ذلك مثل الإمبراطوريات القديمة والجديدة، بدءا من الإمبراطورية الفارسية والرومانية واليونانية والعثمانية والاسبانية في أمريكا اللاتينية والمغولية والسلافية… إلخ. وبخاصة لأن الامبراطورية المذكورة تعاقب على الإمساك برقبتها شعوب أخرى من غير العرب لمئات السنين بل أكثر بعد منتصف القرن الثالث الهجري. كما عانت من الانقسام والتفتت بدءا من منتصف القرن الثاني الهجري أصلا، ولم تقم لها قائمة موحدة بعد ذلك سواء أكانت بقيادة العرب أم بسلطان غيرهم، والأمر في سورية يتشابه في بعض النقاط مع ماسبق وبخاصة إذا تذكرنا أن في سورية الألف الأول وعلى الرغم من الوحدة الثقافية – اللغوية تقريبا، فقد كانت هنالك حوالي /11/ مملكة آرامية فقط، ويمكن القول إن العصر الذهبي سياسيا – وهذه مفارقة فيما يتعلق بسورية – لم يكن عصرا داخليا بل بفعل الإمبراطوريتين اليونانية والرومانية، حيث كانت هنالك سورية ما – باستثناء الداخل الأجوف – مع وضع خاص تقريبا ودائما لفلسطين في ظل الوجود اليهودي، وفيما عدا ذلك وحتى في زمن الحمدانيين لم يكن هناك شيء اسمه سورية الموحدة، ولا في أي زمن سابق قديم حتى لو عدنا آلاف السنين إلى الوراء، إلى زمن كنعان وفينيقيا و … إلخ. وحتى في الزمن العثماني الذي وحد المناطق القديمة للإمبراطورية العربية الإسلامية – بغض النظر عن حكامها – فإنه لم تكن هنالك سورية واحدة لها وجود سياسي وإداري واحد في كل السلطنة، بل كانت هنالك ولايات سورية يتبع كل منها المركز وتتبع لها متصرفيات وسناجق…. إلخ. ومع ذلك من الصعب القفز على سايكس بيكو – الذي على الرغم من كونه ليس أكثر من تجزيئ المجزأ أصلا أو لصق بعض المجزأ مع بعض – وعلى آثاره وتداعياته المرة.
- من الممكن – بل من الضروري – على قاعدة ما سبق إذا صح – وهو كذلك إلى حدد كبير – أن يكف العرب والسوريون عن الرواية الموحدة الانشائية وعن التشنج لها، والدخول في وضع فيه بعض الاسترخاء الواقعي-التاريخي الذي يسمح برؤية أقل ايدولوجية وقطعية وأكثر انفتاحا على مستقبل يقوم على الوقائع بدلا من الخطابات الانشائية المنمقة وبخاصة بعد المآل الذي آلت إليه مسألة الأمة العربية ووحدتها واقعيا وسياسيا وليس ثقافيا أو لغويا أو حضاريا.
- إن القول بسورية تاريخية وجغرافية – بغض النظر عن وحدتها أو تجزئتها عبر التاريخ – ليس مفارقاً للواقع ولكن المفارق هو الادعاء العنيد بأنها كانت قائمة بوصفها وحدة منذ زمن سحيق. وفي كل الأحوال، ومهما تكن خلافاتنا ونظرتنا إلى التاريخ والجغرافية والسياسة والحضارة والثقافة، فإن ثمة سورية حقيقية كانت تتكون وتترسخ مع ندوب ورضّات وهزات غير قليلة في نطاق قرن من الزمن على الأقل، وبخاصة في السنوات الذهبية بين 1928 – 1958م، وقد كان هنالك مشروع أمة حقيقي واعد على الأرض في كل الحقول، بدأ عطبه الجديد منذ عام 1963م وحتى الآن، سنترك جانبا سنوات الوحدة الثلاث والنصف، التي هي مثار جدل لم ينته – وذلك على الرغم من أن نصف القرن الأخير تحت حكم البعث كان ثنائي الاتجاه، حيث أدّى في جهة منه إلى المزيد من الدمج بين الأرياف والمدن وبخاصة الكبرى منها – وإن يكن بحذر شديد – إلى حد وصف فيه بعض الباحثين الوضع على أنه ترييف للمدينة بدلا من تمدين الريف. ولكن الحكم المذكور نفسه أثار من جهة أخرى – وأجج إلى الحد الأقصى – التمايزات الأثنية والطائفية والدينية والمذهبية، وبخاصة من خلال الاستيلاء على الدولة والتغول عليها وطبعها بطوابع طائفية متعددة أو بطابع طائفي محدد، الأمر الذي عمق التمايزات القديمة وخلق أوضاعا جديدة مأساوية ومن بينها بالتأكيد؛ تعميق الانقسامات العمودية في المجتمع وخلق مظلوميات جديدة جنبا إلى جنب مع مخاوف ومصالح وامتيازات مادية ومعنوية، قومية ودينية، لا تخفى على العين الموضوعية. وهو الأمر الذي يجب أن يدفع إلى نقاش هادئ – وهو شبه مستحيل في ظل الظروف الحالية المتخندقة بشكل حاد – في طبيعة النظام السياسي المركزي أو اللامركزي سياسيا أو إداريا، أو سياسيا وإداريا معا، أو المسألة الفيدرالية بشكل عام، أو فيدرالية كردية حقيقية بشكل خاص، أو حتى الفيدرالية المعلنة اليوم في الشمال الشرقي والشمال والشمال-الغربي.
- انطلاقا من المحصلة التي وصل إليها المدخل التاريخي، فإن ثمة حقا قوميا للكرد في المنطقة – إيران، العراق، تركيا، سورية – يجب الاعتراف به علنا سياسيا ودستوريا بدون أي لجلجة أو مماطلة أو ضحك على اللحى أو الحديث عن الأخوة الكردية- العربية أو مشابه ذلك – على صحته المفترضة – وبما أن الحديث في هذا الجزء من البحث يجب أن يدور حول سورية فإن من الضروري القول إن الحق القومي الكردي قائم، ويجب أن يتحقق – طبقا للأوضاع العيانية الملموسة لسورية وللكرد فيها ،مثلها في ذلك مثل إيران والعراق وتركيا – مع الفروق الحقيقية الملموسة – ولا علاقة تلازميه لهذا الحق بطبيعة السلطة السورية أو نظامها السياسي المركزي أو اللامركزي أو الاتحادي أو الفيدرالي، فأياً يكن شكل الدولة وبنية نظامها السياسي، لابد من إبداع الشكل المناسب لحق الكرد القومي في سورية والمنطقة بشكل عام.
- انطلاقا مما سبق كله، فإن بحث المسألة الفيدرالية لا يرتبط بالضرورة بالمسألة الكردية – وإن تكن هذه جزءا مهما من هذا البحث – فمسألة المركزية واللامركزية والفيدرالية في سورية اليوم شيء، والفيدرالية الكردية المأمولة أو القائمة واقعيا بشكل أو بآخر شيء آخر. حيث لا يترتب بالضرورة وفق دعاة اللامركزية السياسية أو الإدارية حل المسألة القومية الكردية في سورية، وباعتبار ذلك فإن البحث العام فيما هو الأنسب والأصوب لسورية اليوم يمكن أن يسير جنبا إلى جنب وبقدر من الاستقلال عن البحث الخاص في الحقوق القومية للكرد ولغيرهم.
وبهذا المعنى، فإن الحديث عن أن الشعب السوري هو الذي سوف يقرر مستقبلا وبحرية تامة طبيعة دولته ونظامه السياسي – وفق دستور جديد – هو صحيح بالتأكيد، ولكن الصحيح أيضا هو أن الاختباء وراء هذا الكلام المبدئي لرفض الحق القومي للكرد أو مناقشة الأشكال المطروحة لتحققه هو من قبيل كلام الحق الذي يراد به الباطل. حيث من الطبيعي أن يكون لكل قوة سياسية – أو مدنية – سورية، كبرت أم صغرت، بل لكل فرد فيها رأي في مسألة المركزية أو اللامركزية أو الفيدرالية الاتحادية أو الحقوق القومية لغير العرب السوريين، بل إن إبداء هذا الرأي والدفاع عنه لا يتعارض مع مبدأ أن الشعب السوري هو من سيقرر في نهاية الأمر، حيث من الواضح أن الكتلة الكبرى من المختبئين وراء هذا الحق، يعلنون أو يضمرون الرفض الفعلي للفيدرالية والحقوق القومية بصرف النظر عن أشكال وزمان طرحها.
- من الضروري تخليص العلائق بين الكونفدرالية والفيدرالية من الأضاليل التي تروج حولهما بحيث يمكن القول باختصار شديد: إن الكونفدرالية هي اتحاد دول مستقلة في نطاق توحيدي ما بحيث يحق لكل دولة – نظريا على الأقل – الانفصال في كل وقت وبحرية تامة وبدون أي إكراه من قبل الدول الأخرى، كما يحق لها إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الأخرى – مرة أخرى نظريا وقانونيا على الأقل – وأبرز الأمثلة على ذلك الاتحاد السوفيتي والاتحاد اليوغسلافي، حيث كان الاسم الحقيقي لهما هو: اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، واتحاد الجمهوريات الاشتراكية اليوغسلافية. في حين أن الفيدرالية ليست اتحاد دول، بل هي دولة متحدة من أقاليم أو ولايات أو أي اسم آخر، وأبرز الأمثلة على ذلك، الولايات المتحدة الأمريكية، والكثير جدا غيرها من دول العالم في الأميركتين وأوروبا وآسيا وافريقيا. وثمة بين هذين الشكلين والنمطين أشكال وسيطة، ولكنها أقرب إلى الفيدرالية أحيانا، والكونفدرالية أحيانا أخرى، ونجد الأمثلة على ذلك في الهند وكندا. وفي كل الأحوال، إن الغالبية العظمى من دول العالم الكبرى وغير الكبرى، بما في ذلك روسيا اليوم هي من النمط الفيدرالي أو الوسيط بينه وبين الكونفدرالي، بدءا بآسيا وانتهاء بأمريكا. ومن الواضح لكل من يريد الحقيقة أن الأقاليم أو الولايات المتحدة، ليس من حقها الانفصال عندما تشاء كما أنها لا تقيم علاقة ديبلوماسية مع دول أخرى في حين يمكن أن يكون للأشكال الوسيطة بعض الحقوق كما هو الحال مع كردستان العراق على الرغم من أنها قانونيا وسياسيا هي فيدرالية.
وفي هذه الحال يجب على الحوار في موضوع الفيدرالية في سورية، أن يبتعد عن الأكاذيب والأضاليل التي تظهر الفيدرالية كما لو أنها انفصال عن المركز أو أنها مشروع انفصال بالضرورة على الرغم من أنها قد تفضي إلى ذلك في حالات استثنائية لسنا بصددها الآن. ويعلم الجميع ما الذي قام به ابراهام لينكولن رئيس الولايات المتحدة بين عامي 1861 – 1865 عندما أعلن تحرير العبيد، الأمر الذي جعل ولايات الجنوب تعلن الانفصال – حيث لم يتردد في الدخول في حرب أهلية كلفت في ذلك الوقت حوالي /670/ ألف قتيل، مع حرب ودمار قل نظيره، حتى تحقق له في نهاية المطاف أمران هما تحرير العبيد وإلغاء انفصال الجنوب وإعادة التوحيد بالقوة.
وعند هذا الحد يجب نقاش المركزية واللامركزية السياسية والإدارية والفيدرالية على قاعدة ما جرى في العالم حتى الآن، والذي هو هذا الشكل أو ذاك من الاتحاد والوحدة وليس الانفصال والانقسام في بعض الاحيان فقط.
- من الممكن أن تثار بعض الحجج التي لها دعم تاريخي من مثل كون الفيدرالية نتاجا لصيرورة توحيد بعد تجزئة سابقة – وهذا صحيح إلى حد كبير – في حين نحن موحدون مركزيا في الأصل فلماذا الحديث عن الفيدرالية، وعند هذا الحد تبرز مسألتان؛ أولاهما أنه في غير قليل أيضا من الأمثلة التاريخية، كانت الكونفدرالية والفيدرالية واللامركزية انطلاقا من أنظمة مركزية في الأصل وفي كثير منها كانت حلا واقعيا لإمبراطوريات فات أوانها كالقيصرية أو النمساوية – المجرية أو الألمانية – البروسية أو البريطانية… إلخ، ولكن كانت هنالك أمثلة أيضا عن أشكال من اللامركزية والحكم الذاتي والفيدرالية انطلاقا من ماض ليس امبراطوريا بالضرورة /سويسرا مثلا/ والمسألة الثانية هي أن الفيدرالية في سورية اليوم تطرح في وجه أساسي على قاعدة التنوع القومي، وفي هذه الحال ليس من المهم أن تكون الصيرورة من التجزئة إلى الاتحاد أم من المركز نحو الفيدرالية.
- من الصدق مع الذات والآخرين رفض الاختباء وراء الأبواب – على الرغم من أن بعضها فيه بعض الحق ويمكن الاختباء وراءه – ورفض الاختباء وراء الاصبع مهما تكن عريضة، لأنها لا تخبئ بقدر ما تكشف، ومن الصدق نفسه ثانيا عدم قبول – ولا نقول رفض كلي – ترحيل مناقشة بعض القضايا الهامة وتأجيلها بذرائع شتى على الرغم من بعض المشروعية والصواب والجدارة الفعلية النسبية لها ، من مثل الآثار السلبية للصراع الدائر اليوم على موضوعية وعقلانية الحوار الذي يمكن أن يدور حول الفيدرالية وما شابه ذلك. ولكن لا مفر من ذلك كما يبدو لأن الوقائع تتدحرج وليس من الصواب الاكتفاء بالانتظار والتفرج عليها. ومن الصدق ذاته ثالثا الانطلاق من الواقع الفعلي الملموس اليوم وليس التاريخي فقط لسورية بشكل عام، بكل ماله وما عليه بغض النظر عن الاتفاق أو عدم الاتفاق عليه. هذا الواقع البعيد عن معظم الادعاءات العربية وغير العربية وبخاصة في القرون الوسطى والحديثة وحتى المعاصرة، وفي الإطار نفسه ضرورة الاستناد إلى الجغرافيا الطبيعية والبشرية والسياسية لكردستان بشكل عام وللجزء السوري الذي نحن معنيون به بشكل خاص.
يمكن القول فيما يخص سورية بشكل عام، أن الانطلاق من كل ما سبق ومما ورد أعلاه للتو، يسمح لنا بالتفكير دون تعصب قومي أو غير قومي بالمركزية واللامركزية السياسية والفيدرالية بوصفها أحد أشكال الأخيرة، ولا يقدم أو يؤخر كثيرا هنا الحديث عن صغرها الجغرافي وماضيها التاريخي المتخيل ولا غلبه العنصر العربي والإسلامي فيها. لأن الكثير من الدول الاتحادية أصغر منها وبعضها أكثر منها بكثير في غلبة الطابع القومي أو الديني فيها لأن المعّول عليه في نهاية المطاف – على أهمية ما ذكر – مانحن عليه اليوم وما صرنا إليه، وما الأفضل لنا في المستقبل، وكيف يمكن الحفاظ على وحدة الشعب والوطن والدولة، وعند هذا الحد ليس من الكفر بالتاريخ وبالثالوث المذكور توا التفكير بدولة مركزية مع فتح شكل من أشكال الحكم الذاتي القومي للكرد أو اللامركزية السياسية أو الفيدرالية مع اقرار الحق القومي نفسه.
ليس هذا فحسب بل إن الحديث عن أن الاعتراف للكرد بحقهم القومي في الحكم الذاتي سوف يجر إلى ذوات قومية أخرى ليس مطابقا للواقع. وعلى سبيل المثال إن الأرمن والشركس ليسوا على أرضهم التاريخية وهم جاليات أسبابها في المذابح العثمانية والروسية وأقصى ما يحق لهم هو الحفاظ على ثقافتهم إن شاءوا – والحديث بلغتهم في مجامعهم، وأن تكون لهم بعض المدارس الفرعية – إلى جانب المدرسة المركزية – تعلم اللغة وشيء من الثقافة القومية وربما بعض التاريخ.
أما في ما يتعلق بالسريان والآشوريين، فهم وإن كانوا على أرضهم وأرض بني جلدتهم، إلا أنهم جغرافيا وعدديا وانتشارا وقربهم الشديد في الأرومة اللغوية من العرب ولأصالتهم في سورية ثقافة وتاريخا، فإنهم قد يتمركزون في نهاية المطاف حول بعض الحقوق التي لا تصل بأي حال من الأحوال للطموح الكردي.
بقي إن نقول أن المكون القومي الأخير والذي هو التركمان، يعاني هو الآخر من البعثرة والتشتت في كل أنحاء سورية من الحدود التركية وحتى الجولان مرورا بالمنطقة الوسطى، وثمة تجمعات ريفية ملموسة في كل من محافظات اللاذقية وحلب والرقة وما بين حمص وحماة والجولان، ولكن سكان الريف منهم يتمركز معظمهم في شمال حلب مع وجود جغرافي متقطع جدا، مع تمركز في شمال وشمال-شرق اللاذقية مع وجود جغرافي متصل ولكن مع عدد أقل مما هو في شمال حلب، وكذلك الأمر في المنطقة الوسطى وغيرها، حيث هنالك تجمعات غير متصلة وأحيانا ضعيفة أو ضعيفة جدا، أما فيما يتعلق بالمدن فإن التركمان موجودون في جميع المدن الكبرى من حلب حتى دمشق، ولكنهم هنا وعلى نقيض الريف اندمجوا إلى حد كبير جدا مع السكان الآخرين بحيث يصعب الحديث عن وجود متمايز متماسك بما يكفي لتوليد حس قومي ناجز ، في حين يشكل الكرد وجودا متمايزا داخل بعض المدن بما في ذلك المدن الكبرى الثلاث؛ حلب، دمشق، وحماة بدرجة أقل بكثير، لذلك فإن التركمان نادرا ما كانت لهم مطالب قومية وبخاصة بعد أن اكتفى الكماليون بسلخ لواء اسكندرون وتجاوزوا ادعاءاتهم إلى حد كبير في مناطق أخرى وبخاصة في شمال حلب واللاذقية. إلا أن سياسة البعث الحاكم الشوفينية والصراع الدائر اليوم في سورية والتدخل التركي السافر أحيا من جديد لدى تجمعات التركمان وبخاصة في الريف الشعور القومي المتصاعد سياسيا وعسكريا ولغويا.
ودفعا إلى السطح ببعض الدفائن البعيدة والقريبة، ومع ذلك ليس ثمة مشكلة معقدة غير قابلة للحل لهذا الوضع مستقبلا على قاعدة الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات المنصوص عليها في المواثيق الدولية، وفي السياق السابق من الواضح أن الحديث ينساق عن اللامركزية أو الفيدرالية المتعلقة بالأثنيات القومية، ولكن من الممكن أيضا أن تطرح اللامركزية على قاعدة أقاليم جغرافية لأسباب عملية أكثر منها تاريخية – وإن يكن فيها بعض التاريخ – وهو أمر ينبغي أن يناقش جيدا، بعيدا هذه المرة عن التوتر القومي والمخاوف الانفصالية أو الإقليمية، وفي كل الأحوال فإن النمط الأخير هذا سوف يقوم – إن قام – على إرادة الشعب العامة وهو ما يميزه عن النمط الآخر من اللامركزية المتعلق بالحق القومي المتعلق من الناحية الرئيسية بإرادة المكون القومي المقصود، بقي أن نضيف إننا لا نفكر بلا مركزية سياسية تقوم على الانتماءات الدينية أو الطائفية الأمر الذي يحصر اللامركزية في المكون القومي أو الاقليم الجغرافي أو فيهما معا.
بقي أن نقول إن عدم قبول اللامركزية الطائفية لا يستغرق بالقدر الكافي المسألة المطروحة، حيث لابد من الإقرار بوجود التمايزات الدينية أو الطائفية، و تحولها إلى ما يشبه الهويات الأساسية للمكونات السورية -أو لبعضها على الأقل- و التي طردت – أو أضعفت إلى حد كبير- أشكال الانتماء الأخرى- و على رأسها الهوية السورية الجامعة بوصفها الهوية الأساس – يطرح علينا تحدياً فيما يتعلق بالطريقة التي تؤثر فيها هذه التمايزات في النظام السياسي و الإداري الراهن، و إمكانية و أشكال تأثيرها في مستقبل سورية على الأصعدة كافة بما في ذلك بالطبع شكل الدولة و النظام السياسي.
هذا المستقبل الذي سوف تقرّه من بين أمور عديدة التوازنات العسكرية و السياسية المحلية و الإقليمية و الدولية الفاعلة على الأرض السورية أياً تكن درجة تعبيرها عن المصالح الحقيقية للشعب السوري، بل قد تكون على حسابه – في غير ميدان –و لزمن قد يطول أو يقصر تبعاً للتطورات اللاحقة.
ولما كان من المرجح تأثير هذه التمايزات في تقرير المستقبل السوري بشكل أو بآخر فإن من المهم عدم إضفاء أي شرعية سياسية عليها، لأن ذلك يعني المخاطرة بتكريس تاريخي طويل الأمد مثلما حصل في لبنان،بما في ذلك الأثار السلبية التي سوف تتركها على التطور التاريخي – إن لم نقل على فرملته-
و على صعيد آخر فإن ما حصل في سورية أثناء الاستقلال و بعده – و خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين من شبه اندماج بين الريف و المدينة – و بين العاصمة و الريف- و إن يكن قد تمّ أحياناً بطرق سلبية – إدارية و سياسية- و بقي في كثير من الأحيان على هامش بعض المدن – اجتماعياً و مكانياً على شكل أحياء ريفية في ضواحي المدن – نقول إن شبه الاندماج هذا شكل قدراً من الازاحة و التشابك في مواقع المكونات الاجتماعية، و أضعف إلى حد ما العزلة الجغرافية و الثقافية و الاقتصادية لأي مكون طائفي أو ديني – نترك الآن و هنا المكون القومي بشكل عام و الكردي بشكل خاص، الذي أفردنا له جزءاً خاصاً و مهماً من هذا البحث، و الذي لا يمكن مقارنته مع المكونات الطائفية ، إن يكن في أصله، أو في حقه التاريخي المشروع، أو في سياق الحل المطلوب، أو في منطقه السياسي و الدستوري، أو في تداعياته على أي صعيد كان.
وعلى أرض الواقع، وفي كل الأحوال فإن السلوك الطائفي للسلطة أثر سلباً على عملية الاندماج،بل أذكى شعوراً كان تحت الرماد، على الرغم من ظهوره علناً في بعض الأحيان، شعوراً بالغبن لدى المكونات المتعددة المهمشة نتيجة للهيمنة الكثيفة والواضحة في كل مجالات الحياة لمكوّن واحد؛ هو الطائفة العلوية.
و بعد عام 2011 م و لأسباب لسنا بصدد الحديث عنها هنا- لأن ذلك قد تم مراراً و تكراراً في سياق آخر- شهد الوضع السوري تفاعلاً معاكساً للعملية التاريخية التي كانت تجري سابقاً- على الرغم من كل سلبياتها الواضحة- و تصاعدت- إن لم نقل تفاقمت- مسألة الهويات الطائفية الفرعية، و أصبح الحديث عنها تعبيراً عن واقع الحال السوري إلى حد ملموس، و مع ذلك فإن مآل الوضع السوري على هذا الصعيد لايزال، وسيبقى إلى إشعار آخر، محكوماً إلى حد كبير بالمآل الذي سوف تؤول إليه القوتان الغاشمتان المعاديتان للشعب السوري و بالكيفية التي سوف يتجسد فيها هذا المآل، و القوتان هما السلطة – الطغمة السورية الحاكمة ، و القوة الإرهابية الهمجية على الطرف الأخر.
بقي أن نقول: إن ثمة أموراً أخرى ذكرناها في مرات سابقة سوف يكون لها أثر كبير على مستقبل الهوية السورية الجامعة – بعضها تاريخي و هو في غاية الأهمية – منها المآل الذي انتهت إليه الدويلات السورية و بخاصة بين عامي 1937م – 1941م ، و المرحلة الذهبية من تاريخ سورية – تاريخ خمسينيات القرن الماضي. وبعضها راهن و منه عدم وجود مشاريع طائفية انفصالية – إلا عند بعض المجانين و الموتورين و المذعورين – معبرة عن إرادة جمعية أو شعبية، أو مدعومة بقوة إقليمياً أو دولياً أو عربياً، و حتى في حال وجود شيء من ذلك محلياً أو إقليمياً فإن مصالح الدول الإقليمية الفاعلة و الدول العالمية الكبرى لا تتناغم مع ذلك لحسن الحظ، مع كل ما يقال أحياناً على هذا الصعيد على سبيل التهويل و المؤامرة و المهاترة السياسية عن بعض الدول الإقليمية و بخاصة إيران.
إذن، و انطلاقاً مما سبق فإننا لا نتوقع مسارات طائفية خطيرة فعلياً في سورية فيما يتعلق بالدولة و شكلها و نظامها السياسي، و بالطبع فإننا لا نعمل و لن نعمل في سبيل ذلك أبداً، بل على النقيض منه فإن فعلنا كله سيصب في خانة سورية الواحدة أياً تكن طبيعة نظامها السياسي، و طبيعة دولتها القادمة و في كل الأحوال فإن ثقتنا عالية بالشعب السوري الذي يبقى سيد الموقف و حارس المصير.
وعند هذا الحد فإن اختيار الشكل الأنسب من المركزية أو اللامركزية – بما في ذلك الدولة المتحدة – يعود إلى العديد من الأسباب القائمة على الأرض قديما وحديثا، ومن بينها المآل الذي سيؤول إليه الصراع الدائر اليوم، والحل السياسي أو العسكري الذي ستقوم عليه سورية المستقبل، ولأن الأمر كذلك فإن التنطح إلى طرح شكل نظري أمثل اليوم هو ضرب في الرمل إلى حد كبير، والمهم – بل الأهم – هو الانفتاح على كل الحلول مادامت تحفظ وحدة الوطن والشعب والنظام السياسي والدولة جنبا إلى جنب الاستجابة للمكونات السورية ولمستقبلها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والحضاري بشكل عام.
وفي هذه الحال هل من المغامرة غير المحسوبة التفكير منذ اليوم بأشكال تمثيلية مزدوجة للسلطة التشريعية بحيث تكون لدينا جمعية وطنية عمومية قائمة على اعتبار سورية دائرة واحدة وبنظام انتخابي يقوم على التمثيل النسبي لجميع المواطنين بغض النظر كليا عن انتماءاتهم القومية الغالبة أو الفرعية-الثانوية أو سائر الانتماءات الأخرى. وجمعية أخرى أيا يكن اسمها؛ مجلس شيوخ، مجلس مكونات، مجلس أقاليم … إلخ. يتم اختياره بنسب محسوبة جيدا للمكونات السورية ومن قبلها على أن يتم لاحقا توزيع السلطة بين المجلسين بشكل يستجيب ويضمن ويطمئن كل المكونات ويفتح على المستقبل المراد أوسع الأبواب.
- ثمة نسب قوي بين المسائل السابقة ومسألة الدستور لأن كثرا يرفضون البحث في الدستور بحجة أن إقراره هو من شأن الشعب السوري حصرا، وهذا أيضا كلام حق يراد يه باطل، لأنه ليس هنالك أي تعارض بين أن تطرح مجموعة أو تحالف قوي أو حتى خبير قانوني واحد مشروع دستور لسورية، مادام هذا في إطار الرأي والتصور والاقتراح الذي لا يراد فرضه من قبل أحد على أحد – ناهيك عن فرضه بالقوة في الأصل – نقول لا تعارض بين ما سبق وبين أن يكون صاحب الحق الحصري في إقرار أي دستور أو الأخذ بأي اقتراح أو مشروع أو بجزء منه هو الشعب السوري. ويجيء النسب القوي الذي ذكرناه من كون تعليق البحث في مستقبل النظام السياسي في سورية يضمر رفضا للرؤى المطروحة مثلما يضمر تعليق البحث في مشاريع دستورية – في غير قليل من أصحابه – تصورا لدستور يراد فرضه لاحقا من قبل المنتصرين حقا أو من يعتقدون أنهم المنتصرون أو تصورا لدستور معين يعتقد أصحابه أن الشعب السوري سيؤيده في المستقبل، وهو تصور يتعارض بحق سواء أضمر ذلك أم أعلن مع المبادئ الدستورية العليا التي يجب أن يقوم عليها أي دستور يستحق اسمه، و يستجيب بالتالي للمصالح التاريخية والحضارية لسورية وشعبها أجمع، وكي لا يبقى كلا منا معلقا بالمجهول نفصح بالقول إن التصور المقصود للدستور المذكور أعلاه يطمح أصحابه أن يكون دستورا إسلاميا بشكل أو بآخر على اعتبار أن المنتصرين المفترضين سيكونون في نهاية المطاف المقاتلون على الأرض والذين هم إسلاميون بالتأكيد في الأغلب الأعم ليس عقيديا فحسب – وهذا مفهوم – بل وسياسيا وقانونيا بالتحديد.
- ثمة باب آخر للاختباء، هو باب الاستفتاء، وهو أيضا كلام حق يراد به باطل، ولكنه باطل في جوهره، حيث يتلطى العديد من الشخصيات وراء هذا الإجراء الديمقراطي لترحيل مسألة الفيدرالية، وحق الكرد القومي للاستفتاء العام للشعب السوري في المستقبل.
وهنا يجب التمييز بين أمرين، فإذا كان المقصود بالاستفتاء هو طبيعة النظام السياسي السوري القادم، فإنه بلا شك هو من الحقوق الحصرية للشعب كله، ولكن إذا كان المقصود به هو الاستفتاء على مضمون وشكل الحق القومي الكردي، فإنه بلا شك أيضا من المغالطة أن يكون رأي الشعب كله هو المقرر لأن المعول عليه في هذه الحال هم الكرد والحق هو حقهم تحديدا وكل استفتاء لغيرهم هو من باب الاستمزاج والأمثلة على ذلك كثيرة؛ بدءا من السودان وانتهاء بأسكوتلندا مروراً بكاتالونيا، وبهذا المعنى فإن الاستفتاء من النوع الأول سوف يقرر طبيعة النظام السياسي السوري بغض النظر عن الشكل الذي سوف يتخذه الحق القومي للكرد ، في حين يقرر الاستفتاء من النوع الثاني الشكل التاريخي الممكن لحق الكرد القومي بغض النظر نسبيا عن طبيعة النظام السياسي، وعند هذه النقطة فليعمل كل العقلاء من كل الأطراف كي لا تكون هنالك قفزة في الفراغ تجعل مستقبل العلاقة بين مكونات الشعب السوري على كف عفريت.
- وما دمنا بصدد الاختباء لا بد من الإشارة إلى باب آخر هو بنية الـ PYD التنظيمية الاستبدادية وممارساته الفعلية التي على صحتها – وهي ليست كذلك تماما لأن ثمة مبالغات فظة في كل ما يقال ، لا تستطيع أن تصمد أمام المنطق الشفاف في معالجة الحق القومي للكرد ومسألة الفيدرالية، إذ بوسع المرء أن يرفض بشكل مطلق استبداد الـ PYD وممارساته الفعلية، بل وأن يدعو قولا وفعلا إلى دحره سياسيا وبالقوة عند الضرورة، وأن يكون في الوقت نفسه من دعاة الدولة الاتحادية وحق الكرد القومي بما في ذلك رفض فيدرالية PYD وتأييد قيام فيدرالية أخرى تستجيب بالفعل لمصالح الشعب السوري بعامة وللحق القومي الكردي بخاصة.
وفي سياق الباب نفسه ثمة ذرائع تقوم على علاقة الـ PYD ووحدات حماية الشعب الكردية بالسلطة السورية وحلفها المحلي الإقليمي والدولي وهذه حجة محقة بالتأكيد لأن المحور المذكور هو محور أعداء الشعب السوري، وبهذا المعنى فإن أي عمل تقوم به القوات الكردية المهيمنة سوف يستثير رفضا شديدا بغض النظر عن مقدماته وعلى الرغم من التفهم العميق للحجة المذكورة فإن الخطأ يكمن في التبسيط الشديد للصراع الجاري في سورية والمعقد إلى أقصى درجات التعقيد، والذي بسببه تحظى القوة المذكورة بدعم واسع عسكري وسياسي من بلد كأمريكا والتي ليست حليفة للسلطة ومحورها المذكور والسلوك هذا مفهوم انطلاقا من أولوية مواجهة داعش ومن أن القوة المذكورة تفعل ذلك بالضبط وبجدارة في حين نفتقد إلى ذلك في صفوف القوى الإسلامية المقاتلة بل وحتى في أوساط المعارضة الراديكالية السورية.
وفي كل الأحوال استطاعت القوة المذكورة لأسباب عدة من بينها قوتها العسكرية بالتأكيد، ولعبها على كل المحاور وممارستها للميكافيلية السياسية الفظة، نقول استطاعت أن تحظى بدعم واسع من الجمهور الكردي الأمر الذي يجعل من حديث الائتلاف الوطني عن أن المعارضة السورية تضم ممثلي الكرد – المجلس الوطني الكردي – حديث خرافة يا أم عمرو مع الاحترام للمجلس المذكور ودرجة حضوره ونسبة تمثيله للشعب الكردي، وإذا صح ذلك – وهو صحيح – فإن القوة المهيمنة على الساحة الكردية والمدعومة دوليا من أطراف متعارضة هي القوة الفعلية على الأرض، وهي تعمل وتنجح إلى حد ملموس، بإحاطة نفسها بقوى تعبر عن المكونات الأخرى في المنطقة كالعرب والتركمان والآشوريين والسريان الأمر الذي يجعل تغير سياسة وممارسة هذه القوة المهيمنة أو تقلص نفوذها أو ازدياد نفوذ المجلس الوطني الكردي والشخصيات والفئات الاجتماعية الكردية العقلانية الأخرى، نقول يجعل ذلك كله أو بعضه رهنا بالكثير من الأمور، وفي كل الأحوال يجب الانطلاق حتى ذلك الوقت من الوقائع العنيدة على الأرض والعمل مع القوى الفاعلة وبخاصة مع أمريكا من أجل إيجاد علاقة مختلفة وممارسة مختلفة للقوة المذكورة، وبينها وبين المعارضة السورية، ومن المؤكد أن الطرفين بحاجة إلى بعض التغيير في الفكر والسياسة والممارسة وصولا إلى استقلال القوة المهيمنة عن محور أعداء الشعب السوري واستقلال المعارضة السورية بجسمها الرئيس عن المحور التركي القطري.
وفي كل الأحوال سيتم النظر حتى إشعار آخر من قبل الغالبية العظمى من القوى المعارضة، على قاعدة الحقائق والوقائع والأوهام والتوتر والتخوين والتخوف… إلخ. إلى الأعمال التي تقوم بها الأطراف التي تؤيد الفيدرالية كردا كانوا أم غير كرد، على أنها أعمال ضد وطنية أو على أنها في أحسن الأحوال من قبيل الانتهازية السياسية الرخيصة والأنانية القومية الكردية التي تهدف إلى فرض الأمر الواقع ليس اليوم فحسب، بل وفي المستقبل القريب والبعيد على حد سواء، وهو تصور لا يسهل بالتأكيد أي علاقة صحية بين الكرد، أو بين القوة المذكورة والمعارضة السورية العسكرية والسياسية الأوسع نطاقا من تحالف سورية الديموقراطية.
- بعد هذه الرؤية المبدئية والاولية، وبالانطلاق منها يصح القول فيما يخص الكرد: إن من الضروري في كل الأحوال سواء أبقيت سورية مركزية أم تحولت إلى دولة اتحادية أو ما بينهما أن يكون للكرد كيان سياسي قومي في مناطق تواجدهم الكثيف، بحيث يمكن له أن يكون حكما ذاتيا كما جربته عشرات الشعوب في العالم ، أو جزءا فيديراليا من دولة متحدة كما هو الحال في بعض بلدان الدنيا أو أي تجسيد آخر مع التأكيد في الوقت نفسه من قبل الجميع وبخاصة من قبل الكرد أنفسهم على الوضع الملموس للكرد في سورية والذي من أهم سمات وجوده ما يلي:
- إن الجزء السوري من كردستان الكبرى هو جزء طرفي بامتياز، وهو لهذا السبب غير مقرر وتابع في نهاية المطاف للأجزاء الأخرى المقررة وبخاصة في تركيا والعراق، حيث يتقرر هناك مصير الشعب الكردي بشكل عام وهذا أمر يجب الإقرار به والبناء عليه.
- إن الجزء السوري من كردستان، أو ما يسميه أهله /روج آفا/ هو جزء مبعثر جغرافيا وسكانيا باستثناء منطقة عفرين المتصلة جغرافيا وسكانيا بحق وليس عبثا أقرت القوة المهيمنة بثلاثة كانتونات، ولما كان الأمر كذلك فإن أي شكل من أشكال الكيان الكردي، يجب أن ينطلق من هذه الحقيقة الجلية، وبما لا يتعارض أبدا مع حقوق السكان الآخرين في هذه المناطق، وبما لا يشكل قفزة في الفراغ وبكلمة مأثورة ” أن يعرف حدوده فيقف عندها”.
- ثمة رفض عنيد وأحمق من قبل الشعوب الثلاثة الآخرى الفرس- الترك- والعرب بدرجات مختلفة إلى حد كبير للاعتراف بحق الكرد القومي مثلهم في ذلك مثل كل الشعوب المذكورة وكل شعوب الأرض في تقرير مصيرهم التكتيكي والاستراتيجي والتاريخي وصولا إلى دولتهم المنشودة، مادام ذلك ممكنا ومادام يحظى بدعم واسع من الكرد أنفسهم. إن الرفض المذكور هو من الخطورة بمكان بحيث يفرض على الكرد – بانتظار نضج الشعوب وتغير الظروف – المزيد من العقلانية والبراغماتية والقبول بأنصاف الحلول المرحلية وفيما يخصنا هنا في سورية وفي تركيا إلى حد كبير، ينبغي تحقيق أو العمل على تحقيق بعض الأمور التي من بينها إيقاف حزب ال PKK العمل العسكري والانخراط من جديد في العمل السياسي مع الحكومة التركية الراهنة ومع أي حكومة أخرى تعقبها، وتحقيق استقلال الفرع السوري الPYD قولا وفعلا، عن جبال قنديل والعمل من قبل الحزبين معا على دفع المصالحة مع الترك إلى الأمام أو على الأقل إسقاط ذرائع الحكومة التركية والتراجع عن الفيدرالية القائمة اليوم التي هي في ظاهرها فيدرالية جغرافية وفي جوهرها قومية حيث السيطرة الحاسمة فيها للكرد وقواهم العسكرية والسياسية ولهذا، ولأسباب أخرى جغرافية وبشرية وسياسية فإن الفيدرالية المذكورة هي في حاضرها ومستقبلها فيدرالية ملفقة أشد التلفيق وغطاء لمشروع الـ PYD لا يغطي شيئا في الحقيقة، وهي قائمة على لصق المتناقضات والتباينات والاختلافات، وبعيدة كل البعد عن الأصالة الضرورية قوميا أو جغرافيا وقابلة للانفجار في كل لحظة طبقا لمآلات الصراع الراهن في سورية وللمآل الذي ستؤول إليه العلاقة بين الـ PYD والسلطة السورية اليوم المبنية حتى إشعار آخر على الحاجة المتبادلة وضغط العدو المشترك والاستثمار التكتيكي الاجرائي وهو في كل الأحوال شكل من أشكال تحالف المكرهين، وتوزيع الأدوار وتقاسم السلطة بانتظار الظرف المناسب لأحدهما أو كليهما للانقضاض على الآخر. وعلى نقيض هذه الفيدرالية فإن الأخرى المطلوبة والممكنة هي تلك التي ستكون فيدرالية كردية قومية لا جغرافية إقليمية، فيدرالية أصيلة غير كاذبة أو ملفقة مستندة إلى كل الحقائق التي سبق ذكرها وبخاصة حقائق الوجود الكردي العياني في سورية والعدوانية التركية حتى إشعار آخر.
- إذا صح ما سبق وهو صحيح – فإنه يعني رفض فيدرالية الأمر الواقع القائمة اليوم بما هي عليه، ليس للأسباب التي رفضها من أجلها الرافضون وفي بعضها بعض الحق أو كله بما يسمح لهذا البعض أن يكون جزءا من الأسباب الحقيقية للرفض، وإنما أيضا للأسباب المذكورة ولأسباب تتعلق بشكل خاص باستراتيجية وتكتيك الـ PYD القائمة على اللعب على الخصومات وبشكل خاص الاقليمية، وعلى التموضع في محور حلفاء السلطة – نستثني هنا أمريكا – وعلى الانتهازية الميكافيللية الفظة وعلى العقلية الاستبدادية في التنظيم والممارسة وعلى تصنيم القوة العارية، لأن العناصر المذكورة تشكل منفردة ومجتمعة الأرض الهشة والزلقة في آن معا عندما يتعلق الأمر بالتوازنات القائمة اليوم والمتحركة باستمرار، الأمر الذي يجعل من السياسة والممارسة المذكورتين نذير خطر ممكن على القضية الكردية بعامة وفي سوريا بخاصة، وحتى فيما يتعلق بالحزب المذكور نفسه الذي قد يجد نفسه في لحظة ما أداة للقوى الإقليمية مهما تنتفخ أوداجه وتتعاظم قوته، وهو ما قد يكرر مرة أخرى مأساة الكرد الطويلة والمريرة مع القوى الدولية والإقليمية منذ بواكير كفاحه وحتى الآن، مرورا بجمهورية مها باد في كردستان إيران، وفي العلاقة مع مخططات السلطنة العثمانية و مجازرها في اوائل القرن الماضي وصولاً الى التجربة مع شاه إيران وصدام حسين في سبعينيات القرن الماضي… بقي أن نقول لا شيء يمنع من أن يعمل الكرد ليل نهار في إطار الوضع السوري الوطني من مراكمة الوقائع بقدر الإمكان من أجل الاستقواء بها في المستقبل ، ولكن بحذر وحكمة وحرص وممارسة لا تصطدم جبهيا مع الشعوب الأخرى ناهيك عن استفزازها فهي مستفزة أصلا.
غير معروف
نعم الفيدراليه او الاقاليم سوف يبقى دائمالمفتاح ان لم نقل الوحيد لمشكله الدول المتعدد الاجناس هوالقادر لحل اغلب المشاكلل التي تعانيها ا من الانقسامات الداخليه والتباينات الطبقيه والدينيه والمذهبيه والعرقيه والقوميه والى ما شابه ذلك
ثبت التجربه والاحداث ان التثبث بالمركزيه ستجلب دكتاتوريه شئنا ام ابينا
علي الرفاعي
لا شك ان للشعوب والامم حقها أن تحيا تحت نظام يحقق لها هويتها الوطنية القومية وسيادتها وارادتها على الابداه والتطور.
لكن تلك المقالة الكريمة خلطت الامور خلطا وأطالت كثيرا لتبين للأخوة الأكراد حقا في دولة مستقلة او هكذ في الاقل فهمت.فذهبت مذهبا يضعف حق العرب في وحدة امتهم محاولة تسفيه وجود امة عربية تمتلك كل مقومات الأمم بل بعض أمم الأرض لا تمتلك مقومات الامة العربية،بل مصطنعة من مئات الإثنيان ومن مختلف شعوب الارض مثل أمريكا.ثم خلطت بين حقيقة إن سورية هيجزء من الشام(سورية ,فلسطين.لبنان وجزء من الاردن).
وشعوب تلك البلاد عبر تاريخها هي شعوب جزرية(نسبة لجزيرة العرب)وحتى لغاتها منحدرة من اللغة العربية القديمة،فالأمة العربية تاريخيا ولغة ثقافة وحضارة وجغرافية موجودة،كأقطار أو إمارات أو دولة موحدة تحت الاسلام الذي الله يؤكد أنه حكمة عربية ولغته ووعائه العربية.وفد عاشت أمة عربية اسلامية حتى عام 1258م أي أكثر من ستة قرون، وإن وجود إمارات تحت فضاء قيادتها لا ينفي وجودها كدولة.وليس هناك في أمم العالم من ليس فيها أقليات لا تحترم هوية تلك الامم الوطنية القومية. وليس شوفينة أن تهتم تلك الامم بهويتها،فالهند هوية لأكثر من 350إثنية وكذلك أمريكا وغيرهما كثير.بل أن ىالإثنية التي تصر على تمردها ضد هوية الوطن والامة هي التي تتصف بالعنصرية والشوفينية.
والسؤال لذي يطرح نفسه كما يطرح بعض الاخوة من الاكراد هو متى كان للأكراد أمة ودولة وما معنى كورد وطنيا وقوميا وما هو الرابط بين تلك الفئات التي تدعي أنها شعب يمثل أمة؟
ثم نعود غلى الاكراد في العراق ودورهم في العراق تاريخيا منذ 1921 وحتى 2003م.
الكل يعلم أن الأكراد كانوا في العهد الملكي يقودون الدولة رئاسة حكومة وجيشا ومجلس أعيان ومتصرفون للألوية العراقية،
ونوري السعيد وحيدر رستم وعلي جودت الايوبي وجعفر العسكري وبكر صدقي واحمد مختار بابان وسعيد قزار ونور الدين محمود ومصطفي علي وجمال عمر نظمي وغيرهم بين رئيس وزراء ووزير ورئيس اركان جيش ورئيس مجلس أعيان، وأن أحمد مختار بابان كان رئيس الوزراء حين حصلت ثورة 14 تموز1958م.فأين الظلم وغمط حقوق الكرد؟
ثم حكومة 14 تموز اعتبرت البارزانيين،عملاء السوفيت وقتها، وطنيين فكرمتهم ووضعت دستورا يؤكد انهم قومية ثانية مشاركة ومثلتهم بثلث اعضاء مجلس السيادة وهم لا يتجاوزون وقتها 7% من السكان،وشاركوا في الحكومة، ثم تمردوا في 19/9/1961م بتحريك ممن شركات النفط، وهكذا تلك الحركة الكردية إن هي الا اداة للتدخل الاجنبي في العراق,
ثم جاء البعث للحكم في 17 تموز 1968م ومعه قرار منحهم حكم ذاتي ووقعوا معه ميثاقا وطنيا وشاركوا جبهة وطنية وحكومة وحين جاء وقت تطبيق الحكم الذاتي تمردوا بدم ايراني صهيوني،هؤلاء عملاء لا يمثلون شعبا كرديا ولا عراقيا.
مع ذلك أنا مع حق أي شعب في تقرير مصيره لكن وفق طرق وطنية سليمة. فيوما بلغ الطالباني العميل أن وحدة الامة العربية ستقر وجودا للاكراد ضمن دولة دعما لحقوق الشعوب. فالعرب ليس شوفينيين وضمن دولته ابدع الاعاجم علما وثقافة وفكرا بل اصبح منهم فقهاء وفلاسفة ومن اليهود والمسيحيين والصابئة.فمن الظلم أن تتهم الامة العربية بسمات اعجمية.
لكن هي مرحلة تاريخية عرت اولئك العنصريين من إثنيات بعضها طارئة جلبها المستعمر او اللنكشارية ايام الحكم العثماني.
نحن مع حق الانسان الذي يحترم وطنه وهوية الامة التي تحتضنه ولا يربط مصيره لسبب اثني او ديني بامم طامعة فينا.
تحياتي
أ.د. أبو ليث على الرفاعي
جامعي متقاعد/العراق
Zinar
حقا لو تم تناول اشكاليات المسآلة السورية سابقا او لاحقا بهكذا قدر من المرونة والعقلانية السياسية والانفتاح الفكري لربما على الاقل لم تؤول الاوضاع الى مانحن عليه الآن ، ما أحوج إليه السوريين وسوريا بالتآكيد هكذا فكر حر القائم على اساس المساواة التامة في الحقوق والواجبات.
Ser
الكلام موجه لعلي الرفاعي من الواضح بانك متخرج من مدارس الثقافة البعثوية الخالصة التي اساساها وجسور بنائها ودعائما العنصرية .كما ان العرب لهم مقومات الامة كذلك الكرد يتوفر فيهم كافة المقومات المنشوده والتي تبنى على اساسها الامم. وبشكل مختصر اقول ان السياسات التي انتهجتها المدارس والانظمة التي تنضوي انت تحت لوائها قد سلبت الكرد حقوقهم المشروعة تارة باسم الدين الواحد واخرى باسم الاخوة العربية الكردية .
وتناسيت بان ابطال تحرير سوريا من الاستعمار المتتالي واخرها استقلال سوريا هم جلهم اكراد وان دققت تجد كلهم من اصول كردية .
ولكن البعثوية العنصرية الشوفنية الغادرة سلبت حقوق جل القوميات والطوائف والشعوب والامم التي انضوت تحت خيمة الدولة الوليةد والناتجة من تقسيم السلطنة العثمانية نمت العنصرية العربية مستغلة ابطال الاستقلال باسم الاخوة والاسلام الى ولد البعث العنصري المكمون بثوب المساواة والعدالة .بل كان اساسه العنصرية العربية والمؤمنة بحق العروبة فيماتشاء ومباح لها ذلك هاضمة حقوق الامم الاخرى.
واصلا تجريدهم من هويتهم.
ارجع الى القران الكريم وسترى موطن العرب والعروبة التي تتدعيها.
ارجع التاريخ وسترى ماهي الامم التي سكنت وعاشت على ارضها مدى التاريخ وكان اعتمادهم الزراعة ومن كان اعتمادهم الترحال بين مناطق محددة وهم العرب عبر التاريخ.
لا مدرسة البعث التي تنظر الى الامور كنظرة الاحزاب المتطرفة الشوفينية البعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع .ولا تخلط الاوراق.