افتتاحية مواطنة :لماذا تفشل الهدنة؟

%d8%ba

لماذا تفشل الهدنة ؟هل هي جنين يسقط مبكراً من بطن أمه لأسباب لا تتعلق به بل بالأم الحامل ،أم هي طفل خديج لم تتوفر له ظروف الرعاية ليستمر بالحياة .
قد يرجع البعض فشل الهدنة إلى خروقات من هذا الطرف أو ذاك ، ولا يمكن رفض هذا التفسير بشكل كلي فضمن تعقيدات الوضع السوري المعروفة يوجد تداخل عسكري وسياسي وبشري وديني وطائفي بين الفصائل العسكرية المتطرفة وبين من يوصفون بالاعتدال ، حيث لا يوجد حتى الآن اتفاق عالمي واضح على التصنيف أوعلى قواعد التصنيف بين من هو إرهابي ومن هو معتدل، باستثناء داعش والنصرة المتفق على تصنيفها ، أو ربما تتقاطع مشكلة التصنيف مع اختلاف التصورات السياسية للحلول السياسية في سورية ، إذن سيستمر القصف على من يعتبرهم النظام السوري متطرفين وسينال القصف الجميع من معتدلين ومتطرفين ، والأهم من ذلك سينال المدنيين،ووفقاً للمواثيق الدولية يتحمل النظام السوري و داعميه الروس المسؤولية عن ضرب المشافي وأية مواقع مدنية ،حتى لو كانت قرب مواقع عسكرية ، وفي الوضع السوري الملموس لا توجد وصفة سحرية لإبعاد المدنيين فالحرب الأهلية ليست مجرد مبارزة بين رجلين يتفرج عليها الآخرون والموت يختار أحدهما فحسب ، ومن جهة ثانية جوهر سياسة النظام السوري يقوم على حصار وتجويع و ضرب الحواضن الشعبية للمسلحين . ولكن لابد من الاعتراف أن استراتيجية عسكرية مدروسة ،جوهرها محاولة الابتعاد عن المدن، قد تقلل أو تضعف الذرائع المتعلقة بضرب المناطق التي يتواجد فيها المدنيون مع أنها لا تلغي الإشكالية ، فلا توجد دائماً طريقة لابتعاد المسلحين عن المدن ضمن خصوصية الثورة السورية المفتقرة للدور المركزي أو القيادي على مستوى الوطن ،والمجموعات المسلحة نشأت متفرقة في أرياف ومدن وقرى لذلك قد يكون الخروج من المدن أو من بعضها، وصفة صحيحة لكن تطبيقها في الوضع السوري لا يبدو سهلاً أبداً كما أن المسلحين لا يمكن أن ينفصلوا بشكل نهائي عن المدن أو عن مراكز الأرياف، فلابد من وجود طرق إمداد لوجيستية ،وبالتالي ستبقى الحواضن الشعبية التي تمد الفصائل المسلحة بالمقاتلين والتموين وربما بالمعلومات الاستخبارية ، ستبقى موضع استهداف ،طالما أن هذا الاستهداف هو الطريقة المناسبة لمواجهة المعارضة المسلحة ،والتي أثبتت نجاعتها في أكثر من مكان في سورية .
هل يمكن أن يكون وجود مراقبين دوليين محايدين طريقة لإنقاذ الهدنة أو تأمين استمرارها ؟ نعم بمقدار ما يكون للتقنيات وللمراقبة الحيادية ذات المصداقية ، دور إيجابي في إنجاح أي عمل ،لكن في الوضع الملموس السوري يرتبط وجود المراقبين بوجود توافق دولي يمرر قراراً في مجلس الأمن يستطيع تجاوز الفيتو الروسي أو الصيني أحدهما أوكليهما ،الأمر الذي لا يبدو أن الأوضاع قد نضجت لتحقيقه ،فلا يزال التصور الروسي للحل السياسي يقوم على تغيير هو أكثر ضآلة بكثير من أن تقبله المعارضة السورية ، ولكن ربما هو أيضا أكبر من أن يقبله النظام السوري الذي يقوم تصوره للحل السياسي على مجرد إعادة انتاج للنظام مع تغيرات “ديكورية ” وهذا ،حسب اعتقاد النظام السوري ، يتناسب مع كون النظام ” منتصراً” أو “في طريق الانتصار” في المعركة العسكرية الداخلية ومنتصراً على مستوى تغيرات المواقف الإقليمية والدولية بعد تعديل اللهجتين التركية والأمريكية تجاهه .
إذا كانت الحرب استمراراً للسياسة بوسائل أخرى فإن الهدنة هي المرحلة المؤقتة التي تسبق العودة إلى السياسة ، وهذا لا يمكن أن يتم دون وجود تصورات سياسية متفق عليها بين الأطراف الفاعلة والمؤثرة في الساحة المعنية وهذه التصورات لا يجب أن تقوم فقط على اعتبارات سياسية تتعلق بالمصالح الاستراتيجية لهذه الأطراف، إقليمية كانت أم دولية، بل يجب أن تقوم على فهم حقيقي لطبيعة الوضع السوري فطالما لا تزال الأولوية العملية والاستراتيجية هي “مواجهة الارهاب ” سيبقى الخلل قائماً، فالإرهاب عرض أو مرض نشأ بعد تدهور صحة جسد الكيان السوري . من ناحية أخرى لا يمكن رفض أولوية مواجهة الإرهاب شرط فهم هذه الأولوية بطريقة أكثر عمقاً وشمولاً ، فمن أجل مواجهة حقيقة للأعراض لا بد من مواجهة أسبابها ، وفي هذه الحالة لا يقتصر العلاج على العرض بل على المسببات الحقيقية . ينكر الروس أصل المشكلة الكامنة في طبيعة النظام السوري ،وبالتالي يعتبرون قضيتهم الاساسية هي الإرهاب في سورية -وطبعا الإرهاب عندهم يكاد يشمل كل الفصائل العسكرية وليس داعش و النصرة فحسب-أما التصورات الغربية فهي تقر بالطبيعة “المولدة للإرهاب” كخاصية مميزة للنظام السوري، لكنها في نفس الوقت لا تعطي الأهمية الكافية في السياسات وفي ممارسة الضغوطات العسكرية والسياسية من أجل تحقيق انتقال سياسي حقيقي يطال ليس الارهاب فقط بل “مولدة الارهاب” في المنطقة .
ومن جهة المعارضة العسكرية فهي، من الناحية الميدانية، في مأزق حقيقي وبعد سنوات الخذلان الطويلة ،هي لا تستطيع الابتعاد عن الفصائل المستهدفة ،بما فيها النصرة، لان ذلك يضعفها كثيرا ،و”الأصدقاء” لم يساعدوها في إيجاد بديل حقيقي ،وإذا أصرت المعارضة على التنسيق الميداني مع هذه الفصائل المستهدفة ستكون في خانة التصنيف الارهابي .

لقد ترتب على تأخر وتباطؤ الدور العالمي في سورية الكثير من تدمير الطبيعة وقتل البشر وتمزيق اللحمة الاجتماعية السورية لكن مع ذلك لم يفت الأوان على العمل من أجل حل سياسي يراعي ضرورة الانتقال السياسي في سورية ،وبمجرد وجود مثل هذا الحل ،والعمل بشكل فعلي من أجله ،سيكون هناك إمكانية لتذليل جميع العقبات ،لتركيز العمل ضد داعش والنصرة ،وبنفس الوقت لدعم الاعتدال عسكريا وسياسياً ،وسيحصل هذا التصور على دعم الشعب السوري الراغب بانتهاء الحرب وعودة السلام ،ولكن أيضاً على أساس البدء في صيرورة تغيير سياسي تتناسب مع طموحاته في الحرية والكرامة .
تيار مواطنة 26/09/2016

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة