التراجيديا السورية المستمرة ….!

%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%81%d8%aa%d8%aa%d8%a7%d8%ad%d9%8a%d8%a9-300x145_1024x494-1

التراجيديا السورية كما يعدها ويخرجها النظام الأسدي ليست فقط في عدد الشهداء والمعتقلين والمخطوفين والمهجرين طوعا أو قسراً ،والنازحين واللاجئين والغارقين في البحار،أو المقتولين على حدود دول الجوار هرباً من جحيم المعارك ،وليست في استخدام الكيماوي والفوسفوري والارتجاجي فحسب ،كما أنها لا تقتصر ، في الجانب الداعشي من هذه المأساة ، على اعتقال وإعدام الناشطين وسبي النساء .
فصول هذه التراجيديا لا تزال تتوالى بشكل مستمر ،وتتغير الأوزان النسبية المؤثرة في الوضع السوري،محلياً وإقليمياً وعالمياً ،وتتشكل من خلال تفاعل المتغيرات معادلات جديدة تتكون ببطء ،وتكون قابلة للإنتكاس وتغيير الإتجاهات، وفق ما يستطيع كل طرف إيداعه من عوامل القوة والتأثير ،ومع ذلك لا يمكن القبض بسهولة على الاتجاه الذي ستسير إليه الأحداث .
النظام الأسدي لا يزال يعتبر خصومه مجرد عملاء أو متطرفين، أو في أحسن الأحوال ضالين يجب عليهم العودة الى رشدهم ورمي سلاحهم ، مقابل العفو عنهم ،ولا يعتبر النظام نفسه مسؤولاً عن ما جرى في سورية من قتل واعتقال وإبادة جماعية وتدمير لكثير من المدن والقرى وتمزيق للبنية الاجتماعية وتحويلها إلى مجموعات متنافرة على أسس عرقية أو دينية أو طائفية ، وهو نظام لا يزال يحوز على الشرعية الدولية ، وبالطبع الشرعية الدولية للأنظمة هي غالبا شرعية الأمر الواقع ، ولا علاقة لها بشرعية حقيقية للحاكم ، لكنها في جميع الأحوال تعطي وهم الشرعية الداخلية ، وخارجياً تسمح للنظام باستخدام العلاقات الدولية بطريقة تخدمه كنظام ولا تخدم الشعب الذي يحكمه .
المعارضة من جهتها ،تعيش حالة الفصام بين العسكري والسياسي ،وجناحها السياسي بدوره ممزق وضعيف ومتنافر ويفتقر الى شرعية التمثيل البرنامجي والفعلي للشعب المنتفض، وما إن تستطيع هذه المعارضة السياسية التوحد او التلاقي على برنامج تغيير وطني وديموقراطي، حتى تعود إلى التفرق والانقسام . وما تحصل عليه هذه المعارضة من شرعية دولية في بعض الفترات يكون أكثر هشاشة من أن يستمر ليحولها إلى قوة حقيقية وند قوي للنظام ،أما المعارضة العسكرية ،المنفصلة عموما عن المعارضة السياسية ،فهي أيضاً أكثر تشرذماً ،خاصة أن التزود بالسلاح والذخيرة يفترض ارتباطات اقليمية وعالمية إن لم تكن متنافرة فهي على الأقل متنوعة ومختلفة في نظرتها للثورة السورية وفي طريقة تعاملها معها ،ولكن ما يزيد وضع المعارضة العسكرية مأساويةً هو وجود داعش الذي لسنا بصدد بحث أسبابه وظروفه ، لكن بالمحصلة كان هذا التنظيم أكثر من سبب الضرر للثورة السورية “ببرنامجه ” وبممارساته ، والقصة لا تنتهي عند داعش ،التي يمكن فصلها عموماً عن المعارضة العسكرية ، فوجود النصرة المتداخل والمتشابك مع الفصائل العسكرية المعتبرة أنها جيش حر ، يضيف أيضاً تعقيداً حقيقياً ، والنصره أو “جبهة فتح الشام” حسب التسمية الجديدة ،هي استمرارحقيقي للقاعدة ،وهي الطرف الأقوى في الساحة السورية في مواجهة النظام ،وهي تمتلك الرؤية الايديولوجية نفسها التي لداعش والتي لا يمكن قبولها من قبل مكونات الشعب السوري ،حتى بما فيها المكون السني ،ولا يمكن قبولها إقليمياً أيضاً لأن امتداداتها قد تشكل خطراً على بعض داعمي الثورة السورية وبالطبع هي غير مقبولة عالمياً . والجانب المأساوي هنا هو أن جميع هذه القوى العسكرية ،إضافة إلى تمزقها ودخولها في صراعات داخلية تستنزف قواها و مواردها ، لا تمتلك رؤية سياسية ، ناهيك عن امتلاكها لبرنامج سياسي وطني سوري .
إقليميا سمحت الظروف الدولية لطرف مثل الدولة الإيرانية بزيادة النفوذ الإقليمي للدولة الإيرانية بالاستفادة من شكل الصراع الطائفي شيعي – سني وبالاعتماد على حزب الله الذي استفاد من تداخل الجغرافية السورية اللبنانية ،ونجح هذا الدور الايراني ليس فقط في تقوية وحماية النظام الأسدي بل في تشويه اللوحة الوطنية السورية وصبغها باللون الطائفي . وبالاعتماد على الجغرافية أيضاً تدخلت الدولة التركية في الوضع السوري فكان دورها الإنساني دوراً لا يستطيع أحد إنكاره من حيث مساعدة اللاجئين السوريين ، أما دورها السياسي فقد شكل الجانب الآخر المأساوي من حيث تسهيل مرور ما هب ودب من المقاتلين الأجانب الذين دعموا أكثر المنظمات تطرفاً وبعداً عن المشروع السوري الوطني: داعش والنصرة .
دوليا ،روسيا ليست في وضع مشابه لزمن ولظروف التدخل في صربيا ، فهي الآن دولة مستقرة ومتماسكة وتسعى إلى إعادة أمجاد الدولة السوفيتية ،لكن على أساس القومية الروسية ،بخلق مناطق نفوذ حقيقية ،وتدخلها الفعال في سورية حالياً يأتي في هذا السياق وربما يمكن إضافة حافز يتعلق بمواجهة الإسلاميين الذين واجهتهم في الشيشان ، لكن وصول الدور الروسي وقبله الدور الايراني الى هذا الحجم والفعالية لم يكن ممكناً لو كانت التوجهات السياسية الامريكية لا تزال مماثلة لما كانت عليه في التسعينات . وهكذا ساهم الروس بدورهم في المأساة السورية بدعمهم للنظام الأسدي متحدين النفوذ الغربي التقليدي، المتفوق مالياً وعسكرياً ، باختيارهم اللحظات المناسبة للتدخل وبخلق أمر واقع استباقي ،بحيث أصبحت كلفة مواجهتهم من قبل الدول الغربية كبيرة وقد لا تكون هذه الدول مستعدة لتحمل عبئها ، وهم يمتلكون حاليا أقوى الأوراق العسكرية والسياسية في الوضع السوري، فهاهم يعطلون مشروع القرار الفرنسي في مجلس الأمن بمواجهته بالفيتو، وهو الاستخدام الروسي الخامس للفيتو بهدف حماية النظام الأسدي وعدم الضغط عليه ، ويطرحون مقابله مشروع قرار لا يتضمن وقفاً لإطلاق النار .وبالطبع فإن التصويت الاخير في مجلس الأمن أبرز العزلة الدولية للروس الذين حصلوا على أربعة أصوات فقط لمشروعهم في حين كان مشروع القرار الفرنسي ناجحاً لولا استخدام الفيتو . وبالنتيجة من الواضح أن توازن القوى العسكري الذي يميل لصالح الروس والنظام الأسدي لا يمكن أن يمرر حلا سياسيا مقبولا أو معتدلاً، والمجتمع الدولي هو الوحيد القادر على كسر هذا الاستعصاء ،ربما بالبدء من قرار داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة يعطي شرعية دولية ، لتدخل أممي، تتجاوز الشرعية الواهية والملتبسة للدور الروسي .
إن الخروج من الحالة المأساوية في سورية يكون بإقرار المجتمع الدولي لحل سياسي يكون أفقه حلا عادلاً للقضية السورية ،من وجهة نظر المعايير والمؤسسات الدولية ، ويتم تنفيذه من خلال الإشراف الفعلي لمؤسسات الامم المتحدة ، وبغير ذلك فلن يكتب له النجاح ، وهناك ما يكفي من التناقضات الإقليمية والدولية لإبقاء جذوة الصراع متقدة وبالتالي لاستمرا ر القتل والدمار. فمثلا من زواية النظر الروسية يجب إخراج النصرة وفصلها عن الجيش الحر ،ودعنا نفترض ذلك ممكناً رغم جميع تعقيداته، لكن من زاوية نظر المقاتلين على الأرض والمعارضين السوريين وأصحاب المشروع السوري الوطني فإن حزب الله والنجباء والأفغان …الخ ليسوا أقل غربة واغترابا من النصرة من حيث علاقتهم بالوضع السوري فلماذا لا يخرجون أيضا وبشكل متزامن و بوجود مراقبين دوليين ؟ لذلك فإن الحل القابل للتطبيق والاستمرار هو الذي يتضمن عدلاً نسبياً على الأقل ،كما أن خروج المقاتلين من المدن من أجل هدف نبيل ،هو حماية المدنيين ،يبدو منطقياً لكن وجهه الآخر هو ترسيخ السلطة الأسدية وإعادة الاعتبار لها ،أما خروج المسلحين من المدن في إطار حل سياسي على أساس مرحلة انتقالية، يتضح من خلالها مصير الأسد وزمرته ،فيصبح حلا منطقياً ومقبولاً .
تيار مواطنة 10/10/16

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة