التمويل واستقلال القرار
يتداول الناشطون كثيرا الحديث حول استقلالية القرار السوري وحول تبعيته للممولين والداعمين الدوليين، ويصل الأمر أحيانا إلى تبادل الاتهامات بالتبعية أو التخوين، وخصوصا بعد طول أمد الثورة السورية وتحولها إلى حرب تحتاج إلى تمويل من أجل الإغاثة والسلاح والمشاريع المدنية المختلفة.حيث لا إمكانية للفعل دون مال يصرف على الحاجات المطلوبة ولا إمكانية متاحة حتى الآن لتأمين المال إلا عبر الداعمين الدوليين من دول صديقة داعمة إلى منظمات المجتمع المدني والتي هي جميعا لها رؤيتها العامة ومصالحها ولها رؤيتها الخاصة بما يخص الوضع السوري وعليه فهي لن تصرف أموالا إلا إذا صرفت في ما يخدم مصالحها ورؤيتها.
مما سبق تجد كل التشكيلات السورية سواء كانت أحزابا أو جيوشا أو منظمات مجتمع مدني تقع في هذا المأزق وتبحث بطريقة أو بأخرى لحل لهذه المعادلة والتخلص منه، أو تسقط في الفخ في بعض الأحيان الأخرى، فنرى هنا مثلا أحد التشكيلات المدعومة من الأمم المتحدة تقوم بتأجيل اجتماع لها لأن الأمم المتحدة لم تستطع تأمين موافقات الدخول للأعضاء إلى البلد التي سيجري فيه الاجتماع، ونرى أخرى وهي من أهم تشكيلات المعارضة السورية وعلى مدى أشهر تطلب من أعضائها أن يتكفلوا بمصاريف السفر وحضور الاجتماع لنقص التمويل لديها مما يعيق حضور الكثيرين.
ندرك أن حل هذه المعادلة الصعبة هو كالسير على حبل دقيق والحفاظ على التوازن، وإلا فان المصير هو السقوط في أحد الهاويتين، الأولى نقص التمويل وبالتالي نقص الفعالية وقد يصل حتى الغياب عن الحضور تماما وانعدامها ( الفعالية)، والثانية ارتهان القرار تماما للممول وتنفيذ أجنداته دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح الشعب الذين يدعون تمثيله، قد تستطيع بعض المنظمات الصغيرة تجاوز الإشكال باعتماد طرق إبداعية بعقد مؤتمر الكتروني مثلا، ولكن الأمر يصبح أصعب مع التشكيلات الأكبر، فكيف يمكن مثلا للتشكيلات الائتلافية الكبرى عقد اجتماعاتها بدون الكثير من اللوجستيات ( تمويل للاجتماع ، الفيزا والموافقات المطلوبة لدخول البلد الذي سيجري فيه الاجتماع على سبيل المثال) ، كيف يمكنهم ذلك بدون تدخل الداعم، وهل سيقدم الداعم ذلك دون التدخل وان يكن ليس بشكل سافر بالمخرجات، وكيف يمكن العمل المدني على الأرض من تمويل مشاريع صغيرة وإغاثة و ورشات تدريب ونشاطات مدنية دون تمويل يدفعه الداعم، وألن يتدخل الداعم بآليات الصرف وأوجهه والجهة المستفيدة منه، وهل يمكن إقامة أي مشروع دون الحصول مسبقا على موافقة للتمويل وبالتالي التقاء هذا المشروع مع وجهة نظر الممول، لكن الأمر يصبح أصعب بكثير مع الجيوش، فهي تحتاج إلى التسليح وهو مكلف ، ولا يمكن لأي جهة صرف أموال للتسلح لجيش لا يتوافق تماما مع مصالحها ورؤيتها السياسية، وهنا يصبح الوقوع في هاوية التبعية أكثر احتمالا.
لا ندعي هنا أن لدينا حل لهذه الإشكالية، وكما لا ندعي إننا نستسهل القبول بالتبعية أو نستسهل الاتهام والتخوين بسبب التبعية للممول، فقط نحن نرى أن علينا جميعا كسوريين دائما محاولة إيجاد صيغة لحل هذه المعادلة الصعبة، والتي قد يكون احد طرق حلها هو إيجاد ممول تتوافق مصالحنا مع مصالحه ولو لحظيا والاستفادة من هذه اللحظة على أن تكون أعيننا مفتوحة دائما لكل ما يجري ولكل الاحتمالات الواردة لنسير على هذا الحبل بتوازن ونحاول أن نصل النهاية المرجوة، أو قد يكون الحل إيجاد تمويل ذاتي سوري عبر الاستفادة من الموارد المحلية ودعم من قبل رأس المال الوطني وهو الحل الأفضل ولكنه الأصعب وخصوصا في ظل الظروف غير المستقرة التي نعيشها، ولكننا ندرك أننا في أحيان كثيرة قد لا نجد حلا لها (المعادلة)، نحن هنا فقط نريد الإضاءة على الموضوع ونقاشه بدون استسهال التبرير أو التخوين.
تيار مواطنة 18/11/2016