اطمئنوا.. لا كردستان في الأفق!
هذه الخشية تمددت طولا وعرضا مع سقوط نظام صدام في العراق وأصبحت كأنها واقع حال مع تحول الانتفاضة السورية إلى حرب أهلية وظهور قوات حماية الشعب ومؤسسات الإدارة الذاتية وقوات عسكرية قوية ومتحالفة مع القوى العظمى، و تهديدات القادة الكرد من السيد مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، إلى بعض الناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عن عزمهم وإصرارهم على إعلان استقلال كردستان كدولة لا كإقليم فدرالي في العراق وتعاظم الهمس في سوريا عن نوايا حزب العمال الكردستاني التدرج من الفيدرالية التي أعلنها في ربيع العام 2016 إلى إعلان الدولة الكردية حين تتوطد أركان الفيدرالية بعد انتهاءه من وصل المناطق الكردية ببعضها البعض.
الحقيقة إننا أمام حالة ترسم نفسها بالكلمات فيما الوقائع تقول عكس ذلك تماما، فلم تتأسس دولة عبر التاريخ بالنوايا والكلمات والخطابات ولعل اختصارنا لتأسيس الدول القومية ب: توفر جغرافية مناسبة وكافية للاستقلال، موافقة دولية وإقليمية لضمان مصالحها مع الدولة، وجود إرادة وقيادة موحدة ومشروع واضح ومناسب لمصالح مكونات هذه الدولة وشرائحها ونخبها، يكفي أن ننظر إلى واقعية الذهاب للانفصال من عدمه.
تأسست الدول القومية في الجغرافيات التي كانت مستعمرة سابقا بموافقة من القوى العظمى وبدعم منها وهو ما لم يحصل للحالة الكردية في فترة تأسيس الدول في الشرق الأوسط، خلال القرن العشرين، وأما توفر إرادة كردية لتأسيس دولة فهذه ليست موضع شك على المستوى الشعبي، أما على مستوى ممثلي هذا الشعب فإن الحكاية تحمل آلامها، وإن كان التشكيك في رغبات ومساعي القائمين عليها ضرب من التجديف بالمقدس الكردي بدءا من ثورة الشيخ عبد الله النهري”1881″ ومرورا بثورة محمود البرزنجي الأولى “1919ـ1922″ والثانية”1922ـ1924″ وثورة سمكو آغا شكاك الأولى 1918ـ1922″ والثانية 1926 وثورة الشيخ سعيد 1925 وثورات آرارات 1927 إلى 1930 وثورة أحمد البرزاني 1931ـ1932 والثورة اليزيدية 1935 وثورة ديرسم 1937،1938 وثورة حماة راشد 1941،1944 وثورة قاضي محمد وإقامة جمهورية مهاباد 1945،1946 وثورة البارزاني 1961،1974 وباقي المحاولات التي لم يكتب لها النجاح في تحقيق الحلم الكردي بالاستقلال وإقامة الدولة فإن دراسة أسباب فشلها سيوضح للنخب الكردية وغيرها الكثير من الأمور للتأسيس عليها وتجنب معاودة الخيبات التي قصمت ظهر هذا الشعب وقطعت أوصاله وكان مفعولها كارثيا كل حين.
بعد فشل ثورة البارزاني 1974 ورحيل قائدها الزعيم الملا مصطفى البارزاني 1979، صار القنوط واليأس عناوينا للحالة الكردية، ولم يشفع ظهور بعض الأحزاب والشخصيات الكردية هنا وهناك، أو استعادة بعضها لنشاطها، لملأ الفراغ الناجم عن الفشل ورحيل الزعيم الذي أورث الراية، الحزب الديمقراطي الكردستاني، لنجله رئيس إقليم كردستان الحالي، مسعود البارزاني، فكانت الفترة الأكثر قنوطا ويأسا في التاريخ الكردي الحديث، ومع ذلك الإحباط الكبير ظهر حزب العمال الكردستاني براياته الحمراء وشعاراته التي تلعلع في الأفق ” لا بديل عن كردستان والطريق إلى كردستان عبر حرب تحرير شعبية يشارك فيه الجميع ومن يتأخر عن المشاركة تحت راية الحزب خائن يجب معاقبته بلا تأخير” وكان الطريق إلى كردستان الحزب الوليد يمر عبر التخلص من الخونة، والخائن هو من لا يقبل بالحزب وقائده الأسير منذ العام 1999 في جزيرة ايمرالي التركية، عبد الله أوجلان.
كانت كردستان هدفا معلنا لكل الأحزاب الكردية المتخذة من دمشق “الأسد” مقرا ومستقرا لها، والحق يقال إنها جميعا ” من حزب العمال الكردستاني إلى الديمقراطي الكردستاني” لم تجد غير دمشق مقرا وحليفا ورهانا لها، باستثناء الحزب الديمقراطي الكردستاني، إيران، فقد كانت دمشق “الأسد” على خلاف مع حكومات العراق وتركيا واتخذت من الأحزاب الكردستانية ورقة للضغط على تلك الحكومات وكانت تدرك تماما وعبر معرفة تفصيلية بالواقع الكردي وخياراته وواقع النخب السياسية الكردية وأدائها والظروف الدولية والجغرافية المتعلقة بالقضية الكردية، إن شعار استقلال كردستان المرفوع لا يتعدى في حقيقته أن يكون حبرا على ورق، فيما كان الشعار يجذب الآلاف من الشباب الكرد لساحات الحروب ليضحوا بأنفسهم في سبيل ما اعتقدوا إنها كردستان التي تقترب على وقع خطاهم، والتي لم تكن في الحقيقة إلا أوراق لنظام الأسد كما سبق وإن كانت أوراق لأنظمة أخرى، ربما بدأها العثماني حين شعر بأن نهاية الدولة الدينية قد اقتربت أو ربما بدأها مؤسس الدولة التركية، كمال أتاتورك، أو ربما بدأت الحكاية حين أنقسم الكرد بين مسلمين ويزيديين في لحظة لا يمكن استعادة تفاصيلها ومحاكمة التاريخ لأجلها، لكنه الواقع والجغرافيا الكردية ما ينطقان بهذه الاستحالة.
لم يبق من كردستان في أدبيات الأحزاب وزعمائها إلا ما يهمسون به في الغرف المغلقة، فيما الوقائع تؤكد إن الخرائط لا يغيرها إلا من رسمها ومن رسم تلك الخرائط مشغول الآن بإعادة هندسة العالم وفق مصالح شركاته العابرة فوق الحدود والبشر والإيديولوجيات والأحلام على هذا الكواكب، وغير مكترث أبدا بمن لم يؤسس إلا على كلمات ذاهبة مع الريح ويواصل عجزه في ترتيب بيته وتلك هي البداية البديهية لأي مشروع، تلك هي البيوتات الكردية تعاني فيما تعانيها من تناقضات لا تؤدي إلا لضياع ما تبقى من أمل في جغرافيات مفتوحة فقط للانكسار والضياع.
عن موقع هنا صوتك