لمن تقرع الأجراس..
لمن تقرع الاجراس..
موجة جديدة من النداءات تطفو على المشهد السياسي السوري، عشرات المبادرات والدعوات يطلقها مثقفون وكتاب وسياسيون، لتشكيل تحالف للقوى الديمقراطية والعلمانية، هي موجة تكاد تجاري تلك الموجة التي أعقبت 20 آذار 2011، بعديد المؤتمرات والاجتماعات التي عقدها السوريون في تركيا مع انطلاقة حناجر المنتفضين في المدن السورية، معظم تلك الدعوات كانت تحت شعار “تحالف وطني من أجل إسقاط نظام الأسد” وتوٍجت حينها بتشكيل “المجلس الوطني السوري “.
فما حقيقة هذه الدعوات وما هي أسبابها ؟ هل هو نداء من أجل إحياء تيار عريض مهدد بالزوال، بعد أن فشل التحالف الوطني في إنجاز مهامه في إسقاط النظام المجرم، وطغى الإرهاب المتأسلم على المشهدين العسكري والسياسي.أم هي اليقظة، بعد تغير الموقف الإقليمي، وبشكل خاص بعد الاستدارة التركية التي جعلت المحتل الروسي- وفق تعبير المعارضة الوطنية – شريكاً أساسياً وضامنا للحل في سوريا !
أم هي محاولة لأن تأخذ هذه القوى موقعها الحقيقي في الصراع من أجل حرية الرأي والتعبير، وحرية الاختيار والعقيدة والدين وحرية الفرد، بعيداً عن كل أشكال التسلط الديني والمفاهيم الغيبية، بمعنى آخر من أجل إعادة الاعتبار إلى شعار المنتفضين الأوائل “سوريا بدها حرية”.
ربما هي، في حقيقتها السياسية، محاولة لإزالة زيف التوافق الوطني الذي أعطى لتيار الإسلام السياسي الدور الريادي والأساسي في كيانات المعارضة الأساسية (المجلس والائتلاف والهيئة العليا )، والتي كانت وما تزال مدعومة إقليمياً، وفرضت أجندتها على خيارات السوريين بإنشاء فصائل عسكرية ذات خلفية إيديولوجية إسلامية غالبيتها متشددة، أو بقبولها أو ترحيبها بكيانات طائفية متطرفة، ك”جبهة النصرة” أي”فتح الشام” لاحقاً، أو بخطاب طائفي منفٍر أدى إلى اشمئزاز الداخل والخارج على حد سواء .
بغض النظر عن كل ما تقدم، سواء المتعلق بالنداءات أو المتعلق بهيمنة القوى الإسلامية، فإننا نعتقد في “تيار مواطنة” أنه من الضروري أن يكون للقوى الديمقراطية والعلمانية كيانها التحالفي الخاص بها، تعبر من خلاله عن هويتها الفكرية والسياسية وتنظم عملها من أجل خدمة مجمل القضايا المطروحة، بدءاً من الحل السياسي وفق قرارات جنيف 1 والقرار 2254 الذي ندعمه بشده، مروراً بالمرحلة الانتقالية، ووصولاً إلى صياغة دستور جديد لسورية يتضمن بشكل واضح وصريح الإلتزام بكافة المواثيق الدولية المتعلقة بالحريات العامة والخاصة والمساواة التامة بين الجنسين، وانتهاءً بفصل الدين عن الدولة، الذي هو جوهر الخلاف الأساس مع قوى الإسلام السياسي .
لكن رغم هذه الضرورة، والحاجة الوطنية الملحة، يجب ألا يغيب عن أذهاننا أننا مازلنا في مرحلة مقارعة الاستبداد، ولهذا يجب التمييز بين تلك القوى التي تقف في معسكر الاستبداد وبين تلك التي تقف في صف مقارعته، فليس مطروحاً على الإطلاق التحالف مع هؤلاء الذين يدعمون النظام الأسدي، باعتبارهم علمانيين، فعلمانيتنا وديمقراطيتنا تتحدد بالموقف السياسي والمبدئي من النظام.
كما أنه ليس مفيداً الآن الإعتماد فقط على الإطار النظري أوالفكري في التحالف، إنما يجب اعتماد المرجعيتين معاَ أي السياسية والفكرية، ولهذا سيكون من الاستحالة تكوين جبهة عريضة تضم كل الديمقراطيين والعلمانيين قبل الإنتقال السياسي، إلا أن ذلك، كما نعتقد، سيكون ممكنا وضرورياً بعد بداية الانتقال السياسي .
نحن نعتقد في “تيار مواطنة” أن هناك ضرورة لوضع الصراع في إطاره الإجتماعي والسياسي باعتباره صراعاً من أجل الحرية والكرامة في مواجهة الاستبداد بكافة أشكاله العلمانية والدينية.
وبسبب صعوبة إنجازمثل هذا التجمع لافتقاره إلى الكثير من المقومات العملية والمادية الناتجة عن تعقيدات الوضع السوري، فإننا نخشى أن سورية ذاهبة إلى تسويات تتعلق بالأمر الواقع، وقد يترتب عليها أوضاع لا تقل سوءاً عن وضع النظام، وعندها يترتب على المناضلين من أجل الحرية والكرامة متابعة النضال، ولهم تقرع الاجراس.
“تيار مواطنة ” 13.03.2017