افتتاحية مواطنة:بعد ستة سنوات من الثورة.. ماذا ينتظرنا؟
في الإجابة على السؤال الذي يشير اليه العنوان، ثمة اعتراف ضمني لكنه يبدو واضحاً، بأن السوريين لم ينجزوا أهداف ثورتهم بعد ستة سنوات من انطلاقتها، رغم أن الحديث عن الخسارة المطلقة أو النهائية ليس دقيقاً، فالثورة السورية لم تنتهي بعد، بمعنى أن الأفق الذي فتحته لم يغلق، رغم جميع الخسارات، إنما هي، من ناحية أخرى، لم تنجز مشروعها الوطني-الديموقراطي، ولم تحقق أهدافها في الحرية والكرامة وإسقاط النظام …! الاعتراف النسبي بهذه الخسارة يؤكده الواقع العياني الملموس بعد السقوط المدوي لمدينة حلب، وانتشار الهدن – وآخرها هدنة حي الوعر في مدينة حمص التي أعادت مساحات واسعة من الأرض السورية إلى سيطرة النظام- وترحيل المقاتلين وتجميعهم في مناطق محددة كإدلب و جرابلس والجنوب.
ورغم كل ذلك لا يزال المآل النهائي للوضع السوري غير واضح بانتظار تأثير التطورات الإقليمية والعالمية، وخاصة تزايد الحضور العسكري والسياسي الأمريكي في الوضع السوري، بعد بدء ترسيم سياسات الرئيس الأمريكي ترامب، وتجديد طرائق وآليات جديدة أعقبت الانكفاء النسبي، ومن الملامح الهامة للسياسة الأمريكية الجديدة في سورية تصريح المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر، الذي أكد فيه على أنه” لا مجال للقبول بالرئيس بشار الأسد في المرحلة الانتقالية” وأن الأسد “رجل وحشي قاد بلاده إلى الفوضى” والولايات المتحدة “تؤمن بعملية انتقال (سياسي) من دونه”.
وقد تزامن هذا الإعلان مع زيادة الدعم العسكري ل”قوات سورية الديمقراطية” المعتمدة أمريكياً، والتي، كما يبدو حتى الآن، ستكون لها اليد الطولى في معركة الرقة، رغم الضغط التركي الهادف إلى تحجيم دورها وخروجها من منبج إلى شرق الفرات، يضاف إلى ذلك إرسال ألف جندي أمريكي من قوات البحرية، لمنع تقدم القوات التركية إلى مدينة منبج وضمان عدم حصول اشتباك بين حلفاء أمريكا، وتقديم الدعم والمشورة، وحتى المشاركة في العمليات البرية لطرد داعش من الرقة.
ومن أجل استكشاف ماهية الحل السياسي في سورية لا بد من الانتظارإلى فترة زمنية قد لا تكون بعيدة،تسمح بالتعرف على طبيعة الحل وآلياته : هل هو حل يشبه أو يقترب من النموذج الروسي؟ أم هو نموذج آخر سيٌفرَض بتأثير الأوزان الفاعلة الأمريكية والأوربية والعربية؟ وما هي درجة التوافق او التقاطع بين النموذجين ؟
يلاحظ المتتبع أن هناك سباقاً روسياً – إيرانياً مع الزمن، من أجل بلورة حل سياسي في سورية، ولو كان بغياب السوريين، كما في اجتماع استانة 3، حيث النظام ليس تماماً صاحب القرار، والمعارضة غائبة أو مغيبة. هذا الحل الذي تطمح موسكو أن يكوٍن نظاماً سورياً على شاكلتها، أي مزيجاً من أجهزة الأمن والمافيات الإقتصادية والمالية، مع حفظ الفروق طبعاَ، وذلك قبل عودة الأمريكان إلى المنطقة وتفعيل دورهم، الذي سيؤدي تلقائياً إلى تحجيم الدور الروسي، والحد من غلواء الدورالإيراني خاصة.
ومن الواضح بأن الأمريكان والروس متفقان على تحجيم الدور التركي – منبج مثالاً- كما أن الموقف الأمريكي من إيران سيكون له تداعياته على العلاقة الروسية الأمريكية وعلى الميليشيات الشيعية ككل، وبحسب هذا الموقف ستتحدد العلاقة الروسية الإيرانية وستتأثر بها، والسؤال أين سيكون الموقف الروسي حينها، هل سيقف بجانب إيران أم سيرضخ للإرادة الامريكية ؟ هذا الموقف لا يمكن التنبؤ به منذ الآن، وسيتأثر بنتائج معركة الرقة وربما معركة دير الزور أيضاً، وبما ستؤول إليه الأوضاع بعدها، وفي منظور المرحلة الإنتقالية المرتقبة تدخل على الخط عملية إعادة الإعمار، التي لا يمكن أن تبدأ بدون الدورين الأوربي والخليجي، وهذا ربما سيساعد في قبول الروس والإيرانيين الحل الذي ستفرضه أمريكا، لأنهما غير قادرتين لوحدهما على تحمل تبعات إعادة الاعمار .
بالعودة إلى سؤال الخسارة، فإن الاعتراف بخسارة الثورة يعني، في واحد من وجوهه، سيطرة الإسلاميين على المعارضة، وانحدار الصراع إلى صراع هوياتي إيديولوجي ومناطقي، وبالمقابل فإن هذا لا يعني بأن النظام قد انتصر، لأن طبيعة التسوية القادمة ستحددها المعادلات الاقليمية والدولية والتي لن تكون لصالحه، حتى لو دامت سيطرته لبعض الوقت .
يؤمن ” تيار مواطنة” أن مصلحة الشعب السوري، بجميع مكوناته، هي في إيقاف الحرب ومواجهة الإرهاب، والشروع في عملية سياسية من خلال مرحلة إنتقالية تبدأ بإعادة وحدة الشعب والأرض وبناء دولة المواطنة.
“تيار مواطنة”
20.03.2017