من “خان شيخون” إلى “الشعيرات”

 

“ضربة غير مميتة لكنها لن تجعل النظام الأسدي أكثر قوة”

كان تصريح الرئيس الأمريكي ترامب، عن أولوية مواجهة داعش وعدم استهداف نظام الأسد، لا يزال متداولاً على صفحات الإعلام عندما أطلق النظام حربه الكيميائية على “خان شيخون” في إدلب، معتمداً على دعم عسكري وسياسي وإعلامي غير مشهود من حلفائه، خاصة الروس منهم، الذين أضافوا إلى ترسانتهم السياسية حلقات مسلسل استانة مروجين لضجيج “حل سياسي”، في حين يتابعون مع نظام بشار الأسد حرب المواقع والاستفراد بالمدن والمناطق والتهجير القسري، اعتماداً على آله حربية قوية يقابلها ضعف عسكري وتنظيمي وإسنادي عند المعارضين، واعتماداً على التوافق الدولي والإقليمي في مواجهة داعش والنصرة.

لا يبدو أن هناك حاجة لانتظار تقارير اختصاصية، فالوجود والمتابعة الدولية في الشمال السوري يسمحان بالوصول إلى نتائج سريعة حول الطرف المسؤول، والديماغوجية الإعلامية الروسية والسورية كانت أضعف بكثير من أن تثير الشك حول مسؤولية نظام الأسد عن القصف الكيمياوي لمدينة خان شيخون بتاريخ 04.04.2017. بعد الفضيحة الكيميائية الاولى في 21آب/أغسطس 2013، التي أيضاً أنكرها النظام وحلفاؤه بروايات هزلية أشهرها التي قدمتها “بثينة شعبان”، لم يكن ممكناً تدارك رد الفعل الدولي، والأمريكي خاصة، دون دور السمسار الروسي، الذي نجح في ضم النظام السوري إلى الاتفاقيات الدولية على أساس سحب مخزونه من الأسلحة الكيميائية، التي كان ينكر وجودها أصلاً، وكعادته في المراوغه والخداع، احتفظ النظام بجزء من مخزون أسلحته، أو ربما،وهو الأخطر، زوده الحلفاء الروس والإيرانيون بكميات جديدة منها، وفي الحالتين توجد مسؤوليات ومخالفات واضحة تستحق المتابعة من الهيئات المختصة في “الأمم المتحدة”.

 

ويفصل القرار رقم  2118 الصادر عن مجلس الامن بتاريخ 27 أيلول /سبتمبرفي بندين هامين هما ” البند 21: يقررفي حال عدم الإمتثال لهذا القرار، بما يشمل نقل الاسلحة الكيميائية دون إذن، أو استخدام أي أحد للأسلحة الكيميائية في الجمهورية العربية السورية، أن يفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة”  وفي البند التالي” رقم 22: يقرر أن يبقي هذه المسألة قيد نظره الفعلي ” ورغم ذلك، وبين الغوطة وخان شيخون استخدم النظام الأسد ي الأسلحة الكيميائيةعدة مرات على امتداد الوطن السوري، ولم تكن إمكانية توثيق هذه الانتهاكات متوفرة دائماً. وتم الترويج بشدة لوجود أسلحة كيميائية لدى “المسلحين” ،وهو أمر، حتى لو صح بشكل محدود، لا يفعل أكثر من ذر الرماد في العيون عن الطرف الكيمياوي الأهم والأخطر. خلال هذه السنوات اعتمد النظام الأسدي على عدم وجود سياسة دولية غربية فاعلة، وعلى دعم غير متناه من “الأصدقاء” ،ولكن أيضاً على الشلل وانعدام الفاعلية اللذان تعاني منهما منظمة “الامم المتحدة” ومؤسساتها بسبب الفيتو”المزمن” الروسي والصيني في “مجلس الأمن الدولي”.

 

قد لا يهمنا هنا كثيراً الدخول في تفسير وتحليل أسباب ما أجمع على تسميته ب”التحول” في السياسة الأمريكية، سواء تعلق الأمر بوضع داخلي يخص شخصية الرئيس الجديد، أو تعلق الأمر برسائل موجهة للخارج، لإيران في المنطقة، أو لكوريا الشمالية أو حتى للخصم الأكبر روسيا، التي تمادت في بسط نفوذها على حساب النفوذ الأمريكي والتي عبرت عن رد فعلها الغاضب بإلغاء اتفاقية تنسيق الطلعات الجوية.ما يهمنا هو النتائج المترتبة على ضربة “مطار الشعيرات”، فمن الواضح أنها أبعد ما تكون عن ضربة مميتة أو حتى عن ضربة تخلخل بنية النظام، هي ضربة أقرب للرمزية فقد استهدفت المكان الذي تم منه تحدي واحتقار “الأمم المتحدة ” وبقية دول العالم المتحضر، وهي ضربة أحدثت خسائر لوجسيتة كبيرة وخسائر بشرية محدودة.

إن الرسالة التي أوصلتها ضربة “مطار الشعيرات” واضحة المحتوى، هي تحذر النظام من استخدام الكيماوي مرة أخرى، لكنها أبداً لا تعيقه عن استخدام وسائل القتل الهمجية الأخرى التي بحوزته، فهو لا يزال قادراً على متابعة تحقيق أهدافه بجميع الوسائل عدا الكيماوي، والتصريحات الأمريكية بعد الضربة قدمت تعزيزاً واضحاً بأن الضربات يمكن أن تتكرر، وربما هذا يمنع النظام من محاولات جديدة وجس نبض جديد من أجل العودة لاستخدام الكيماوي حالما يقدٍر أن القبول أو التغاضي هو المناخ المسيطر.

إن أي معارضة لقصف “مطار الشعيرات” بدواعي خدش الشعور القومي أوالوطني، لا تعني أكثر من استرخاص دماء أهلنا في سورية، وهي ليست أكثر من ترداد ببغائي لا ينسجم مع ما وصل إليه الوضع في سورية من ازدحام التدخلات الدولية والإقليمية، فالمهم أن نبحث عن التدخل الدولي الذي يحمي شعبنا، الذي يضعف نظام الطاغية والذي يضعف بنفس الوقت المنظمات المصنفة إرهابية، لذلك ومن أجل أن تكون هذه الضربة بداية جديدة لإنهاء معاناة بلدنا وشعبنا يجب أن يجد المجتمع الدولي، من داخل “منظمة الامم المتحدة” ومن خارجها، الأساليب اللازمة والكافية لردع النظام الأسدي عسكرياً وسياسياً، ولإجباره على الدخول في مرحلة الإنتقال السياسي التي تكفل انتهاء الحرب وبدء مسيرة العدالة الانتقالية والمصالحة وعودة المهجرين والإفراج عن المعتقلين وبناء سورية من جديد وطناً للجميع.

“تيار مواطنة” 10.04.2017

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة