استانة 4 ومناطق خفض النزاع، هل تقود سورية إلى الأمان؟

المناطق الآمنة كانت أحد مطالب المتظاهرين والناشطين أيام الحراك السلمي قبل أن تصبح مطلباً للمعارضة السورية، ومنطقياً بالنسبة للوضع الدولي، قد يكون إنشاء مناطق آمنة أقل كلفة ويترتب عليه تبعات أقل من التبعات السياسية والإنسانية لاستمرار موجات الهجرة والنزوح الداخلي التي وصلت أرقامأ غير مسبوقة عالمياً منذ الحرب العالمية الثانية، مع خمسة ملايين لاجئ وسبعة ملايين  نازح في الداخل السوري. والمناطق الآمنة تنطلق من حقيقة أن النزوح ثم الهجرة هما الخياران الأخيران للذين يصبح استمرار الحياة مستحيلا في مناطق سكنهم، وبالتالي هي مناطق تساعد على تثبيت واستقرار الملايين من المتضررين من الحرب وبالطبع مع إمكانية تقديم المساعدات اللازمة لهم والبدء بإصلاح البنى التحتية الضرورية، وربما حتى إعادة البناء دون انتظار الحل السياسي الذي لم تنضج الظروف تماماً لوضعه موضع التنفيذ، وهذه المناطق،لا يجب أن تتحول إلى أمر واقع معيق بل يجب أن تكون تمهيداً مناسباً لمرحلة الإنتقال السياسي.

ما كان يعيق إنشاء المناطق الآمنة هو التنازع الإقليمي والدولي ورفض روسيا، الدولة الأكثر نفوذاً وتأثيراً في الوضع السوري، ولكن أيضاً عدم الحماس الأمريكي أيام الرئيس السابق أوباما، رغم إلحاح الحليف التركي، تحت حجة ارتفاع الكلفه العسكرية والسياسية. لكن كل شئ بدأ يتغير بعد وصول الرئيس الأمريكي الجديد ترامب، وروسيا أبدت استعدادها لبحث الموضوع شرط موافقة حكومة الأسد ومشاركة الأمم المتحدة. وكانت الحلقة الرابعة من مسلسل استانة هي الفرصة المناسبة لمعالجة موضوع المناطق الأمنة، إنما من خلال المنصة الروسية التي باتت تخشى من تزايد الدور الأمريكي في سورية فحاولت استباقه وربما الالتفاف عليه ومن خلال دور واضح للحليف الإيراني، الطرف الأقرب للنظام الأسدي،ومع دور للطرف التركي الداعم للمعارضة والمشتت بين حلفه القديم مع الأمريكان وبين مصالحة المستجدة مع الروس والطامح للحد من نفوذ “حزب الإتحاد الديموقراطي” في الشمال، وفقط من خلال دور رمزي للأمم المتحدة بحضور ديمستورا، وحضور فخري للولايات المتحدة التي ليست طرفاً في الإتفاق لكنها باركته.

هكذا فإن مذكرة”مناطق تخفيف التصعيد” ذيلت بتوقيع الضامنين : جمهورية إيران الإسلامية والاتحاد الروسي والجمهورية التركية، ورغم أن المذكرة تنص على الإسترشاد بأحكام قرار مجلس الأمن رقم 2254 لعام 2015، لكنها لا تتضمن أي دور رسمي أو فعلي للأمم المتحدة.

ورد تعبير “المناطق الأمنة” في المذكرة باعتباره إجراء يخص مناطق التماس، لكن المذكرة تتعلق “بتخفيف التصعيد” وهذه الصيغة لغوياً ومنطقياً من الصعب ضبطها وتعيين حدودها، خاصة بتشابكها مع  المواجهة المشروعة لداعش والنصرة، لذلك فإن تنفيذ المذكرة مرهون بإنجاز الخرائط التي توضح الجغرافيا التي ستعمل عليها المذكرة وهذا الأمر يحتاج الى شهر رغم أن المذكرة أصبحت سارية المفعول. بالنتيجة فإن مناطق تخفيف التصعيد لا تتطابق مع التصورات السابقة للمناطق الآمنة لكن مع ذلك لا يمكن لعاقل أن يرفض وقف إطلاق النار كإجراء حقيقي وليس كإجراء إعلامي يغطي على المناورات السياسية والعسكرية ولا يمكن خصوصا رفض الإجراءات التي تقترحها المذكرة:

توفير وصول إنساني سريع وآمن دون معوقات؛ وتهيئة الظروف لتوفير المساعدة الطبية للسكان المحليين وتلبية الاحتياجات الأساسية للمدنيين؛ واتخاذ تدابير لاستعادة مرافق البنى التحتية الأساسية، بدءًا بشبكات تمديد المياه وتوزيع الكهرباء؛ وتهيئة الظروف للعودة الآمنة والطوعية للاجئين، والمهجرين داخلياً.

يواجه تنفيذ المذكرة وتحقيق أهدافها صعوبات جمة تبدأ بصيغة عنوانها الملتبسة، مروراً برفض أو حذر بعض الفصائل المعارضة من الرعاية الإيرانية التي لا يمكن الوثوق بها والتي لابد أن تكون لمصلحة النظام السوري الذي وافق على المذكرة رغم عدم كونه طرفا مباشراً بها اعتماداً على دور الحلفاء، وتجنباً لمناطق أمنة من طراز مختلف قد يفرضها الأمريكان، الذين لم يعد ممكناً المراهنة على صمتهم بعد ضربة مطار الشعيرات، ومن جهة أخرى فإن رفض “حزب الإتحاد الديموقراطي ” للمذكرة، الناجم عن الرعاية التركية لها، باعتبارها تشكل “تهديداً لمناطق الإدارة الذاتية” وأنها ” تقسيم طائفي للبلاد”، يضيف أيضاً صعوبة حقيقية أمام انتقالها إلى حيز التنفيذ الفعلي.

إذا لم يكن المقصود هو التلاعب بالكلمات وإذا كان القرار 2254 يشكل مرجعية لها، فإن المناطق الأربعة المقترحة  كمناطق خفض التصعيد يجب أن تتمتع بإشراف دولي وأممي، وهذا ما يرفضه النظام السوري، لتكون فعلياً صالحة للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والمهجرين داخلياً، بما لا يسمح باستغلال موضوع محاربة داعش والنصرة لضرب المدنيين وإجبارهم على ترك مدنهم وقراهم، وبما يسمح أيضاً بتخليصهم من سيطرة هذه التنظيمات عليهم وتعقيد شروط حياتهم، إن المناطق الجديدة يجب أن تمتع بإدارة محلية من قبل السكان وبدعم وإشراف دولي، بما يكفل عودة الحريات للناشطين والحريات الإعلامية والصحافية، بانتظار الحل السياسي في سورية الذي يشمل كامل الأرض السورية، وبالإضافة إلى محاربة الإرهاب وطرد داعش والنصرة لابد من طرد جميع الميليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية والعمل على إجراء عملية الإنتقال السياسي وتحقيق اهداف الشعب السوري في الحرية والعدالة والمساواة في دولة المواطنة المتساوية بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الدين.

 

 

“تيار مواطنة” 08.05.2017

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة