زيارة ترامب والإنتقال السياسي في سورية

استحوذت زيارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى السعوديةعلى اهتمام تستحقه، ليس فقط نظراً لأهمية الدولة العظمى وما يمكن أن يترتب على سياستها في المنطقة، وفي العالم عموماً، بل أيضاً لما رافق وصول الرئيس الامريكي إلى السلطة ابتداء من شعارات الحملة الانتخابية، وصولاً إلى القرارات الأولى التي بدأ يترجم بها برنامجه وسياساته. ورغم بعض التخبط في إصدار القرارات فإن الحزم والإرادة كانا واضحين في سياساته الخارجية، فقد وجه رسائل واضحة إلى النظام السوري وكوريا الشمالية وايران، ربما ليست ذات قيمة فعلية كبيرة لكن قوتها الرمزية أو دلالاتها تجبر الجميع على أخذها بعين الاعتبار وعدم تجاهلها.

السعودية هي الحليف الأقدم لأمريكا في المنطقة، والأكثر أهمية قبل وجود اسرائيل، وتخصيصها بالزيارة الخارجية الأولى للرئيس الأمريكي ليس إلا عودة أو إحياء للسياسية الامريكية التقليدية في المنطقة، بعد فترة من الجفاف ارتبطت باهتمام كبير بقطب قوي آخر هو إيران، نجحت فيها أمريكا، مع حلفائها الغربيين، في الحد من الطموح النووي الإيراني، لكنها بالمقابل لم تنجح في تحجيم الرغبات الإيرانية في توسيع النفوذ والتأثير اعتماداً على ثنائية شيعة-سنة. هكذا استفادت إيران من الانكفاء الداخلي الأمريكي لتدعم منظمات محلية مثل حزب الله اللبناني والجماعة الحوثية في اليمن ولتلعب دورا فاعلا في العراق من خلال أطراف متعددة، وربما الأكثرأهمية هو دعم النظام السوري على أسس طائفية، وبما يخدم توسيع نفوذها الإقليمي في المنطقة.

ولم يكن الدور الإيراني كافياً لوحده في إرساء توازنات اقليمية جديدة، وخلق وقائع لها صفة الديمومة، مالم يتم إضافة ثقل الدور الروسي الطامح بدوره إلى استعادة نفوذ تقليدي روسي عسكري وسياسي واقتصادي، كان شيوعياً وأصبح ليبرالياً، ومرة أخرى لم يكن هذا النفوذ قابلاً للاسترداد، لولا الغياب الإرادي الأمريكي عن الحضور القوي والمؤثر. وفي منتصف المسافة يوجد الدور التركي الذي كان –ولا يزال رسمياً- جزءاً من حلف الناتو، وبعد تغيرات داخلية واقليمية أصبح يبحث عن التحديد الأمثل للمسافات التي تفصله عن كل من الروس من جهة والغرب الأمريكي والأوربي من جهة اخرى، لكن تركيا لم تعد تماماً مثلما كانت دولة محسوبة على الغرب، وقد يشكل تفعيل المحور الأمريكي السعودي إضعافاً موضوعياً للدور التركي.

هكذا فإن إعادة الحيوية للعلاقة الأمريكية السعودية تفيد في بدء الحد من النفوذ الإيراني، وبالطبع ستكون اسرائيل طرفا مستفيداً من ذلك، وفي تعويض ضعف الدور التركي وهشاشة علاقته بالغرب. وإذا كان أساس تنشيط وتفعيل العلاقة الأمريكية-السعودية هو مواجهة النفوذ الإيراني الذي بات يوصف بالداعم لمنظمات إرهابية، فإن محور مواجهة الإرهاب يشكل أساسا قوياَ آخر، فمواجهة الإرهاب لا تتطلب فقط مواجهة عسكرية، وبهذا المعنى يشكل اصطفاف السعودية ومعها دول الخليج وحوالي خمسين دولة من “المؤتمر الاسلامي”، دعماً وعمقاً لا بد منهما لعزل الإرهاب في مناطق نشوئه، رغم كل ما يكتنف هذه العملية من تعقيدات تتعلق بالعمق الثقافي الديني، وربما قبل ذلك بنمط الأنظمة السياسية في الدول “الإسلامية” الذي لا يمكن اعتباره في أغلبها إلا عاملاً مشجعاً بشكل غير مباشر، أومولداً للإرهاب، رغم الرفض الرسمي وربما ما يجري من ملاحقة المنظمات الإرهابية .

في سورية انتهت سريعاّ الإشارات الترحيبية للنظام الأسدي بالرئيس الامريكي الجديد، خاصة بعد ضربة “مطار الشعيرات” والتلويح بالعصا الغليظة في مواجهة النظام، والإشارات المتواترة إلى كون “الرئيس السوري” بشار الأسد مجرم وقاتل …الخ. وليس ذلك فحسب بل من خلال زيادة حجم الوجود العسكري الأمريكي في الشمال السوري بدعم “قوات سورية الديموقراطية” من أجل تحرير الرقة، وأيضاً من خلال ضرب قافلة عسكرية تابعة للأسد قرب الحدود العراقية كانت تتوجه لضرب قوى مدعومة من قبل أمريكا، وبالطبع هناك توجد عسكري أمريكي في الأردن و الجنوب السوري ليس واضحاً بعد كيف سيكون دوره، لكنه حتى الآن يرصد أي تحركات أو دعم أو نقل أسلحة لحزب الله اللبناني .

أخيراً إن التوجه الامريكي- السعودي في مواجهة الإرهاب والحد من النفوذ الإيراني والروسي، وتوجيه رسائل أكثر قوة للنظام الأسدي، كل ذلك يفيد في تفعيل عملية “الإنتقال السياسي” في سورية التي يبدو، حتى الآن، أن مؤتمرات جنيف المتتالية لم تنجح في التقدم باتجاهها، أما سلسلة مؤتمرات الاستانة الروسية فلم تفعل أكثر من تكريس أمر واقع أساسه انتصارات روسية وأسدية على الأرض السورية .

“تيار مواطنة” 22.05.2017

 

 

 

 

 

 

 

 

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة