مؤتمر الرياض والحرب على الإرهاب

زيارة ترامب و تغيير قواعد  اللعبة

 

لقد أتت زيارة ترامب للسعودية بالتزامن مع قمة خليجية وأخرى إسلامية حاشدة، في تعارض،شكلي،  ربما، مع مارافق الحملة الانتخابية لترامب من هجوم على الإسلام، لكن لنذكر أن السعودية لم تدرج بين الدول التي يحظرعلى رعاياها الدخول الى الولايات المتحدة خوفاً من تسلل الإرهابيين، رغم أن دور الرعايا السعوديين كان حاسماً في ضرب برجي التجارة الدولية في نيويورك في 11 أيلول 2001،  فترامب هو رجل المصالح وهويعرف جيداً ما تمثله السعودية في تاريخ العلاقات المشتركة، ومن أجل عودة الحضور القوي للولايات المتحدة من الضروري الاستفادة من القيمة الرمزية والفعلية لدولة مثل السعودية بما تمثله بالنسبة للمسلمين.

تسعى الحكومة السعودية في علاقاتها بالخارج، الرسمية والدينية، إلى إعطاء صورة أقل ما يمكن أن يقال عنها  أن تختلف عن ما يجري داخل المملكة، التي تنطوي في الحقيقة على أكبر مخزون فكري للتطرف الديني وما ينتج عنه من طروحات تبرر الإرهاب، يتحكم بهذا المخزون ويوجهه هيئة كبار العلماء، وعلماء المذهب السلفي في المساجد ومراكز الدعوة وحتى الجامعات، وتجد خاصة تلك المراكز التي يلقي فيها دعاة شبان متحمسون للجهاد يقومون بشرعنة قتل الآخر المختلف، وإقامة شرع الله على الأرض، وقد وجه هذا الفكر وعبَأ آلاف المقاتلين على امتداد رقعة العالم الاسلامي، ناهيك عن المؤسسة الرسمية التي تتحكم بالتحريم على مزاجها وتلاحق المخالفين. وقد ساهم هذا الوضع في نشوء وتصدير الإرهاب، الذي وجد تربة خصبة في أغلب المجتمعات العربية التي يحكمها الاستبداد، والتي تقطع الطريق على أية صيرورة تغيير سلمي وديموقراطي، وهذا الإرهاب مثل بدوره الوجه الآخر للأنظمة الإستبدادية، وساعدها بشكل غير مباشر، على تبرير بقائها واستمرارها، وكان له دوركبير ومساعد في تفشيل ثورات الربيع العربي.
حاول هذا الحشد الدولي غير المسبوق، تحت عنوان مكافحة الإرهاب، تبرئة الإسلام وتنزيهه، وجل المتحدثين أجمعوا أن الإرهاب لادين له ولا يخص ديانة بعينها، وإذا كان هذا التعميم مقبولأ بالمعنى النظري ،وبالمعنى الواقعي أيضاً فالتدين الشعبي عموماً بعيد عن التطرف، وإذا قبله أو تعاطف معه فتفسيرذلك يكون في الظروف السياسية المرافقة، إلا أن الحقيقة المؤلمة، في العقود الأخيرة، هي أن الارهاب جله إرهاب إسلامي سني وقد وصل لظاه إلى أقاصي العالم، ولم يوفر أحداً، حتى معارضيه المسلمين السنة، ورغم وصف بعض المنظمات الشيعية أحيانا بالإرهاب أيضاً فإن ارتباط الإرهاب بالشيعة هو أقل وضوحاَ وانتشاراً.

وفي سياق محاربة الإرهاب فكرياً وثقافياً، تم افتتاح مركز “اعتدال” لمكافحة التطرف الديني، على هامش القمة، وتم رصد مبالغ وإمكانات هائلة لا تقل عما رصد للتسليح، ويهدف المركز إلى وقف انتشار الأفكار المتطرفة، كما يعتمد على نظام حوكمة رفيع المستوى لتحليل الخطاب المتطرف.

الحلف العسكري الجديد أعطى دوراً رياديا للسعودية على حساب دول اقليمية أخرى، خاصة في الملف السوري، وقد بدا امتعاض قطر واضحاً في اليوم الثاني بتصريحات الأمير تميم لوكالة الانباء القطرية، ووصلت الأمور لحد المواجهة مع السعودية، مما دفع برئيس لجنة الدفاع بالكونغرس الأمريكي إلى التصريح أنه قد ينقل القاعدة الجوية من قطر إن بقيت تدعم الإرهاب، ويبدو أنه قد تم تجاهل الدور التركي في محاولة لتحجيمه، وتم تحديد الأعداء بشكل واضح وصريح، فإضافة الى داعش والنصرة ذكرت إيران وأذرعها ومنهم حزب الله، وتم إلحاق حماس إرضاء لإسرائيل، التي كات طرفاً يحسب حسابه ولو لم يكن حاضراً.

كانت القضية السورية هي الحاضر الأكبر وبغياب أي تمثيل للمعارضة السورية، وعملياً ستكون سورية هي الميدان العملي التطبيقي لكل ما تم الحديث عنه والحشد له أو التحالف من أجله.

النظام  السوري يبدو غير معني بما حدث في الرياض، وقد يمم وجهته شرقاً بعد أن تم لجم أي تحرك له في مناطق الهدن، فها هو يستغل تخلخل صفوف داعش وانكفاءها ويحدث فتوحات كبيرة في شرق حلب وشرق حمص لكي يسيطر على أكبر مساحات ممكنة للتفاوض المستقبلي.
من الواضح، حتى الآن، عجز المنظمة الدولية ومؤسساتها ومؤتمراتها عن إيجاد حل للقضية السورية، لذلك من الطبيعي توقع دور كبيرلإرادة دولية وإقليمية تتجاوز إنسداد الافق في هذه المنظمة، من خلال العلاقات والمؤتمرات مثل مؤتمر الرياض، ومن خلال خلق وقائع جديدة على الأرض، ثم يأتي دورالأمم المتحدة في ظل التوازنات الدولية ليضفي الشرعية على الأمر الواقع الجديد.

“تيار مواطنة” 29.05.2017

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة