الجذور الفكرية، والجذور السياسية للإرهاب

 

مع كل عملية، أوموجه عمليات، إرهابية في أوربة والعالم تنطلق التحليلات والأفكار السياسية، وغالبا ما تكرر نفسها أو تستند على تحولات أو أحداث سياسية عابرة أومؤقتة، تبدأ هذه التفسيرات في الحديث عن عجز السلطات المحلية، وهذا التفسيريكون عادة محملاً بشحنة إيديولوجية ضد الأنظمة الغربية ومخابراتها وأجهزتها والتي نفسها يصفها بعض المحللين، في أوقات أخرى، بصاحبة القدرات الأسطورية ويحملونها مسؤولية أحداث تقع بعيداً جداً عن مناطق نفوذها وتأثيرها، أو قد يفسرون عدم تدخلها في منطقة ما أو أحداث ما بوجود مصالح خفية وتواطؤات سيكشفها المستقبل، في حالات أخرى يتم تحميل المسؤولية لبعض الأفراد أو للفضاء الإفتراضي وما يتيحه من نشر الفكر الإرهابي وما يحققه من قدرة على التواصل. قد تكمن هناك جوانب في الحقيقة في كل ما تقدم من تقصير في عمل الأجهزة أو تأخر في الاستجابة أو ضعف في الأداء، كلها أمور يمكن أن تحصل وقد حصلت مع اختلاف بين حالة وأخرى، لكن جوهر الظاهرة وتفسيرها يحتاجان إلى مزيد من التعمق.

إن نظرة موضوعية لأوضاع المجتمعات الغربية توضح أن السلطات لا تستطيع تجاوز الإلزامات القانونية والإدارية حتى عندما تكون لديها بعض الشكوك عن وجود أشخاص ذوي سلوك مريب، أو أن لهم سوابق في التجاوزات القانونية، فلا يمكن هنا الحد من الحريات الشخصية والعامة بحجة ملاحقة الإرهاب، والوضع الشعبي غالباً يكون ضد الإجراءات الاستثنائية أو حالة الطوارئ. وباعتبار أن مرتكبي العمليات الإرهابية هم بنسبة ساحقة من المواطنين، ولو كانوا من أصول أجنبية، وليسوا من القادمين حديثاً، فهم يتمتعون بكافة الحقوق الأساسية ويعرفون جيداً أليات العمل والتنقل والإدارة وتسييير الحسابات البنكية ..الخ. وهنا يبرز ضيق أفق الإجراءات الترامبية في الحد من الهجرة من بعض الدول الإسلامية كوسيلة لمكافحة الإرهاب.

إن الإرهاب المنتشر عبربعض المساجد أو الجمعيات أوالهئيات الدينية الإسلامية المنتشرة في أوربا، والممولة من قبل بعض الدول أو من قبل أشخاص مستقلين، يجد أدواته غالباً في المهمشين وأصحاب السوابق، الطامحين إلى حياة النعيم في الآخرة، ويجب الإعتراف أن هناك دائما صعوبات تقنية وأمنية في التعامل مع هؤلاء الذين يختارون المواجهة الانتحارية التي تربك أية إجراءات احترازية مهما كانت متطورة .

الجذور الفكرية للإرهاب .

انتشرت أخيراً فكرة البحث عن الأصول الفكرية للإرهاب، إلى حد نقاشها في زيارة ترامب للسعودية وإنشاء مركز” اعتدال “الذي قد لا يكون قادراً على تعديل المنظومة الدينية في السعودية، وإلى حد تناولها في أحاديث بعض القادة الاوربيين، طبعا بحذر شديد، في محاولة لتبرئة الإسلام والمسلمين بالقول أن الإرهاب له تفسيرات “إسلاموية” مثلاً، منطقياً لا يمكن رفض هذه الفكرة، ولكن دون العودة للتاريخ البعيد،  لنذكر أولاً أن فكرة الإرهاب أو الممارسة الإرهابية تم الاعتماد عليها تاريخياً من قبل جماعات سياسية محتلفة يسارية أو يمنية أو تتبنى قضايا وطنية أو قومية أو طبقية فكل ايديولوجية يمكن اشتقاق عمل إرهابي منها، والعامل الحاسم في هذه الحالة هو الوضع العياني أو السياسي الذي يساعد في فهم انتشار أواختفاء أو تغير الظاهرة الإرهابية في مكان وزمان معينين، هكذا فإن هذا “الإكتشاف” المتعلق بالجذور الفكرية للإرهاب والإنطلاق منه، طبعاً دون إهمال دور العمل الأمني والعسكري، لا يبدو حلاً حقيقياً، فمع موافقتنا دائماً على دور الأفكار التنويرية في الارتقاء بالمجتمع، يجب أن نعترف أن هناك حدوداً لا يمكن تجاوزها في التعامل مع قدسية المنظومة الدينية باعتبارها منظومة سماوية، وفي جميع الأحوال إن انتهاء محاكم التفتيش في أوربا لم يكن بسبب تعديلات في النصوص الدينية أو تفسيراتها، التي اعتمِدت في ممارسة الإرهاب، و إنما بسبب تطورات سياسية واجتماعية، هكذا  فالإنطلاق من الجذور الفكرية لا يشكل مقاربة كافية لفهم ومعالجة ظاهرة الإرهاب.

الجذور السياسية للإرهاب.

يبقى أن نقول، ودون إهمال التعامل مع الإرهاب في المستويين الأول والثاني، أي المستوى العملياتي والمستوى الفكري، يجب إعطاء الأهمية القصوى لما يمكن تسميته الجذور السياسية للإرهاب، أي لوجود قضايا سياسية محقة أوعادلة، لا يستطيع أصحابها تحقيق أهدافهم، ربما أحياناً رغم استفاذ الأساليب السلمية في النضال، بسبب وجود قوى طاغية مسيطرة، فمثلا عدم إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية رغم كل المرونة التي تبديها منظمة التحرير، قد يدفع الكثيرين لتبني الإرهاب، وقطع السيروة الانتخابية الديموقراطية في الجزائر في التسعينات وانقلاب السيسي العسكري في مصر يؤديان إلى تبني الإرهاب، وإلى انتهاء أي اعتدال ممكن، وعدم إيجاد حل عادل للقضية الكردية في تركيا والمنطقة يدفع للإرهاب أيضاً، وأخيراً إن استبداد وطائفية النظام الأسدي في سورية، وطغيانه مع حلفائه الإقليميين والدوليين، لابد أن تدفع للإرهاب، وأن تقصي أو تضعف كل التوجهات السلمية والديموقراطية المطالبة بالتغير السياسي، وفي جميع الأمثلة السابقة يبدو الإرهاب عملا يائساً وغالباً دون برنامج أو خطط عملية محددة، لكنه قد يتقدم أو يتراجع وفقا لموازين قوى عسكرية أو أمنية وحسابات مصالح متقاطعة أو متعارضة، وعدم وجود حلول عادلة للقضايا السياسية يجعله قابلاً للإنبعاث من جديد حيث توجد ما يمكن تسميتها “الحلقات الضعيفة” على مستوى العالم والتي يجيد الإرهاب إختيارها .

“تيار مواطنة”

05.06.2017

 

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة