الإخوة الأعداء والثورة السورية
ليس أمراً نادراً في التاريخ ان تنال دولة صغيرة أهمية تتجاوز حجمها وإمكاناتها فتنفلت من إلزامات الكبار وتلعب على تناقضاتهم وصراعاتهم. هكذا استطاعت قطر، الإمارة الصغيرة، التنافس خارج عباءة الأخت الكبرى السعودية، لكن تفسير ذلك لا يكمن في مجرد إرادة فردية لحاكمها، بل باستغلال الظروف والإمكانات المتوفرة وبناء العلاقات الدولية بشكل مستقل عن، وربما بالتنافس مع، التوازنات التقليدية التي تسيطر في المنطقة. قد تكون قطر بلداً نفطياً صغيراً لكنها بلد له أهمية عالمية في مجال إنتاج الغاز السائل وفي الاحتياطيات الموجودة منه، وفي قطر قاعدة عسكرية أمريكية، قاعدة “العديد”، هي الأكبر والأهم استراتيجياً في منطقة الخليج، والتفوق الإعلامي لقناة الجزيرة القطرية يقوم على غياب القنوات التي تمتلك هامشاً واضحاً من الحرية في معالجة القضايا المطروحة، حيث يسود الإعلام السلطوي المستنفَذ، هكذا حققت الجزيرة انتشاراً إقليمياً وعالمياً لم يضعفه إلا بعض توجهاته الديماغوجية التي تخدم السياسات الرسمية للدولة الراعية، لكنها بالمقابل أجبرت الآخرين على المنافسة في نفس الحقل فاخترع الخصوم قنواتهم المشابهة ك”العربية” التي أنشأتها السعودية.
ولا يهمنا هنا الخوض في تفاصيل الخلاف الخليجي مع قطر، إلا فيما يتعلق بطريقه تأثيره السابقة والمتوقعة في الوضع السوري، فبعد مرحلة من التوافق السعودي القطري على دعم المعارضة السورية، ومع تعقد وتشابك التدخلات الإقليمية والدولية، أصبحت الساحة السورية حلبة لصراع الإخوة الأعداء في الخليج، فانتقلت قطر من دعم المعارضة عبر قناة “الإخوان المسلمين” في سورية، وهو الأمر الذي لم يعرف اعتراضاً غربياً، باعتبارهم طرفاً إسلامياً معتدلاً، إلى دعم أي طرف إسلامي يمكن أن يتواجد على الساحة، وفي حين تلاشت الكثير من الفصائل الصغيرة حظيت “القاعدة ” وهي الأكثر تنظيماً، بدعم كبير عبر الممولين الذين ترعاهم “قطر” وقد سبق للخارجية الامريكية عام 2014 أن أشادت ببعض الإجراءات القطرية في التضييق على الممولين وترحيل أحدهم وإغلاق حملة انترنيت لجمع الأموال للمتطرفين في سورية، لكن تلك الإجراءات لم تكن أكثر من استجابات ديبلوماسية، ولم ترق إلى حملة سياسية حقيقية ضد الإرهاب، واستمر الدعم بأشكال وقنوات متعددة، خاصة بالتنسيق والتوافق مع الجانب التركي الذي تتوافق سياسته مع السياسات القطرية وبالتنافس مع القطب الآخر السعودي، إلى درجة الإتفاق على إقامة قاعدة عسكرية تركية في قطر عام 2014.
لكن، ومن ناحية أخرى، وفيما يخص الوضع السوري لن تكون الأمور أفضل في سورية بمجرد الضغط على قطر لتغيير سياساتها الداعمة للمتطرفين أو الإرهابيين، وهو المسار المتوقع للأحداث بعيداً عن التهويلات الممكنة التي لا تتناسب مع مكانة قطر عالمياً وإقليمياً، إضافة الى التحالفات الإقليمية مع تركيا وحتى العلاقة المميزة مع إيران. لابد إذن من بحث مسألة دور الإسلام السياسي بمجمله، ولابد من الإقرار أن الإرهاب الإسلامي ليس وليد السياسة القطرية أو التركية لوحدهما بل هو أيضاً وليد المنظومة السعودية الدينية بمجملها سواء بشكل مباشر بدعم هذا الطرف أو ذاك، أو عندما تخصب هذه المنظومة تربة تنتج الإرهاب كل يوم، وهو إرهاب لا تنقصه الوسائل في الوصول إلى غاياته رغم التعارض الرسمي مع سياسة الدولة.
إغلاق حلقة الإرهاب
تقوم الأنظمة العربية المستبدة، المسيطرة أمنياً وعسكرياً، في سورية والعراق عبر ميليشيات محلية وطائفية مستوردة، بإغلاق الطريق أمام أية سيرورة تحول ديموقراطي سلمي وهادئ، وتكمل المهمة المنظومة الدينية، التي لها وجود رسمي في دولة هامة كالسعودية مثلا، باعتبار الجهاد هو الشكل الوحيد الممكن، حيث تصبح معركة الشعوب هي الموت من أجل عالم الخلود بدل البحث عن التغييرعلى الأرض، ولأن المنظومة الإرهابية أو المتطرفة لا تمتلك القدرة على وضع برامج تنفذ على أرض الواقع ولا تنال بالأساس ثقة أغلبية الناس، فهي تقود الناس إلى الهزيمة وإلى قبول الاستبداد من جديد، وهكذا يتم إغلاق الحلقة الجهنمية بتعاون الاستبداد والديكتاتورية والتطرف الديني.
كسر حلقة الإرهاب
إن كسر حلقة الإرهاب في سورية ممكن، ولكن ليس فقط بالضغط على قطر لوقف دعم الإرهاب والتطرف، وإنما بتجفيف جميع منابع الإرهاب المادية وضرب مرتكزاته ومحاصرته، ومنعه من الوصول إلى الأرض السورية، وذلك باشتراك جهود جميع المؤمنين بالتغيير السلمي الديموقراطي في سورية، إنما ليس دون دعم أممي يتصدى للمهمة المزدوجة، محاربة الإرهاب والضغط بكل الوسائل الممكنة على النظام الأسدي، لإجباره على قبول عملية الإنتقال السياسي، وإلا فإن أجيالاً أخرى ستخضع للإستبداد من جديد.
“تيار مواطنة” 19.06.2017