بيان تيار مواطنة : بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان
لقد شكّل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أول وثيقة حقوقية تم التوافق عليها دولياً عام 1948، وأصبحت المرجع الذي تستند إليه أفعال الدول والمجموعات.
مرً الإعلان وما يزال يمر بمراحل شاقة من العمل، من أجل تجسيد روحه في ممارسات الدول والمجموعات ومازال البحث جارياً عن إيجاد وسائل و إجراءات تضمن تطبيق الحقوق التي تَوافقَ عليها المجتمعُ الدولي في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو ما انعكس في مئات المؤتمرات والنشاطات، بل تم توقيع العشرات من الاتفاقيات التي تعكس ماهيته.
لقد شكل الإعلان المعيار المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم، وهو يحدد وللمرة الأولى حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالمياً، وقد جعلت منظمة الأمم المتحدة تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها غرضاً رئيساً ومبدأً توجيهياً أساسياً لعملها، وصاغت لها
قوانين ونظم كي تتلافى خضوعها للدبلوماسية والسياسة الدولية.
لقد رسخ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مبدأ عالمية حقوق الإنسان وعدم تجزئتها، وأكد على أن الحقوق الأساسية والحريات الرئيسية متأصلة لدى كافة البشر، وهي غير قابلة للتصرف، وتنطبق على الجميع في إطار من المساواة، لكن وعلى الرغم من تأكيد المجتمع الدولي مراراً على أهمية تعزيز هذه المبادئ باعتبارها من أهم مقاصد الأمم المتحدة، وأن حقوق الإنسان والحريات الأساسية هي حقوق يكتسبها جميع البشر بالولادة، وإن حمايتها وتعزيزها هما المسؤولية الأولى الملقاة على عاتق الحكومات، فإن هذه المبادئ قد تعرّضت سابقاً، وتتعرض الآن لهزات سياسية عنيفة، هزّت مصداقيتها بشدة، وأضعفت من قدرتها على تعزيز منظومة حقوق الإنسان كمنظومة بديلة لانتهاكات حقوق الإنسان والإفلات من العقاب.
لقد شكّل تعامل المجتمع الدولي مع قضية انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا أنموذجاً صارخاً لضعف المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، والتي لم تستطع العمل لا على المستوى الحكومي، ولا حتى على مستوى المنظمات والنشطاء في وقف الانتهاكات أو التخفيف منها، فقد أخفق المجتمع الدولي عبر الحكومات والمنظمات والأحزاب مراراً في تجسيد وتنفيذ القرارات الصادرة عن المفوضية السامية أو عن مجلس الأمن الخاصة بالانتهاكات الموثقة، وربما ليس آخرها عجز المنظومة الحقوقية الدولية عن محاسبة النظام السوري لاستخدامه الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً في غوطة دمشق وفي إدلب.
إن محاولة بعض الدول ومنها روسيا تكريس مبدأ إفلات المجرم من العقاب، والدفع باتجاه إعادة تأهيل نظام الأسد بدلاً من عقابه، والعمل على تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة أو تعطيل قرارات مجلس الأمن وتوصيات المفوضية السامية لحقوق الإنسان فيما يتعلق بالانتهاكات الواسعة التي يقوم بها النظام السوري والمليشيات المتحالفة معه، يظهر بشكلٍ جلي أن حقوق الإنسان لا يُمكن بحال من الأحوال الوصول بها إلى مستوى المصالح السياسية والاقتصادية من حيث الأهمية والتأثير في السياسة الدوليّة.
ومما لا شكّ فيه أن تعاطي المجتمع الدولي الخجول والمخزي مع ملف الانتهاكات الخطيرة التي تجري في سوريا بصورة علنية ومعلنة، سيترك آثاراً عميقة على الأجيال القادمة، والتي لن تكون قادرة على الإيمان بمصداقية القانون الدولي لحقوق الإنسان وفعاليته، وستضعف أي جهود لإعادة نشر ثقافة حقوق الإنسان في سوريا والمنطقة.
إن حجم الدمار الشامل والانتهاكات التي يقوم بها النظام والمجموعات المسلحة في سوريا والتي شملت استخدام الأسلحة المحرمة الدولية والتهجير القسري، والانتهاكات التي ترتقي إلى جرائم الإبادة الجماعية كالحصار المطبق على بعض المدن كالغوطة، والاستمرار في رفض كشف مصير المعتقلين والمغيبين قسراً ومنع وصول المساعدات إلى المناطق المحاصرة واستخدام القصف الجوي والمدفعي للمناطق السكنية واستخدام المدنيين كدروع بشرية ومنعهم من الخروج من مناطق النزاع هي من الجرائم التي يعاقب عليها القانون الإنساني الدولي.
لقد فشل المجتمع الدولي حتى الآن في حماية حقوق الإنسان في سورية ومناطق أخرى من العالم وهذا ما يجعل هذه المنظومة الدولية تعاني ضعف المصداقية بالرغم من أن الخطاب والممارسة في رصد حقوق الإنسان قد أصبح لهما بلا شك جذور متأصلة.
وفي حين أن العمل البسيط المتمثل في المناشدة و رصد الانتهاكات وتسميتها بأسمائها الصحيحة وحث الدول والمنظمات على تمثل واجباتها أمر غير كامل، فإن له قوة لا يمكن إنكارها
وأمام همجية بعض الأنظمة وبدعم بعض القوى الكبرى التي تعتبر مصالحها القومية فوق حقوق الإنسان فإن ظهور النزعات الإرهابية سيجد الأرض الخصبة طالما لم ترد المظالم لأهلها.
إن تيار مواطنة يجد أنه بدون هذه النظم التي تتيح تتبع هذه الانتهاكات ورصدها، فإن الأمل في تحقيق العدالة والمساءلة سيكون أقل حظاً، وبدون بذل الجهود لجمع الأدلة والتعرف على السلوك الاستغلالي باعتباره انتهاكاً للالتزامات الدولية لن يكون للضحايا وسيلة للإنصاف.
١٠كانون الثاني/ ديسمبر ٢٠١٧
المكتب التنفيذي
تيارمواطنة
Mohamad almustafa
عاشت جميع شعوب الأرض حرة مستقلة