سوتشي هل هي طموح السوريين؟
سوتشي هل هي طموح السوريين؟
انتهت الأسبوع الماضي الجولة الثامنة من اجتماعات أستانا دون تحقيق أي تقدم حقيقي أو فعلي، وفي حين تستمر المعارك في مختلف المناطق المشمولة باتفاقات خفض التصعيد، فإن البيان الختامي لهذه الجولة أكد على تعزيز نظام وقف إطلاق النار وضمان العمل الناجع لجميع اتفاقيات مناطق خفض التصعيد الأربع بإنشاء آلية خاصة بوقف اطلاق النار، وتأمين وصول سلس للمساعدات الإنسانية، وقيام الدول الضامنة الثلاث بتنظيم مجموعة العمل الخاصة بالإفراج عن المعتقلين والمخطوفين وتبادل الأسرى وتحديد هويات المفقودين. ذلك إضافة إلى تأكيد الوفود المشاركة على التعاون من أجل القضاء على الإرهاب المتمثل في “داعش “و”جبهة النصرة” على أن يتم الفصل عن مجموعات المعارضة المسلحة الأخرى.
ورغم دعم البيان الختامي لاستانة للعملية السياسية من منطلق التطبيق السريع لكل الخطوات المتفق عليها في قرار مجلس الأمن 2254، ودعم رغبة المجموعات المسلحة في المشاركة في اجتماع جنيف القادم، فإن ما يجري السعي الحثيث إليه، بعد اجتماع استانة الأخير،هوالتحضير ل “مؤتمر الحوار الوطني” في سوتشي برعاية الدول الثلاث الضامنة روسيا وتركيا وإيران، والمزمع عقده بين 29 و 30 كانون الثاني، في محاولة لتعزيزالنفوذ الإقليمي للدول الثلاث وتصوراتها للحل السياسي في سورية.
على الرغم من قرب موعد انعقاده، لايزال هناك الكثير من الغموض والالتباسات المتعلقة بهذا المؤتمر، سواء من حيث أجندته، أو من حيث قائمة المشاركين النهائية فيه والمتوقع أن تضم حوالي 1500 شخص. ما تم الإعلان عنه أن المؤتمر سيفضي إلى صياغة مشروع دستور تُقام على أساسه انتخابات حرة، بالإضافة إلى تشكيل لجنة دستورية تكون بمثابة مصدر للتشريع حول كل المسائل، هذا في حين يتم تجاهل رغبة الأمم المتحدة في أن يكون سوتشي جزءاً من جنيف وداعماً له وهي نفس الرغبة عند بعض الدول العربية والأوربية وأمريكا، والربط بجنيف يعني الحديث عن انتقال سياسي وهيئة حاكمة كاملة الصلاحيات، الأمر الذي يعني طرح مصير الأسد على جدول الأعمال، وبناء على ذلك أعلنت معظم فصائل «الجيش الحر» والفصائل الإسلامية والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني بيانات رسمية ضد مؤتمر سوتشي، لكن «الهيئة التفاوضية» لم تصدر إلى الآن بياناً ضد المؤتمر ولا تزال تجري مفاوضات وتتلقى النصائح حول احتمال المشاركة، بينما لم يتردد النظام السوري عن الإعلان على موافقته المشاركة في المؤتمر، ويحاول دفع عدد كبير من الأحزاب المرخصة في دمشق للمشاركة، آملاً في تخفيض سقف المؤتمر.
إن الرعاية الروسية، والتي يربطها البعض بالرغبة بتحقيق نجاح يتم توظيفه داخلياً لصالح بوتين في الانتخابات القادمة، هذه الرعاية لا يمكن اعتبارها محايدة وراغبة بالتوفيق بين أطراف متنازعة، هي موضع ريبة وشك معظم السوريين بسبب الدور الروسي الشريك والداعم للنظام السوري، وفعلياً يهدف المؤتمر إلى سحب الملف السوري كاملاً وجعله في يد الروس، مع مراعاة مصالح الضامنين الآخرين الإيراني والتركي، ومصادرة القرار الدولي المتعلق بسورية وتشكيل مسار مواز ل جنيف 1 أوالالتفاف عليه وعلى قرار مجلس الأمن 2254.
لكن الرغبة الروسية بتحقيق خرق لجمود أو فشل المفاوضات بين النظام والمعارضة تواجهها عدة عقبات، فإضافة لعدم ضمان مشاركة ” هيئة التفاوض” المنبثقة عن اجتماع الرياض 2، ولعدم ضمان غطاء الشرعية الدولية، توجد عقدة التمثيل الكردي فالروس يرغبون بإشراك “الإدارات الذاتية” “قوات سورية الديموقراطية” في حين ترفض تركيا ذلك وربما تقبل بمشاركة “المجلس الوطني الكردي” الممثل في “الإئتلاف الوطني”.
إن مؤتمر سوتشي، وفق التحضيرات الجارية، لن يتعدى أن يكون أقرب إلى مسرحية، يهدف الروس من خلالها إلى حصد نتائج نجاحاتهم العسكرية والمحافظة على نفوذهم في سورية. ولكن إن أي حل في هذا البلد، وحتى يكون ناجحا يستلزم مشاركة أممية تعطية شرعية دولية، ومشاركة غربية حقيقية توازن الدور الروسي، وليس مشاركة قائمة على المراقبة فقط.
إن المشاركة غير المدروسة في مؤتمر، جل اهتمامه الابتعاد عن مسار جنيف1، تعني دعماً لما يهدف إليه المؤتمر من تعويم النظام السوري من جديد على المستوى الدولي، وتحقيق المصالح الروسية ومصالح الدول الضامنة دون تحقيق اختراق فعلي في مسار الحل السياسي. ورغم الخلل الحقيقي في موازين القوى نعتقد أن المكونات المعارضة السورية وخاصة “هيئة التفاوض” لاتزال تمتلك هامشاً سياسياً اقليمياً ودولياً، يعززه نجاحها في مؤتمر جنيف الأخير في إقناع المجتمع الدولي بتجاوبها مع جهود الأمم المتحدة ومبعوثها، هامشاً يسمح لها بعدم حضور مؤتمر يعني التفريط بتضحيات الشعب السوري دون أن تتعرض لضغوطات كبيرة.
“تيار مواطنة”
06.01.2018