متاهة الحل السياسي في سورية

متاهة الحل السياسي في سورية

لا تزال محاولات الخروج من المتاهة السورية مستمرة، دون وجود ما يؤشر على الاقتراب من خط النهاية. اللاعبون المحليون والإقليميون والدوليون يبدو أنهم قد أدمنوا اللعبة، وهم مستمرون في اللعب خاسرين أو رابحين، والسوريون المدنيون هم الخاسر الأكبر، فما إن ينعموا بفترة من الهدوء والأمان، النسبي طبعا، مثلما كان الأمر في اتفاقات خفض التصعيد الأربعة، حتى يقرر بعض اللاعبين استئناف محاولات تقوية مواقعهم وأوراقهم التفاوضية، وتستمر معادلات القوة العسكرية والحضور السياسي في التغير، جالبة الخسارة الأكيدة للسوريين بمزيد من الضحايا والمهجرين وبمزيد من تدمير المدن والمرافق التي تؤمن الحد الأدنى من سبل العيش.

لا نضيف جديداً إذا قلنا أن الخروج من هذه المتاهة ممكن فيما إذا توفرت الإرادة الدولية الحاسمة للدولتين الكبيرتين روسيا وأمريكا، وإن تصريح وزير الخارجية الامريكية تيلرسون عن بقاء الجيش الأمريكي في سورية ل” دحر داعش ومنع إمكانية عودتها“، كما حصل في العراق، وبهدف “منح الاستقرار الكافي لتمكين السوريين من الإطاحة بالأسد من منصبه ورفض النفوذ الإيراني“. يشكل نقلة هامة في الموقف الأمريكي، باتجاه موقف أكثر حسماً، بعد الانتهاء من مراجعة السياسة الأمريكية في الفترة السابقة. ومن المفهوم أن تعارض روسيا وتركيا وإيران والنظام الأسدي التوجه الأمريكي الجديد، لكن غير المفهوم هومعارضته من قبل “الإئتلاف الوطني” المعارض.

ما يمكن أن يساهم في خروج حقيقي من المتاهة ليس فقط إنشاء منطقة نفوذ أمريكية في شمال شرق سورية وتدريب ثلاثين ألف مقاتل، على أهميته، بل وضع ثقل الولايات المتحدة السياسي وثقل حلفائها في المنطقة، في مواجهة محاولة الاستئثار الروسية النشطة، بهدف ترجيح كفة الإنتقال السياسي بناءً على بيان جنيف 1 وما تلاه من قرارات للمنظمة الأممية، وربما قبل ذلك يتطلب الأمر حلحلة لمجموعة من التعارضات الحادة أولها التعارض بين دعمها لقوات سورية الديموقراطية والبيدPYD في سورية، وبين مراعاة مصالح حليفتها في الحلف الأطلسي تركيا، التي تبلور دورها في سورية أخيراً في الحد من الدور والنفوذ الكردي على حدودها، وحتى الأن يبدي الأميركان تفهما للمصالح التركية لكنهم يحثون الأتراك على التفرغ لمواجهة الإرهاب وعدم التدخل في “عفرين”، وفي الوقت الذي يحاول فيه الاتراك الحصول على موافقة الروس على العملية العسكرية المتوقعة ليس واضحاً بعد إن كانت الولايات المتحدة ستكتفي بهذا التنبيه للأتراك.

إن أحد عناصر المتاهة هو وجود “النصرة” في إدلب، وفي حين راهن البعض على دور ما لتركيا في حل المشكلة دون الوصول إلى مرحلة كسر العظم في مواجهة هذا التنظيم والحيلولة دون مزيد من الدمار والتهجير، لكن بعد الدخول التركي المحدود،لا يبدو أن تركيا قادرة، أو ربما لا تريد لعب هذا الدور فهو ليس من أولوياتها، رغم أهميته بالنسبة لحوالي مليوني سوري في ادلب.

التعارض الذي يبدو أنه يغلق هذه المتاهة، هو مشكلة النفوذ الايراني وهو النفوذ الأقرب والأكثر انسجاماً مع طبيعة النظام الأسدي، والأكثر إخلاصاً له ولرغبته في إعادة تأهيل نفسه على المسرح الدولي، وفي الوقت نفسه فإن النفوذ الإيراني ونفوذ تابعه حزب الله اللبناني هو الموضوع الأكثر استفزازاً لاسرائيل، التي يقر لها الكبيران أمريكا وروسيا بمشروعية إضعاف وتشتيت وإبعاد أي خطرعن حدودها، لكن السؤال يبقى أي هامش من النفوذ الإيراني المقلم الأظافر سيسمح به الأمريكان وبما لا يتعارض مع إجراء تغيير سياسي حقيقي في سورية؟

ويبقى التحدي الكبير،بعد انتهاء المعارك الكبرى مع داعش، حتى لو بقيت لها بعض الجيوب، هوالمتعلق بوجود “النصرة” في إدلب، هذا الوجود سيكون حائلاً حقيقياً أمام تكوُنٍ عسكري وطني سوري ليس ملحقاً بأحد الأطراف الإقليمية، وربما ستكون إدلب الخاصرة اللينة التي ستتسلل من خلالها الأطراف الاخرى مثلما يحصل في الأيام الاخيرة في محاولات النظام الأسدي اختراق مناطق المعارضة والوصول إلى مطار “أبو الظهور” وكذلك اختراق ريف حلب الجنوبي، أمام هذا الوضع يمكن القول أن الثقل السكاني والجغرافي الكبير للمعارضة السورية سيصبح تدريجياً أكثر هشاشة بسبب وجود وممارسات “فتح الشام” “النصرة” رغم محاولاتها المتأخرة لحل المشاكل مع الفصائل العسكرية الأخرى، بالمحصلة يمكن القول أن إدلب لن تكون موقعاً يمكن المراهنة عليه إلا في تأخيرمفاعيل الحلول السياسية فهي أيضاً أحد عناصر المتاهة الأكثر تعقيداً، إلا إذا افترضنا انسحاب أو ذوبان النصرة عسكرياً وسياسياً، أما المعارضة التي ستستطيع المحافظة على دور ما، فستكون إما الموجودة في مناطق السيطرة أو النفوذ الامريكي وإما الموجودة في مناطق سيطرة تركيا.

إن الخروج من المتاهة يحتاج إلى وقت، فحتى بعد النقلة الأمريكية الأخيرة، وحتى بعد اعتماد مبادئ الحل السياسي في سورية من قبل الدول الخمسة أمريكا وبريطانيا وفرنسا إضافة إلى الأردن والسعودية، ونية التفاوض على أساسها مع الروس، في اجتماع 26 يناير الجاري الذي يعقد في فيينا هذه المرة بدل جنيف، فإن الخوف أن يكون هذا الامتداد الزمني وقتا ضائعاً لمعارضي النظام السوري المرشحين لخسارات مستمرة في الغوطة وإدلب وريف حلب، في حين أن النظام الأسدي قد يكون أهم الرابحين.

مع ذلك فإن الدور السياسي لمختلف المكونات السياسية للمعارضه يجب أن يستمرعبر التمسك ببيان جنيف وماتلاه من قرارات دولية، وحتى لو شارك البعض في “سوتشي” فلا يجب جعلها محطة حاسمة فيما يخص الحل السياسي، وإن توجهات الأمم المتحدة والوسيط الدولي وأمريكا وأوربا تعتبر عاملاً مشجعا للمعارضة، فكلها ترغب أن يكون “سوتشي” محطة تسهل الوصول إلى مؤتمرجنيف أو فيينا لا أن تكون بديلاً عنه .

“تيار مواطنة”

20.01.2018

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة