عفرين و”غصن الزيتون”
عفرين و”غصن الزيتون”
تتناوب المناطق والمدن السورية السير على درب الجلجله، الغوطة ودوما وإدلب تترافق مع عفرين، لكن في الأخيرة تتكثف مجموعة كبيرة من عناصر الصراع والتعقيدات المحلية والإقليمية والدولية، الهامًة إلى درجة طلب فرنسا عقد جلسة خاصة لمجلس الأمن بشانها، لكن المتداخلة والمتصارعة بحيث ينتهي الاجتماع، الذي جرى في 22 من الشهر الجاري، دون أي قرارات ويتم الإكتفاء ب”دعوة تركيا الى ضبط النفس”. وبعد أن كانت عفرين واحدة من المناطق والمدن التي يتشارك فيها الكرد والعرب شعارات ثورة الكرامة والحرية والتخلص من الاستبداد، وكانت كلمتا “أزادي” و”الحرية” تتبادلان المواقع على لافتات المتظاهرين السلميين، أصبح الطرفان-على الأقل جزئياً- في خندقين متقابلين.
من يهمه الحرص على مصلحة الشعب السوري، بمختلف مكوناته، يجب عليه أن يعيد الاعتبار إلى مجموعة من الحقائق التي يجب الانطلاق منها، فأولاً : لا يمكن وضع إشارة مساواة بين ال”PKK” المصنف عالمياً كحزب إرهابي وبين “وحدات حماية الشعب” “PYD” الذي ليس له أية سوابق في الاشتباك العسكري مع تركيا، وبهذا المعنى تسقط حجة الأتراك في أنهم قادمون لمواجهة الإرهاب، وفق التصنيف الذي يضعون ضمنه “داعش” و “PYD”، فالأخيرعلى العكس من ذلك كان خصماً حقيقياً لداعش، عدوة الثورة السورية، رغم كل ما يمكن تقديمه من ملاحظات على سلوك “وحدات الحماية الشعبية” في مناطق سيطرتها، تجاه العرب والكرد، بسبب من نمطها الإيديولوجي والسياسي وممارساتها الاستبدادية.
وثانياً : إن وجود علاقات أو تقاطعات سابقة مع النظام السوري وتجديدها في إطار المصالح المتبادلة بين الطرفين في خضم الصراع الداخلي والدولي-رغم اتهامها مؤخراً بالخيانة من قبل النظام- كل ذلك لا يخرج “PYD” من خانة المعارضة، هذا في حين لا تزال القضية الكردية موقع جدل بين الثوريين السوريين الذين تعتقد أكثريتهم أن مفهوم “المواطنة” يكفي لحل المشكلة الكردية أومشكلة الأقليات القومية عموماً. لقد خلقت الثورة السورية بإضعافها للنظام السوري فرصة ذهبية للكرد ليخدموا قضيتهم القومية الخاصة، وليندرجوا في إطار العمل الوطني المعارض، لكن لأسباب عديدة منها مآلات الثورة السورية وتحولاتها، انصرف الاهتمام الكردي الاكبر عند “PYD” إلى قومي خاص،وأنشأ هذا الحزب لنفسه مجموعة من العلاقات الاقليمية والدولية وإلى حد ما المحلية، سمحت له بنفوذ عسكري وسياسي هام ومؤثر في الساحة السورية .
وثالثاً : هناك صراع تركي- كردي يخترق أحياناً الحدود السورية- التركية، حاول النظام السوري استغلاله سابقاً أيام الأسد الأب، وانتهى الأمر بصفقه على حساب حزب “PKK”. إن التخوف من ترابط الساحتين السورية والتركية عبر الكرد الموجودين فيهما هو ما دفع تركيا إلى شن حربها على عفرين متذرعة بمواجهة الارهاب، في حين أنها ببساطة تريد إضعاف النفوذ الكردي وفصل شرقه عن غربه، ومن المؤسف أن تركيا تعتبر أداتها في غزو عفرين ” الجيش الحر” أو ما تبقى منه، محاوٍلةً إسباغ عقيدة إسلامية تركية على توجهات المقاتلين العرب-السوريين، الامر الذي من جهة يزيد الشرخ الموجود بين الكرد والعرب ولكنه من جهة ثانية يضعف دائرة المتعاطفين مع تركيا، في حين أن تركيا تتحمل المسؤولية الأكبرعن إضعاف الجيش الحر في عصره الذهبي، وفي تسهيل مرور آلاف المتطرفين الإسلاميين الذين برعوا في تخريب الثورة السورية.
رابعاً: أوضح الغزو التركي لعفرين حجوم وأدوار اللاعبين الدوليين وتصوراتهم للحلول السياسية في سورية، فتركيا استطاعت الحصول على موافقة روسية، رغم التواجد الروسي في عفرين، واستطاعت الحصول على موافقة أمريكية رغم ما هو معروف من أن أمريكا هي الداعم الاكبر لقوات الحماية الشعبية، وذكرنا أعلاه موقف أو “لا موقف” المنظمة الأممية ، وحتى تاريخه تم الإكتفاء بتقديم بعض النصائح والتحفظات الغربية لتركيا وخاصة فيما يتعلق بعدم استهداف المدنيين.
أكثر من أي وقت مضى أصبح ضرورياً تصحيح العلاقة العربية-الكردية، ابتداء بإقرار الحقوق القومية المشروع للإخوة الكرد في سورية،مروراً بتصحيح أوضاع المناطق التي يسيطر عليها “PYD” لتصبح إدارتها من قبل وحدات محلية منتخبة، وانتهاءً بعدم السماح للتجاذيات الإقليمية باستغلال التفارقات القائمة، والعودة لمشروع الدولة الديموقراطية التعددية دولة المواطنة التي تسمح للجميع بالتعايش في وطن موحد من خلال إيجاد حلول توافقية مناسبة مثل الفيدرالية أوغيرها. وبانتظار ذلك فربما لا تستطيع الحملة التركية إكمال أهدافها تماماً، مع أن تراجعها أوانسحابها لا يبدوان مطروحين حالياً، وربما يصعب تصور وجود حل منفصل يخص عفرين، لكن الأمر الذي يبقى ملحاً في عفرين وفي كل المناطق السورية هو الحرص على المدنيين وسبل عيشهم في ظل الصراعات العسكرية، فتسمية الحملة باسم ” غصن الزيتون” لا يعني أنها لن تتسبب بضحايا ودمار إضافي، كل ذلك بانتظار نتائج مؤتمر فيينا الذي انتهى أمس الجمعة والذي يصفه بعض المراقبين بمؤتمر الفرصة الأخيرة، ولكن ربما الأهم هو انتظار أن ينجلي التوازن الدولي الروسي الأمريكي عن حل سياسي حقيقي يبدأ تطبيقه في سورية.
“تيار مواطنة”
27.01.208