سوريا لعبة شد الحبال، أو التفاهمات الدولية

بموازاة الهجوم التركي على عفرين، وعلى وقع المهرجان السيء التنفيذ والأداء في سوتشي، كثف النظام حملته العسكرية على ريف إدلب والريف الغربي لحلب، الغارات الجوية العنيفة، بل الأعنف منذ العام الماضي، استهدفت بلدة سراقب ومنطقة تل مرديخ وقرية تل السلطان وبلدة معصران وقرى برنان وفوران وآفس، فيما قصف الطيران المروحي بالبراميل المتفجرة منطقة أبو الضهور بالريف الشرقي لإدلب، وفي الوقت نفسه يستمر القصف على غوطة دمشق التي تعتبر هي أيضاً من مناطق خفض التصعيد.
هذا التطور اللافت، الذي يأتي متزامنا مع الهجوم التركي على بلدة عفرين وعشية توجيه الدعوات لحضور مؤتمر سوتشي، يدفع المرء لأن يفكر جدياً بالتكهنات حول وجود اتفاق أو مقايضة غير معلنة بين روسيا وتركيا، تسمح فيها روسيا لتركيا بدخول عفرين مقابل تغاضي أو تخلي الأخيرة عن إدلب المعقل الاخير لقوى المعارضة السورية، سواء منها المتربطة بجبهة فتح الشام أو المرتبطة بتركيا، هذه التكهنات ربما يكون لها ما يبررها، وخاصة أن ما يشبه ذلك حدث في حلب في أواخر 2016، وأثار الكثير من اللغط في حينه حول الدور التركي في تسليم حلب لقوات النظام، لكن في كل الأحوال لا يمكن الفصل بين هذا التصعيد وبين مؤتمر سوتشي الذي رفضته أغلب قوى المعارضة السورية الرسمية، باعتبار أنه يشكل التفافاً على بيان جنيف 1 والقرار 2245 الذي يقول أن الدستور والانتخابات من مهام الحكومة الانتقالية، لكن موسكو التي عولت علي سوتشي كثيراً لن تقبل أن يمر الرفض بسهولة، ويبدو أن اشتداد القصف على الغوطة وإدلب والريف الغربي لحلب يرسل إشارات تطمين لحلفائها وتهديد ووعيد لأعدائها.
مهما يكن الأمر فان عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا في إدلب وغوطة دمشق، والنزوح الجماعي الذي قدر بربع مليون جراء القصف والعمليات العسكرية، يزيدان من مأساة السوريين ويضعان كل الاتفاقيات والتفاهات الدولية والإقليمية في مهب الريح، بما فيها خاصة، اتفاقيات خفض التصعيد التي وقعت في إستانة تحت الرعاية الروسية التركية الإيرانية، وفي ذات السياق لا يمكن إعفاء النظام الدولي متمثلاً بمجلس الأمن، من مسؤوليته،عن استمرار قتل المدنيين وتشريدهم وتدميرالبنى التي تمكنهم من كسب قوت يومهم، وذلك بتجاهله لإقامة مناطق آمنة للمدنيين في سورية وإرسال قوات حفظ سلام تقوم بهذه المهمة.
لكن إن صحت التكهنات السابقة المتعلقة بالمقايضة التركية الروسية، وهي مرجحة- وإن لم يجر الإتفاق بشأنها بشكل مباشر- فان تركيا تكون قد تخلت عن إدلب لروسيا التي ستسعى إلى إنهاء هذه الجبهة المعقل الاخير في الشمال، كما فعلت في جبهة حلب، وبذلك تكون قد حسمت الأمر عسكرياً خلافاً لما كانت تدعيه أن لا حل عسكرياً في سورية، وسيأخذ الصراع منحى آخر بعيداً عن مقررات جنيف والقرارات الدولية ذات الصلة، التي تؤكد على التغيير السياسي عبرمرحلة انتقالية تفضي إلى إنهاء النظام الاستبدادي.
هذا التلاعب الإقليمي والدولي بمصير الشعب السوري لا يعفي المعارضة السياسية والعسكرية السورية من مسؤوليتها عن جزء مهم من هذه المأساة، فهي التي أهدرت وقتا طويلاً في إيجاد التوازن بين المرجعية الدولية المتمثلة ببيان جنيف 2012 وبين محاولة بلورة موقف يتماشى مع ميزان القوى على الأرض ويتماشى مع المصلحة السورية، وهذا الخلل يزداد يومياً دون التمكن من إيجاد نقطة توازن يمكن الاستناد عليها، بفعل الإعتماد الكلي على الدول الإقليمية التي غيرت مواقفها بحيث غدت قريبة من قبول إعادة تاهيل النظام السوري، دون أن تستطيع المعارضة الانفكاك عنها أو،على أقل تقدير، المحافظة على هامش تستطيع اتتحرك فيه وفق مصلحة قضيتها.
في الواقع إن تعقيدات المشهد السوري وتشابكاته مع المشهد الإقليمي والدولي لا تخفى على أحد، ولكن استمرار المعارضة في العمل وفق هذه الذهنية المستلبة للمصالح الإقليمية، ينذر بإخراجها نهائياً من دائرة الفعل السياسي والعسكري، وهذا ما سعت اليه موسكو بشكل أساسي في مؤتمر سوتشي.
من هنا لابد للمعارضة أن تجري مراجعة حقيقية لسياستها السابقة وتعيد ترتيب حلفائها وأعدائها من جديد، بمعنى أخر أن تحاول تغيِر قواعد اللعبة التي راهنت عليها لفترة طويلة، وماتزال إلى حد كبير، وبشكل خاص اعتمادها على القوى المتطرفة- تلك التي لا تنسجم مع ثورة الحرية والكرامة- في مواجهة النظام الأسدي الذي أجاد استغلالها وتجييرحركتها لمصلحته، وفق قواعد اللعبة الدولية، مما أفقد المعارضة المصداقية الضرورية وجعلها منفٍرة بدلا أن تكون جامعة لكافة أطياف المجتمع السوري.
من ناحية ثانية بعد التفاهمات التركية الروسية حول الملف الكردي وملف المعارضة، لابد من الحذر واتخاذ خطوات حقيقية  تجاه الانفكاك عن الهيمنة التركية، رغم الدور التركي المعروف في الإحتضان الإنساني للاجئين السوريين، لأن المصلحة السورية يجب أن تكون فوق أي اعتبار أخر.
أخيراً ورغم الإدراك العميق لتعقيدات المشهد السوري، ورغم القناعة شبه المؤكدة أن الوضع السوري قد تخطى الحدود الإقليمية وبات على طاولة الصراع الدولي، منذ زمن ليس قصيراً، إلا إننا نعتقد أن أساس الحل برتبط بشكل وثيق بقدرة المعارضة على الإمساك بمصيرها، عبر إجراء مراجعات حقيقية وتصحيحية لعلاقتها الملتبسة بالفصائل المتطرفة، ولإرتهانها للدول الإقليمية، ولعلاقتها مع جميع أطياف المجتمع السوري، بما فيها “حزب الاتحاد الديموقراطي”، وإن العمل الشعبي لكيانات مختلفه من المعارضين السوريين من أجل تعرية وإفشال مؤتمر سوتشي يثبت أن هذه الإمكانية هي أمر قابل للتحقيق.

“تيار مواطنة”

03.02.2018

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة