أين هم أصدقاء الشعب السوري؟

أين هم أصدقاء الشعب السوري؟

احتضنت تونس في 24 فبراير/ شباط 2012 المؤتمر الأول لأصدقاء الشعب السوري الذي شاركت فيه 70 دولة، وتلاه مؤتمر استنبول في ابريل/نيسان 2012 وكان عدد الدول 80 دولة، أما مؤتمر باريس الذي عقد في تموز من العام ذاته فقد تجاوزعدد المشاركين فيه المائة دولة، من الدول العربية ودول الاتحاد الأوربي وكلا من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية. ومع اقتراب دخول الثورة السورية عامها الثامن، لم يتبق من هذه الدول إلا ما يعد على أصابع اليد الواحدة.
خلال السنوات السبع المنصرمة أصبح المشهد السوري أكثر تعقيداً وأكثرعنفاً، وتحت عيون أصدقاء الشعب السوري، دمرت مدن وهجرت مدن اخرى، لم يتبق نوع من الأسلحة الثقيلة والمحرمة دولياً لم يستخدم ويجرب، من قبل النظام وشريكه الإيراني ولاحقاً الروسي،على بيوت وحقول ومشافي ومدارس السوريين، وكل ما استطاع أصدقاء الشعب السوري تقديمه هو الإدانة ومزيداً من الخيام والمقابر الجماعية، في حين تباهى الروس علناً بأنهم جربوا ما يزيد على ثلاثين نوعاً من الأسلحة في حربهم على الإرهاب- كما يزعمون- في سورية، وكأن أرواح ودماء السوريين حقل تجارب لتسويق بضائعهم القاتلة.
لقد كان لظهور داعش وغيرها من الفصائل المتشددة دور كبير في تبرير القتل الممنهج للشعب السوري وتهجيره، وخيرمثال هو مدينة الرقة، التي تم تحريرها فعلاً من داعش لكنها دمرت بمعظمها وتم إعلانها مدينة منكوبة بفعل ضربات التحالف. وهاهي إدلب اليوم تسيرعلى خطاها في التدمير والوحشية بحجة محاربة جبهة النصرة، وكذلك الغوطة، ثم عفرين بذريعة محاربةPYD ، الشعب السوري يتمنى الخلاص من داعش والنصرة، وقد تظاهر الكثير من أهالي المناطق التي يحكمها المتطرفون ضد ممارسات القتل والاعتقال بحق المواطنين والنشطاء، لكن هل يرغب أصدقاء الشعب السوري في خلاصه بمزيد من قتله وانتهاك كرامته، طالما هم صامتون أو يكتفون ببعض التصريحات وبإبداء مشاعر القلق؟ ثم يتشاكون ويتباكون مما يسببه لهم اللاجئون السوريون من ضغط وأزمات على دول الجوار والعالم متفاخرين بفضائلهم وأعطياتهم؟.

لا يمكن، بالطبع، تحميل أصدقاء الشعب السوري وحدهم المسؤولية فيما آل إليه الوضع في سورية، ففي السياسة توجد المصالح لا الصداقات. وفي مقابل إجرام النظام ووحشيته والدعم الإيراني والروسي المستميت عنه، فشلت المعارضة السورية في أن تكون جامعة وجاذبة لأطياف الشعب السوري كلها، كما أنها لم تستطع أن تجيد اللعب، في الحقل السياسي، بما يخدم القضية السورية، وبدل أن تكون علاقتها مع الدول قائمة على الإستفادة من تعارض المصالح الإقليمية والدولية بما يخدم القضية السورية، ويحقق مطامح الشعب السوري، فقد تحولت أغلب كيانات المعارضة إلى وسيلة تخدم مصالح هذه الدول.

الهيئات السياسية والعسكرية المختلفة، التي تشكل المعارضة السورية بمجموعها، تتبنى خطاباً سياسياً متنوعاً، لكن التنوع هنا أسهم في إضعاف الجميع واستلابهم من قبل داعميهم، وربما الأهم من ذلك، أنه أبعدهم عن شعبهم، فقد فرض الداعمون لا أن تكون الأولويه فقط لمواجهه داعش والإرهاب- وهي أولوية لا يمكن التشكيك فيها- بل أنهم، في سياق تلك المواجهة، دفعوا إلى الوراء بالقضية الأساسية، قضية إسقاط النظام. وحتى تاريخه تنقلت الهيئات المنبثقة عن المعارضة السياسية من مؤتمر إلى آخر دون أن تستطيع فرض التفاوض المباشرمع النظام، وكان مؤسفاً أن يفوض أحد كيانات المعارضة، في مؤتمر سوتشي دولة أخرى للحوار باسمه.

منذ عام 2016 تراجعت المساحة التي كانت تسيطر المعارضة عليها، وبدأت تفقد، مؤتمراً بعد آخر، أوراقها التفاوضية الضاغطة، ولم تتنبه بشكل أو بأخر أنها هي بحد ذاتها أهم ورقة تفاوض وضغط، وأن المجتمع الدولي يحتاجها، ولم تجد استخدام هذه الميزة، حتى غدت هشة ممزقة، تصدر بيانات ومواقف متناقضة تعكس انقساماً واضحاً، في الوقت الذي يقتضي الأمر توحدها أو تقاربها في الحد الأدنى .

ونحن نقترب من العام الثامن للثورة تتراجع ثقة الشعب السوري بالمعارضة من حيث قدرتها على الدفاع عن قضاياه، لذلك فإنها اليوم مطالبة بإعادة النظر في تحالفاتها وبتصحيح علاقتها بالشعب السوري، كما تحتاج إلى إعادة تقييم دورالأصدقاء الذين وقفوا مكتوفي الأيادي أمام المجازر الجماعية التي مورست على الشعب السوري، وأخيراً إلى إعادة الإعتبار للحقيقة التي تقول أن النصير الاقوى للشعب السوري هو هويته الوطنية الجامعة التي ستتحقق في مجتمع حر وديموقراطي وأن الأصدقاء الحقيقيين هم من يدعمون هذا المشروع.

“تيار مواطنة”

10.02.2018

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة