هل تغيرت قواعد الاشتباك في سورية ؟

 

هل تغيرت قواعد الاشتباك في سورية  ؟

تتدحرج الأحداث في سوريا نحو مزيد من التصعيد بعد فشل  مؤتمر سوتشي في تحقيق أهدافه، والقصف الجنوني لمناطق الغوطة الشرقية وريف إدلب، واسقاط الطائرة الروسية على يد مقاتلي هيئة تحرير الشام وقتل طيارها، أضف إلى كل ذلك قصف التحالف الدولي لقوات النظام وميليشياته في دير الزور، ومقتل مائة جندي اثر محاولاتهم العبور الى شرق الفرات إثر إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن استراتيجيتها حيال الملف السوري التي تقضي بقاءها في شرق الفرات حتى انجاز الحل السياسي، والتي قد يكون أحد عناصرها تحجيم الوجود الإيراني-المسيطر على معظم الصحراء السورية-على الأرض، وهو ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون في عمان للتأكيد على الاستراتيجية التي أعلنتها الدول الخمس في تصورها “اللاورقة” لحل سياسي في سورية.

إن القصف الذي نفذه التحالف الدولي قد يكون تعبيراً عن التنفيذ الفعلي للسياسة الأمريكية الجديدة، وهو بهذا المعنى يعتبر رسالة جدية متعددة المعاني لجميع الأطراف على الساحة السورية حتى للأتراك بعد معركة “غصن الزيتون” في عفرين، وبعد تهديد الجيش التركي بدخول منبج ومواجهة القوات الأمريكية المتواجدة هناك.

لكن خلط الأوراق وتغيير قواعد الاشتباك، أصبح مطروحاً بعد إسقاط طائرة إيرانية بدون طيار من قبل سلاح الجو الاسرائيلي، واسقاط دفاعات النظام الأسدي هي الأخرى طائرة اسرائيليةF16   للمرة الأولى منذ 36 عاماً، طبعاً كانت القوات الإيرانية وميليشيا حزب الله ومواقع النظام الاسدي تتعرض قبلها لقصف متكرر اعتماداً على الخطوط الحمر التي وضعها الاسرائيليون وهي عدم السماح بوصول أسلحة من ايران الى سوريا ولبنان وما يرتبط بذلك من إقامة قواعد عسكرية أو دعم تصنيع السلاح أو تهديد الحدود الشمالية.ومما يجدر ذكره أن رد الفعل الاسرائيلي كان متناسباً مع التصور الاسرائيلي لتغيير قواعد الإشتباك فقد تم تدمير 50 % من الدفاعات الجوية السورية وتم قصف 12 هدفاً عسكرياً في الداخل السوري منها 4 أهداف عسكرية إيرانية.

هذا في حين أن التصور السوري الإيراني لتغيير قواعد الإشتباك يعني، إعلامياً، الإستعداد لمواجهة اسرائيل والمبالغة في أهمية إسقاط الطائرة الاسرائيلية، لكن بالمعنى الفعلي يدرك الطرفان السوري والإيراني محدودية قدراتهما وعدم قدرتهما على تحد حقيقي للعسكرية الاسرائيلية، وبالأخص يدركان ضرورة تقوية مواقعهما في الداخل السوري الذي ينتظر حلاً ما سيشهد على الأغلب المزيد من تحجيم الوجود الإيراني من قبل الروس والأمريكان كل على طريقته.

هذا في الجنوب أما في الشمال فيوجد أيضاً ما يدل على جدية محاولات تغيير قواعد الاشتباك بعد التدخل التركي في عفرين، بمعنى استعداد الاتراك للجلوس على الطاولة في أي حل مستقبلي، واشتراط خروج الجيش التركي بانسحاب الجيوش الاخرى، رغم أن هاجس أردوغان الرئيس- وليس الوحيد – هو تفكيك الحزام الكردي على طول الحدود، مقابل إطلاق يد النظام وحلفائه في ادلب وريفها، وفي هذا الإطار جاء القصف والتقدم الأخيرللنظام في إدلب وتمركز النظام في مطار أبو الضهور.

يلاحظ المتتبع للسياسة الروسية حجم الإصرارعلى إفشال مسار جنيف، ومحاولة خلق بدائل عنه بتبني بعض الإصلاحات الدستورية والقبول ببقاء الأسد وتعويمه كما حصل في اتفاقيات استانة ومؤتمر سوتشي، رغم التأكيد الروسي المعلن أن استانة وسوتشي ليستا بديلتين عن جنيف والقرار الدولي 2245 بل هما داعمتان له .
إن فشل مسار سوتشي، أو على الأقل عدم تناسبه مع التوقعات المأمولة منه، دفع الرئيس التركي إلى الإعلان أن سوتشي 2 ستعقد في استنبول، ويبدو بأن الثمن هو مزيد من إطلاق يد الأترك والعبث في منطقة عفرين، والتي لم تستطع الحملة عليها، حتى الآن، تحقيق أهدافها رغم القصف الجوي والمدفعي وسقوط المئات من القتلى والجرحى .
إن المعارضة السورية مدعوة إلى التحلي بالمرونة السياسية والصلابة المبدئية، والتمسك بمسار جنيف التفاوضي على أساس القرارالدولي 2254 وتشكيل هيئة حكم انتقالية مهمتها صياغة الدستور وإجراء الانتخابات، كما عليها عدم التفريط بموقعها وبما تمثله من التفاف ودعم دولي، وعدم الموافقة على أية مسارات أو مؤتمرات بديلة كسوتشي أوغيرها، والعمل على إنتاج خطاب وطني جامع يقر بحقوق مكونات سورية القومية والدينية في دولة المواطنة، بعيداً عن الانعزال و الطائفية الجهوية، وعن الأجندات الخارجية التي تتحكم في قرارها الوطني المستقل عبر المال والدعم العسكري واللوجستي.

“تيار مواطنة”

17.02.2018

 

 

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة