إذا كان انتصاراً فهو مخزٍ

وقال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، زيد رعد الحسين، إن ادعاءات الحكومة أنها “تتخذ كل الاجراءات لحماية سكانها المدنيين” كانت “سخيفة بشكل واضح“.
وأضاف أن الناس في الغوطة الشرقية يواجهون “نهاية يقصدها ويخطط لها وينفذها أفراد داخل الحكومة، بدعم كامل على ما يبدو من بعض مؤيديهم الأجانب، ومن الملح تحويل مسار هذه الكارثة، وإحالة سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية“.

إذا كان انتصاراً فهو مخزٍ

يحبس السوريون أنفاسهم بانتظار معرفة مصير الغوطة، أنصار الثورة والتغيير لا يجدون في الغوطة من يعبر عن مشروعهم، مشروع الحرية والكرامة على الأقل بصيغته العامة، لكن انتصار الطاغية يغيظهم، ينتظرون شيئاً ما لا يحدث وربما لن يحدث. قرار مجلس الأمن2401، الذي ظهر للنور بعد ولادة عسيرة، تم إفراغه من مضمونه بيسر وسهولة، وحوله الروس ببراعة إلى خمسة ساعات لخروج المدنيين وبقية الوقت لقتل من لم يخرج مدنيا كان أم عسكرياً، ولم يعد هناك أية قيمة لاتفاقات خفض التصعيد، والقوة العسكرية التي قبل الروس إشراكها في المفاوضات في “استانة” “جيش الإسلام”، القوة الأكثر أهمية في الغوطة، فقدت صفة الاعتدال بنظر الروس وأصبحت مثلها مثل جميع المسلحين وما أصبح مطروحاً عليها هو فقط الخروج الآمن.

الدول الغربية الكبرى، من جهتها أيضاً، لا ترغب بسقوط الغوطة، ليس حباً ب”جيش الاسلام” ولا بالمدنيين العالقين بين الجوع والموت، ولكن كرهاً بالأسد وداعميه الروس والإيرانيين، ولعدم السماح بالمزيد من تقوية المواقع الروسية في سورية، لكنهم يعلمون، وهذا ما صرح به بعض المسؤولين الغربيين، أن خياراتهم محدودة وأنه قد فات أوان التدخل الفعال الذي كان مطروحا عام 2013.

الأمم المتحدة العاجزة عن الفعل، على الأقل بسبب الفيتو الروسي، لا يبدو أنها مرشحة لدور أكثر أهمية من إصدار بعض القرارات التي لا توجد آلية لتنفيذها، لذلك ستكتفي بالتنديد والتلميح إلى تحويل النظام الى محكمة الجنايات الدولية خاصة بسبب استخدامه للسلاح الكيميائي.

الدول العربية، التي لعبت بالتناوب دور عراب دعم المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً، بدا وكأنها سحبت يدها وخرجت من اللعبة. تركيا، أحد العرابين أيضاً، قلصت اهتماماتها بالوضع السوري إلى مواجهة وإضعاف النفوذ الكردي القريب من حدودها. وحدها اسرائيل تبدو الأكثر حماساً في مواجهة النفوذ الإيراني في سورية، تلك المواجهة التي تتخذ حتى الآن شكل ضربات متفرقة، وليس واضحاً بعد آفاق وحدود تلك المواجهة، التي تحظى بالدعم الأمريكي والقبول الروسي، ربما بانتظار الوصول الى حسم التعامل مع الاتفاقية النووية مع ايران.

الخروج الآمن للمسلحين أمر يتعلق بحسابات عسكرية، وقد يكون مفهوما طرحه من صديق أو عدو، أما خروج المدنيين فهو أمر يخرج عن كل عرف قانوني أو اخلاقي، وهو أقرب ما يكون إلى سياسات التهجير الستالينية، كما أن حرب الإبادة والأرض المحروقة لا يبررها وجود بضعة مئات من المقاتلين المتطرفين، كما صرح أخيراً مفوض حقوق الإنسان للأمم المتحدة، إبان محاوله أخرى لمجلس الأمن، على الأغلب لن تسفر عن جديد، لبحث آليات تطبيق القرار 2401.

السوريون العالقون في الغوطة يرغبون بحياة هادئة بعيداًعن ضجيج الحرب، هم يفضلون البقاء في بيوتهم بعدما شاهدوا ما حدث لأهالي المناطق المهجرة التي لم يسمح لسكانها بالعودة اليها بعد، وهم يتخوفون في حال خروجهم إلى مناطق سيطرة النظام من أن تنالهم يد القمع والاعتقالات فمن السهل أن يكونوا متهمين ومدانين طالما كانوا في مناطق خارجة عن سيطرة الأسد، لكن الأمل بحياة طبيعية لأبنائهم قد يدفعهم للخروج من هذا الجحيم باي شكل كان، إن استطاعوا الى ذلك سبيلاً.

وفي عفرين يعاني المدنيون من ويلات الحرب التي تطال المدنيين، فيلجؤون إلى وسط المدينة هرباً من الأرياف التي سيطر عليها الاتراك، وهم يعانون الأمرين سواء فكروا بدخول المناطق التي يسيطر عليها النظام، حيث تفرض عليهم خوة كبيرة، أو تركزوا وسط المدينة حيث تزداد ظروف الحياة صعوبة.

إن الوضع الذي أوصل النظام سورية إليه، هو أسوأ “انتصار” ممكن، وهو من الانتصارات الأكثر خزياً في التاريخ، وحتى لو تمكن النظام من هزيمة جميع معارضيه العسكريين والسلميين، فسورية التي ربما سيستمر في حكمها الأسد لبعض السنوات، هي ليست سورية التي نعرفها لا في الجغرافيا ولا في التاريخ ولا في البنية الاجتماعية، لذلك فإن حلم التغيير سيبقى حياً وسيجد طريقه إلى التحقق، ورغم كل الخسارات، سينتهي عهد الطغاة وستعود سورية وطنا لجميع أبنائها.

“تيار مواطنة”

10.03.2018

 

 

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة