في ضرورة الاجتماع الوطني السوري
في ضرورة الاجتماع الوطني السوري
ونحن نقترب من الذكرى السابعة للثورة السورية، التي تحولت إلى حرب أهلية وطائفية مكشوفة، فاقمتها التدخلات الاقليمية والدولية، ليصبح الوضع في سورية عاراً يلاحق الضمير البشري. مع ذلك لا يزال الغموض يلف حاضر ومستقبل المشهد السوري برمته، بما فيه الأدوار والخرائط المحددة لكل طرف، بحيث يجهل الجميع ما ينتظرهم، بمن فيهم الأطراف الفاعلة التي تساهم في صنع الحدث.
فسورية تحولت إلى مناطق نفوذ، بعضها ليس محدداً تماماً وهو قيد الحركة والتغير مثل منطقة النفوذ التركي شمال سورية التي وظيفتها الأساسية عزل شرق الفرات عن غربه وخاصة عفرين، وبعضها له درجة من الثبات كمنطقة النفوذ الامريكي في المنطقة الشرقية، ومنطقة النفوذ الروسية على الساحل السوري، أما مناطق النفوذ الإيرانية فهي تتشابك مع مناطق نفوذ السلطة الأسدية.
وفي معيار آخر للتقسيم تقسم سورية إلى مناطق “خفض تصعيد” لا يمكن المراهنة على استمرار الإلتزام بها، وغالباً من يتجاوزالاتفاقات المتعلقة بها هم رعاتها، فقد تم تحويل قسم كبير من الغوطة إلى منطقة نفوذ للنظام السوري، بما يتجاوز ضرورات مواجهة داعش والنصرة، والتهديد قائم والتحضيرات جارية لإنهاء صيغة “خفض التصعيد” في كل من درعا وإدلب وشمال حماة، تلك الصيغة التي اخترعها بوتين، مع شريكيه الإيراني والتركي، لاعتبارات وظروف تغيرت ولم يعد بحاجة إليها، بالطبع دون الجزم بأنه سيستطيع، ومعه النظام السوري، النجاح في هذه المهمة الصعبة بشكل كامل في ظل التوازنات الإقليمية والدولية.
وفي عفرين يزداد الأمر تعقيداً بعد التوغل التركي المشترك مع بعض الفصائل العسكرية الإسلامية أو المسماة “جيش حر”، وتندلع معارك كلامية وينتشرعنف لفظي وعنصري بين الجانبين العربي والكردي بما يوجه ضربة أخرى إلى مشروع التغيير المستقبلي في سورية، مشروع العيش في دولة المواطنة وحصول الكرد والأقليات على حقوقهم في سورية الموحدة، إن ممعارضة ممارسات البيدا PYD ونمطه الاستبدادي لا تعني القبول بدور خارجي له حساباته الخاصة التي تضعف الدور الكردي ولكنها لا تضعف دور النظام السوري، ورغم الكثير من الجعجعة الإعلامية للنظام فإنه قد تجنب المواجهة الفعلية مع الأتراك، تلك المواجهة التي ليس كفؤاً لها في جميع الاحوال، واكتفى بإرسال رمزي لبعض المجموعات غير النظامية، وربما هو في سره لا يمانع من إضعاف الكرد مراهناً على الاستفادة من هذا الإضعاف لاحقاً، ومن جهة اخرى فإن الموافقة الروسية على الدور التركي وفتح أجواء سورية أمام طيرانه تحجم الرفض السوري حتى لو كان حقيقياً. من هنا يبدو استنجاد البيدا PYD بالنظام السوري تعبيراً عن سوء فهم للمعادلات المفروضة، وهو من جهة أخرى خطأ ما كان ينبغي ارتكابه ويمثل الطرف المقابل لخطأ مشاركة بعض السوريين في دخول عفرين مع الأتراك ويصب في زيادة الفرقة بين العرب والكرد السوريين.
معركة الغوطة وجنوب دمشق لم تنته بعد لكنها تشهد استغلالاً بشعاً للحاجات الإنسانية الدوائية والغذائية، وتوظيفها في خدمة العمليات العسكرية، وذلك بحضور وشهادة بعض المنظمات الدولية، ورغم وجود اتهامات متبادلة بمنع المدنيين من الخروج، فقد ثبت استخدام المدنيين الخارجين من حمورية كدروع بشرية من قبل النظام. وفي النهاية تستمر طوابير اليائسين الخارجين من مدن مدمرة نحو مصير مجهول، دون الأمل بالعودة حتى لو خرج المسلحون منها، فما حدث في مناطق أخرى لا يبشر بالخير.
والمدنيون في عفرين أيضاً يدفعون الثمن بحجة ملاحقة عناصر”حزب العمال الكردستاني” وأيضاً بسبب تخوفهم من نتائج المعارك العسكرية أو ربما من حصول حالات انتقامية، فلا يجدون أمامهم غير النزوح في طوابير مشابهة لطوابيرالنازحين من الغوطة، في حين أن النظام لا يسهل لهم الدخول إلى أماكن سيطرته.
السنوات السبع العجاف التي عاشها الشعب السوري، بما فيها من قتل وتدمير واعتقال وتهجير أعادت الخوف، الذي تخلص منه السوريون في السنة الأولى للثورة، إلى القلوب، بجيث بدا وكأنهم افتقدوا حساسية الشعور بالتضامن مع أبناء شعبهم، لكنهم في الحقيقة مكبلون وعاجزون وبمجرد أن تفتح فرجة للحرية سيظهرون التعاطف الحقيقي وستبدو التعبيرات الشامته والعنصرية والمجردة من الأحسايس الإنسانية مجرد حالات شاذة.
إن تيار مواطنة إذ يرفض أن يتحقق الأمن القومي التركي على حساب الكرد وحقوقهم، وعلى حساب الشعوب الأخرى، لا يجد ما يستحق الترحيب أبداً في عملية السيطرة على عفرين، بل على العكس من ذلك فهي محل نقد وشجب حقيقيين، مثلما لا يجد أيضاً ما يستحق الترحيب في تقوية الفصائل الإسلامية السياسية والعسكرية وزيادة حصتها في سورية المستقبل، بل يجد ذلك ضد المصالح الحقيقية للشعب السوري التي تتمحور حول نظام سياسي يقوم على الخلاص من الاستبداد الأسدي بشكل حاسم وعلى قطع الطريق على دولة دينية.
قد يساعد التوافق الدولي في القضاء على الإرهاب وعلى إنتاج شكل ما من أشكال الحل السياسي لكنه لن يستطيع تحقيق الاجتماع الوطني وبناء دولة المواطنة الديمقراطية ما لم يعمل السوريون المؤمنون بهذا المشروع بجدية على حل مشكلاتهم والاستفادة من كل فرصة ممكنة من أجل إنجاز هدفهم .
“تيار مواطنة”
17.03.2018